مظاهرات العراق.. من المسؤول عن استهداف المحتجين ببنادق صيد؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في أسلوب جديد لمواجهة الاحتجاجات الشعبية بالعراق، لجأت القوات الأمنية إلى استخدام بنادق الصيد، بعد قنابل الغاز المسيلة للدموع، التي كانت تخرق الجماجم، وأوقعت الكثير من القتلى والمصابين في صفوف المتظاهرين منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

الطريقة المستحدثة في قمع المظاهرات، وثقتها كاميرات الناشطين، فالبعض منها تسبب في حالات إعاقة نتيجة لقوتها، بل حدثت وفيات نتيجة استخدام تلك البنادق باستهداف المناطق العليا من الجسم، رغم كل المطالبات بالحد من ذلك.

"كرات حديدية"

أصابع الاتهام وجهت إلى القوات الأمنية من منظمات حقوقية محلية ودولية، بعدما تعرض أكثر من 50 متظاهرا إلى إصابات بـ"كرات حديدية" مصدرها بنادق للصيد، قرب ساحات الاحتجاجات في العاصمة العراقية بغداد.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال سرمد البدري مدير إعلام مفوضية حقوق الإنسان في العراق: إن "استخدام بنادق الصيد ظهر مؤخرا في بغداد فقط دون المحافظات الأخرى، التي تشهد احتجاجات شعبية أيضا".

البدري أكد أن فرق المفوضية رصدت إصابات عدة قرب ساحة التحرير وسط بغداد، لافتا إلى أنه "تحصل أية حالة وفاة نتيجة هذه الحوادث وفقا لما رصدته ميدانيا فرق المفوضية، لكن ذلك لا يعني أنه ربما إذا كانت الإصابة بالغة، قد يتوفى لاحقا بعد أيام على إثرها".

ونوه البدري إلى أن المفوضية رصدت في وقت سابق استخدام القوات الأمنية بالفعل الرصاص الحي ضد المتظاهرين، لكن مؤخرا حصلت إجراءات جردت فيها القوات الأمنية تماما من الأسلحة، ولم نسجل حوادث من هذا النوع.

لكن عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان علي البياتي، أكد في تصريحات صحفية أن "الجهات الحكومية مصرة على اللجوء إلى أساليب مختلفة للعنف ضد المتظاهرين"، مشددا على أن "هناك عدم اهتمام بحقوق الإنسان من الجهات الرسمية التي تبرر العنف بأنه رد على عنف المحتجين".

وأشار ساخرا إلى أن "الدليل على سلمية التظاهرات هو أن القوات الأمنية اعتقلت ما يقارب الثلاثة آلاف مواطن، أطلقت سراحهم وأبقت على 40 فقط، وهذه دلالة على السلمية".

وبخصوص تصريحات البياتي عن وجود وفيات جراء بنادق الصيد، قال البدري: إن "الأخير معني بمتابعة وضع المصابين، وربما أيام توفوا بعد من رقودهم في المستشفى بعد إصابتهم بالكرات الحديدة التي تطلقها بناطق الصيد، لكن بيانتنا هي من حالات الرصد الميداني المباشر".

جماعات غامضة

الأمم المتحدة، وعلى لسان ممثلة الأمين العام في العراق، جينين بلاسخارت، أعربت عن إدانتها الشديدة إزاء استخدام بنادق وخراطيش صيد الطيور ضد المتظاهرين، الأمر الذي تسبب "مرة أخرى" في إصابة أعداد كبيرة منهم بجراح خلال الاحتجاجات الأخيرة.

ودعت بلاسخارت خلال بيانها الصادر في 17 فبراير/شباط الجاري، السلطات إلى منع استخدام القوة ومحاسبة المسؤولين عن إساءة استخدام القوة، وقالت: "إن النمط المستمر لاستخدام القوة المفرطة مع وجود جماعات مسلحة ذات هوية غامضة وولاءات غير واضحة، هو مصدر قلق أمني خطير يجب معالجته بشكل عاجل وحاسم ويجب حماية المتظاهرين السلميين في جميع الأوقات".

وقالت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي): إنها تواصل تلقي مزاعم موثوقة عن استهداف متظاهرين سلميين "ببنادق صيد" على الطريق الرابط بين ساحتي التحرير والخلاني ببغداد مساء 14 و15 و16 شباط/فبراير، ما أدى إلى إصابة 50 شخصا بجراح على الأقل.

كما تفيد التقارير بإصابة عدد من أفراد الأمن بما في ذلك بواسطة أعيرة من أسلحة الصيد أو الحجارة أو قنابل المولوتوف.

وفي حادثة سلط عليها الضوء "مرصد الحريات الصحفية" في العراق، قال: إن مصورا يعمل لوكالة عالمية أصيب بجروح جراء بنادق صيد كانت قوات الأمن تستخدمها ضد المتظاهرين في بغداد.

