أغلقت قنوات.. هل انتهت سيطرة الإمارات على إعلام السيسي؟

حالة من الارتباك سادت إستوديوهات قناة "TEN" الفضائية في مصر بعد تسرب أنباء عن نية المالك الإماراتي إغلاق القناة بنهاية العام الجاري في قرار اعتبره العاملون فيها مفاجئا بالنسة لهم، إذ لم يتم إخطارهم رسميا، بما في ذلك المذيعين المعروفين.
جاء بيان القناة مؤكدا على رجوع قرار الإغلاق لأسباب مادية بحتة، حيث أعلن رجل أعمال إماراتي هو المسؤول عن التمويل، إغلاق المؤسسة بسبب ضعف عوائد الإعلانات، فضلا عن الخسائر الكبيرة التي تتكبدها القناة منذ استحواذه عليها، ولم تفلح الإدارة في استغلال جميع الفرص لمحاولة وقف نزيف الخسائر.
قرار يشي بخلافات حادة بين الإمارات وجهات سيادية في مصر، قد تكون سببا في تغيير وجوه كثيرة في المشهد الإعلامي، وانسحاب الأولى تدريجيا من دعم إعلام النظام، والذي يرجع أيضا إلى عدة أسباب، من أهمها فضيحة إهدار مليار جنيه في مجموعة قنوات DMC"".
يأتي ذلك في ظل نصائح إماراتية متكررة بشأن إبعاد كبار الضباط المسؤولين عن الملف، بدعوى فشلهم في احتواء الشارع بعد حراك 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، وفي مقدمتهم نجل السيسي الأكبر، محمود، الذي من المرجح انتقاله إلى روسيا خلال العام المقبل 2020.
ذراع طولى
الإعلام هو أحد أهم أذرع النظام الإماراتي للتدخل في شؤون البلاد الأخرى، والتحكم في الرأي العام طبقا لسياساته، وذلك من خلال المال السياسي وشراء الولاءات، في إطار تنفيذ خططها بالسيطرة على منافذ القوة في العالم العربي، ودعم الثورات المضادة والانقلابات العسكرية على الديمقراطية الوليدة في الوطن العربي.
استحوذ الإعلام المصري على اهتمام الإمارات منذ اللحظات الأولى لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، حيث حرصت على دعم أغلب القنوات الفضائية والصحف، كما أسست بنفسها العديد من الوسائل الإعلامية الأخرى.
كان الإعلام الذراع الأقوى الذي أولته الإمارات اهتماما كبيرا لزعزعة الاستقرار في مصر من خلال العزف على أوتار السلبيات والتجاوزات وخلق الأزمات وتصدير سلبية عن حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، حيث تم ضخ مليارات الدولارات لبناء مؤسسات إعلامية قادرة على أداء هذا الدور.
ساعد تمويل الإمارات لوسائل إعلام مصرية في فرض أجندتها الخاصة على السياسة التحريرية لهذه الوسائل خاصة ذات الانتشار الواسع كصحيفة "اليوم السابع" و"المصري اليوم" و"الوطن"، و"البوابة نيوز"، وموقع "دوت مصر" وغيرها.
بالإضافة إلى تمويل إنشاء بعض المراكز البحثية والإعلامية التي تخدم توجهاتها مثل "المركز العربي" للدراسات والبحوث الذي يديره البرلماني عبدالرحيم علي، المقرب من الإمارات وكذلك دوائر صنع القرار المصري، فضلا عن تقديم الهدايا والمكافآت لعدد من الإعلاميين بهدف الالتزام بالتعليمات وتنفيذ المطلوب على أكمل وجه، حسبما كشفت تسريبات "ويكيليكس".
وكالة "أونا" المصرية للأنباء أكدت أن رجل الأعمال الإماراتي الشيخ منصور بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة، قد اشترى حصة بقناة "الحياة" الفضائية المصرية عام 2016، تمكنه من إدارتها والتحكم في سياستها، لكن الوكالة سرعان ما حذفت الخبر من موقعها.
ولفتت الوكالة إلى وجود اتفاق بين محمد سمير رئيس القناة الحالي والمتحدث العسكري السابق، وبين المستثمر الإماراتي لمدة خمس سنوات فقط، وحصوله على نحو 55 بالمئة من أسهم القناة، وبمجرد انتهاء المدة يعود حق الإدارة إلى ابن زايد.
