وكالة الأناضول.. صوت المستضعفين في الأرض وذاكرة حية لأحداث القرن

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 6 أبريل/نيسان 2020، أتمت وكالة الأناضول التركية عامها المئة، في ذكرى تأسيسها تأتي والعالم مليء بالأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية.

وتتبنى الوكالة سياسة التعامل الحذر مع المعلومة، ابتداء من لحظة حدوثها مرورا بآلية نقلها، ثم طريقة عرضها بشكل يمثل الحقيقة ويحرسها، وهي القيمة الأخلاقية والمهنية التي قررت الأناضول المضي فيها.

تأسست الوكالة في ظروف سياسية بالغة التعقيد، عقب الحرب العالمية الأولى، وأثناء خوض حروب الاستقلال التركية، ومثلت بالنسبة للقارئ والمتابع زهرة نبتت من بين ركام المأساة لتزوده بالمعلومة التي كان يفتقر إليها، وتنقل الخبر للعالم كما هو، لا كما يرغب أن يكون.

وكالة القرن

قبل مائة عام كلف مؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس وكالة الأناضول. اقترحت الاسم الأديبة التركية اللامعة خالدة أديوار، واقترن اسم الوكالة بذكرها، وشارك في تأسيسها الكاتب التركي الكبير يونس نادي.

ومنذ تأسيسها، مرت الوكالة بكثير من التحديات والمتغيرات التي اختلط فيها المحلي بالدولي، والأوضاع السياسية المضطربة التي انعكست على مكاتبها ومراسليها في عدد من البلدان.   

غير أن الوكالة وبالرغم من تلك التحديات، قررت الاستمرار وتمكنت من الحفاظ على مكانتها التي مثلت الموثوقية والحقيقة والمصداقية والدقة دعائمها الأربع، وروافعها التي اتكأت عليها في نقل المعلومة وتناول الخبر.

وبقدر ما كان تأسيس الوكالة في هذه المرحلة الحرجة تحديا قررت الوكالة قبوله، بقدر ما دلل على تطور أدوات المعرفة لدى الدولة التركية، في تلك الحقبة المبكرة من الزمان.

لم يكن من السهل على الوكالة اكتساب تلك السمعة الطيبة، والحفاظ عليها، وإقناع العالم بمهنيتها، وبأنها إحدى أفضل البدائل المطروحة، لولا المكانة التي اختارت أن تتبوأها، والقيم التي قررت تبنيها، والطريق الذي شقته لنفسها منذ تأسيسها في 1920، ليمثل لها هذا الإنجاز صفقة القرن، بنسخة تركية، سعت فيها لنقل الحقيقة، لا لمصادرة حق الآخرين.

ذاكرة غير مثقوبة

منذ عهد علاء الدين بك، أول مدير للوكالة بعد استقلالها المالي والإداري عام 1926، وحتى شينول قازانجي المدير الحالي والـ 26 للوكالة،  تواصل الأناضول مسيرتها، واضعة قدميها على أعتاب مائة ثانية، بخبرة صحفية، وتراكم مهني، وإرث معرفي، عمره 100 عام.

غطت الوكالة حروبا أهلية وعالمية، وتناولت أحداثا محلية ودولية، ورصدت متغيرات إقليمية، ابتداء بحروب الاستقلال التركية، ورصد تبعات الحرب العالمية الأولى، على تركيا والمنطقة، مرورا بتأسيس الدولة التركية الحديثة في 1923، والتحديات التي واكبت ظروف التأسيس.

ثم باندلاع الحرب العالمية الثانية، وتداعيات ذلك على "قوات الحلفاء" و"دول المحور"، وتأسيس الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وما تبع ذلك من أحداث مثيرة خلال الحرب الباردة، وانعكاسات تلك الحرب على المعسكرين الغربي والشرقي، وتأثيرات ذلك على دول عدم الانحياز.

كان ظهور النظام الدولي الذي نشأ في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي مؤذنا بتشكل العالم وصياغة تحالفات جديدة، وتعقيدات متعددة، انعكست على شكل أحداث متداخلة، تولت الأناضول مهمة تفنيدها وتفكيكها.

وبذلك، تخطت الأناضول مهمتها الصحفية في نقل الخبر إلى تحليله ومعرفة أبعاده، ثم حفظ الأحداث في ذاكرة تاريخية غير مثقوبة، لاستدعائها عند اللزوم، ووضعها في سياقاتها السياسية والاقتصادية.

وبالطبع فإن سلسلة الأحداث لا تنتهي، حيث بدأت مرحلة جديدة في تغطية ثورات الشعوب العربية وأخرى مضادة لها ما تزال ارتداداتها مستمرة حتى اللحظة، وليس انتهاء بالأزمة العالمية الحالية، إثر اجتياح فيروس كورونا الجديد لمعظم دول العالم، وتأُثيراته السياسية والاقتصادية.