ونقل المرصد عبر بيانه في 21 فبراير/ شباط الجاري، عن مصور ميداني قوله: إن زميله أحمد الربيعي مصور وكالة الصحافة الفرنسية، تعرض للإصابة بساقه وكتفه بعدما أطلقت عليه قوات مكافحة الشغب كرات حديدية من بنادق صيد تستخدمها منذ أسابيع ضد المحتجين.

وأضاف أن الحادث وقع عندما كان المصور يوثق أحداث الاحتجاج في ساحة التحرير، وسط بغداد يوم الجمعة 21 فبراير/ شباط الجاري، مشيرا إلى أن "استهداف الربيعي وإصابته كانت عن قصد لإرهاب المصورين وتخويفهم من أجل إبعادهم عن ساحات الاحتجاج، وعدم نقل ما يحدث من انتهاكات ضد المحتجين".

ونقل الصحفيون زميلهم المصور أحمد الربيعي إلى مستشفى أهلي خوفا عليه من الاعتقال إذا ما نقل لمستشفى حكومي، وفق المرصد الذي أدان "الأعمال الهجومية ضد المراسلين والمصورين الميدانين".

وأكد المرصد أن "القوات الأمنية والجهات المسؤولة عنهم اخترقت جميع القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية الضامنة لحرية العمل الصحفي وهذا يضعها تحت طائلة المساءلة القانونية". 

"عناصر حزبية"

وعلى الجانب الآخر، اتهمت قيادة عمليات بغداد (جهة أمنية) في 21 فبراير/ شباط الجاري، "مجموعات" باستخدام بنادق صيد لضرب القوات الأمنية والمتظاهرين بهدف خلط الأوراق وتضليل الرأي العام.

وذكر بيان للقيادة أن "قواتنا الأمنية قرب الحاجز باتجاه ساحة التحرير ما زالت تتعرض لهجمات بوسائل عنفية متعددة، أدت إلى جرح عدد من عناصر قوات حفظ القانون".

وأهابت قيادة عمليات بغداد، في بيانها، بالمتظاهرين السلميين كافة للعمل الجاد معها للحد من الهجمات من خلال الإبلاغ عن هذه العناصر لكي يتم إلقاء القبض عليهم وإحالتهم للقضاء.

وفي هذه النقطة، قال البدري لـ"الاستقلال": إن "الملاحظ أن الجانبين تعرضوا إلى إصابات سواء من المتظاهرين أو القوات الأمنية، وبالتالي هناك عناصر مندسة بين الجانبين تستخدم العنف والعنف المضاد، لخلق فتة بين الطرفين".

أما المتظاهرون، فيؤكدون أن القوات الأمنية غيرت من تكتيكاتها في مواجهتهم وبدأت باستخدام قنابل الصيد التي تطلق كرات حديدية عديدة من بنادق صيد ضدهم تستقر في أنحاء متفرقة من أجسادهم، ما يستدعي إجراء عمليات جراحية لإخراجها.

وللفت أنظار المجتمع الدولي، أطلق ناشطون عراقيون على "تويتر" وسم  "توقفوا عن اصطيادنا" #stophuntingus، احتجاجا على استعمال القوات الأمنية بنادق الصيد في مواجهة المتظاهرين، فيما شارك العديد منهم صورا مروعة لما تسببه إطلاقات بنادق الصيد في أجساد المحتجين.

ونشر ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو لمتظاهرين، تعرضوا لإصابات بوجوههم وأيديهم وسيقانهم بالعشرات من هذه الكرات الحديدية التي أطلقها عناصر الأمن ضدهم من بنادق للصيد.

وفي السياق، قال الباحث في الشؤون الإستراتيجية أحمد الشريفي: إن "كل سلاح يُستخدم ويلحق الأذى هو محرم وفق القانون الدولي"، مؤكدا أن "استخدام القمع بهذا الأسلوب بذريعة أنه يلحق أذى محدودا هو التفاف على القانون".

وأضاف في تصريحات صحفية أن "إحدى المشكلات الرئيسة هي سماح القوات الأمنية بدخول قوات غير نظامية وعناصر متحزبة لقمع المحتجين، والتي تستخدم تلك الأساليب القمعية"، مشيرا إلى أنه "وفق المعطيات الحالية، فإن الأمم المتحدة تدرس خيار التدويل بعد مطالبات عدة".

الشريفي لفت إلى أن "القوى السياسية تحاول حماية التصويت على حكومة علاوي من خلال القمع، وكتلتا الفتح وسائرون تحاولان الرهان على الوقت وزج أتباعهم لاختراق الساحات".

وبيّن الباحث العراقي أن "كل المؤشرات تؤكد اعتراض الأمم المتحدة وأمريكا. وأعتقد أنه إذا لم تمر هذه الحكومة وهذا مرجح، فإن الخيار الآخر سيكون الذهاب صوب حكومة إنقاذ وطني بإشراف أممي".