في صدر المجلس
في فبراير/ شباط 2016 عرض الكاتب المصري، ورئيس "المعهد الأوروبي للقانون الدولي"، الدكتور محمود رفعت، كيف قامت الإمارات بالسيطرة على الإعلام المصري، من خلال قوات في الجيش والمال السياسي، واستغلالها في تحقيق أجندتها في المنطقة.
ونقل رفعت، في تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، صورة لمحمد دحلان، مستشار ولي عهد أبوظبي، وهو يترأس مجموعة من الإعلاميين المصريين في إحدى الصحف المصرية، قائلا: إن "صورة محمد دحلان على رأس الطاولة كرئيس ومن حوله الإعلاميين المصريين كمرؤوسين، تلخص المشهد".
وأضاف: أن "الإمارات بدأت في اقتحام مؤسسات مصر في 2012، على محورين، هما الجيش والإعلام، وسرعان ما نجحت بفضل (دلاديل) الجيش وساقطي الفضائيات".
وأشار رفعت إلى دور عدد من الشخصيات البارزة المحسوبة على المؤسسة العسكرية المصرية، في تمكن الإمارات من السيطرة على مصر، قائلا: "كان لأحمد شفيق دور كبير لتمكين الإمارات، فهو من بدأ الاتصال بقادة الجيش، خاصة السيسي وصدقي صبحي رئيس الأركان وقتها، ووزير الدفاع الحالي، لافتا لاستجابة قادة الجيش لدعوة شفيق، وبدء توافدهم على الإمارات في 2012 و2013 بحجة الاشتراك في معارض السلاح هناك، وكان توافدهم للتنسيق وأخذ الأموال".
وعن طريقة سيطرة الإمارات على الإعلام المصري، قال رفعت: "ضخت الإمارات المليارات لشراء الذمم في الإعلام المصري لشيطنة الإخوان، وبالتالي فكرة الصناديق وتقديس السيسي، رغم عدم خبرته وانعدام مؤهلاته"، لافتا إلى دور الإمارات في مساعدة الفضائيات على تجاوز أزماتها المالية، قائلا: "كان الجميع يتساءل: كيف للفضائيات المصرية الاستمرار، رغم أنها تخسر خسائر فادحة؟، والإجابة أن رجال الأعمال كانوا يمولونها من الإمارات".
وأكد وجود دور بارز لإعلاميين مصريين، وتحديدا الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، في هذا المخطط خلال زيارته للإمارات أكثر من مرة، وحصل هو وابنه على ملايين الدولارات منها.
انسحاب صادم
بعد تاريخ غير مشرف من دعم الثورات المضادة والإعلام بموارد مالية ضخمة يأتي قرار إغلاق قناة "TEN" ليمثل بداية انفراط عقد سلسلة المؤسسات الإعلامية التي تسيطر عليها الإمارات.
تلك القناة التي سبق وأن استحوذ عليها مستشار ولي عهد أبوظبي، الفلسطيني محمد دحلان، بتمويل إماراتي بلغ نحو 70 مليون دولار، أعلنت رسميا توقفها عن البث، بحجة معاناتها من أزمة مالية شديدة، حسبما نقلت صحيفة "العربي الجديد" عن مصدر يعمل في إدارة القناة.
صحيفة "الأخبار" اللبنانية أكدت هي الأخرى، أن الحكومة الإماراتية تتجه نحو الانسحاب التدريجي من سوق الإعلام المصري، بسبب خلافات حادة، رغم محاولة القاهرة استرضاء أبوظبي، إلا أن الخلاف يبدو معقدا ولا حل له.
وذكرت أن القيود المفروضة على وسائل الإعلام المحسوبة على نظام السيسي، دفعت الإمارات إلى إغلاق قناة "TEN" المملوكة لها بشكل كامل بحلول نهاية الشهر الجاري، على أن تتبعها قرارات مماثلة لمحطات ومكاتب عاملة في القاهرة خلال الأشهر المقبلة، وتجميد بعض أعمال التوسع التي كانت مطروحة في الفترة الماضية، إذا ما استمرت إدارة الإعلام بالطريقة نفسها.
وأضافت الصحيفة: "هذه المصادر تكشف عن نية التحقيق في إهدار أكثر من مليار جنيه حصلت عليها الأجهزة المصرية كمنحة إماراتية لإطلاق شبكة (DMC) التي تضم ست قنوات، ولم تُطلَق منها سوى قناتين توقفت إحداهما بعد أشهر".