كانت الأحداث السياسية والاقتصادية ونقلها للقارئ، هي وظيفة الوكالة الأولى، ومع تطور الوظيفة الصحفية والإعلامية، وسّعت الوكالة من مهامها وتناولت الأحداث بالتحليل وفقا لشبكة هائلة من المصادر السياسية والاقتصادية والعسكرية والطبية، التي كوّنتها أثناء مسيرة القرن المهنية.

تناولت الوكالة في أخبارها الأزمات الإنسانية من وسط إفريقيا وحتى أطراف آسيا، ومن قلب الشرق الأوسط وحتى أقصى أميركا اللاتينية، وكانت مع الإنسان، حيث أوصلت معاناته بكل الوسائل المكتوبة والمواد المرئية، وبكل الأدوات الإعلامية والمراسلين وقنوات البث المباشر.

من الفيضانات في أندونيسيا، وحتى الزلازل في هايتي، ومن البراكين في إيطاليا وحتى العواصف في الولايات المتحدة، غطت الوكالة تلك الأحداث والأزمات الاقتصادية والإنسانية الناتجة عنها.

وفي الوقت الذي وقفت عدد من  الوسائل الإعلامية مع الأنظمة الحاكمة أثناء ثورات دول الربيع العربي، اختارت الوكالة أن تنقل معاناة الشعوب أيضا، وتنقل صورة كاملة على نحو يتيح للمتابع قراءة المشهد، دون اجتزاء للصورة، ودفعت ثمن الحقيقة باقتحام مكاتبها واعتقال مراسليها في عدة بلدان، من بينها مصر والولايات المتحدة.

مصدر موثوق

كل تلك التغطيات والتقارير الصحفية والميدانية، يقف خلفها جيش من الكُتاب و الصحفيين على نحو عال من الكفاءة المهنية والفنية، يتجاوز 3 آلاف موظف ويحملون 124 جنسية وينشرون بـ13 لغة.

تزود الوكالة الأخبار لأكثر من 6 آلاف وسيلة إعلامية وصحفية، وتعد مصدرا موثوقا لمئات التقارير الصحفية اليومية التابعة لأهم المواقع والوسائل الإعلامية، بما فيها هذا التقرير، وتنشر نحو 2000 خبر بشكل يومي، بالإضافة إلى  2350 صورة، و435 مادة مرئية، و18 بثا مباشرا، و9 رسوم بيانية.

تدير الأناضول هذه العملية الهائلة عبر 41 مكتبا منتشرا في أكثر من 100 دولة، عبر دورة خبرية وتحليلية تشبه خطوط الإنتاج.

كانت سباقة في اختطاف الميزات التكنولوجية الحديثة في تطوير أدائها، فأسست منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتحصل على أكثر من 9 ملايين متابع، وبمعدل مشاهدات يبلغ 19 مليون مشاهدة شهريا، على موقعها الإلكتروني.

كما تمكنت من تزويد مشتركيها بالأحداث الساخنة والفعاليات الجارية حول العالم عبر قنوات بث مباشر، تصل إلى 18 بثا في اليوم الواحد.

وبمناسبة الذكرى المئوية، عملت الوكالة على تحديث مشروعها "anadoluimages.com"، الذي يمثل منصة لتوزيع المحتوى الرقمي العالمي، وأضافت إليه مليون مادة مرئية، لتوفر بذلك 8 ملايين محتوى مرئي، وأكثر من 7 ملايين صورة، لتغطية احتياجات أكثر من 6 آلاف وسيلة إعلامية، محلية وعالمية.

علاوة على ذلك، توزع الوكالة، من خلال خدمة "أخبار الشركات في الأناضول" النشرات على المؤسسات الإعلامية المتعاقدة مع الوكالة في عموم تركيا، بنفس اللحظة، عقب إعدادها.

الجدير بالذكر أن الوكالة تنتج ثلثي الصور، و40% من الأخبار التي تنشرها الصحف المحلية في تركيا.

كما تمتلك الوكالة منصة متخصصة بمتابعة ومراقبة التحليلات والتقارير والتطورات في الشركات الوطنية والدولية في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى منصة أخرى لنشر التقارير المالية المحلية والعالمية، وتوزعها على المؤسسات المتعاقدة.

في عام 2011، أسست الوكالة أكاديمية مختصة بتقديم الدورات التدريبية في كتابة الأخبار، واعتمدت مناهج تدريس تتعاطى مع التطورات في المجال الإعلامي، والتطورات في أدوات التكنولوجيا. 
 
وفي ذكراها المئوية الأولى تلقت وكالة الأناضول التهاني على امتداد الطيف الإنساني، من زعماء سياسيين، من بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الألباني إيلير ميتا، ومن سفراء عدة دول، ومن شعوب ومواطنين من بينهم أقلية الروهينغا المضطهدة في الصين والشعب التركماني في سوريا، ومن جاليات عربية.

كما تلقت التهاني من الإعلاميين من عدة دول، ووكالات أنباء بينها "تاس" الروسية، ومن مواقع صحفية من بينها صحيفة الاستقلال الناطقة باسم الشعوب العربية.