عداء تاريخي.. ماذا ينتظر مغاربة إسبانيا بعد فوز حزب "فوكس"؟

12

طباعة

مشاركة

بدأ البرلمان الإسباني الجديد مهامه الأسبوع الماضي، بحضور حزب "فوكس" اليميني المتطرف بقوة، بعد أن فاز في الانتخابات التي أُجريت في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني، بـ52 مقعدا في البرلمان، مقابل 24 مقعدا فقط في السابق.

وتمكن الحزب من الفوز بالمقعد البرلماني الوحيد في مجلس النواب الإسباني المخصص لمدينة سبتة، التي يعتبرها المغرب محتلة، بحصوله على 9 آلاف و663 صوتا، متفوقا على الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي. وتحدثت الأرقام الرسمية عن تصويت 62 ألفا و553 مواطنا إسبانيا في الانتخابات التشريعية بالمدينة، منهم 59 ألفا و820 مقيما وألفين و693 في الخارج. 

وفي أول نشاط له بعد الفوز حل رئيس الحزب بمدينة سبتة ودعا إلى بناء جدار على السياج الذي يفصل بينها وبين مدينة الفنيدق المغربية.

وهذا التحرك لم يكن الأخير، فقد طالب منذ أيام بتطبيق الاتفاقية التي وقعتها إسبانيا مع المغرب في 2013، المتعلقة بترحيل القاصرين المغاربة من إسبانيا.

واعتبر الحزب أن 85 بالمائة من القاصرين الموجودين بمدينة مليلية، هم من جنسية مغربية، ونسبة كبيرة منهم، حسب تصريحه، يعبرون المعبر الحدودي بشكل قانوني مع أسرهم قبل أن يتم تركهم داخل المدينة، بغرض نقلهم إلى مركز الإيواء في انتظار تسوية أوضاعهم.

تحركات الحزب دفعت هيئات سياسية ونقابية وجمعوية إسبانية، إلى الخروج في مسيرة احتجاجية للتنديد بـ"تفشي العنصرية والخطاب التحريضي" والمطالبة بـ"المساواة والتعايش بين جميع الأجناس". المشاركون نفوا أن يكونوا عبئا على الدولة الإسبانية كما يصفهم الحزب، وشددوا على أن وجودهم بالأراضي الإسبانية غرضه بناء اقتصادها.

لماذا المغاربة؟

أفادت وزارة الداخلية الإسبانية بأن "الإقبال على الانتخابات التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بلغ نسبة 3.5 بالمئة، أي أقل من آخر اقتراع جرى في أبريل/نيسان من العام ذاته. ولفتت إلى تراجع عن 41.5 في المئة من الانتخابات السابقة.

وحث قادة الأحزاب الناخبين على التصويت بعد أن أشارت استطلاعات رأي إلى أن نحو 35 في المئة من ناخبي إسبانيا البالغ عددهم 37 مليونا قد لا يشاركون في الاقتراع.    

هذه الانتخابات جعلت حزب "فوكس" الراديكالي يضاعف عدد مقاعده ليصبح ثالث أقوى حزب في البلاد، بعد أن فقد الحزبان التقليديان المتنافسان تاريخيا والممثلان لليمين واليسار، الحزب الشعبي والحزب العمالي الاشتراكي، شعبيتهما عقب الأزمة المالية التي أغرقت إسبانيا في سيل من الأزمات الاجتماعية والديون منذ 2008.

وبحسب المختص في الشأن الإسباني والعلاقات المغربية-الإسبانية، نبيل دريوش، فإن فكر حزب "فوكس" ليس أمرا طارئا، فهده الأفكار والمعتقدات بخصوص المغاربة الذين يجسدون الإسلام، تعود إلى حقبة حروب الاسترداد وكانت منتعشة في الذاكرة الإسبانية بسبب لحظات الصدام مع المغرب العائد لمخلفات حقبة الأندلس.

وعدد دريوش في تصريح لصحيفة "الاستقلال" أسباب العداء، متطرقا إلى مشكلة الموريسكيين وبعدها حرب تطوان عام 1860 وما حملته من تعبئة للشارع الإسباني، و"الاستعمار الإسباني للمغرب في القرن العشرين ودور المغاربة في حسم الحرب الأهلية الإسبانية لصالح الجنرال فرانسيسكو فرنكو، ثم المسيرة الخضراء واسترجاع الصحراء عام 1975".

