المرجعية الشيعية بالعراق.. لهذا حملها المحتجون مسؤولية تدهور الأوضاع

وضعت المظاهرات الشعبية بالعراق، المرجعية الدينية الشيعية، في مأزق قد يكلفها الكثير أمام شارع غاضب يحمّلها الجانب الأكبر من مسؤولية ما وصلت إليه أوضاع البلد، كونها كانت داعمة للحكومات المتعاقبة، ولا سيما الحالية برئاسة عادل عبدالمهدي.
نقمة المحتجين العراقيين على "المرجعية الدينية" في مظاهرات 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، لخصها أحد المتظاهرين أثناء توثيقه في كاميرا هاتفه المحمول، للحظة قتل عشرات المحتجين بالرصاص الحي، حيث ردد هتافات قال فيها: "نموت عشرة نموت مية ما يهمها المرجعية".
"رجُل المرجعية"
على ما يبدو، فإن انتقاد المتظاهرين للمرجعية الشيعية في النجف، بزعامة رجل الدين علي السيستاني، لا يأتي بسبب صمتها في الأيام الأولى للاحتجاجات عن قمع المتظاهرين على يد قوات الأمن، وإنما لأنها كانت اللاعب الأول في تشكيل الحكومة الحالية برئاسة عبدالمهدي.
وبدأت قصة دعم المرجعية الشيعة لوصول عبدالمهدي إلى رئاسة الوزراء، الذي اعتبرته بمثابة رجلها الوحيد خلال المرحلة الراهنة عقب انتخابات مايو/أيار 2018، وذلك من خلال فرضه على الكتل السياسية الفائزة، وأنه يمثل خيار الفرصة الأخيرة.
وخلال تصريح لنائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي في فبراير/شباط الماضي، كشف أن: "رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي كان خيار المرجعية، وتحديدا خيار محمد رضا السيستاني (نجل رجل الدين الشيعي البارز علي السيستاني)، وفُرض على الكتل".
الأعرجي تساءل، قائلا: "عبدالمهدي هو خيار جيد كونه رجل دولة ولديه عقلية اقتصادية ومالية، لكن لو طرح نفسه لمنصب رئيس الوزراء، فهل كان سيقبل تحالف الإصلاح أو تحالف البناء به؟"، وأجاب: إنه "جاء بفرض".
كما أن النائب العراقي السابق رحيم الدراجي، كان قد كشف أيضا، أن عبدالمهدي جرى اختياره قبل 3 أشهر من إجراء الانتخابات العامة، وأدخل إلى المنطقة الخضراء ووضعت له حماية دون علم رئيس الحكومة حينها حيدر العبادي نفسه. وأكد أن "النجف" (المرجعية الدينية) هي من اختارته.
وعقب المظاهرات الأخيرة، يرى مراقبون للشأن العراقي، أن المرجعية الدينية، باتت محرجة، لأن هناك من وجّه الاتهام إليها على أنها كانت الغطاء الإيجابي على أقل تقدير لشخص عبدالمهدي، وهي التي أعطت الزخم نفسه لتحالفي "الفتح" و"سائرون" في عملية اختيار الأخير لرئاسة الحكومة.
إلا أن المرجعية الدينية من جهتها وتحديدا محمد رضا نجل المرجع الأعلى في العراق علي السيستاني، نفى: "أي تأثير مباشر للمرجعية في اختيار عبدالمهدي، وليس لديهم يد في هذا الأمر"، بحسب المراقبين الذين أكدوا أن: "المرجعية سبق أن نفضت يدها من السلطة الحالية، وأنها ليس لديها ارتباط معها".
هاجمت الحكومة
بعد صمت استمر نحو 10 أيام سقط خلالها 110 قتلى وما يزيد عن 6 آلاف جريح من المتظاهرين، أصدر المرجع السيستاني، بيانا مطولا شديد اللهجة ضد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بحق المظاهرات، ومنحت فيه عبدالمهدي مهلة أسبوعين لإجراء تحقيق والكشف عن قتلة المحتجين.
