أزمة خطيرة.. سيناريوهات محتملة بعد رفض حكومة الجملي بتونس

12

طباعة

مشاركة

اهتمت العديد من الصحف الفرنسية بموضوع فشل حكومة الحبيب الجملي في الفوز بثقة البرلمان، والتي أثارت قلق وترقب الشارع التونسي، وفتحت الباب على مصراعيه لسيناريوهات جديدة، مؤكدة خطورة ما يمر به البلد جراء الأزمة السياسية الحالية.

ولم تنل حكومة الجملي، مرشح حركة النهضة (54 مقعدا) على ثقة البرلمان التونسي، حيث صوّت 72 نائبا لصالح منح الثقة للحكومة (من 109 أصوات على الأقل)، مقابل 134 ضدها، وامتناع ثلاثة نوّاب عن التصويت، وذلك بعد نحو 3 أشهر من الانتخابات التشريعية.

فمن جهتها رأت مجلة "لوبوان" الفرنسية، أن "رفض حكومة الحبيب الجملي من البرلمان، نكسة شديدة للإسلاميين في حزب النهضة، قد تغرق البلاد في حالة عدم اليقين".

أزمة خطيرة

وقالت المجلة: إن "أزمة سياسية خطيرة للغاية تشهدها تونس، فبعد شهرين من المفاوضات مع الأحزاب، مَثُل الحبيب الجملي، يوم 10 يناير/ كانون الثاني الجاري، أمام البرلمان من أجل أن تنال حكومته الثقة، لكن هزيمته جاءت أكثر مما كان متوقعا، فبدلا من 109 أصوات ضرورية، حصلت حكومته على 72 صوتا فقط".

ونقلت عن حسن زرقوني، مؤسس "معهد سيجما" لاستطلاعات الرأي، قوله: إن "هذه هي المرة الأولى في تاريخ البلاد التي يرفض فيها الشعب التونسي الحكومة بطريقة ديمقراطية، إنها بداية نضج سياسي".

وكانت حركة "النهضة" رشحت الجملي في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لتشكيل حكومة تكنوقراط بدون إشراك الأحزاب السياسية، بيد أن التشكيلة المقترحة من 28 وزيرا و14 كاتب دولة، قوبلت بانتقادات من أحزاب سياسية بدعوى عدم ضمها كفاءات أو مستقلين.

ووفقا للمجلة الفرنسية، فإن "حكومة الجملي المقدمة كفريق من المستقلين، كانت مجموعة غير متجانسة من المهارات، والإسلاميين، والمستقلين أو المؤيدين للأحزاب الأخرى".

وأشارت إلى أن العديد من النواب الذين تحدثوا خلال جلسة البرلمان أظهروا تشاؤما كبيرا، وانهالت التهم بشكل كبير على حكومة الجملي، إذ قالت سامية عبو، النائب في البرلمان عن التيار الديمقراطي: إن "البلاد اليوم على وشك الإفلاس والكوميسيون المالي (لجنة مالية دولية تشكلت بتونس عام 1869) قريب من الدخول إلى البلاد".

وأضافت سامية عبود: أن "الجملي قال إنه سيحارب الفساد لكنه اقترح مدير عام لدى صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي مروان المبروك وزيرا للتجارة"، بعد أن كان على القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي من عام 2011 حتى 2018، ومع شقيقه، وهو واحد من الرجال الأكثر نفوذا في البلاد.

وبحسب حسن الزرقوني، فإن الفائزين في هذا التسلسل السياسي هم قيس سعيّد ويوسف الشاهد (الرئيس الحالي للحكومة منذ أغسطس/آب 2016) ونبيل القروي، لافتا إلى أنها مناسبة لنبيل القروي للإثبات مع حزبه أنه سياسي أيضا والخروج من صورة الفاسد أو الشعبوية الملتصقة به حتى ذلك الحين.

وتابع: "بالنسبة إلى يوسف الشاهد، فرصة للانتقام من حزب النهضة الذي وعد بدعمه في الانتخابات الرئاسية لكنهم لم يفعلوا ذلك". ويخلص الزرقوني بأسلوب فلسفي إلى أن "السياسة فرص، ويوجد تسلسل سياسي قد انفتح، ولا بد من استغلاله".

وأكد مؤسس "معهد سيجما" أن "الخاسرين شخصيا هم راشد الغنوشي، رئيس البرلمان، ووزير التخطيط فاضل عبد الكافي ووزير السياحة رينيه طرابلسي".

