الوجه الآخر.. أسباب استقطاب الإمارات لمشاهير السوشيال ميديا

"الأخوة والأخوات.. أعلنا اليوم عن تشكيل مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات بهدف ترسيخ مكانة الدولة إقليميا وعالميا وزيادة معرفة شعوب العالم بها".
كان هذا جزء من إعلان محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن تشكيل ما هذا المجلس، يوم 29 أبريل/نيسان 2017، والذي يرسخ قوتها الناعمة، عبر مجموعة من الأطر، على رأسها وسائل الإعلام، وبالأخص وسائل التواصل الاجتماعي.
الأخوة والأخوات..أعلنا اليوم عن تشكيل مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات بهدف ترسيخ مكانة الدولة اقليميا وعالميا وزيادة معرفة شعوب العالم بها pic.twitter.com/b0SAcquKfN
— HH Sheikh Mohammed (@HHShkMohd) April 29, 2017
وبذلك، تحاول دبي أن تكون قبلة لرواد السوشيال ميديا، من مختلف أنحاء العالم، وعلى المستويين الإقليمي والعالمي، ومرد ذلك وفق البعض، تجميل صورتها التي ساءت كثيرا بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، ومشاركة أبوظبي في وأد تطلعات الشعوب، عبر دعم فلول الأنظمة البائدة، والمشاركة في قمع الحراك، ثم الدخول مباشرة إلى معترك الأحداث، وفي ليبيا واليمن خير مثال.
فكيف بدأ حكام الإمارات، خطتهم لجذب اليوتيوبرز إلى بلادهم؟ وما الرسائل التي أرادوا إرسالها إلى العالم؟
الوجهة دبي
أحمد حسن وزينب، ثنائي مصري مشهور عبر موقع "يوتيوب"، أثارا الجدل والسخط في مصر، بسبب المحتوى الذي يقدمانه على مواقع التواصل الاجتماعي، وعقب تلك الموجة مباشرة، غادر الزوجان إلى دولة الإمارات.
وفي 11 أغسطس/ آب 2019، نشر أحمد حسن وزوجته زينب، مقطع فيديو جديد خلال رحلتهما إلى دبي، حيث يظهران سويًا داخل حمام سباحة.
وحمل الفيديو المنشور عبر قناته الرسمية عنوان "أول مرة ننزل حمام السباحة مع بعض .. لحظات رومانسية".
ونشر أحمد حسن، عبر حسابه الرسمي على "إنستجرام"، صورا عبر خاصية "الاستوري"، له مع زوجته زينب داخل المطار، ثم نشر صورا لهما في الطائرة وهما يتناولان الطعام، وصورا للحظة وصولهما إلى الإمارات مشيرين إلى أبراج "خليفة"، قائلا: "خلاص إحنا خارج مصر ووصلنا دبي"، مضيفا: "كم هذا منظر جميل".
وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عقب عودتها من دبي، طلبت نيابة البساتين الجزئية برئاسة المستشار مصطفى المتناوي رئيس النيابة، والمستشار أحمد عمران، مدير النيابة، تقرير بحث اجتماعي من المجلس القومي للطفولة والأمومة حول أسرة (اليوتيوبر) الشهير أحمد حسن وزوجته زينب عن أسلوب حياتهما.
وقال أحمد حسن، وزوجته خلال التحقيقات: إنهما "يحصلان على مبلغ مالي 400 دولار شهريا مقابل هذه الفيديوهات".
وتجاوز عدد متابعي قناة الثنائي المصري، أكثر من 3 ملايين، و700 ألف متابع، حتى تاريخ 12 ديسمبر/ كانون الثاني الجاري، ولعل هذا ما دفع دولة الإمارات لفتح أبوابها أمام هذه الحالة المثيرة للجدل.
سياحة الطعام
الكندي مارك وينز، أشهر "يوتيوبر" يجري رحلات استكشاف الطعام حول العالم، وتتجاوز متابعات قناته على موقع "يوتيوب" أكثر من 5 ملايين متابع من مختلف الدول والأقطار.