وقال السيستاني، في بيان تلاه ممثله عبدالمهدي الكربلائي خلال خطبة الجمعة في كربلاء، إن: "الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن الدماء الغزيرة التي أُريقت في تظاهرات الأيام الماضية، سواء من المواطنين الأبرياء أو من العناصر الأمنية المكلفة بالتعامل معها، وليس بوسعها التنصل من تحمل هذه المسؤولية الكبيرة".
وشدد على أن الحكومة: "مسؤولة عندما يقوم بعض أفراد قوات الأمن باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، ولو بسبب عدم انضباطهم وانصياعهم للأوامر الصادرة لهم، أو لعدم كونهم مؤهلين ومدربين للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية بحيث يتجنبون وقوع ضحايا في صفوف المشاركين فيها".
وفي إشارة إلى استهداف المليشيات للمتظاهرين، أكد السيستاني أن الحكومة: "مسؤولة عندما تقوم عناصر مسلحة خارجة عن القانون، تحت أنظار قوى الأمن، باستهداف المتظاهرين وقنصهم، وتعتدي على وسائل إعلام معينة بهدف إرهاب العاملين فيها".
ورغم القوة الظاهرية التي تبدو عليها المرجعية، لكن محللون يؤكدون أنها اليوم في وضع "لا تحسد عليه"، ولذلك نراها مضطرة للدخول على خط التعليق المباشر على الأحداث، وهو أمر لا تقوم به دائما لأنه "يكسر هيبتها".
"حرج كبير"
صحيح أن تجذر المرجعية قوي في المجتمع الشيعي، لكنها اليوم في "حرج كبير" بعد الدماء التي سالت في صفوف المتظاهرين، ولا سيما أن النظام السياسي الذي كان مهددا بالسقوط، فهي لا تؤيده ظاهريا وتحاول البقاء بعيدة عنه، حسبما يرى محللون.
وبتقديريات محللين، فإن بيان المرجعية هذا، يُعد الأقوى منذ عام 2014 التي اعتُبرت حينها إشارة إلى سحب البساط من تحت رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بعد إصدارها فتوى "الجهاد الكفائي" ضد تنظيم الدولة، فيما رأت جهات سياسية أن السيستاني قلب الموازين على حكومة عبدالمهدي بوقوفه بوضوح وصراحة مع المتظاهرين، وهو إنذار بسحب الثقة عن الحكومة الحالية.
وصبّ المحتجون جام غضبهم على الحكومة والنخبة السياسية التي يتهمونها بالفساد وعدم فعل شيء لتحسين أحوالهم المعيشية، وطالبوا بتوفير فرص عمل وتحسين الخدمات و"إسقاط النظام"، أي نظام "المحاصصة الطائفية" بالبلد.
تحت الاختبار
مهلة الأسبوعين التي منحتها المرجعية الدينية للحكومة العراقية، يراها محللون سياسيون أنها محاولة لتحسين صورتها ورفع لوم الشارع عنها، وكفيلة إلى حد ما بـ"لملمة مكانها"، لأن حكومة عبدالمهدي قد تضحي برؤوس كبيرة من أجل ذلك.
أصحاب هذا الرأي، يؤكدون أن: "الحكومة ورئاستي الجمهورية والبرلمان، هم تحت الاختبار الآن وليست المرجعية، لأن كلمات الأخيرة أوجعت السلطات عندما شبهت قتل المتظاهرين بعمليات التصفية، والتجاوز على حقوق العراقيين وخرقهم للدستور والقانون".
وأشاروا إلى أن بيان السيستاني بمثابة: "ضربات موجعة للرئاسات الثلاثة، بل شملت حتى السلطة القضائية التي أشارت إليها المرجعية بأن القانون لا يأخذ مداه، وأن الدولة ضاعت هيبتها، وقد نتحول من الدولة إلى اللادولة".