وتابعت: "أما القناة الثالثة (الإخبارية) فقد ظل العاملون فيها يتقاضون رواتبهم على مدار عامين من دون الظهور على الهواء، قبل تسريح بعضهم أخيرا ودمج البقية مع قنوات أخرى عقب استحواذ (مجموعة إعلام المصريين)، المملوكة بالكامل للمخابرات، على (DMC)، وهو استحواذ شكلي كان هدفه توحيد الإدارة فقط".
غضب الأسرة
ذهبت صحيفة "الأخبار" اللبنانية إلى أن "الغضب الإماراتي مصدره، الأسرة الحاكمة مباشرة، إذ إن القناة التي ستتوقف قريبا يديرها شكليا القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح محمد دحلان، وهي واحدة من محطتين تابعتين له في مصر.
ويأتي القرار الإماراتي للضغط على المصريين بسبب استمرار التضييق الإعلاني وتوجيه المعلنين إلى وضع إعلاناتهم على شاشات الدولة حصرا".
وأشارت إلى "رغبة الأجهزة الأمنية في تماهي القناتين مع المحتوى المُقدم على الشاشات التي تديرها المخابرات من دون إنفاق جنيه واحد عليها، كما أن تدخل الأجهزة الأمنية لا يقتصر على المحتوى فقط، بل يصل إلى اختيارات العاملين، ومن يُسمح له بالعمل ومن يُرفض، وهو أمر يطول ليس فقط المذيعين، بل وأيضا الموظفين في قطاعات مختلفة".
وبحسب "الأخبار"، فإن "كل ذلك رأت فيه أبوظبي انتهاكا لمعايير التعاون بين البلدين، في وقت تحاول فيه القاهرة إثناء الإماراتيين عن قرارهم، من دون أن تُفلح".
وقالت: إن "المخابرات العامة المصرية حصلت على الأموال الإماراتية إبان صراعها مع المخابرات العسكرية، أي عندما كان اللواء خالد فوزي يتولى الإدارة العامة وكامل يتولى إدارة مكتب الرئيس، في المدة التي تلت صعود عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، قبل أن ينجح الأخير في إقصاء فوزي بدعوى الفساد، ثم توحيد التوجهات تحت راية واحدة للعامة التي انتقل إليها كامل وأعاد هيكلتها، واليوم يواجه وفريقه تهما مشابهة".
وأضافت الصحيفة: أن "الهدف الأساسي من تلك الهبة الإماراتية كان خدمة الأهداف المشتركة بين القاهرة وأبوظبي، وفي مقدمتها انتقاد جماعة الإخوان المسلمين والهجوم على إيران، وانتقاد سياسات أذرعها في المنطقة، إلى جانب دعم المواقف المشتركة في القضايا الإقليمية والدولية. لكن هذا الهدف لم يتحقق، وجرى الإنفاق والتحضير من دون مواعيد محددة، حتى جاء القرار أخيرا بالدمج واستغلال التجهيزات والمعدات الحديثة التي اشتريت من أجل تقوية قناة (إكسترا نيوز) القائمة بالفعل".
ارتباك مصري
تبدو إدارة ملف الإعلام في مصر بيد مكتب السيسي، وتحديدا اللواء محسن عبد النبي الذي يجري تصعيد أسهمه بهدوء باستغلال الأخطاء التي وقع فيها كامل وشعبان، مع فارق متمثل في أن عبد النبي لا يدخل في الصراعات والملفات بقدر ما تحال إليه، على العكس من عباس الذي كان يفرض تدخلاته باعتبارها بتوجيهات رئاسية، وهو ما زاد نفوذه بصورة غير مسبوقة لأي مسؤول في دائرة الرئيس، حسب "الأخبار" اللبنانية.
إصرار الإمارات على إزاحة ضباط المخابرات المسؤولين عن ملف الإعلام أثار زوبعة داخلية، تمثلت في الإطاحة بمدير مكتب رئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل، المقدم أحمد شعبان، الأمر الذي يؤكده إعلان الأخير التحاقه بالبعثة الدبلوماسية في اليونان بعد انتهاء منتدى شباب العالم، الذي يشرف على تنظيمه.
كانت أكبر إخفاقات شعبان في الفترة الأخيرة، مشهد "حرق اسم الابن"، أي نجل السيسي، محمود، في حلقة برنامج الإعلامي عمرو أديب، حينما استضاف أحد ملاك صيدليات "19011"، والذي يحمل اسم نجل السيسي، من أجل تكذيب ملكية المخابرات لسلسلة الصيدليات التي يشارك فيها جهاز المخابرات مع مستثمرين إماراتيين، وفق ما نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية.