استقطبته الإمارات، ليصور سلسلة مقاطع من داخل أراضيها، متجولا في مطاعمها الفاخرة، وإطلالاتها، والفنادق الكبرى، بالإضافة إلى حرصه على إظهار الحياة المثالية، وسعادة الشعب، ومدى فخامة وجودة الطعام الخاص بالثقافة الإماراتية، وتحديدا إمارة "دبي"، التي بلغت مشاهدات الحلقة الخاصة بها نحو 15 مليون مشاهدة.
وكتب وينز عن هذه الحلقة في قناته: "عندما كنت في دبي، نُلت شرف التجول وتناول الطعام، لقد تنقلنا في الأرجاء وتناولنا الطعام الإماراتي من: أرز و لحم ماعز، طعام الطريق، شاي الكرك".
ولكن أبرز ما ذكره: "أود أن أعرب عن شكري الكبير خلال زيارة دبي، بسبب حصولي على تذاكر مجانية لجميع الأماكن السياحية في هذه المدينة".
وأضاف أنه "يوم مدهش آخر في دبي، حيث بدأنا بزيارة برج خليفة، أطول مبنى في العالم، بإطلالته الرائعة، كما استمتعنا بعد ذلك بوجبة غداء إماراتية أصيلة مذهلة في مركز الشيخ محمد بن زايد للتفاهم الثقافي، وأخيرا أنهينا رحلتنا".
ورغم أن مارك وينز، أجرى زيارات عديدة لمختلف دول العالم، وفي الشرق الأوسط، بداية من مصر، والأردن، ولكن زيارته للإمارات حملت بعدا مختلفا، حيث هيأت له الدولة الفرصة لإظهار صورتها، وسهلت له المزارات المتعددة لمناطق مختلفة، منها أماكن رسمية.
قمة الرواد
في عام 2015، أطلقت دبي قمة "رواد التواصل الاجتماعي العرب"، برعاية وتوجيه محمد بن راشد. وكانت القمة بمثابة الحدث الأول والأكبر من نوعه في المنطقة للمؤثرين العرب على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ممثلين من كبرى شركات التواصل الاجتماعي في العالم.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، عقدت الدورة الثالثة من قمة "رواد التواصل الاجتماعي العربي"، وفي بادرة خصصت اللجنة منصة للمشاهير للقاء معجبيهم ومتابعيهم المقيمين في الإمارات، كما "دكان شو" و"لوفين دبي" لتسليط الضوء على تجربة البودكاست في الوطن العربي، بعد أن أصبحت أحد أكثر الوسائل الإعلامية استخداماً.
والبودكاست عبارة عن تسجيلات صوتية رقمية يمكن أن تحتوي على حوار أو كلام أو موسيقى، ويتم توزيعها ونشرها عن طريق الإنترنت كملفات إم بي ثري قابلة للتحميل. وقد انتشرت فكرة البودكاست مؤخراً بدءاً من الهواة المتحمسين الذين يودون أن يستمع الآخرون لتجاربهم.
ووفرت القمة، بتنظيم من "براند دبي"، الذراع الإبداعي للمكتب الإعلامي لحكومة دبي، للشركات المختارة، مجموعة متكاملة من أساليب الدعم بما يشمل تيسير المشاركات في الفعاليات الخارجية، وتوفير التغطية الإعلامية اللازمة، وذلك بالاعتماد على شبكة واسعة من الشركاء الاستراتيجيين من الهيئات والمؤسسات المحلية والعالمية.
وتشمل قائمة الشركات المشاركة: "قلتش، ونوك، وهوم بيكري، وذا بلو دور، وذا ليفنج روم، وترويس كافيه، وتريتري، وفارمرز كوفي، وجليلة للشوكولاته، وذا يوغورت لاب، وباي اتش بي، وجولي كافيه، ووايلد بيتا، وابسلوت زيرو، وديلي دوز، وارابيان تي هاوس".
وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول 2018، بالتوازي مع عقد القمة، أطلقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، تغريدات مثيرة حول قمة "رواد التواصل الاجتماعي" في الإمارات.
وقالت المنظمة: إن "المؤتمر يحتفي بدور المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي في دبي، بينما المؤثرون الحقيقيون يقبعون في سجون الإمارات بسبب منشورات على فيسبوك"، وتابعت بكلمة: "مهزلة!".
