اعتراف إثيوبيا بالمجلس الإسلامي.. ما تأثيره على الصراع الإثني؟
.jpg)
لم يكن اعتراف الحكومة الإثيوبية بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كجهة قانونية تمثل المسلمين في إثيوبيا، مجرد إنجاز يحسب لقيادات العمل الإسلامي ببلاد الحبشة، بعد صراع استمر لأكثر من 60 عاما متصلة، وإنما الإنجاز هو إعادة المسلمين بإثيوبيا للخريطة السياسية، التي تم استبعادهم منها بشكل ممنهج على يد الأنظمة الحاكمة، التي كانت ترى في إثيوبيا دولة مسيحية خالصة.
ووفقا لقرار الحكومة الإثيوبية الصادر في 24 يناير/ كانون الثاني 2020، فإن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أصبح الممثل الرسمي للمسلمين لدى الجهات الرسمية بإثيوبيا، وأصبح المجلس هو المنوط به تنظيم شؤون المسلمين، والمعني بتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية، والعمل على ضمان حقهم في إقامة علاقات طبيعية مع مختلف المؤسسات الدينية والمجتمعات الأخرى.
القرار الذي أصدره رئيس الوزراء آبي أحمد، بإجماع كامل من أعضاء حكومته، جاء ليضع العديد من التساؤلات التي ارتبطت بالتطورات التي تشهدها إثيوبيا، منذ الإطاحة برئيس الوزراء السابق هايلى مريام ديسالين، في مارس/ آذار 2018.
الخطوة التي انتظرها المسلمون هناك، منذ عشرات السنين، هل تنزع فتيل الصراع الإثني الذي يمثل أحد أبرز الأزمات التي تواجه آبي أحمد؟، وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه المسلمون في ظل التطورات السياسية بأهم دول القرن الإفريقي؟.
مميزات عديدة
الاعتراف بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، جاء بعد أكثر من 60 عاما، حارب خلاها المسلمون من أجل الوصول لهذه الخطوة، والتي بدأت إجراءاتها العملية، في مايو/أيار 2019، وفقا لتقارير صحفية.
في 2019 جرى اتفاق بين مسلمي إثيوبيا لتشكيل لجنة علماء مؤقتة، برئاسة المفتي العام للبلاد الشيخ حاج عمر إدريس، لتسيير أمور المسلمين لحين إعادة بناء هيكلة جديدة لتكوين كيان إسلامي جامع يمثل المسلمين بشكل رسمي.
تمثلت مطالب اللجنة بشكل واضح في الحصول على اعتماد تشريعي للمؤسسة التي تمثلهم مع ضمان استقلاليتها، وعدم استغلالها من الحكومات المتعاقبة لأهداف سياسية.
وحسب التقارير، فإن الاعتراف بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كجهة رسمية للمسلمين، من شأنه إضفاء الشرعية القانونية عليه، وتحوله من مؤسسة عرفية، لمؤسسة دينية إسلامية ذات سيادة كاملة، تسن القوانين التي تعنى بشؤون التعاليم الدينية وإنشاء المؤسسات التابعة لها، وهو ما يمثل في النهاية إنجازا ظل المسلمون يطالبون به من سنوات أسوة بوضع الكنيسة الأرثوذكسية.
ونقلت تقارير صحفية عن الكاتب الإثيوبي محمد العروسي تأكيده أن المسلمين بإثيوبيا "حققوا إنجازا عظيما، بهذا الاعتراف الرسمي، وهو ما يجعل المسلمين يشعرون بعدم تهميشهم واضطهادهم وتشويه دينهم من قبل الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على البلاد منذ العقود الماضية".
وفقا لدستور 1995، فإنه يحق للمسلمين تشكيل مجلس أعلى لتولي شؤونهم، واعتباره هيئة مستقلة معترف بها من قبل الحكومة، إلا أن الدستور لم يتم تفعيله، في إطار سياسة التهميش التي كان يقوم بها نظام الإمبراطور هيلي سلاسي (1928-1974)، ومن بعده حكم منغستو هلي ماريام (1987- 1991).
وعقب وصول الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية للحكم في 28 مايو/أيار 1995، سُمح للمسلمين، بممارسة معتقداتهم الدينية، ومنح العديد من الحريات في التعليم وممارسة العقيدة، خاصة وأن تعداد السكان الرسمي لعام 2017، أكد أن عدد المسلمين يبلغ 43 مليون نسمة، من إجمالي 102 مليون عدد السكان الإجمالي للبلاد.
