إرهاصات عزل سياسي.. هل تعيد السودان سيناريو مصر واليمن وليبيا؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 27 أبريل/ نيسان 2019، في باكورة الانقلاب العسكري على الرئيس السوداني عمر البشير، أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، أن "حزب المؤتمر الوطني لن يكون جزءا من المرحلة الانتقالية".

التصريح وقتها أظهر عزم الجنرالات الجدد على القضاء تماما على إرث البشير، رغم أن حزبه يمتلك كتلة كبيرة في مفاصل الدولة، وداخل الأطر السياسية والاجتماعية.

لم يمر الوقت طويلا حتى بدأت إرهاصات "العزل السياسي" لحزب المؤتمر، بإصدار قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، لتبدأ حرب تكسير العظام بين مجلس السيادة المشكل من قادة المجلس العسكري و"قوى التغيير" (أغلبهم من اليسار) من جهة، وحزب المؤتمر (أغلبهم إسلاميون) الذي يشكل مفاصل الدولة من جهة أخرى.

ورغم أن مجلس السيادة الحاكم الآن نفى صحة ما نشرته بعض وسائل الإعلام من أن "القانون الجديد أقر عملية العزل السياسي بحق من يسميهم رموز نظام الإنقاذ أو الحزب، بمنعهم من ممارسة العمل السياسي لمدة لا تقل عن 10 سنوات"، إلا أن الأجواء العامة ملبدة بغيوم العزل.

فهل تنجح السلطة الجديدة في السودان في إقصاء حزب المؤتمر ورجاله وداعميه؟ أم يتكرر سيناريو دول مثل مصر، وليبيا، واليمن، التي شهدت مآسي بسبب مسألة العزل السياسي، وانتهت الأمور في تلك البلدان ما بين حروب أهلية طاحنة (ليبيا واليمن)، أو انقلاب عسكري دموي (مصر)؟

فقط تونس هي من نجت من المقصلة بعد أن ضربت مثالا يحتذى به في التعايش، وتجاوز آلام الماضي، عبر خلق نموذج لاستيعاب رجال النظام السابق، ودمج جميع الأطراف والمكونات لإنتاج مسار ديمقراطي، يتجاوز الكثير من الأخطار والعقبات.

"تفكيك الإنقاذ"

في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في اجتماع مشترك بين مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء في السودان، تم إقرار قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، الذي يقضي بحل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ومصادرة أمواله وتعليق النشاط السياسي لرموزه.

وفي ظل البرلمان في المرحلة الانتقالية، يتولى المجلسان معا مهمة إقرار القوانين بدلا من الهيئة التشريعية، وذلك بحسب الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.

وأخطر ما يستهدفه القانون الجديد، تفكيك البنية السياسية وشبكة علاقات القوى التي بناها ما يعرف بنظام الإنقاذ في السودان، الذي جاء بانقلاب في 30 يونيو/حزيران عام 1989 واستمر في الحكم لثلاثة عقود. 

وينص القرار على حل حزب المؤتمر الوطني، وحذفه من سجل التنظيمات والأحزاب السياسية في السودان، فضلا عن حل مجمل الواجهات التي كان يستخدمها والمنظمات الأخرى التابعة له أو لأي شخص أو كيان مرتبط به.

مصادرة ممتلكات

القانون الجديد حدد من يقصدهم بتعبير رموز المؤتمر الوطني،  بأنهم أي شخص شغل منصبا فيما يسمى "مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني" أو أي شخص كان عضوا بمجلس شورى الحزب أو عضوا بالمجلس القيادي للحزب، بمن فيهم من شغلوا منصب رئيس الجمهورية أو نائب رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس التشريعي أو واليا أو وزيرا اتحاديا، أو مديرا لجهاز الأمن، أو نائبا عاما، أو نقيبا للمحامين، أو رئيسا للقضاء، أو للمحكمة الدستورية لجمهورية السودان إبان نظام الإنقاذ. 

وتضمن القانون مصادرة ممتلكات وأصول الحزب لتصبح ملكيتها تابعة لحكومة السودان وفق ما تقرره لجنة خاصة في هذا الصدد، وأعطى القانون هذه اللجنة حق الملاحقة القانونية ومصادرة الممتلكات وتحديد طريقة التصرف بها.

ويستهدف القانون إزالة ما يسميه "التمكين" خلال فترة حكم نظام الإنقاذ، الذي يعرفه بأنه "أي طريقة أو أسلوب أو عمل أو تخطيط أو اتفاق للحصول على الوظيفة العامة أو الخاصة إنفاذا لسياسات نظام الإنقاذ سواء بالفصل من الخدمة تحت مظلة الصالح العام أو بتعيين منسوبي نظام الإنقاذ أو إحلالهم ليتولوا بأي وسيلة أو يسيطروا على الوظائف أو المصالح أو المؤسسات القائمة".

