مناقشة قانون البدون في "الدواوين الخاصة".. لماذا أثار غضبا بالكويت؟

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعاد طرح قضية البدون، مرة أخرى، في دواوين الكويت، بدلا من مجلس الأمة، جدلا حادا، إذ اعتبرها البعض محاولة لحل مشكلة مجتمعية ملحة، وآخرون رأوا في ذلك التفاف على دور البرلمان واستهانة بأعضائه ‏المنتخبين.

والدواوين تحظى بأهمية كبيرة لدى المجتمع الكويتي نظرا لما تحمله من قيم عليا وتضم لقاءاتهم ومناسباتهم الاجتماعية وفعالياتهم السياسية، ولعل أبرز هذه الدواوين تلك التي عرفت بتاريخ الكويت السياسي بـ"دواوين الإثنين" المطالبة بعودة العمل البرلماني والدستوري.

وتشكل دواوين الكويت مراكز قوى للتيارات السياسية والكتل البرلمانية والنواب المنفردين، ففيها يتم مناقشة القضايا السياسية والترويج لقضاياها والتي على رأسها بالآونة الأخيرة قضية عديمي الجنسية أو ما تعرف بقضية "البدون" الذين تتخطى أعدادهم الـ90 ألف نسمة.

وفوجئ الكويتيون مؤخرا بدعوة رجل الأعمال عبد العزيز الغنام وإخوانه بحضور رئيس مجلس ‏الأمة مرزوق الغانم، المواطنين لشرح القانون المقدم أمام مجلس الأمة لحل أزمة "البدون" ‏المقيمين بصورة غير قانونية، في ديوان الغنام 5 نوفمبر/تشرين ثاني الجاري‎.‎

واعتبر البعض هذا الأمر استهانة بأعضاء مجلس الأمة وتضييع لشرعيتهم الدستورية بالذهاب لعرض قانون مقترح على رواد ديوان يقع في ‏الدائرة  الانتخابية لرئيس المجلس، خاصة وأن المقترح ما زال بين مؤيد ومعارض.‎

ديوان الغنام يقع في منطقة ضاحية عبدالله السالم، بالدائرة الانتخابية الثانية التي يترشح منها مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة، فيما يراه البعض محاولة من الغانم لتسويق نفسه وقانونه وكسب شعبية وأرضية جماهيرية، إذ تعد الدواوين واحدة من أهم أدوات ترويج المرشحين لأنفسهم لدى الناخبين، حيث يلتقي المرشحين بالناخبين.

استياء البدون

ويرفض البدون مناقشة قضيتهم من طرف رجل الأعمال عبد العزيز، أكبر تجار قطع غيار السيارات في الكويت، ‏مستنكرين أن يتم معامتلهم كسلع، ضمن قضية حظيت بالكثير من النقاش على مدار سنوات. 

فعلى مدار الأشهر القليلة الماضية تسربت عدد من مواد مشروع القانون الذي يعكف المجلس على إقراره تمهيدا لإيجاد حل جذري للقضية، ليعلن رئيس مجلس الأمة في 27 أكتوبر/تشرين أول الماضي، أنه تم الانتهاء من القانون.

وأشار إلى: أن بعض النواب وقعوا على القانون، فيما طالبته مجموعة أخرى بالتريث لقراءته والتوقيع عليه، ووافق على ذلك على أن يتقدم به بعد بداية دور الانعقاد الجديد الذي جرى في 29 أكتوبر/تشرين أول الماضي.

ذلك الانعقاد الرابع للمجلس انطلق باختلاط حزمة أوراق على الصعيدين الحكومي والنيابي، وأحاطت بالمشهد السياسي غيوم التصعيد الانتخابي، وخلافات حكومية متصاعدة، ومقترحات شعبوية.

وبالرغم من ذلك ظهرت محاولات الغانم لتسريع تمرير القانون الذي يشكك البدون في محتواه، وهو أيضا ما لم يخفه رئيس المجلس الذي قال: إن لديه توجيهات سامية بذلك.

وأعلن مرزوق الغانم في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أي قبل يوم من مناقشة القانون في الديوان: أنه تقدم بمقترح القانون رسميا في 31 أكتوبر/تشرين أول الماضي.

وأشار إلى: أنه تعمد حجب نشر نص القانون لإثبات أن مهاجمي القانون لديهم أسباب سياسية لا علاقة لها بمضمونه، قائلا: إن "من هاجم القانون لديه أمر مسبق لأن يهاجم بغض النظر عن ما فيه من محتوى".  

