مخلفات مبارك.. هذا ما تركه من مآسي اجتماعية وتعقيدات سياسية

قالت مجلة أمريكية، إن موت الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، لا يعني أن مصر في وضع أفضل منذ ثورة 25 يناير 2011، فيما أوضح موقع بريطاني أن حكم مبارك والثورة ضده، وجميع المآسي التي أعقبت ذلك، ستظل بمثابة تذكير صارخ بما يمكن أن يكون عليه المستقبل في البلاد.
وأوضحت المحللة السياسية الأمريكية من أصل أسترالي دانيلا بلتيكا، أن الربيع العربي لم يكن لطيفا مع مصر، مبينة في تقرير لها نشر في مجلة "ناشونال إنترست" أن وفاة مبارك ومن ثم إقامة جنازة عسكرية له، والربيع العربي، أمور تشير إلى أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والعالم العربي خاطئة.
وأشارت الكاتبة إلى أن مبارك أبقى بإخلاص إلى حد ما على اتفاقات كامب ديفيد التي وقعها سابقه أنور السادات، وقاد سلاما مزعجا وباردا مع إسرائيل خلال فترة ولايته، لذلك، كان يتمتع بحوالي ملياري دولار سنويا من المساعدات الخارجية والعسكرية الأمريكية.
علاقته بواشنطن
وبينما سمح - تحت ضغط شديد من الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية - ببعض الإصلاحات الاقتصادية التي حققت بعض التحسن في حياة المصريين العاديين، جمع مبارك أيضا ثروة هائلة لنفسه وعزز حكم الصوص، وآثر عائلته ورفاقه وفضل الأصدقاء العسكريين، وشاهد مصر تنزلق من قمة القوة إلى مجرد متفرج في شؤون المنطقة.
لكن بالنسبة للولايات المتحدة، كان سلوك مبارك في الداخل غير ذي صلة، حيث كانت تعتبر حملاته على المعارضة السياسية مضايقات بسيطة.
وكان قمع مبارك لجميع الأحزاب السياسية والصحافة الحرة والأعمال التجارية غير المنظمة، والمنظمات غير الحكومية، ومحاصرة المجتمع الحر وتفشي الفقر، من المسائل التي كان لا يبالي بها الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون لكلا الحزبين.
ورأت الكاتبة أن صعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لم يلق بالا من الكونجرس الأمريكي. وعلى الرغم من الاضطرابات التي نشبت في الأفق، فإن إدارتي بوش وأوباما نظرتا بعين اللامبالاة، مرتاحين لفكرة أن مبارك، الفرعون الجديد، سيعين ابنه رئيسا جديدا.
لسوء الحظ، فإن الشعب المصري الذي عانى في ظل حكم مبارك الحديدي لفترة طويلة لا يمكن أن يبقى غير مبال، وهذا ما اضطره للتظاهر في ميدان التحرير في القاهرة في عام 2011 للدعوة إلى قيادة جديدة.
وأردفت الكاتبة: "سرعان ما أصبح هناك شيء واضح: المعتدلون والليبراليون وغيرهم من الجماعات غير الإسلامية كانوا مدربين تدريبا سيئا. ومع قلة في التجهيز والموارد فشلوا في مواجهة التحدي، لذلك، كان يمكن أن يبدؤوا ثورة لكن الإخوان وحدهم كانوا قادرين على جني ثمارها".
وتابعت: "لقد تجاهلت الديمقراطيات في العالم هؤلاء الليبراليين على مر السنين وسمحت لهم بالتعفن في السجن أو العيش في خوف دائم من الاعتقال أو ما هو أسوأ".
وبحسب الكاتبة "بالتأكيد، كانت هناك بعض الجهود لكن معظمها تافهة وكان من الصعب عليها الوقوف أمام يد مبارك الحديدية. لم تدعم وزارة الخارجية ولا البيت الأبيض جهود مجموعات مثل المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني. لذلك، لا ينبغي أن يكون مفاجئا أن الرئيس الحالي لتنظيم القاعدة ينحدر من مصر، وهو أحد السجناء السابقين هناك".
وترى أن "القائد الحالي، الجنرال عبد الفتاح السيسي، هو مبارك نفسه، لكن الأسوأ، الآلاف في السجون، الجيش والسيسي يزدادان ثراء، والشعب المصري هم الضحايا، هل ستكون هناك ثورة أخرى؟ بالطبع بكل تأكيد. هل يهم الولايات المتحدة؟ ربما لا ، ثم مرة أخرى، وجدنا أن تجاهل مشاكل المنطقة يعيدنا إلى نقطة الصفر".