ويقع تحت التعريف كل ما نتج عنه "الحصول على أي ميزة أو إعفاء أو امتياز أو إتاحة فرص للعمل بسبب الولاء التنظيمي أو الانتماء السياسى أو القرابة بأحد رموز نظام الانقاذ أو قيادات الحزب أو الأفراد الذين نفذوا أو ساعدوا في الاستيلاء على السلطة عام 1989". 

ولا يقتصر القانون على استهداف هياكل الحزب السياسية بل يتعداها إلى ملاحقة نفوذ الحزب في الاتحادات المهنية والمؤسسات الحكومية والقضائية والمنظمات الثقافية وشركات القطاع العام أو المؤسسة بقانون خاص، كما حدث منذ أيام مع الجمعيات، والمنظمات الخيرية في البلاد.

أحد مقرات حزب المؤتمر بالخرطوم

النقابات والجمعيات 

في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت مفوضية العون الإنساني بالسودان التابعة للحكومة، قرارها بإلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، وجمدت أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها.

وذلك بعدما طالب تجمع المهنيين السودانيين، صاحب التوجه "اليساري"، وأبرز مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، التي قادت المظاهرات في البلاد، بحل هذه الاتحادات والمنظمات والجمعيات، والحجز على حساباتها المصرفية والأصول والممتلكات.

واعتبر مراقبون أن القرار جاء ضمن سياق إقصاء الإسلاميين، وتحييد دورهم في المفوضية، والعمل الطوعي الإنساني بشكل عام.

وبالعودة إلى قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، تنص المادة التاسعة في الفصل الرابع، على إلغاء وحل النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل. وأعطى القانون لمسجل تنظيمات العمل حق إلغاء تسجيل نقابة المحامين السودانيين ومجلسها ولجنة قبولها.

ودعاه إلى العمل على إلغاء "تسجيل اللجان التنفيذية واللجان المركزية للنقابات ومجالس الاتحادات المهنية وكافة النقابات المركزية والفرعية".

الهدف الرئيسي لهذه الإجراءات، هو الحد من نفوذ أعضاء حزب المؤتمر الوطني ومواليه في الاتحادات والنقابات المهنية. وفي تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال رئيس الوزراء السوداني حمدوك: إن "الإجراء يهدف إلى استرداد الثروة المسروقة لشعب السودان".

وقالت سماهر مبارك، المتحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين، في تصريحات إعلامية: "هذه لحظة تاريخية، لأن كل شخص في السودان تأثر بشكل أو آخر بهذا النظام بصورة سلبية".

عمق الأزمة

وحزب المؤتمر، الذي يسعى النظام الحالي إلى تفكيكه وإقصاء رموزه، تمتد جذوره إلى سنوات طويلة من العمل العام في مختلف قطاعات السودان، حيث يمثل حزب المؤتمر الوطني امتدادا للحركة الإسلامية بقيادة أمينها العام حسن الترابي، التي وقفت وراء الانقلاب العسكري الذي قاده البشير ضد حكومة الصادق المهدي المنتخبة في عام 1989.

تأسس الحزب على أنقاض "الجبهة الإسلامية القومية" في عام 1998 في أعقاب الخلاف بين البشير والترابي. وحُسم هذا الخلاف في عام 1999 عندما أصدر البشير مرسوما أعلن فيه حال الطوارئ وحل البرلمان فيما عرف "بقرارات الرابع من رمضان"، وجرى إقصاء الترابي نهائيا عن النظام الحاكم. وأعلن الترابي لاحقا عن تأسيس حزب جديد سماه "المؤتمر الشعبي".

وتشكل عماد حزب المؤتمر الوطني من عدد من قادة الحركة الإسلامية الذين كان البعض يصفهم بأنهم "تلاميذ الترابي"، ومن أبرزهم الدكتور غازي صلاح الدين الذي احتل منصب مستشار رئيس الجمهورية، وعلي عثمان محمد طه الذي تولى منصب نائب رئيس الجمهورية.

وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال رئيس حزب "المؤتمر الوطني" إبراهيم غندور: "الشعب سيجيز قريبا، قانون تفكيك قائدة الحراك الاحتجاجي (قوى إعلان الحرية والتغيير) الذي أطاح بالرئيس عمر البشير أبريل/نيسان الماضي".

