النصب باسم الرقية الشرعية في المغرب.. لماذا استفحلت الظاهرة؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قضت محكمة مغربية بالسجن 10 سنوات نافذة بحق مواطن اتهم باستغلال النساء، بعد استدراجهن بدعوى الرقية الشرعية.

الحادثة ليست الأولى بل تكرر غيرها في السنوات الأخيرة بالمغرب عن مدعين لممارسة الرقية الشرعية في حين أنهم يمتهنون النصب والاستغلال، وأغلب الضحايا من النساء.

تزايد عدد متخذي الرقية الشرعية كغطاء لممارسة النصب بشكل ملحوظ في المغرب، وذلك تجاوبا مع الإقبال الكبير عليهم من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية. ووصل الأمر إلى حد فتح مراكز ونشر إعلاناتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

في السنوات الأخيرة، أصبح المغاربة يقبلون على الرقاة أكثر من إقبالهم على عيادات الطب النفسي، حيث يرى عدد كبير منهم أن الرقية هي علاج لكل داء، سواء كان نفسيا أو جسديا.

تتزايد الشكاوى من حوادث تقع في دهاليز هذه العيادات - التي غالبا ما تكون منازل - ويعجز القانون عن مواجهة هذه الظاهرة إلا في أضيق الحدود وفي حالات فجرها الإعلام وتناولها الناشطون على مواقع التواصل.

ثقافة شعبية

يرى الباحث الأنثروبولوجي يونس لوكيلي الذي ناقش رسالة الدكتوراه في الرقية الشرعية: أنها تجد إقبالا من طرف المغاربة لأنها "تقدم نفسها كعلاج ديني لأمراض ترتبط بالمعتقدات الدينية للمغاربة. مثلا: يعتقد المرء أنه مصاب بمرض معين، يُفسر له هذا المرض بأنه نتيجة مس أو عين أو حسد أو سحر، مجرد أن يُدخل إلى نظام تفكيره هذا التفسير، وهو تفسير ديني، تكون الرقية الشرعية هي الملجأ بالنسبة إليه".

وعزا الباحث انتشار الرقية الشرعية الواسع في العقدين الأخيرين: "لاستعانة ممارسيها بمختلف وسائل الإعلام بما فيها مواقع التواصل لتقترب أكثر من المعيشة اليومية للناس. ورغم حالات النصب باسم الرقية الشرعية فالمريض لا يكترث لأنه في رأيه هذه حالات تبقى محدودة لا تؤثر في اعتقاداته الدينية الراسخة، كما أن الألم والاضطراب الذي يعاني منه المريض يجعلانه براجماتيا إلى الحد الأقصى، المهم أن يجد مخرجا وحلا لآلامه، لذلك لا يستمع إلى تحذيرات أو أخبار النصب مهما كانت".

يعتقد أغلب المغاربة عموما، حسب دراسات سوسيولوجية، في العين والسحر .. إلخ كجزء من اعتقاداتهم الدينية، على حد قول لوكيلي لـ "الاستقلال": "وهذا ما يجعلهم يطرحون فرضية تفسير الأمراض بتدخل الجن. نظام الرقية الشرعية يُسوق نفسه على أنه ضد نظام الشعوذة والسحر، وأنه الكفيل بمواجهتها، لذلك، يلجأ إليها المغاربة".

وفي تفسير لارتباط الشعوب العربية بالخرافة، يوضح المفكر وعالم النفس مصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور": أن التخلف النفسي هو نمط من الوجود وأسلوب في الحياة له خرافاته وأساطيره ومعاييره التي تُحدد للإنسان موقعه ونظرته إلى نفسه وإلى الهدف من حياته.

ويتابع قائلا: "موقف من العالم المادي وظواهره ومؤثراته، وموقف من البنى الاجتماعية وأنماط العلاقات السائدة فيها، على المستوى الذاتي الحميم كما على المستوى الذهني، هناك مجموعة من العقد التي تميّز الوجود المتخلّف، نمط الوجود المتخلّف غير محتمل فهو يولّد آلاما معنوية تهدم التوازن النفسي".

مضيفا: "لا يدخل العلاج بالرقية في الثقافة الدينية لدى المغاربة بل في ثقافتهم الشعبية، ولأن العلاج الشعبي في المجتمع المغربي كثير التنوع فذلك يجعله غير مقتصر على فئة اجتماعية دون أخرى وليس الأصل الاجتماعي هو المحدد لممارسة العلاج وإنما الكاريزما الاجتماعية"، بحسب الباحث المغربي في العلوم الإنسانية إدريس مقبوب.

الطب البديل

تتفاوت القيمة الاجتماعية لممارسة العلاج الشعبي حسب الثقة الاجتماعية والأهمية التي توليها لها مكونات المجتمع من جهة، والشرعية القانونية من جهة أخرى.

