بلومبرج: هل تمهد جائحة كورونا طريق الإصلاح في مصر؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت وكالة "بلومبرج" الأميركية تقريرا، سلطت فيه الضوء على تداعيات تفشي وباء كورونا المستجد في مصر، وضرورة أن يُسرع ذلك من فتح الباب أمام إصلاحات جذرية، والتي لا بد هذه المرة أن تتصف بالشمولية والمرونة والاستدامة، ولا سيما بالملف الاقتصادي.

وفي تقرير للوكالة كتبه تيموثي كالداس مستشار مخاطر مستقل وزميل غير مقيم في "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط"، قال: إنه في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة المصرية التخفيف من التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة الفيروس التاجي، بدأت في التخطيط للتعافي من الآثار المدمرة للجائحة على اقتصاد البلاد".

وأضاف أن "رئيس الوزراء مصطفى مدبولي شارك مؤخرا في ندوة حول الفرص والأولويات في حقبة ما بعد الوباء، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة أيضا للحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي".

زيادة الفقر

رغم أن خطة الإنقاذ الأخيرة لصندوق النقد الدولي والإصلاحات الاقتصادية التي تلت ذلك ساعدت على استقرار الوضع المالي في مصر وتأمين الوصول إلى اقتراض آمن للقطاع الخاص، لكنها فشلت في معالجة العديد من المشاكل الهيكلية التي حالت دون التعافي الاقتصادي المستدام، في وقت زاد فيه الوباء من إلحاح جولة جديدة من الإصلاحات، مع التركيز على الشمولية والمرونة والاستدامة.

تُشير الإحصائيات إلى أن مصر منذ عام 2016، تلقت مؤشرات عالمية إيجابية حيث ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل مطرد بأكثر من 5 بالمئة سنويا و كانت في طريقها للنمو 5.7 بالمئة هذا العام، قبل أن يداهم الوباء العالم بأسره>

إلا أن هذا النمو لم يكن شاملا، فقد أصبح ملايين المصريين أكثر فقرا، حيث ارتفع معدل الفقر من 27.8 بالمئة في 2015 إلى 32.5 بالمئة في 2018، وضرب الركود والتقلص القطاع الخاص غير النفطي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ضعف الطلب الاستهلاكي.

عقبة الجيش

استدل التقرير على فشل الإجراءات الحكومية، بالقول: إن "الحكومة قد اتخذت العديد من الإجراءات التحفيزية القائمة على الديون، لا سيما في البنية التحتية والإسكان، من خلال الشركات التي تُدار من الجيش المصري والأجهزة الأمنية، متبعة سياسة الإسناد المباشر بدون عطاءات".

وأشار إلى أن الشركات التابعة للجيش استفادت من امتيازاتها - مثل الاستبعاد من اللوائح والضرائب والجمارك المطبقة على الشركات الخاصة - للتوسع على حساب الجهات الفاعلة في القطاع الخاص، وقد أدت هذه الممارسات المناهضة للمنافسة إلى مزيد من الضغط على نشاط القطاع الخاص؛ لاسيما أن المستثمرين غالبا ما يترددون في منافسة شركات الجيش والكيانات الاقتصادية الكبيرة.

أدى فشل أجندة الإصلاح في تحقيق نمو شامل، إلى اقتصاد يفتقر إلى المرونة، بحيث اقتصرت مؤشرات النمو على عدد محدود من القطاعات، ومعظمها عرضة للصدمات الخارجية، ومنها السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر في البتروكيماويات وقناة السويس، والتي من المتوقع أن تنخفض جميعها بسبب الوباء والانخفاض الحاد في أسعار النفط، ثم إن هناك اعتماد مصر على المتداولين المتنقلين على المدى القصير الذين غادروا أسواق ديونها بطريقة دراماتيكية، بحسب التقرير.

ترتيب الأولويات

ونوه التقرير إلى أنه مع تراجع معظم قطاعات النمو في مصر ومصادر العملة الصعبة، فإن الطبيعة غير المستدامة للاقتصاد الذي سعت الحكومة إلى بنائه تتحول إلى ركود حاد، فقد يكون هناك إغراء من الحكومة لمضاعفة اعتمادها على الجيش كفاعل اقتصادي حيث يبدو القطاع الخاص أضعف من ذي قبل، لكن هذا سيكرر فقط الأخطاء التي أوصلت مصر إلى هذه النقطة الصعبة من عدم شمول أو مرونة النمو الاقتصادي.