وبالتالي فالهجرة المغربية لإسبانيا، بحسب المختص، وجدت أن هذه الحواجز النفسية موجودة لدى شرائح يمينية إسبانية خصوصا مع ما رافق هذه الهجرة من مشاكل والسياق العالمي للحرب على الإرهاب والخلط بينه وبين الإسلام.

هذه المرتكزات كلها يعتمد عليها حزب فوكس لشحذ التعاطف ضد الهجرة المسلمة التي لا يمثلها إلا المغاربة بحكم القرب الجغرافي وبعد المشرق جغرافيا وتاريخيا عن إسبانيا،  وقال المتحدث: إن "الحزب اليميني متطرف وكان دائما موجودا داخل الحزب الشعبي، لكنه لم يكن في الواجهة وكان المعتدلون يخفون خطابه المتشدد". 

عداء تاريخي

الرأي نفسه تبناه أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة، عبدالرحيم العلام، الذي قال: إن عداء المهاجرين هي موجة تعيشها أوروبا بشكل عام، وأكبر جالية موجودة في إسبانيا هي المغربية، فبالتالي من الطبيعي أن أي حزب يكره المهاجرين سيكون عداءه أشد للجالية الأكبر تعدادا.

هذا لا يعني، بحسب العلام، أن الحزب اليميني لن يعادي الجزائريين والتوانسة في إسبانيا، فالأمر يرتبط بنزاع تاريخي بين المغاربة والإسبان، وهذا يظهر في التسمية العنصرية التي يطلقونها عليهم "المورو". 

واعتبر  في حديث لصحيفة "الاستقلال"، أن هذا الحزب يتغذى من التاريخ والواقع أيضا، الذي يفيد بأن هناك يمينا يعتقد أن المهاجرين هم الذين استحوذوا على مناصب الشغل ولوثوا البيئة ويرتكبون أفعالا لا تتوافق والحضارة الغربية الأوروبية. يضاف إلى هذا الواقع تاريخ العلاقات الإسبانية - المغربية المليئة بالانتصارات والهزائم في رصيد الطرفين. 

قضية سبتة ومليلية تلعب دورا مهما في هذا العداء، بحسب المتحدث، فالمغرب يطالب بتحرير المدينتين ومن المؤكد أن الحزب غير موافق على ذلك، شأنه شأن باقي الأحزاب الإسبانية التي تعتبر المدينتين جزءا من التراب الإسباني.

عامل آخر رأى العلام أنه قد يشكل سببا، وهو وقف التجارة السرية من طرف المغرب مع المدينتين، والضغوطات التي يمارسها التجار الإسبان على سلطات بلادهم من أجل إجبار المغرب على التراجع عن هذا القرار الذي بموجبه تمت محاصرة هذين الثغرين، وبالتالي فهما تعيشان نوعا من الكساد التجاري. 

خريطة الوجود

حصل الحزب على المقعد الوحيد في البرلمان عن مدينة سبتة الحدودية، وتعرف المناطق التي يرتكز بها المهاجرون حضورا كبيرا له، ما يفسره المتخصص في الشأن الإسباني بكون مشاكل الهجرة والاندماج والبطالة تبدو ملحوظة في هذه المناطق وفي مقدمتها جهة مورسية بجنوب شرق إسبانيا، التي عرفت موجة عداء غير مسبوقة على المغاربة في فبراير/شباط عام 2001.

وعرفت هذه الموجة أنذاك بأحداث "إيل ايخيدو" بسبب مقتل أحد المزارعين الإسبان على يد مهاجر مغربي، وهو ما تحول إلى رفض جماعي للمغاربة مستحضرا صورة "المورو" القوية في الذاكرة الشعبية الإسبانية.

واعتبر دريوش أن "فوكس" تجسيد لإسبانيا ما قبل الانفتاح والانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، ويمثل الانغلاق واستحضار الشوفينية الضيقة ومحاربة الإسلام باعتباره العدو الطبيعي لإسبانيا الكاثوليكية.

النتائج التي حصلها الحزب في الانتخابات الأخيرة، فسرها أستاذ القانون الدستوري، بعدم رهان الحزب على فئات بين المواطنين الإسبان، تؤمن بالديمقراطية والتعددية والتسامح، لأن هذه الفئات تصوت لأحزاب أخرى، كالاشتراكي والحزب الشعبي، وإنما راهن على الذين فقدوا الثقة في هذه الأحزاب ويبحثون عن بديل، أو الذين فقدوا الثقة في الحياة السياسية كلها وامتنعوا عن التصويت.