التسريبات الأولية

المسودة الأولى لقانون الغانم جرى تسريبها قبل شهرين، ونقل موقع "العربي الجديد" عن مصدر في لجنة حقوق الإنسان داخل مجلس الأمة قوله: إن الأجزاء التي عُرضت من مسودة القانون اشتملت على تأكيد حق أبناء الكويتيات المنتمين لفئة البدون بالحصول على الجنسية الكويتية بالتدريج، وعبر جدول زمني طويل.

وأشار إلى: أنها ستلزم الغالبية العظمى منهم باستخراج جوازات سفر من دول تؤمنها لهم "مفوضية اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة داخل الكويت، وذلك عبر برنامج تعاوني بين الحكومة الكويتية والأمم المتحدة.

وتنص المسودة على: أن الرافضين للانخراط في برنامج الأمم المتحدة، والحصول على جنسية أخرى، سيتم معاملتهم على أنهم مقيمون غير قانونين، حيث ستُفرض عليهم غرامات كبيرة عن كل يوم يعيشونه في الكويت دون الحصول على أوراق ثبوتية، وهو الإجراء المعمول به حاليا ضد الوافدين العاديين.

الصيغة النهائية

أما الصيغة النهائية لمقترح القانون التي تم توزيعها على الإعلام بعد تصريحات رئيس مجلس الأمة، فكشفت أن منح الجنسية الكويتية تكون فقط للبدون المقيدين في الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية دون غيرهم.

وأفادت: بأن الجهاز مسؤول عن إعداد كشوف بالحالات المستوفية للشروط والضوابط والمعايير المطلوبة للحصول على الجنسية الكويتية لاستصدار المرسوم اللازم بناء على عرض الوزير، على أن يكون للحالات التي عملت على تعديل وضعها القانوني، الأولوية في التجنيس.

وأكد القانون: أن "البدون" الذي لا يصحح وضعه خلال سنة من صدور القانون يعامل معاملة الأجنبي المخالف لقانون الإقامة، للتضييق أكثر على البدون وخطوة لفتح سجون لاحتواء البدون وذويهم –بحسب مراقبين-.

بوق الحكومة

ولخص مراقبون القانون المقترح: بأنه يعني أن مجلس الأمة الذي يعد "بوقا ناطقا باسم الحكومة ولا يمثل الشعب"، يعلن أنهم راضون عن عدد قليل جدا من البدون وسيتم تجنيسهم والبقية مصيرهم إما الحصول على مزايا أو الاستمرار في الحرمان.

وأكدوا: أن القانون مرفوض جملة وتفصيلا ويعد مقدمة وتمهيد للجناسي الاقتصادية وافتئات على سلطة القضاء وتهميشا له، مشيرين إلى: أن القانون لا يبسط سلطة القضاء على قرار الجهاز المركزي لتعديل أوضاع البدون، وهذا الأمر مخالف للدستور.

وأوضح المراقبون: أن القانون يغير الوضع القانوني الذي اعترفت به الكويت للبدون من عديمي الجنسية في الأمم المتحدة إلى مقيم وفق قرار من الجهاز المركزي الذي وصفوه بالعنصرية.

ولفت المراقبون إلى: أن القانون قائم على خديعة وتهديد وابتزاز رخيص، ويغير وضع المقيم ويجعله تحت رحمة جهاز معروف توجّه القائمين عليه، كما أن لجنة التظلمات لا ضمانة على حياديتها.

وبينوا: أن الابتزاز يكمن في أن الشخص البدون لن يستطيع أن يأتي بجنسية، بينما أجهزة الدولة ستعامله بناء على قرار الجهاز المركزي. وتشمل العقوبات التي لم يذكرها مرزوق الغانم الإبعاد الإداري (دون اللجوء للقضاء)، وفرض غرامات، والسجن.

وراو: أن باقي الأمور الواردة في القانون من حقوق واشتراط جمع معلومات عن البدون هي فخ للإيقاع بهم لقبول هذا القانون الذي وصفوه بالمعيب.

قانون عنصري

الناشط الحقوقي نواف الهندال مؤسس منظمة كويت ووتش لحقوق الإنسان، وصف القانون بالعنصري، مخاطبا الغانم بالقول: "من أول الصيف وأنت تصرح بهذا القانون وهو قانون عنصري يعزز ويقنن ظلم الجهاز المركزي للبدون؟، وأيضا الجهاز المركزي طرف في صياغته ومشواراته؟".

وقال في تغريدات له بتويتر: إن القانون المقترح بشأن البدون أفاد بأنه يلغي كل حكم يتعارض معه ما يعني إلغاء القضية من أساسها وتعتبر كأنها وليدة اليوم، وأن كل ما قام به الجهاز المركزي صحيح وجعله بصورة قانونية.