وبخصوص ثقلها في الشارع الشيعي حاليا، فإنهم يرون أن: "المرجعية لا تزال تحمل نفس القوة والتأثير لدى العراقيين، لأنها لم تكن هذه الموجة الأولى التي توجه لها اتهامات ومحاولات لإضعاف دورها، ولا سيما في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي".
وعلى حد قولهم، فإن: "هناك موجة أخرى الآن أيضا هي من محركات بعض الأحزاب التي تريد أن تخفي درجة تأثير وقدرة المرجعية في الشارع، خصوصا أن الأخيرة حددت مدد زمنية وأشارت بأصابع الاتهام إلى الحكومة بخصوص قتل المتظاهرين".
سحب الثقة
لكن سياسيين عراقيين رجحوا إمكانية أن تضطر المرجعية الدينية في النجف إلى رفع لهجتها ضد السلطات الحالية بشكل أكبر، للحد الذي قد تطلب فيه بسحب الثقة عن حكومة عبدالمهدي، كمخرج لإنهاء الأزمة.
وقال القيادي في ائتلاف "دولة القانون" سعد المطلبي، إن: "المرجعية قد تطالب بسحب الثقة عن حكومة عادل عبد المهدي، فالعنف الذي استخدم ضد المتظاهرين لا يتناسب تماما مع أي نظام ديمقراطي، ولا يتناسب مع حركة احتجاجية لفقراء طالبوا بحقوقهم".
وعلى الوتيرة ذاتها، رأت المتحدثة باسم "ائتلاف النصر" آيات مظفر نوري، أن النجف: "وضعت حكومة عبد المهدي في موقف محرج وبوقت محدد، وعلى الحكومة الإعلان عن الجناة والجهات التي تقف خلفهم ومحاسبتهم".
وشددت على أن: "الحكومة إذا ماطلت وسوّفت في التحقيقات، فإن المرجعية تنضم بشكل مباشر وعلني ضد الحكومة لتقوى جبهة المتظاهرين وبالتالي الذهاب لإجراء انتخابات مبكرة، وكذلك الضغط لتعديل قانون الانتخابات وتغيير المفوضية، كل هذه الإجراءات غرضها إعادة الثقة للمواطن بالعملية السياسية ورسم خريطة طريق لمصالحة وطنية بين السلطة السياسية والشعب".
وفي الوقت ذاته، كشفت تقارير أن آمري ألوية وأفواج، ومسؤولين في مكتب عبد المهدي ومكتب مستشار الأمن الوطني فالح الفياض (رئيس هيئة الحشد الشعبي)، يقفون وراء إعطاء الأوامر بإطلاق النار وقمع المتظاهرين، خصوصا في أيام بين 3 و6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وبيّنت التقارير، أن التحقيقات الجارية حاليا تواجه صعوبات كبيرة من قبل مسؤولين وقيادات في "الحشد الشعبي" لحرفها ومحاولة تحميل أغلبها إلى وحدات الجيش العراقي، التي نزلت إلى شوارع بغداد والجنوب بعد اشتداد التظاهرات.
وأرجعت السبب وراء ذلك، إلى أن الجيش مؤسسة عسكرية كبيرة غير محسوبة على أي حزب أو جهة سياسية كما هو الحال بالنسبة إلى الشرطة الاتحادية وقوات "سوات" وجهاز فض الشغب وأمنية "الحشد"، التي تُعد أجهزة مرعية من قبل جهات سياسية أشرفت على تأسيسها، أو أن أغلب قيادات تلك الأجهزة من الموالين لها.
المصادر
- بهاء الأعرجي: نجل السيستاني فرض عبد المهدي رئيساً للحكومة العراقية
- في بيان شديد اللهجة... السيستاني يحمّل الحكومة العراقية مسؤولية قتل المتظاهرين
- العراق: التحقيقات بقتل المتظاهرين قد تطيح قيادات أمنية رفيعة
- موقفها حرج.. كيف هزّت المظاهرات المرجعية الشيعية بالعراق؟
- الحراك الشعبي العراقي.. أزمة المرجعيات الدينية؟