الصحفي ياسر رزق.. "ترمومتر" السيسي لقياس الرأي العام

مهدي محمد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كشفت مصادر صحفية أن أبرز الأسماء المرشحة لتولي منصب وزير الدولة لشؤون الإعلام في مصر هو الكاتب ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، والمعروف بعلاقته الشخصية برئيس النظام عبد الفتاح السيسي.

وتحدث رزق نفسه قبل أيام عن تعديل وزاري مرتقب في مصر، إذ يعد الرجل أحد عرّابي النظام المصري، ويجري استخدامه دائماً من جانب النظام لإطلاق بالونات الاختبار الخاص بأي خطوات وقرارات سياسية يرغب في تمريرها، كما حدث من قبل بشأن التعديلات الدستورية التي مررها السيسي مطلع العام الجاري.

ونقلت صحيفة "العربي الجديد" عن المصادر أن دوائر أمنية ناقشت ملفات خاصة بعدد من الأسماء الصحافية والإعلامية البارزة، لتكون ضمن التعديل الوزاري المرتقب، الذي من المرجح بحسب المصادر، الإعلان عنه في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ومن بينهم ياسر رزق.

وبحسب المصادر، فإن السيسي من المقرر أن يعلن عن التشكيل الوزاري الجديد عقب عودته من الخارج، حيث يزور ألمانيا في الوقت الراهن لحضور القمة الألمانية الإفريقية.

وتوضح أن دوائر النظام الأمنية تعكف على هيكلة شاملة لملف الإعلام بكافة الوسائل التي تسيطر عليها الدولة، سواء بشكل معلن أو غير معلن، وسط تغييرات في رؤساء الهيئات الإعلامية الثلاث، حيث من المقرر أن يتولى كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وصهر اللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة، رئاسة المجلس الأعلى للإعلام، بدلا من الكاتب مكرم محمد أحمد، الذي اتُخذ قرار بتنحيته عن المشهد الإعلامي.

ولفتت المصادر إلى أن هيكلة الملف الإعلامي التي يجري وضع الرتوش النهائية لها، تتضمن سيطرة واسعة لشباب البرنامج الرئاسي، وبالتحديد 20 مساعدا للعقيد أحمد شعبان المشرف على البرنامج الرئاسي.

وهذه المجموعة معروفة داخل البرنامج الرئاسي، بـ"مجموعة العمل"؛ حيث تتمتع بنفوذ وثقل كبيرين استنادا على علاقتها بشعبان واللواء عباس كامل، إذ يتواصلون مع الوزراء وكبار الإعلاميين وينقلون لهم تعليمات وتوجيهات كامل وشعبان، والعميد محمود السيسي نجل الرئيس ووكيل جهاز المخابرات العامة.

وبحسب المصادر، فإن "كل فرد من مجموعة العمل أسندت له عدد من الوزارات والجهات الإعلامية له، ليشرف عليها، وتكون تحت مسؤوليته، بحيث يكون هو حلقة الوصل بينها وبين القيادات".

وقبل أيام، ظهر ياسر رزق، صاحب أشهر تسريبات للسيسي عقب إطاحة الجيش بالرئيس الراحل محمد مرسي، في لقاء تلفزيوني مثير للجدل مع الإعلامي أحمد موسى، تحدث فيه عن السيسي والجيش وقرب إجراء التعديل الوزاري، ليكشف المزيد من جوانب شخصية رزق المثيرة للجدل، ويعيد الحديث عن علاقته بالسيسي والجيش.

تصريحات مثيرة

ربما ليس بجديد الحديث عن علاقة ياسر رزق بالسيسي، إلا أن الصحفي، وصل إلى حد كبير من المبالغة لم يسبقه إليها أحد في وصف شخصية السيسي وتعداد إنجازاته وإمكاناته.

"السيسي لم يكن طامحا برئاسة الجمهورية، الرئيس نزل على إرادة الجماهير للاستمرار في الحكم"، تلك الكلمات تكررت مرارا على لسان النخبة الإعلامية الموالية له، خاصة بعد أن رددها السيسي نفسه، غير أن ياسر رزق وصل إلى مرحلة أخرى حيث قال: إن "إقناع الرئيس السيسي بالاستمرار في الحكم عملية شاقة".