وبالتالي فإن "فوكس" بحث عن زبائن غير المعتادين، لذلك سيستمر في تصعيد خطابه، ما دام يوجد من يعتقد بأفكاره.

وجزم العلام بالمطلق أنه لا يمكن أن تشكل هذه الفئة الأغلبية، وربط حصوله على 52 مقعدا بنسبة المشاركة الضعيفة، التي لا تعني حسب المتحدث أن من امتنعوا عن التصويت هم مقتنعون بأفكار هذا الحزب، وإلا كان قد نال الأغلبية الساحقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة. 

الحزب لديه قاعدة شعبية، لكنها قلة فاعلة ومؤثرة لكن بشكل محدود. الإسبان يوزعون أصواتهم بطريقة ذكية، بحسب العلام، فهم يعطون للأحزاب المتعقلة الأغلبية وللأحزاب المغامرة أصواتا محدودة تمكنهم من التأثير ولكنها لا تمكنهم من القيادة. 

ماذا ينتظر المغاربة؟

بحسب المتخصص في الشأن الإسباني، نبيل دريوش، سيكون الحزب مزعجا على مستوى الخطاب الذي يحاول بثه والترويج له عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لضمان شرائح أوسع مستغلا موجة الوطنية التي تجتاح إسبانيا بسبب الأزمة الكتالونية المستمرة، وبالتالي هذا يفرض تواصلا أكبر من طرف جمعيات المجتمع المدني المغربية والضمائر الحية بإسبانيا لوقف هذا الزحف.

فيما لم ينف أستاذ القانون الدستوري، أن ينتقل هذا الخطاب المعادي للمهاجرين من الشعارات إلى الواقع، موضحا أن كثير من السياسات المنتهجة اليوم، حتى بالنسبة للأحزاب السياسية - التي لا تعادي المهاجرين حتى لا تعطي مبررات لليمين المتطرف - بدأت تتخذ بعض الخطوات من شأنها حرمان المهاجرين من امتيازات معينة أو التضييق عليهم ودفعهم إلى مغادرة البلاد.

وهناك سياسات بدأت تنتهجها الحكومات كأنها تدخل في منافسة مع هذا التوجه المتطرف المعادي للمهاجرين. صحيح أنها لا تملك نفس الأفكار ولكنها تأثر بشكل أو بآخر على المهاجرين، وفق ما يقول. 

أما على مستوى الواقع، يواصل المتحدث لـ"الاستقلال": "نشاهد مستوى العنف الذي أصبح يمارس ضد المهاجرين في مختلف الدول، نتيجة التحريض ضدهم، مثل إيهام العاطلين عن العمل في أوروبا أن هؤلاء هم سبب معاناتهم، وبالتالي فهذا العداء بدأ ينتقل من الشعارات إلى الأرض".

ويرى العلام أنه في حال لم تعد المجتمعات الأوروبية إلى رشدها والجانب العقلي في حضارتها، فمن المؤكد أن هذا الخطاب سينتشر ويؤثر على التعايش المفروض داخل هذه المجتمعات، التي كان رأس مالها قدرتها على التعاون والتفاهم مع الثقافات والأعراق المختلفة. 

أسباب نجاحه 

هناك سياقان في نظري يتحكمان في صعود "فوكس"، يقول نبيل دريوش: أولها دولي نتيجة صعود هذه التيارات في مختلف البلدان الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وانتعاش هذه الأفكار في إيطاليا وهولندا وفرنسا.

وهذه الأحزاب ترفض فكرة الاتحاد الأوروبي من الأساس، واستفادت من أزمته وعدم قدرة بلدانها على ضمان حياة الرفاه السابقة، وبالتالي بدأ الانغلاق والنظر إلى المهاجرين كأناس غير مرغوب في وجودهم.

والسياق الآخر هو الحرب على الإرهاب وجرائم تنظيم الدولة التي جعلت صورة الإسلام في وسائل الإعلام الغربية سيئة للغاية.

يضاف إلى ذلك، الأزمة الاقتصادية في إسبانيا التي وضعت حدا لفترة تعاقب حزبين على الحكم، وتحولها إلى أزمة هوياتية مع مشكلة كتالونيا التي تطالب بالانفصال، وهذه كانت محورية في صعود فوكس، لأن تطرف الموجة الانفصالية أنجب تطرفا في الأطروحة اليمينة الإسبانية كرد فعل على ذلك.