وتختم الكاتبة: "سيكون من الجميل، مع مرور جيل واحد من المستبدين العرب من المشهد، أن تعدل واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون السياسات لمحاولة إعطاء الأولوية للحكم وحقوق الإنسان في العالم العربي، وهذا قد يضمن نهاية تدفق اللاجئين والقتل الجماعي والتطرف. بخلاف ذلك، سيكون هناك مبارك آخر أو ما هو أسوأ".
خالد سعيد
بدوره، قال موقع "اوبين ديمقراسي" السياسي البريطاني: إن حكم مبارك والثورة ضده، وجميع المآسي التي أعقبت ذلك، ظل بمثابة تذكير صارخ بما يمكن أن يحمله المستقبل. ونشر الموقع الذي تأسس في عام 2001 تقريرا مفصلا عن وفاة مبارك كتبه المحلل السياسي ماجد مندور.
في السادس والعشرين من فبراير/شباط، أي بعد حوالي 9 سنوات من الإطاحة به في ثورة شعبية، دُفن الديكتاتور المصري الذي سيطر على السياسة المصرية لمدة 30 عاما بشرف عسكري كامل، بينما يقود الديكتاتور الحالي في مصر الجنازة، ويتم إعلان الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام.
وتابع: "لقد أوضحت وفاة مبارك صورة السياسة المصرية التي لا تزال مستقطبة، حيث يعتز به الكثيرون ويرون في عهده فترة من الاستقرار، بينما يتذكر الآخرون ضحايا قمعه والفساد وسوء الإدارة وخططه لتمرير الرئاسة إلى ابنه جمال والثورة ضده وجميع المآسي التي تلت ذلك".
في السادس من يونيو/حزيران 2010، يوم صيفي في مدينة الإسكندرية، كان خالد سعيد يجلس في مقهى للإنترنت في منطقة سيدي جابر من الطبقة المتوسطة. دخل عنصرا أمن وحاولا اعتقاله وجره خارج المقهى إلى بئر درج مبنى مجاور، حيث تعرض للضرب حتى الموت، وتضمن ذلك ضرب رأسه بأعمدة حديدية وسلالم خرسانية وأرضية الدرج.
استمر الضرب بعد وفاة خالد، حيث أدى إلى كسر جمجمته وخلع فكه، بينما ادعت الشرطة أنه توفي جراء الاختناق، حيث حاول ابتلاع لفافة من الحشيش لتجنب اكتشافها.
سرّبت عائلته صورة وجهه المشوه، لتظهر على وسائل التواصل الاجتماعي وتتسبب في حالة من الغضب الفوري، ويتم إنشاء صفحة جديدة على Facebook تسمى "كلنا خالد سعيد"، والتي جذبت مئات الآلاف من المتابعين في 7 أشهر.
كانت هذه الصفحة مفيدة في نشر الدعوة للاحتجاج التي أدت في النهاية إلى إسقاط مبارك. كان خالد آخر ضحية لوحشية الشرطة التي خرجت عن نطاق السيطرة خلال السنوات القليلة الماضية.
القطار والعبارة
20 فبراير/شباط 2002، بداية موسم العطلات في مصر، سافر قطار مزدحم يحمل حوالي 3000 راكب من القاهرة إلى الأقصر، يتوجه الركاب في القطار إلى منازلهم لقضاء العطلات، معظم الركاب لديهم خلفيات مهاجرة ريفية، وهم بذلك من أفقر شرائح المجتمع وأكثرها تهميشا.
اشتعلت النيران في موقد يعمل بالغاز في إحدى العربات لتحترق بالكامل بينما يستمر القطار في السفر لأربعة أميال قبل أن يدرك السائق الكارثة.
انتشرت ألسنة اللهب في القطار مما أدى إلى وفاة 360 راكبا معظمهم حُرقوا أحياء. ونشرت صور للجثث المتفحمة على مواقع التواصل الاجتماعي، إنها أسوأ كارثة قطار في التاريخ المصري. ويرى الكثيرون من الجمهور أنه عرض من أعراض الفساد الراسخ في النظام السياسي، ويلقون اللوم والاتهامات على مبارك ونظامه.