وزاد على ذلك بالقول: "الشعب المصري هو الذي استدعى السيسي لتولي إدارة شؤون البلاد، والرئيس له رصيد كبير من الشعبية يجب الحفاظ عليها ولا يستنفد من أخطاء الغير" في تنزيه للسيسي عن الأخطاء وإشارة واضحة لبعض المسؤولين في نظامه.

ورغم النغمة الواحدة التي تعزف عليها مؤسسات الدولة بلا استثناء في دعم السيسي وتمجيده منذ الإطاحة بمرسي، إلا أن رزق كان له رأي آخر، فقال: إنه "لا يوجد بجانب الرئيس السيسي طبقة إعلامية أو سياسية على النحو المرجو".

ليس هذا فحسب، بل إن السيسي "يدافع منفردا عن كل ما يواجه البلاد من حرب نفسية" على حد زعم رزق، الذي وصف السيسي بأنه "الأنسب والأصلح في ذلك التوقيت، لكي نستطيع بناء الدول الحديثة الثالثة".

الكاتب الصحفي الذي بدأ حياته المهنية كمراسل عسكري، تابع مواصلة المديح للجيش والسيسي في آن واحد عندما قال: إنه "إذا لم يترشح السيسي في الانتخابات المقبلة فسنجد أنفسنا في مأزق، وسنضطر للجوء إلى القوات المسلحة مرة أخرى".

وتابع أيضا: إنه "لا بديل عن المؤسسة العسكرية"، مدعيا أن القوات المسلحة فقط هي الوحيدة القادرة على إنتاج كوادر إدارية مؤهلة لتولي منصب رئيس الجمهورية.

واعترف ضمنا بأن مؤسسات الدولة أعطت ظهرها للرئيس الراحل محمد مرسي وحاربته، وفي الوقت ذاته خالف تصريحه بشأن عدم وجود طبقة سياسية وإعلامية خلف السيسي، فقال: "الشخصية ابنة القوات المسلحة هي القادرة على حيازة احترام المؤسسات العسكرية والأمنية والمعلوماتية والدبلوماسية والقضائية والإعلامية، وهذه المؤسسات هي التي فقد محمد مرسي احترامها وسقط رغم وقوف تنظيم سياسي قوي خلفه".

اعتراف آخر أدلى به رزق كان موضوعه مثار جدل كبير خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يخص العلاقة المريبة بين الإعلام وأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، والتي وصلت إلى حد السيطرة وإملاء التعليمات واختيار الوجوه والموضوعات والضيوف إلى آخره من التفاصيل.

ياسر رزق قال: "الرئيس السيسي على علم بشريحة كبيرة من الإعلاميين بحكم موقعه كرئيس للمخابرات الحربية، وكان يجلس مع الإعلاميين خلال فترة توليه وزارة الدفاع"، وهو ما يطرح على الكاتب الصحفي تساؤلا في غاية الأهمية: ما العلاقة التي تجمع رئيس المخابرات الحربية أو وزير الدفاع بالإعلاميين؟".

رفيق السيسي

في أبريل/نيسان الماضي، وقبل استفتاء معيب، أقر البرلمان المصري (مجلس الشعب) تعديلات دستورية انتقدتها منظمات محلية ودولية، تشمل تمديد فترة ولاية السيسي الحالية إلى ست سنوات، والسماح له بالترشح بعدها لفترة جديدة مدتها ست سنوات أخرى تنتهي في 2030.

المثير أن تلك التعديلات كانت اقتراحا قدمه ياسر رزق قبلها بنحو 4 أشهر، عبر مقاله الشهير "عام الإصلاح السياسي الذي تأخر"، حيث اعترف بأن تعديله المقترح مفصل خصيصا لتمديد بقاء السيسي في الحكم، وبرر ذلك بضرورة الأوضاع القائمة، قائلا: "ربما يقول قائل إن النص الانتقالي بزيادة سنوات مدة الرئاسة إلى 6 سنوات هو تفصيل دستوري على حالة قائمة.. لكن من قال إن الدساتير توضع في فراغ من زمن وتصاغ في معزل عن أوضاع؟!".