صراعات انتخابية
ويربط الكاتب الإثيوبي "وارن راينش"، في مقال كتبه بموقع "thetrumpet" المدافع عن التوجه العلماني للحكم في إثيوبيا، بين قرار الاعتراف بالمجلس الإسلامي، وبين توقعات العديد من التحليلات الدولية، عن الصراعات التي يمكن تطيح باستقرار إثيوبيا نتيجة الصراع الإثني والديني.
ويربط راينش، أيضا بين الخطوة الأخيرة، وبين الانتخابات التشريعية التي من المقرر أن تشهدها إثيوبيا في مايو/ آيار المقبل، وبالتالي فإنها من وجهة نظره تحمل العديد من الأهداف السياسية، التي يمكن أن يكون لها تأثيرات سلبية على الوضع في البلاد، حسب رأيه.
يرى الكاتب، أن الأمة الإثيوبية تنقسم لمجموعتين قبل انتخابات مايو/ آيار 2020، وهما القوميون الإثيوبيون، الذين يفضلون حكومة مركزية أقوى، والقوميون العرقيون، الذين يفضلون استقلال الدولة.
وحسب راينش، فإن الخطوة الأخيرة من آبي أحمد، جاءت ردا على قرار زميله السابق ومنافسه الحالي جوار محمد، بالانضمام لحزب مؤتمر أورومو الفيدرالي المعارض، من أجل المشاركة في الانتخابات المقبلة، وهو ما يهدد آبي أحمد، الذي يرى في "جوار" تهديدا مباشرا له لما يمتلكه من شبكة إعلامية قوية، وبالتالي أراد آبي أحمد أن يواجهها بالتقرب من المسلمين في البلاد.
ووفق التحليل السابق فإن الوضع الديني في إثيوبيا خطير للغاية، وهو ما أكده استطلاع لمؤسسة بيو في 2018، أكد فيه أن 98 % من الإثيوبيين الذين شملهم الاستطلاع يرون أن الدين مهم جدا في حياتهم، ما يعني أن أغلبية الشعب الإثيوبي متدين، سواء المسيحيون الذين يشكلون الأغلبية، أو المسلمون الذي يمثلون الأقلية الكبيرة في البلاد، وهي الأقلية التي قدرتها وكالة المخابرات الأمريكية بنسبة 34% من عدد السكان.
ويرى راينش، أن أكثر المناطق السياسية والعرقية سخونة هي منطقة أورميا التي شهدت المظاهرات الأخيرة ضد آبي أحمد، وهي المنطقة التي يتساوى النفوذ بها بين المسيحيين والمسلمين، ما جعل الانقسام الديني فيها أكثر وضوحا من أي منطقة أخرى، وهو ما كان واضحا في الاحتجاجات التي اندلعت عام 2016، وكان عدد القتلى فيها كبيرا من المسيحيين والمسلمين على حد سواء.
بؤرة صراع
يدعم الرأي السابق تقرير أعدته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، بعددها الأخير الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2019، عن أبرز دول سوف تشهد نزاعا وصراعا داخليا خلال عام 2020، وجاءت إثيوبيا بالمركز الثالث.
يشير التقرير إلى أن الصراعات المحلية تشكل مرايا للنزاعات العالمية، حيث تعكس طريقة اشتعالها، وتكشّفها، واستمرارها، وتسويتها للتحولات في علاقات القوى العظمى، وشدة تنافسها، واتساع طموحات اللاعبين الإقليميين. كما تُبرز القضايا التي يظهر النظام الدولي هوسا بها وتلك التي يبدي اللامبالاة حيالها.
يؤكد التقرير أن الآفاق الواعدة والمخاطر المتوقعة في 2020، تحيط بإثيوبيا التي تعد الدولة الأكبر والأكثر نفوذا في شرق إفريقيا، ورغم أن آبي أحمد اتخذ خطوات "جريئة" لفتح الحياة السياسية في البلاد، إلا أن هناك تحديات هائلة تلوح أمامه في الأفق.
مضيفا "رغم أن الاحتجاجات الشعبية بين عامي 2015 و2018 كانت سببا في وصول آبي إلى السلطة لأنها كانت مدفوعة بشكل رئيسي بمظالم سياسية واقتصادية، إلا أنه كان لها أيضا مضامين إثنية واضحة، وخصوصا في إقليمي إثيوبيا الأكبر من حيث عدد السكان، أمهرة وأوروميا".