مؤتمر يحتفي بدور المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي في #دبي، بينما المؤثرون الحقيقيون يقبعون في سجون #الإمارات بسبب منشورات على فيسبوك. مهزلة! #arabsmis https://t.co/LPCqqH1s27
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) December 10, 2018
وبحسب المنظمة، فإن "مؤتمر رواد التواصل الاجتماعي العربي، كان سيحظى بقليل من المصداقية لو أنّ الإمارات التي تحتضنه لم تسجن أحمد منصور، وغيره من النشطاء بتهم (استخدام مواقع التواصل الاجتماعي)".
وسخرت المنظمة من الواقع الذي تعيشه الإمارات، قائلة: "هل سيتم توزيع كتيّب (كيف تغرّد دون أن تذهب للسجن؟) على المشاركين".
القيادات الإعلامية
في 31 أغسطس/ آب 2019، أقيمت في دبي، نسخة من برنامج "القيادات الإعلامية العربية الشابة"، وذلك برعاية منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي وزير شؤون الرئاسة، ورئيس مركز الشباب العربي.
وذلك بمشاركة 100 شاب وشابة من شتى أرجاء المنطقة العربية، وفر لهم النظام الإماراتي فرصة للانضمام إلى مجموعة ورش العمل والدورات التدريبية والمحاضرات، إلى جانب الزيارات الميدانية لعدد من المؤسسات الإعلامية الكبرى في إمارتي دبي وأبوظبي، وذلك بهدف استغلالهم لتشكيل رؤية داعمة لتوجه الإمارات عن مستقبل القطاع الإعلامي، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتعرف على آليات ذلك العمل مباشرة.
وقدمت الإمارات ذلك البرنامج تحت عنوان "دبلوم المؤثرين"، وضم مجموعة من المناهج العلمية المخصصة لدراسة خصائص وسائل التواصل الاجتماعي وتحليل توجهاتها المستقبلية، بهدف مواكبة ما تشهده من تغيرات بوتيرة متسارعة.
جدير بالذكر أنه في مارس/ آذار 2018، بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة، بتطبيق قانون ينظم الإعلام الإلكتروني بما في ذلك المواقع الإعلانية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وألزم القانون، الفئة "المؤثرة" من نجوم ومشاهير التواصل الاجتماعي بالحصول على رخصة حكومية تجارية.
وكانت الإمارات أول بلد عربي يفرض على ما يعرف بالـ "مؤثرين"، امتلاك ترخيص يصل ثمنه إلى (4 آلاف دولار أمريكي) في السنة، ويدفع المخالفون لهذا التشريع غرامة قدرها (13 ألف دولار أمريكي) في السنة.
التسويق المؤثر
بحسب آخر إحصاء لموقع "ستاتيستا" في يناير/ كانون الثاني 2019، في الإمارات، ينفق حوالي 43 في المائة من المسوقين ما يصل إلى 10 آلاف دولار لكل حملة من وسائل التأثير على وسائل التواصل الاجتماعي ويزيد الرقم مع مرور الوقت.
وحتى تضبط الدولة عددهم وتتمكن من مراقبة المحتوى الذي يقدمونه، اتخذت الإمارات خطوات لتنظيم مجال "التسويق المؤثر". وطلب المجلس الوطني للإعلام من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي التسجيل في الحكومة، وحدد قائمة بالرسوم التي قد تنطبق على المدونين الذين يروجون للعلامات التجارية عبر الإنترنت.
لكن الأمر لا يتعلق بالمال، فبحسب موقع "جولف نيوز" الناطق بالإنجليزية، "67 بالمئة من المؤثرين المقيمين في الإمارات هدفهم إحداث تغيير حقيقي في سلوك الإماراتيين ومواقفهم. فيما قرر 16 بالمئة أن يصبحوا مشاهير لأنهم يريدون زيادة شعبيتهم على الإنترنت، بينما أقر 11 بالمئة أنهم فعلوا ذلك لتحقيق مكاسب مالية".