وأضاف: "لأنه قانون عنصري لم تتجرأ إلا أن تعرضه في ديوانية بدائرتك الانتخابية لأنه لا يرضي البدون ولا يحل قضيتهم، إنما يرضي من لديه نفس عنصري اتجاه البدون من أمثال صالح الفضاله -رئيس الجهاز المركزي للبدون- ومجموعته".

وجه الجهاز

الكاتب الكويتي سعود العصفور، أكد: أن السلطة التي تريد أن تنشأ جهازا لمراجعة "جناسي" الكويتيين لا يمكن أن تضع حلا لـ "تجنيس" البدون.

وأكد في تغريدات له بتويتر: أن القانون لم يأت بجديد وهو ببساطة يريد أن يقوم بما كان يقوم به الجهاز المركزي للبدون ولكن من خلال قانون هذه المرة، وهو "تهديد.. ترهيب.. مع ملعقتين ترغيب".

وسخر قائلا: "لجنة التظلمات في قانون بوعلي الجديد من النوع "المضحك المبكي"! إذا رفضوا يعطونك جنسية أو إقامة روح اشتكي عند لجنة تظلمات.. لجنة التظلمات إذا شافتك مظلوم ترجع لمن رفض يعطيك الجنسية/الإقامة وتقول له: حرام عليكم ظلمتم الولد يا وحشين!".

ورأى أن الطامة الكبرى في القانون تخص من لم يعدل وضعه خلال المدة المقررة!! إذ يقول القانون: "سيعامل حسب قانون الأجانب"، وهذا ينص على سجن أو إبعاد أو كليهما للأجنبي المخالف لقانون الإقامة!!.

وسأل ساخرا: "هل سيسجن بوعلي أو يبعد عشرات الالاف من البدون إذا لم يعدلوا أوضاعهم؟ وتبعدهم إلى أين؟!".

وأضاف: "إذا أقر قانون بوعلي بشكله الحالي فسوف يحتاج إلى حملة شرسة من التهديد والترهيب والابتزاز والقمع من أجل ضمان نفاذه لذلك فكل من يصوت مع هذا القانون فهو مشارك في كل ما يترتب عليه من مخالفات لحقوق الإنسان وآدميته".

الأكاديمية الكويتية ابتهال الخطيب، تسائلت: إذا "قانون المقيمين بصورة غير قانونية"المقترح يعتمد كشوفات الجهاز المركزي، وفكرة تعديل الوضع، ومسمى مقيمين بصورة غير قانونية، ولا يسمح بتدخل القضاء، ولا يعطي حل لمن يرفض "تعديل وضعه" إذا ما فرقه عن الوضع الحالي؟".

واستطردت في تغريدة لها بتويتر: "علام إذن قانون وتشريع وتصويت؟ منطقيا ما هو المختلف في المقترح عن الحاصل الآن؟".

مقترح حقوقي

وبدورها، تقدمت جمعية المحامين الكويتية بمقترح "لإنهاء أوضاع عديمي الجنسية" متسقا مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ووزعتهم إلى 3 فئات يتم التعاطي مع كل منها وفق تصنيفها.

وبموجب الاقتراح يمنح 8 أنواع من الأفراد الجنسية فورا، ومنهم الموجودون قبل 1965 وأقرباء المواطنين حتى الدرجة الثالثة وأبناء الشهداء والكويتيات وأصحاب الأعمال الجليلة.

كما يمنح الاقتراح الفئة الثانية التي تشمل العسكريين والموظفين الحكوميين والموجودين بين العامين 1965 و1990 الإقامة لعشر سنوات، يتم خلالها النظر في تجنيسهم.

أما الفئة الثالثة فتمنح تصريح إقامة دائمة، وتشمل أقارب الفئتين الأولى والثانية وعديمي الجنسية، وهي قابلة للإلغاء بفقدان أحد الشروط.

ويلزم الاقتراح وزير الداخلية برفع كشوف بالفئات إلى اللجنة العليا للجنسية، تمهيدا لرفعها إلى مجلس الوزراء في مدة لا تتجاوز السنة من إقرار القانون.

ويُمنح عديمو الجنسية بطاقة مدنية مؤقتة، تعتمد في الجهات الرسمية، وتنتهي بانتهاء حالة انعدام الجنسية، وتكفل هذه البطاقة عددا من المزايا لحامليها؛ أبرزها العلاج والتعليم المجانيين، وإصدار الوثائق الثبوتية وجوازات السفر وحق العمل والتملك، وغير ذلك.

ويجيز الاقتراح لعديمي الجنسية الذين استصدروا جوازات أو وقّعوا على تعهدات بتعديل أوضاعهم العودة إلى وضع عديم الجنسية.