ويبدو أن رزق يطلع على نوايا السيسي ونظامه، أو أنه مقرب منهما لدرجة أنه يكون مصدرا لما يريدون اختبار الرأي العام بشأنه من قرارات، وهو ما يترقب أن يتكرر خلال الفترة القليلة المقبلة.

ففي لقاءه بأحمد موسى، كشف رزق وجود تعديل مرتقب يطيح بـ 10 وزراء من الحكومة، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية هو من سيحدد موعد هذا التغيير، وقال: إن هناك ملاحظات على مستوى المحافظين، وعدد كبير من الوزراء.

وقبل يوم واحد من حواره مع أحمد موسى، بشر رزق بقرارات وخطوات يقترب السيسي من اتخاذها، في مقال له تحت عنوان: "نظام الحكم.. وإصلاح النظام السياسي".

وكتب رزق: "الواضح من رسائل الرئيس السيسي للمؤسسة السياسية (البرلمان والأحزاب والمجالس المحلية) والمؤسسة الدينية (الأزهر والأوقاف) والإعلام، أنه بصدد القيام بخطوة إصلاحية جديدة، أو الانتقال إلى مرحلة تالية على طريق الإصلاح السياسي".

وكشف أن هناك "تغييرات كبرى قادمة"، وتابع مفصلا: "لست أعني مجرد تغيير وجوه، فالمسألة ما كانت تتعلق أبدا بأشخاص، وما كانت تتعلق أبدا بقرار يصدر في يوم أو قرارات تعلن في بضعة أيام..!".

وأضاف: "عقلي يتنبأ مثلما يحدثني قلبي، بأن الفترة المقبلة حبلى بأنباء سارة لكل من يروم نقلة كبرى على طريق إصلاح سياسي منشود، يعتمد على حياة حزبية نشطة وعلى مناخ سياسي أكثر انفتاحا يستوعب كل مكونات تحالف 30 يونيو وعلى إعلام حر مسؤول وحصيف!".

ولعل الأيام وحدها هي التي يمكن أن تكشف ما ينوي السيسي فعله، ربما ليجاوز مرحلة غير مسبوقة من الغضب الشعبي تجاه شخصه وسياساته، استنادا إلى ما كشفه المقاول محمد علي وتبعه كثير من الإعلاميين والنشطاء المعارضين.

العودة للبدايات 

ولعل الشخصية التي تتمتع بهذه الدرجة من القرب من رأس السلطة في البلاد ومؤسستها العسكرية، تدفع نحو الرجوع إلى الخلف كثيرا للتعرف على طبيعة تكوينها.

بدأ ياسر رزق عمله الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم القومية، لمدة 30 عاما، وذلك منذ أن كان طالبا في السنة الأولى بكلية الإعلام التي تخرج فيها عام 1986.

تنقل رزق بين أقسام متعددة لصحيفة "الأخبار"، قبل أن يستقر على العمل محررا عسكريا، ثم مندوبا للصحيفة في رئاسة الجمهورية، حتى 2005، وهو العام الذي شهد توليه، ولأول مرة، منصب رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون الحكومية أيضا.

بعد 6 سنوات قضاها في إدارة شؤون المجلة الصادرة عن اتحاد الإذاعة والتليفزيون "ماسبيرو"، عاد إلى مؤسسة أخبار اليوم مرة أخرى، لكن كرئيس لتحرير صحيفتها اليومية، وذلك في 18 يناير/كانون الثاني 2011، أي قبل نحو أسبوع من اندلاع ثورة 25 يناير.

استمر في موقعه حتى أُقيل بقرار المجلس الأعلى للصحافة، في العام ذاته، وللمرة الأولى بعيدا عن الصحافة الحكومية، انتقل ياسر رزق إلى الصحافة الخاصة بعد اختياره من قِبل مجلس أمناء مؤسسة "المصري اليوم" في 22 أغسطس/آب 2012، رئيسا لتحرير صحيفتها اليومية، ليستمر على مقعد رئاسة تحريرها لمدة سنة و3 أشهر.