ويعتقد عدد كبير من المغاربة أن سلطة الراقي أعلى من سلطة الطبيب، فالأول له ميزة القرب من الله، الشيء الذي يساهم في إنجاح عملية العلاج.

وقال مقبوب في مقال له: "إذا كانت قيمة العلاج الشعبي حاضرة في كل الأوساط الاجتماعية فذلك نابع من فقدان الثقة في الطب العصري بفعل عجزه عن إيجاد إجابات لبعض الأمراض".

أما الأنثروبولوجي فيفسر الأمر بضعف القدرة المادية للمغاربة، التي تمنعهم من الولوج إلى الطب النفسي خاصة أنه مكلف ماليا، وأن البنيات الصحية العمومية والموارد البشرية لا تناسب الطلب في المغرب.

الباحث الأنثروبولوجي يونس لوكيلي قال: "في حين أن مراكز الرقية الشرعية والأضرحة والمزارات متاحة في كل مكان. لذلك يبقى الولوج إلى الطب النفسي نخبويا لمن يمتلك إمكانات مادية في حين أن الفئات الفقيرة لا تجد أمامها سوى الأساليب التقليدية للاستشفاء".

يتعامل بعض الرقاة في المغرب مع الذين يقصدونهم وكأنهم في عيادات طبية، إذ يحددون ثمن الحصة الواحدة بـ 200 درهم (20 دولارا) على الأقل، مع إقناع المريض بالخضوع لحصص كثيرة، حسب حديث أحد الرقاة لصحيفة مغربية.

الراقي قال: إن "أغلب مراكز الرقية الشرعية في المغرب يسيّرها أشخاص أميون، ليست لهم دراية لا بالقرآن ولا السنة، ويستغلون الناس. نسبة كبيرة جدا من الرقاة الموجودين في الساحة لهم مستوى دراسي محدود جدا وليسوا ملمّين بأمور الدين والعلوم الشرعية".

وما جعل مراكز الرقية الشرعية تتزايد في المغرب خلال السنوات الأخيرة، بحسب الراقي: هي "الأرباح المالية الهائلة التي يجنيها أصحابها. ولا يرى المتخصص مشكلا في اتخاذ الرقية الشرعية سببا للاستشفاء من المَس"، لكنه يؤكد: أن "الراقي الشرعي لا يمكنه أن يعالج الأمراض النفسية". 

نصوص الرقية

أوردت النصوص: أن "أنفع الرقية وأكثرها تأثيرا رقية الإنسان نفسه"، على عكس ما اشتهر عند كثير من الناس من البحث عن قارئ ولو كان عاميا. وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عندما يريد النوم يجمع يديه وينفث فيهما ويقرأ آية الكرسي والمعوذتين والكافرون والإخلاص 3 مرات ثم يمسح بهما ما أقبل من جسده، يبدأ بوجهه وعنقه وصدره وبطنه ورجليه فلما مرض كانت عائشة تقرأ بها وتنفث وتمسح بيديه رجاء بركتها. 

لكن المنتشر في المغرب شيء مختلف تماما، إذ ارتبطت الرقية في أذهان المغاربة بـ "شيخ" يجعله لباسه وشكله "مقربا من الله"، يرقي الناس بشكل جماعي وغالبا ما يكون منفرد ولا يكتمل المشهد دون أن يدخل المريض في حالة هستيرية من الصراخ إلى أن يفقد وعيه، وهو ما يفسره علم النفس بـ "الإيحاء الذاتي".

تفجرت في السنوات الأخيرة حوادث استغلال النساء من طرف من يدعون القدرة على علاج الناس بالاعتماد على "الرقية الشرعية"، ما جعل ناشطون مغاربة يطلقون في 2018 حملة عبر مواقع التواصل بعنوان "أغلقوا حوانيت الرقية الشرعية"، معتبرين: أن ما يقع داخل هذه المراكز بعيد عن الدين وقريب من النصب.

المطالبات وصلت إلى البرلمان فصرح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، حينها: بأن "مراكز الرقية الشرعية يتداخل فيه جانب الصحة، الموكول إلى وزارة الصحة، والجانب القانوني والجانب الديني"، معتبرا: أن "معالجة هذا الموضوع يتطلب فتوى، من أجل إظهار جميع الحالات التي تُمارس داخل هذه المراكز".

واعتبر باحث الأنثروبولوجيا المغربي، يونس لوكيلي: أن الرقية الشرعية بشكلها المتعارف عليه في المغرب ظاهرة جديدة، رأت النور مع بروز الفكر الديني المتشدد، وانتشارها بدأ مع وصول هذا الفكر إلى المملكة في ثمانينيات القرن الماضي.