وعلى الرغم من أنه في عام 2016، ادعى صندوق النقد الدولي أنه سيوفر اقتصادا أكثر شمولا بمشاركة أكبر للقطاع الخاص، وجذب الاستثمارات وتوسيع برامج الرعاية الاجتماعية، إلا أن الواقع كان أقل بكثير من التوقعات ولا يجب تكرار هذه الأخطاء، وفقا للتقرير.

وأكدت "بلومبرج" أنه إذا كان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي على حق في البحث عن فرص لإعادة توجيه المسار الاقتصادي في مصر، إلا أنه يجب أن يكون مستعدا لإعادة ترتيب الأولويات، بدءا من الالتزام ببناء اقتصاد شامل.

تلاعب بالميزانية

وللتدليل على الفرضية السابقة، ذكر التقرير أنه يجب أن يبدأ بالإنفاق الاجتماعي للحد من الفقر ورفع قوة الإنفاق الأسري، حيث تعد برامج التكافل والكرامة الاجتماعية الحالية بداية إيجابية، لكنها لا تغطي سوى حوالي ثلث المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، في الوقت الذي يجب أن يحصل كل مصري محتاج على المساعدة.

ولفت التقرير إلى أنه من المطمئن صدور تقارير توضح نية الحكومة المصرية زيادة الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية، التي تعاني من نقص في التمويل على مر العصور، ولكن من الضروري أن تكون الزيادات حقيقية وكبيرة، وليست إعادة تصنيف العناصر في ميزانيتي الصحة والتعليم لتضخم حجمها، المطلوب هو إعادة ترتيب أولويات الإنفاق نحو الاستثمار في رأس المال البشري في مصر.

وتابع: "كجزء من الدافع لتحقيق نمو أكثر شمولا، يجب أن تخضع جميع العقود الحكومية لعملية مناقصة تنافسية، ويجب على الشركات المشاركة أن تتعهد باستخدام الموظفين المسجلين وضمان قيام الشركات التي تتعاقد معها من الباطن بنفس الشيء، سوف يساعد هذا في مكافحة مشكلة القوى العاملة الضخمة غير الرسمية، ومن المؤكد أن الحكومة لا تستطيع التغلب على اعتمادها المفرط على الديون دون توسيع الاقتصاد الرسمي والقاعدة الضريبية للبلاد.

إيرادات الضرائب

في عام 2016، اختارت الحكومة، بتشجيع من صندوق النقد الدولي، زيادة الإيرادات الضريبية من خلال تطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة، وهي أسهل طريقة لزيادة الإيرادات بسرعة قبل الاقتراض الضخم المخطط له، إلا أن الضريبة الجديدة ساهمت في زيادة مستويات التضخم المرتفعة بالفعل وألحقت الضرر بالطبقات العاملة والمتوسطة.

وبحسب التقرير، فإنه إذا كانت الحكومة جادة في الإصلاح الاقتصادي فيجب عليها توسيع القاعدة الضريبية من خلال نظام ضريبي تصاعدي الأمر الذي يعتبر ضروريا لتحسن الاقتصاد، علاوة على ذلك، يجب أن تخضع شركات الجيش لنفس الضرائب التي تخضع لها شركات القطاع الخاص، ليس فقط لزيادة الإيرادات ولكن أيضا لصالح المنافسة العادلة، وينبغي أن يمتد هذا الإنصاف نفسه ليشمل جميع الأنظمة التنظيمية والجمركية.

واختتمت "بلومبرج" تقريرها عن الاقتصاد المصري في ظل أزمة كورونا بقولها: إن زيادة الإنفاق الاجتماعي والاستثمار في رأس المال البشري، إلى جانب فتح المجال للقطاع الخاص، سيساعدان في بناء اقتصاد في وضع أفضل لخلق فرص عمل وتحقيق نمو مستدام ومتنوع، وأن المزيد من رأس المال الذي يذهب إلى الشركات الخاضعة للضريبة سيساعد الحكومة على معالجة مشكلة عدم كفاية ضرائبها بشكل سلبي على الناتج المحلي الإجمالي، ويساعد على تقليل اعتمادها على المساعدات الدولية أو تمويل الطوارئ.