حدة الصراع الإثني التي تسببت وقتها في مقتل المئات، وتهجير الملايين، وتغذية العداء بين قادة أكثر الأقاليم قوة، تلقي بظلالها على الانتخابات المقررة في أيار/مايو 2020 في ظل توقعات بأن تكون عنيفة وقد تتسبب في انقسامات، مع تنافس المرشحين في المغالاة في خطابهم الإثني للحصول على الأصوات.
مسلمو إثيوبيا
إحصاء عام 2017 كشف أن عدد المسلمين بلغ 43 مليون نسمة من 102 مليون نسمة، بما نسبته 42% من عدد السكان، وأشار التعداد الوطني للسكان عام 1994، إلى أن الإسلام هو الدين الثاني الأكثر انتشارا في إثيوبيا بعد المسيحية، وأعلن تعداد عام 2007 أن نسبة المسلمين تصل إلى 33.9%، مقابل 62.1% للمسيحيين.
ووضعت دراسة أعدها موقع "منارات إفريقيا"، إثيوبيا ضمن أكبر 11 دولة بها قومية مسلمة على مستوى العالم، حيث يتجاوز عدد المسلمين بها تعداد السكان في دول مسلمة وعربية كبيرة مثل السعودية والسودان، والعراق وأفغانستان، ويؤكد الموقع المهتم بأحوال المسلمين في القارة السمراء، أنه رغم أن عدد المسلمين بإثيوبيا يزيد عن 43 مليون نسمة، إلا أن المؤرخين الإثيوبيين والأجانب، يدعمون فكرة أن إثيوبيا دولة مسيحية.
وينتشر المسلمون في إثيوبيا في معظم الأقاليم الجغرافية، وبين معظم المجموعات العرقية كما يشاركون في الحياة القومية، ويتمركزون بدرجة كبيرة في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية والغربية الشمالية، ويتكونون من الجماعات الإثنية التالية: الأورومو والصوماليون، والعفر والساهو والجوارح والسيدامو والأموك والفارا والبرت ومجموعات من الأمهرا والتغراى.
ووفق "منارات إفريقيا" فإن الأورومو الذين يقاربون نصف سكان أثيوبيا غالبيتهم مسلمون، حيث يمثلون 80% في القومية الأكبر بالبلاد، بينما نسبتهم بين الأمهرا والتغراى لا تتجاوز الـ 15%، ويشكل المسلمون في العاصمة أديس أبابا أكثر من الثلث.
وتشير الدراسة السابقة، إلى أن المسلمين الإثيوبيين كانوا يفضلون في الماضي تعيينهم في المناصب الحكومية وفقا لروابطهم العرقية أكثر من الدينية، وهو ما تغير مؤخرا بعد أن تحسن وضعهم السياسي، بعد سقوط نظام منغستو عام 1991.
وتنتشر في إثيوبيا مجموعة من المدارس الإسلامية بالعاصمة أديس أبابا وهرر وديرة وداوة وغيرها، وينحصر هدف هذه المدارس في تدريس وتعليم الطلبة المسلمين مادة التربية الإسلامية واللغة العربية كمادة أساسية بجانب المواد الدراسية الأخرى.
وفي مدينة أديس أبابا توجد 4 مدارس من المرحلة الإعدادية، وبعدها يستطيع الطالب أن يواصل دراسته في المدارس الحكومية، كما انتشرت المدارس القرآنية في مناطق المسلمين، لاسيما في المناطق الحدودية الشرقية والغريبة، وتعد اللغة العربية هي وسيلة التعليم في المدارس القرآنية.
المصادر
- بعد 60 عاما من المطالبة.. اعتراف رسمي بالمجلس الأعلى للمسلمين في إثيوبيا
- الحرية الدينية والنظام السياسي: "الدولة العلمانية" الإثيوبية واحتواء سياسات الهوية الإسلامية
- أمين مجلس الشؤون الإسلامية بإثيوبيا: أوضاعنا أفضل في ظل الحكومة الحالية (مقابلة)
- 10 صراعات تجدر مراقبتها في العام 2020
- اعتقال 80 شخصًا لحرقهم المزعوم للمؤسسات الدينية
- الحفاظ على الانتقال .. إثيوبيا على القضبان
- إدارة الانتقال في إثيوبيا غير المستقر
- هل ستبقى إثيوبيا عام 2020 .. الإسلاميون يهددون باختراق الانقسام العرقي والديني الداخلي.
- عدد سكان إثيوبيا المسلمين و خريطة المدن المسلمة فيها