وفي 2014 عاد "رزق" إلى مؤسسة أخبار اليوم مرة أخرى رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة، حتى الآن.

قرب ياسر رزق للغاية من المؤسسات السيادية في مصر منذ بدايات عمله الصحفي (رئاسة الجمهورية، الجيش)، ساهم بشكل كبير في صياغة مستقبله، وتمكن خلال سنوات عمله من بناء علاقات وثيقة، خاصة في صفوف قيادات المؤسسة العسكرية.

هذه البداية قادت إلى نقطة الانطلاق الحقيقية في مسيرته، وهي وقوع الاختيار عليه في أكتوبر/تشرين الأول 2013 ليجري الحوار الأول مع الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع حينها، بعد أشهر قليلة من الإطاحة بمرسي.

"شيء ما في هذا الرجل يجذبك وأنت تشاهده وتستمع إليه.. ليس مجرد هدوئه، واتزانه، وثقته البادية على ملامحه، وفى نبرات صوته، وإشارات يديه.. أكثر ما يجذب فى شخصية هذا الرجل القائد، هو إيمانه العميق الصريح بالجماهير، وتقديسه للشعب الذى يتحدث عنه بتوقير ولا يذكره إلا مقرونا بوصف العظيم".

بتلك السطور بدأ رزق الجزء المنشور من حواره مع السيسي، وبدا لافتا كم المبالغات التي احتواها الحوار، ليظهر السيسي في النهاية بصورة ملائكية، رسم الصحفي المتمرس تفاصيلها بعناية فائقة.

لكن الأهم من الجزء المنشور هو ذلك المُسرب الذي نشرت منه شبكة "رصد" بعض المقاطع الصوتية، التي اعترف بصحتها ياسر رزق فيما بعد، واتهم ما أسماه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالاستيلاء عليها.

بعد نشر التسريبات توجهت أصابع الاتهام إلى ياسر رزق بالتورط في حصول رصد على تلك التسجيلات المسربة عمدا أو بخداع من حوله، الأمر الذي توقع معه كثيرون أن يشهد نهاية حتمية ومأساوية للصحفي.

إلا أنه وبعد أقل من شهرين على نشر التسريبات يبدو أن رزق حصل على مكافأته منها، لتتضح الصورة التي حاولوا إخفاءها وهي أن التسريب جرى بعلم السيسي وتدبير ربما لتوصيل رسائل معينة إلى أطراف الأزمة في البلاد.

المكافأة الكبرى كانت جلوسه على عرش المؤسسة التي بدأ فيها حياته المهنية رئيسا لمجلس إدارة أخبار اليوم، لتصبح التسريبات مجرد ذكرى فاقدة الأثر، حتى ولو نُشرت أجزاء أخرى منها بعدها بسنوات.

ربما كانت الرسالة الأبرز من التسريبات، تلك المتعلقة بما رواه السيسي عن رؤيته للرئيس الراحل أنور السادات في الحلم وما تحدث إليه خلال تلك الرؤية، حيث قال السيسي: "أنا عارف إني هابقى رئيس الجمهورية".

تسخير قلمه في خدمة السلطة الحاكمة لم يكن وقفا على السيسي ونظامه، بل إن رزق كان أحد المبشرين بتوريث حسني مبارك الرئاسة لنجله جمال، وأشاد كثيرا بدوره في خدمة الوطن.

لكنه تحول بعد ثورة يناير، وتكررت انتقاداته للظهور المتكرر لجمال وشقيقه علاء، وعبر عن خشيته من وجود صفقة بين جمال و"الإخوان"، وذلك بعد الإفراج عن جمال في قضية التلاعب بالبورصة.

وقال لدى اعتقالهما: إن "الجريمة الرئيسية ليست جريمة قصور رئاسية، بل هي جريمة سياسية.. هي خرق الدستور ومحاولة قلب النظام الجمهوري وتحويله إلى نظام وراثي وملكية مقنعة.. كان من اللازم محاكمته محاكمة سياسية".