كانت تلك إحدى بنات أفكار المقدم "شعبان"، لكنها جاءت بنتائج عكسية، شأنها شأن مشهد استقبال السيسي عند عودته من نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث طلب شعبان من حزب "مستقبل وطن" حشد ألف مواطن في المطار، واختار مذيعة محجبة لدحض تهمة نظام السيسي بمعاداته للدين.
الزوبعة التي أثيرت حول المقدم شعبان دفعته إلى كتابة منشور على حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مهددا بنشر حقائق مجردة في وقت قريب، واصفا ما أثير حوله بـ"إفك مفترى".
من البديل؟
في يونيو/ حزيران 2018، أدى العميد ناصر فهمي –والذي تمت ترقيته لاحقا إلى رتبة لواء- اليمين الدستورية أمام السيسي، وكيلا لجهاز المخابرات العامة، بعد ذلك تولى منصب نائب رئيس الجهاز، حسب ما نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ).
وكان فهمي مسؤولا عن توقيع عقد مع شركتي علاقات عامة أمريكيتين، وهما "ويبر شاندويك" و"كاسيدي وشركائه" للترويج لنظام السيسي بعد انقلابه العسكري في 2013، وهو العقد الذي ألغته شركة "ويبر شاندويك" بعد 6 أشهر فقط نتيجة التحقيق الذي نشرته "ذي أتلانتيك" وانتقدت خلاله الاتفاق مع حكومة السيسي.
وكشف مصدر من الدائرة المقربة من السيسي عن الخطة التي اعتمدها الرجل الجديد الذي يدير ملف الإعلام، اللواء ناصر فهمي، بمعاونة العميد محمد صفوت، حيث اعتمدا على إعادة رجال الأعمال مرة أخرى للمؤسسات الإعلامية تدريجيا، بعد فشل إدارة تلك المؤسسات عن طريق الجهاز مباشرة، وفق "العربي الجديد".
إخفاقات في إدارة المؤسسات وتكبدها خسائر طائلة، كانت نتيجة لتنقل الملف بين عدة جهات، من بينها المخابرات العامة، وتنازعه بين عباس كامل ومحمود السيسي، ثم انتقاله إلى رئاسة النظام، وتحديدا تحت إشراف اللواء محسن عبدالنبي، ولكن في كل مرة كان يتذمر من سلوك الإعلام، حيث صار فاقدا للشرعية، لذلك تحتم إجراء حركة تغييرات شاملة وواسعة.
عودة رأسمالية
تهدف خطة اللواء ناصر فهمي في عودة رجال الأعمال، إلى ضخ أموال تنقذ الوضع المالي المنهار داخل القنوات الفضائية التابعة للمخابرات، مثل قنوات "أون" بعدما عادت أسهم رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة إلى الصعود مرة أخرى، ليتمكن من شرائها من جديد، بعد أن باعها سابقا لشركة إعلام المصريين، حسب صحيفة "العرب".
ومن المرجح أن يعود رجل الأعمال محمد الأمين لشراء قنوات "سي بي سي" مرة أخرى، ويتردد اسم رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، للاستحواذ على مجموعة قنوات "الحياة" على أن تظل قنوات "دي أم سي" تحت ملكية جهات حكومية، مع خفض عدد البرامج والعاملين.
وتشير "العرب"، إلى أن "إلقاء القبض على إحدى الشخصيات القريبة من الحكومة (ياسر سليم) التي لعبت دورا في إدارة الإعلام، قبل أيام، يعد أحد ملامح خروج الحكومة من ملكية بعض القنوات والصحف بإزاحة هذه الأسماء. لكن عودة رجال الأعمال إلى الاستحواذ على الإعلام لا يعني ترك الساحة خالية تماما لهم، لأن هناك قناعة بأن هذا الملف سياسي ومن الصعوبة أن ترفع الحكومة يدها عنه بالكامل.
المصادر
- انسحاب إماراتي قريب من سوق الإعلام المصري
- تغييرات واسعة في خريطة إعلام السيسي
- الإعلام.. سلاح الإمارت الخفي للسيطرة على الرأي العام المصري
- توتّر في غرف المخابرات: ماذا بعد شعبان؟
- إغلاق قناة TEN.. سبب القرار المفاجئ من المالك.. ورد فعل العاملين
- تقليص دعم الإمارات للإعلام المصري...ضغط أم انسحاب
- بإيعاز إماراتي.. السيسي يبعد نجله عن المخابرات في مهمة طويلة
- Egypt's Best Friends in D.C, Why is a PR firm working directly for one of Egypt's top spy services?
- Weber shandwick ends controversial contract with Egypt's government