وفي الإمارات، لا تقتصر شهرة السوشيال ميديا على المدونين فقط، أو خبيرات التجميل والموضة، بل لأفراد من الأسرة الحاكمة حسابات تتنافس على الظفر بأعلى عدد من المتابعات، فهؤلاء يدركون جيدا مدى أهمية هذه الفضاءات. ويعتبر أشهر هؤلاء، حمدان بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، وهو الابن الثاني لمحمد بن راشد.
ويلقب حمدان بن راشد بـ"فزاع" وهو الاسم الذي يطلقه على حسابه عبر "إنستجرام" ويديره بنفسه، يتابعه 7 ملايين و500 ألف مستخدم للموقع، وينشر صورا وفيديوهات لهواياته وصور سيلفي من أعلى ناطحات السحاب بدبي.
الوجه الآخر
دبي التي تحاول أن ترسم صورة مختلفة لها، من خلال استقطاب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لها وجه آخر مختلف، يتجاوز الصورة المخملية لناطحات السحاب، والمطاعم الفاخرة، والطرقات فائقة الجمال، ففي 1 فبراير/ شباط 2019، أعلنت منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرنسي): أن "إمارة دبي أصبحت ملاذا عالميا لغسل الأموال، حيث يمكن للفاسدين وباقي أصناف المجرمين شراء عقارات فاخرة دون أي قيود".
وأوردت منظمة الشفافية في تقريرها السنوي عن مؤشر الفساد في العالم، نتائج خلصت إليها شبكة التحقيقات الصحفية لمكافحة الفساد والجريمة ومركز الدراسات الدفاعية المتقدمة في واشنطن عن غسل الأموال في إمارة دبي.
وقالت صحيفة ذي غارديان البريطانية في يونيو/ حزيران 2018: إن "دبي تخطت جزيرة كوستا ديل كرايم الإسبانية المعروفة بأنها أسوأ مكان في العالم من حيث غسيل الأموال".
وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وصف تقرير الخارجية الأمريكية الإمارات: بأنها "المحطة الإقليمية والدولية لتنقلات المنظمات الإرهابية ومركزا لها لاستقبال وإرسال الدعم المالي"، وأكد: أن "اعتبارات سياسية كانت عائقا أمام قيام الحكومة الإماراتية بتجميد ومصادرة الأصول الإرهابية".
فمن خلف أبراجها الشاهقة وصورتها المقدمة بلدا لـ"السعادة"، تطل الإمارات بوجه آخر على العالم في مجالي الحقوق والحريات، أجمعت المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان على وصفه بالدمامة.
وتقول هيومن رايتس ووتش إن الإمارات إذ "تقدم نفسها منارة للتسامح بالمنطقة، فإن المعطيات تكشف عن وجود حقيقة أقبح من ذلك بكثير تنم عن ازدراء لمبادئ حقوق الإنسان".
وبدأت الإمارات باعتقال المعارضين منذ أحداث الربيع العربي، لكن دائرة الانتهاكات اتسعت لتعبر الحدود الإقليمية مع انكشاف العديد من السجون التي تديرها في كل من إريتريا وليبيا واليمن، واقترفت فيها أبشع الانتهاكات، وفق ما أثبتته وكالة أسوشيتد برس وهيومن رايتس ووتش.
المصادر
- تغريدات مثيرة لـ"رايتس ووتش" على قمة رواد التواصل بالإمارات
- مفاجأة تصدم مشاهير السوشيال ميديا في الإمارات (فيديو)
- سر أكبر خدعة على السوشيال ميديا.. مشاهير إنستجرام يستغلون المتابعين لتحقيق مكاسب بآلاف الجنيهات.. أحمد حسن ورفاقه يبيعون الهواء بـ"اعمل فولو" والزبائن نجوم وفنانين.. ومطالب بآلية قانونية لكشف الفولو المدفوع
- "قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب" تعلن اجندة الفعاليات
- دبي تطلق أول برنامج أكاديمي عربي لـ"المؤثرين"
- 100 شاب عربي ببرنامج "القيادات الإعلامية" في دبي
- «بناخد 400 دولار شهريًا».. نص التحقيقات مع الثنائي «أحمد وزينب» في نيابة البساتين
- الإمارات تعلن تأسيس مجلس لـ“القوة الناعمة“.. تعرف على أهدافه
- الإمارات.. انتهاكات عابرة للحدود