المسعى الأخير

المجلة الفرنسية أكدت، أنه وفقا للدستور، يجب على قيس سعيّد الآن تعيين الشخص المسؤول عن تشكيل الحكومة، لكن هذا الرجل النزيه، الذي يتمتع بشعبية كبيرة 75 بالمئة ليس له حزب ولا يتمتع بدعم واضح في الطبقة السياسية.

وأوضحت أن لدى قيس عشرة أيام للعثور على الشخص الذي وصفته بـ "اللؤلؤ النادر"، القادر على تشكيل حكومة من شأنها أن ترضي النواب، حيث 94 منهم سيعلنون عن جبهة مشتركة تحت قيادة نبيل القروي، الإعلامي الشهير الذي وصل للمرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية الماضية، وسجن فجأة عشية الانتخابات التشريعية.

ولفتت إلى أن القروي يريد أن ينتقم ويثبت أنه يمكنه أن يصبح بديلا للنهضة، حيث اتهمهم خلال مقابلة حصرية مع "لوبوان" من سجنه، بالقول: "لقد قام رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وحلفاؤه الإسلاميون بسجني بطريقة غير شرعية، حتى أنني لم أستطع القيام بحملات انتخابية من أجل الانتخابات الرئاسية والتشريعية".

وبحسب المجلة الفرنسية، فإنه "مع مرور الوقت تغير الوضع، حيث يجري التقارب بين القروي والشاهد حاليا، إذ يبقى الأخير رئيسا للحكومة حتى يمنح البرلمان الثقة لأخرى جديدة".

ورأت "لوبوان" أن الحياة السياسية التونسية تستحق مسلسلا بلا نهاية على شبكة التلفزيون الأمريكية العملاقة "إتش بي أو".

الرئيس و"النهضة"

من جهتها، تساءلت صحيفة "موند أفريك" عن "أي مأزق سياسي قاد إلى فشل حركة النهضة في تشكيل الحكومة؟، مشيرة إلى أنه "الآن بعدما أصبح الحزب القائد، الذي يمتلك نحو ربع المقاعد بالبرلمان، غير قادر على تشكيل ائتلاف أغلبية للحكم، فإنه وفقا للدستور رئيس الجمهورية سيعين مرشحا جديدا لتشكيل الحكومة".

ورأت الصحيفة كذلك، أن "رئيس الدولة، سيتعين عليه أيضا التعامل مع خصمه في السباق الرئاسي نبيل القروي، الذي يبدو أنه المستفيد الرئيسي من الضعف البرلماني الذي عانى منه حزب النهضة".

لكنها تساءلت مجددا: هل سينجح نبيل القروي في تغيير الوضع؟، وأجابت على ذلك بالقول: إن الأمر ليس مؤكدا بعد، فقلب تونس، الذي احتل المركز الثاني في الانتخابات التشريعية، أصبح ثالث أكبر كتلة بالبرلمان، بعد تحالف حزبي "الحركة الشعبية" و"التيار الديمقراطي".

ونوهت إلى أنه في حين صوتت هذه الكتلة مع "قلب تونس" ضد حكومة الجملي، فلن يشتركا في نفس الرؤية الاقتصادية لحزب القروي، وفي ظل موقف محمد عبو الأمين العام للتيار الديمقراطي.

واعتبرت الصحيفة الفرنسية، أنه "قد تكون هذه فرصة للرئيس سعيّد، الذي ليس له أي انتماء حزبي، أن يبقى بعيدا عن سياسة قادة الأحزاب وأن يبدأ عاجلا أم آجلا في ممارسة السياسة واختيار شخصية لا تليق فقط بتشكيل حكومة مستقبلية، ولكن أيضا يتم اعتمادها من البرلمان".

وأشارت إلى أن السيناريو الذي يخشاه الكثيرون هو فشل الرئيس في المهمة المسندة إليه، فطبقا للفصل التاسع والثمانين من الدستور التونسي: "في حالة عدم حصول التشكيل الحكومي المقترح على ثقة مجلس النواب، يجري رئيس الجمهورية خلال عشرة أيام مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في مدة أقصاها شهر".

وبحسب المادة الدستورية أيضا، فإنه "إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول بتشكيل الحكومة، ولم يمنح أعضاء البرلمان الثقة للحكومة، فإن لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما".

غير أن الصحيفة رأت كذلك أنه قد يكون المخرج من الأزمة أيضا هو إنشاء حزب جديد يصوت له الناخبون الذين صوتوا لصالح قيس سعيّد الذي حصل على 72 بالمئة من الأصوات خلال انتخابات الرئاسية الأخيرة.