وقال غندور، الذي يرأس حاليا حزب البشير، في تدوينة عبر صفحته على "فيسبوك": "قوى إعلان الحرية والتغيير أحزاب صغيرة، ستدور عجلة التاريخ ولن تتوقف هنا، وسيجيز الشعب قريبا قانون تفكيك "قحت" (اختصار قوى الحرية والتغيير)".

غندوى أكد أن الشعب السوداني "سيحرر شهادة الوفاة للفاشلين". وخاطب قوى الحرية والتغيير قائلا: "لا تشغلوا الناس عن قضاياهم بتصفية أحقادكم الشخصية وأمنياتكم الحزبية، ومهما فعلتم فستظلون كما أنتم أحزابا صغيرة وصغيرة جدا سرقت ثورة شعب عظيم".

الأكاديمي المصري أيمن علي قال لـ"الاستقلال": "أمضيت في السودان سنوات عديدة، وكنت على علاقة وثيقة بمختلف التيارات السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، لا سيما حزب المؤتمر الوطني، الذي يمثل شريحة كبيرة من المجتمع السوداني، وتتأثر به شرائح عدة، ولا يمكن غض الطرف عنها بحال من الأحوال، وإن كان على الحزب، وتاريخه الكثير من علامات الاستفهام، وتحديدا سياسة حكم البشير، التي ساهمت في تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية على مدار ثلاثة عقود".

وأردف علي: "لكن يجب أن نلفت النظر إلى أن جزءا من النظام الحالي، لا سيما المجلس العسكري بكل مكوناته، في الأساس كانوا رجال البشير، و"حميدتي" على وجه التحديد، كان من المقربين لدائرة الرئيس المعزول، فهل يجب أن يطبق عليهم أيضا قانون العزل السياسي؟!".

وأضاف الأكاديمي المصري: "تجارب العزل السياسي لا تنجح في الكثير من الدول، خاصة الدول غير المستقرة، التي تمر باضطرابات واسعة، وأنظمة حكم هشة، ورأينا ما حدث في ليبيا واشتعال الحرب الأهلية هناك، وكذلك اليمن، والتحالفات الشيطانية التي تمت بين علي عبدالله صالح والحوثيين".

علي أكد أن "نموذج السودان قريب من تلك التجارب، ومن الممكن أن تندلع حرب أهلية دموية، وخريطة الأحزاب، والعائلات، والقبائل تساعد على هذا، خاصة وأن حزب المؤتمر نفسه، رجاله موجودون في قطاعات الجيش، والأمن، والمخابرات، ويمثلون مراكز قوى نشطة".

واختتم علي حديثه: "الحل الأمثل للتجربة السودانية هو الحوار، وعدم الإقصاء، والدخول في مغامرات غير محسوبة العواقب، والمشاركة ستخفف من أخطار وأد التجربة، كما حدث في مصر، وساعد العسكر هناك على إنجاز انقلابهم المشؤوم، وأرى أن حميدتي يسير على خطى السيسي بقوة، لكي يدمر السودان".

أهل البادية

مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، صرح العباس أحمد البشير، شقيق الرئيس السوداني لصحيفة "الانتباهة"، قائلا: "الأسرة حذرت الرئيس (البشير) من قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، باعتبار أن أهل البادية عبر التاريخ ينقلبون على الحاكم". 

وقال "العباس"، الذي غادر السودان برا عبر الحدود الإثيوبية بعد سقوط النظام: "البشير أسس قوات الدعم السريع من الصفر، وأعطاهم كل الإمكانيات الحالية، نحن تحدثنا مع البشير، وقلنا له عبر التاريخ، إن كل الحكام والملوك الذين استعانوا بأهل البادية، انقلبوا عليهم واستلموا السلطة، وذكرنا له قصصا وعبرا، من التاريخ من الدولة الأموية والعباسية والمماليك الذين حكموا مصر".

وتابع: "البشير قال لنا أنا أعلم ذلك تماما، لكن لا توجد خيارات غير الاستعانة بالدعم السريع، الأوضاع في دارفور تتطلب الاستعانة بهم".

وأورد العباس "لا أعتقد أنه كان يتوقع ما حدث، ولم يكن أحد يصدق أن ينقلب حميدتي عليه، وكانت هناك محاولة انقلاب أثناء الاعتصام، وقلت للبشير، الدعم السريع سيقوم باستلام السلطة فقال لي: الذين يحرسون منزلنا الآن هم قوات الدعم السريع، هؤلاء أولادي". 

واعتبر العباس، أن "وزير الدفاع السابق عوض بن عوف، ومدير المخابرات السابق صلاح عبد الله قوش، خانوا ثقة أخيه".