النظام السوري يصدر قانون "العفو العام".. لماذا لن يشمل معتقلي الثورة؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011، يصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد في كل عام مرسوما جمهوريا للعفو العام، إما لـ"الفارين" من الخدمة بالجيش أو السجناء، لكن السؤال الأهم: ما حقيقة تطبيق هذه القوانين ومدى استفادة المعتقلين منها؟.

بعد 6 أشهر من قانون أصدره في سبتمبر/ أيلول 2019، أصدر رئيس النظام السوري، في 22 مارس/آذار 2020، مرسوما تشريعيا يقضي بمنح "عفو عام" عن "الجرائم" المرتكبة قبل تاريخ إصداره، وذلك بعد مطالبات بالإفراج عن آلاف المعتقلين بسبب تفشي فيروس كورونا في سوريا.

ما الجديد؟

لا يختلف كثيرا المرسوم الحالي الذي تضمن 18 مادة، عن السابق الذي صدر في سبتمبر/ أيلول 2019، إلا أنه حذف المادة (303) والتي كانت تخص العفو الكامل عمن "يحرض" السوريين على حمل السلاح أو من يقتني أسلحة ومواد متفجرة.

كما أن القانون الحالي يشمل كامل العقوبة في الفقرة (2) من المادة (7) التي تنص على معاقبة بالأشغال الشاقة لكل من ارتكب "عملا إرهابيا"، بعدما كانت في القانون السابق تشمل نصف العقوبة عن مرتكبي الجريمة في الفقرة والمادة ذاتها.

وأضاف القانون الحالي، المادة (8) من "قانون الإرهاب" التي تنص على العفو عمن وزع مطبوعات أو معلومات مخزنة بقصد الترویج لوسائل "الإرهاب أو الأعمال الإرهابیة". لكن اللافت في المرسوم الحالي، كان في تقليص عمر المعتقل المُعفى عنه من 75 إلى 70 عاما.

ولا يؤثر "العفو العام" الحالي على دعوى الحق الشخصي وتبقى هذه الدعوى من اختصاص المحكمة التي تضع يدها على دعوى الحق العام.

وفي قراءة للمرسوم الجديد الذي أصدره نظام الأسد، قال المحامي السوري عارف الشعال: إنه يأتي "في سياق التدابير التي تتخذها الدولة لمكافحة جائحة كورونا، والتي تقضي بتخفيف تجمعات الأفراد لأقصى درجة ممكنة منعا لانتشار العدوى، حسب نصائح منظمة الصحة العالمية".

وبحسب تدوينة للشعال على "فيسبوك"، فإنه "لم يمض وقت طويل كاف على صدور العفو الأخير قبل ستة أشهر في 14 سبتمبر/ أيلول 2019 بالمرسوم التشريعي رقم (20) لعام 2019، يسوغ إصدار عفو جديد".

"ورغم عدم توفر أرقام رسمية للمستفيدين من هذا العفو كونها برسم وزارتي العدل والداخلية، ولكن عدد المستفيدين منه لن يكون كبيرا كونه شمل ذات الجرائم التي نصَّ عليها العفو السابق مع فروقات طفيفة"، وفق الشعال.

وأوضح المحامي السوري، أن "الجريمة الجديدة التي شملها هذا العفو هي التعامل بغير الليرة السورية المعاقب عليها بموجب المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013، حيث شمل العفو كامل العقوبة الجنحية، وثلثا العقوبة الجنائية شرط أن تكون الجريمة قد اقترفت قبل التعديل الأخير لهذا القانون في 18 يناير/كانون الثاني الماضي (2020) بالمرسوم التشريعي رقم (3) لعام 2020 الذي شدد عقوبة هذا الفعل كثيرا.

وأشار إلى أن العفو السابق كان يشمل ثلث العقوبة الجنائية فزادها إلى نصف العقوبة، كذلك الأمر بالنسبة لجرائم الأحداث. وكان العفو السابق يشمل ربع العقوبة الجنائية لجرائم المخدرات فزادها إلى ثلث العقوبة.

ورأى الشعال أن "العفو شمل كامل العقوبة المحكوم بها مبرما من بلغ السبعين من عمره. كما زاد المدة التي منحها للمتوارين عن الأنظار للاستفادة من العفو من 3 إلى 6 أشهر".

أما ماعدا ذلك فالعفو مطابق حرفيا للعفو السابق الذي صدر قبل 6 أشهر، بما في ذلك الملاحقين بـ"جرائم الإرهاب" أو الجرائم السياسية، ما يعني أن المستفيدين منه ستكون أعدادهم قليلة، وفق تقدير المحامي السوري.

وبخصوص المستفيدين من "العفو العام" الجديد، رأى المحامي السوري الناشط في مجال حقوق الإنسان، ميشال شماس، أن "المرسوم سيستفيد منه بشكل أساسي تجار المخدرات والقتلة والمهربون ومخالفو السير والمنقطعون عن العمل ومزورو السجلات الرسمية ومنتحلو الصفة".

وتابع شماس في تدوينة على "فيسبوك" قائلا: "أما المعتقلون على خلفية معارضة النظام فسيكون تأثير العفو عليهم ضيقا جدا، على اعتبار أن أجهزة الأمن غالبا ما توجه للمعارضين 3 تهم وأكثر، بحيث مهما يصدر من عفو لن يشمله. بالنسبة للمعتقلين في الفروع الأمنية ومراكز الاحتجاز السرّية، فإن تطبيق العفو عليهم يخضع لمزاجية الأجهزة الأمنية التي تحتجزهم".

"فخ العفو"

عقب إعلان النظام السوري قانون العفو العام، حذرت مراكز ومنظمات حقوقية سورية من الأهداف الخفية التي يسعى الأسد إلى تحقيقها من وراء إعلان المرسوم الجديد.