الرابع من فبراير/شباط 2006، عبارة تقل 1400 مسافر عبر البحر الأحمر، من السعودية إلى مصر. الجزء الأكبر من الركاب هم عمال مصريون يعودون إلى منازلهم لرؤية أسرهم.
كان القارب مليء بالنساء والأطفال، في منتصف الرحلة اصطدمت العبارة، دون أن يتم التمكن من التحكم بالحريق الذي تبع ذلك، فيما أن جهود الإنقاذ كانت متأخرة للغاية لإنقاذ ما يقرب من 1000 راكب غرقوا. كانت المشاهد مأساوية حيث تضيع عائلات بأكملها في البحر.
فر مالك الشركة الملاحية من البلاد، وهو رجل أعمال ثري يدعى ممدوح إسماعيل، يعتقد أنه سُمح له بالفرار بسبب صلاته السياسية، ويُلقى باللوم على مبارك ودائرته الداخلية، حيث كان إسماعيل مرتبطا بهم.
سخر مبارك في وقت لاحق من العبارات، حيث حذر أحد المصريين من الركوب في العبارات التي تغرق. ظلت النكتة في الذاكرة العامة لسنوات قادمة.
المشهد الافتتاحي
الجلسة الافتتاحية لبرلمان 2010، آخر عهد مبارك، كانت هذه الانتخابات البرلمانية مليئة بالاحتيال والتزوير، أكثر من المعتاد، والتي منعت تماما الإخوان المسلمين، أكبر جماعة معارضة في البلاد، من دخول البرلمان.
ردا على ذلك، حاولت المعارضة إنشاء برلمان مواز، رد مبارك بالقول ساخرا: "دعهم يستمتعون. خليهم يتسلوا". في أقل من شهرين، كان الملايين يغمرون الشوارع لتنتهي فترة حكمه التي بلغت 30 عاما بشكل غير متوقع.
في 28 يناير/كانون الثاني 2011 ، والتي عرفت "جمعة الغضب"، كانت البلاد على حافة الهاوية، وسرت توقعات عن تلبية الدعوة إلى الاحتجاجات على مستوى البلاد بأعداد كبيرة.
في 25 من ذات الشهر، اجتذب احتجاج على وحشية الشرطة أعدادا أكبر بكثير مما كان متوقعا، مما أشار إلى استعداد الجمهور للانخراط في عمل سياسي شعبي ضد النظام، على نطاق واسع.
تدفقت الجماهير إلى الشوارع بأعداد تفوق قدرة قوات الأمن على التعامل معها، هاجم المتظاهرون رموز سلطة الدولة والعنف وتحديدا مراكز الشرطة، وجرى حرق تسعة وتسعين مخفر شرطة في جميع أنحاء البلاد وقتلت قوات الأمن ما يقرب من 900 متظاهر.
في 11 فبراير/شباط 2011، تنحى مبارك المتهم بقتل المتظاهرين، ثم جرى تبرئته فيما بعد، وتوفي في مستشفى بتاريخ 25 من ذات الشهر من عام 2020، عن عمر يناهز التسعين. رد فعل الدولة والمؤسسة العسكرية على الثورة كان سيئا، حيث ارتكبت قوات الأمن عددا من المذابح في السنوات التالية لقمع المعارضة.
كانت أول مجزرة بارزة في ماسبيرو عندما دهست مركبات مدرعة عسكرية متظاهرين قبطيين غير مسلحين، مما أسفر عن مقتل 24، وبلغت ذروتها في المذابح التي وقعت في ميداني رابعة والنهضة، والتي أسفرت عن مقتل 817 متظاهرا على الأقل.
لقد تحول نظام عبد الفتاح السيسي إلى نسخة أكثر وحشية من مبارك، حيث طرح المدنيين جانبا، في مشهد يذكرنا بمبارك. صرح الديكتاتور العسكري الجديد خلال خطاب متلفز: "لا تستمع إلى كلمات أي شخص سوى كلماتي. أنا أتكلم بكل جدية. لا تستمع إلى كلمات أي شخص سوى كلامي".
لقد انقضت عقود من الصمت في 28 يناير/كانون الثاني 2011، ومنذ ذلك الحين، كان الهدف الأساسي للدولة هو كتم المعارضة، "ربما مات مبارك، لكننا ما زلنا نعيش في ظله!".