ويقضى الاقتراح بإلغاء الجهاز المركزي ونقل جميع أعماله وسجلاته وأوراقه ومستنداته وكل ما يتعلق بالمعلومات إلى وزارة الداخلية.

قانون مسخ

الصحفي الكويتي عياد الحربي، قال: إن "رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم يحاول أن يحقق نجاح عابر عبر قانونه المسخ لقضية عديمي الجنسية بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة برئاسة المجلس الذي لم يُعبر في يوم ما عن قضايا المواطنين".

وأضاف في حديثه لـ "الاستقلال": "لذلك حينما حاول الإنجاز، عمد إلى أن يكسب من أهم ملفات القضايا الإنسانية لمجموعة كبرى مضطهدة محرومة من أبسط حقوقها الإنسانية والمدنية في ديوانية تقع في أرقى مناطق الكويت السكنية وهي منطقة ضاحية عبدالله السالم".

ورأى "الحربي": أن من الجدير ذكره وهو "ضحك كالبكا" أن البدون يقطنون مناطق الصليبية والأحمدي وتيماء وهي مناطق متهالكة للغاية وتفتقر لأهم الخدمات والبنى التحتية!.

وأشار إلى: أن الحكومة الكويتية سبق أن وعدت عددا من نواب المجلس بحضور جلسة خاصة لمناقشة حقوق البدون المدنية ثم تعطلت الجلسة بفعل فاعل، وبين حين وآخر يتم الدفع بمسؤول يتحدث حول حلول هزلية واستفزازية للمعنيين بالقضية لمحاولة كسب ود السلطة.

ولفت الصحفي الكويتي إلى: أن جمعية المحاميين الكويتية تقدمت مؤخرا بقانون إنساني ووطني وحقوقي فاخر للغاية ومفصل ليتم مناقشته في مجلس الأمة والتصويت عليه حتى ظهرت بعض الأصوات النشاز بمحاربته وانتقاده والتي تُعبر عن رغبة السلطة بعدم حل هذه القضية إلى الأبد.

ورأى: أن مناقشة رجال الأعمال بالكويت لقضية حقوقية وإنسانية يعد بالمقام الأول "ترف للطبقة البرجوازية والارستقراطية"، مؤكدا: أنهم يناقشون القضية ضمن حلول مجحفة للغاية، ويحاولون دوما عبر هذه القضية وغيرها مثل قضية إسقاط القروض كسب ود السلطة والتعبير عن رأيها".

وأضاف "الحربي": "ببساطة هم لا يسعون لحلول واقعية وحقيقية لقضايا الناس وآخر من يهتم بهمومهم وحقوقهم ومكتسباتهم". 

شكوى دولية

محمد والي العنزي، مؤسس ومدير حركة الكويتيين البدون، أكد: رفضه قانون الغانم، متعهدا برفع شكوى دولية لمحاسبة كل المسؤولين عن إطالة أمد أزمة البدون.

وأكد في حديثه مع "الاستقلال": أن الدواوين الخاصة قانونيا ليس لها أي حق بأن تكون بديل لمجلس الأمة في مناقشة القوانين المتعلقة بالبدون، ولا تمثل الأمة الكويتية وإنما تمثل فئة معينة وهي فئة التجار أو الطبقة التي تؤمن بالطبقية.

واعتبر "العنزي": مشاركة مرزوق الغانم في ديوان عبدالعزيز الغنام لشرح القانون المقدم لحل أزمة البدون خلل تشريعي ويعني أن الدولة تمشي بطريقة التكتلات والنفوذ وليس بطريقة شرعية.

وأكد: أن موقف الغانم يمثل "استهانة بأعضاء مجلس الأمة المنتخبين وتضييع للشرعية الدستورية، ودليل على أن أعضاء مجلس الأمة إما تابعين للحكومة، وإما مغلوبين على أمرهم لا يستطيعوا معارضة مثل هذا الأمر". 

وأضاف مؤسس ومدير حركة الكويتيين البدون: أن "فعل الغانم يعني أن الفساد وصل للعلن وأنه لا يكترث بمجلس الأمة، وهو أمر عنصري وغير دستوري، مؤكدا: أن الدواوين لها مكانتها في الكويت ودائما تناقش الأمور وتطرحها وهذه عادة اجتماعية كويتية موجودة.

واستطرد: "لكن فرق بين أن تستشير وأن ترشح نفسك لمجلس الأمة وأن تشرع قانون، لأن التشريع ليس مكانه الدواوين"، مؤكدا: أن رجال الأعمال ليس لهم دور في حل قضية البدون بل يعيقون الحل ويقفون دائما ضد البدون، وهم ليسوا قريبين من البدون للحل.