وقالت "هيئة القانونيين السوريين" في بيان موجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي: إن "عفو بشار الأسد يأتي في إطار سلسلة من القوانين والمراسيم المخطط لها روسيا بهدف شرعنة جرائم النظام وإظهار كل مَن انشق عنه أو نادى بإسقاطه على أنه مجرم، وإظهار النظام على أنه السلطة الشرعية التي تصدر التشريعات والمراسيم".

وأشارت إلى أن "الخطة الروسية هذه تهدف أيضا إلى إيهام السوريين والمجتمع الدولي بأن البيئة الآمنة المستقرة عادت إلى سوريا ولا خوف على حياتهم من بطش النظام وانتقامه، في محاولة لإعادة المهجَّرين إلى حضن نظام الأسد".

ووصفت "هيئة القانونيين السوريين" المرسوم الأخير بأنه "تضليل للرأي العام وإيهام للعالم كونه يشمل المعتقلين على خلفية مشاركتهم بالحراك الثوري، ولا سيما وأن مراسيم العفو السابقة التي أصدرها الأسد لم تشمل المعتقلين والمعتقلات تعسفيا منذ اندلاع الثورة".

ولفت البيان إلى أن وجود استثناءات في مرسوم العفو تبقي الباب مفتوحا لاتهام أي شخص قد يعود إلى نظام الأسد بالقتل والتعذيب وتسريب الوثائق أو التواصل مع دول لاحتلال سوريا وغيرها من التهم الجاهزة لكل من نادى بإسقاط النظام.

وفيما يخص موضوع العسكريين، اعتبرت الهيئة أنه "من الخطأ تصور العفو على أنه يشمل المنشقين عن النظام، بل قد يدفعهم ذلك إلى حبل المشنقة أو القتل رميا بالرصاص، لوجود مواد في الدستور تعاقب بالإعدام على جريمة الفرار".

وأوصت "الهيئة" السوريين والعسكريين المنشقين منهم على وجه الخصوص، بعدم الوقوع في "فخ العفو" لأنه "سيؤدي وبشكل حتمي إلى إعدام الكثيرين وتحويل آخرين إلى السجون أو الوحدات العسكرية للزج بهم في المعارك ضد المدنيين الثائرين".

"خرق فاضح"

وفي تحليل قانوني للعفو العام، أجراه قسم العدالة في "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" أكد أن مرسوم النظام السوري الجديد، لا يحمل في طياته أي جديد للإفراج عن المعتقلين، ولا يختلف عن المرسوم الأخيرة الذي صدر في سبتمبر/أيلول 2019.

ورغم إصدار الكثير من مراسيم العفو منذ العام 2011، لم يستفد منهم إلا عدد محدود من معتقلي الرأي، حيث أن النيابة العامة المتخصصة بمحكمة الإرهاب السورية، تعي جيدا فحوى هذه المراسيم، و بالتالي فإنها حريصة دائما على تضمين تهم تندرج ضمن قائمة الاستثناءات التي نص عليها هذا المرسوم وما سبقه من مراسيم العفو التي يصدرها الأسد، بحسب التحليل.

ونوه إلى أن المراسيم نفسها تراعي جيدا استثناء قائمة التهم التقليدية التي تصدرها محكمة الإرهاب وغيرها من المحاكم التي تختص بمحاكمة معتقلي الرأي والسياسيين، إضافة إلى أن محكمة الإرهاب قد امتنعت خلافا للقانون ضم العديد من المعتقلين لمراسم العفو رغم توفر الموجبات القانونية كافة لذلك في خرق فاضح لقانون أصول المحاكمات.

وأكد أن أعدادا كبيرة من المعتقلين في سوريا يحالون إلى محكمة الميدان العسكرية والتي تنعدم فيها شروط المحاكمات العادلة، إضافة الى أن الكثير منهم مختفون قسريا دون إحالتهم لمحاكمة عادلة، في سياسة منهجية تتبعها السلطات السورية.

وبيّن المركز السوري أن المعتقلين يقبعون في معتقلات تابعة للمخابرات السورية أو في مراكز احتجاز سرية وغير رسمية، لا يستفيدون نهائيا من هذه المراسيم التي أضحت تقليدية، وغالبا ذات هدف سياسي سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي.

وطبقا لآخر تحديث لسجلات توثيق حالات الاعتقال لدى "المركز السوري لحرية الإعلام و التعبير" فقد تجاوز العدد 90 ألف معتقل ومختف قسرا، ما عدا التقديرات التي تشير إلى أن الأعداد قد تجاوزت أضعاف هذا الرقم، رغم إصدار الأسد مرسوما جديدا، لا يختلف عن سابقيه إلا بتفاصيل صغيرة جدا، فإن وزارتي العدل والداخلية للنظام السوري، لم تصدر أية بيانات عن أعداد وفئات المستفيدين من مراسيم العفو المتلاحقة بما يوضح حجم المستفيدين من هذه المراسيم.

وفي السياق ذاته، شدد مازن درويش مدير "المركز السوري" في تصريحات صحفية على ضرورة إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي فورا، وإلغاء الاستثناءات المتعلقة بقوانين مكافحة الإرهاب وفتح كل السجون بما فيها مراكز التوقيف لدى أجهزة الأمن والمراكز السرية وغير الرسمية أمام المؤسسات الدولية والحقوقية المختصة.

وأكد درويش: "لا يمكن للجهات القادرة على الضغط على الحكومة السورية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام استمرارها في ممارسة الاعتقال والتغييب القسري والقتل تحت التعذيب كعمل ممنهج في سوريا، عدا عن ظروف اعتقال لا تراعي أدنى المعايير الحقوقية أو الصحية".