الحرب الإسرائيلية في العراق ونُذر التصعيد

رائد الحامد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تندرج الضربات الإسرائيلية المُتكررة على أهداف لها صلة بالحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا ضمن سياسة التصدي "الاستباقي" لمواجهة التهديدات الإيرانية المفترضة، وطموحات إيران الإقليمية في المنطقة، وما تعتقده إسرائيل بأنَّها تشكل خطراً على أمنها القومي وتهديداً "وجودياً" عليها.

تعمل إيران على الحفاظ على دورها الإقليمي وتوسيع نفوذها في المنطقة بالاعتماد على شبكة من القوات الحليفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، تخوض حروبها بالوكالة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية مثل السعودية والإمارات بدلاً من المواجهة المباشرة عالية الكُلفة على قدراتها العسكرية واقتصادها والبنية التحتية للمنشآت الإيرانية وفي مقدمتها ما يتعلق ببرنامج الصواريخ والملف النووي.

تشكل فصائل الحشد الشعبي، بما فيها الفصائل التي أعلنت "بيعتها الشرعية" للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الذراع الأقوى للقوات الأمنية العراقية، ولها ثاني أكبر كتلة سياسية في مجلس النواب العراقي يضم ممثلي فصائل عدة ضمن تحالف "الفتح" الذي يقوده هادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر الحليف الموثوق لإيران.

وتمتلك معظم فصائل الحشد الشعبي المرتبطة تنظيمياً بالحرس الثوري أو عقائدياً بالمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي قدرات عالية وتجهيزات قتالية متطورة وعناصر مدربة لتنفيذ مهام تخدم المصالح الإيرانية في حروبها الخارجية وتوسيع نفوذها ودورها الإقليمي، بالإضافة إلى ردع القوى الأخرى التي تُهدد المصالح الإيرانية في المنطقة.

وتعمل معظم فصائل الحشد الشعبي بشكل شبه مستقل عن الدولة العراقية مُنذ تأسيسها بعد أحداث الموصل 2014 لاستعادة المناطق التي سيطر عليها تنظيم "داعش" في العراق، ولعبت الدور الأكبر في ذلك إلى جانب القوات الأمنية وقوات البيشمركة الكردية بإسناد متعدد الأشكال من التحالف الدولي الذي يضم أكثر من 68 دولة بقيادة الولايات المتحدة.

نفَّذت إسرائيل خلال أقل من عامين ما يزيد عن 250 هجوماً جوياً وصاروخياً على أهداف مشتركة للحرس الثوري الإيراني مع قوات حليفة له في سوريا، "حزب الله" اللبناني وفصائل تابعة للحشد الشعبي العراقي وأخرى مرتبطة بالحرس الثوري.

وفي العراق، هناك أربع هجمات أعلنت عنها الجهات العراقية المعنية بشكل رسمي، في حين يتحدث خبراء عسكريون عراقيون عن ما لا يقل عن 17 هجوماً إسرائيلياً مؤكَّداً أو يُشتبه بأنَّه إسرائيلي طال مواقع ومخازن أسلحة وذخيرة وصواريخ بالستية تابعة للحشد الشعبي الذي تربط العشرات من فصائله بعلاقات تحالف مع الحرس الثوري الإيراني، وأغلبها أعلنت في أوقات سابقة بيعتها الشرعية للمرشد الأعلى علي خامنئي.

في 25 أغسطس/آب الماضي، اعترفت فصائل الحشد الشعبي بمقتل قائد ميداني قُرب مدينة القائم العراقية على الحدود السورية بعد استهدافه بطائرة دون طيار.

تأتي هذه الضربة بعد سلسلة من الهجمات بطائرات دون طيار يُشتبه بأنَّها إسرائيلية على مواقع ومستودعات للذخيرة والصواريخ البالستية تابعة لفصائل الحشد الشعبي، كتائب "حزب الله" العراقي الحليف للحرس الثوري الإيراني، الذي يُعتقد بأنَّه الفصيل الأكثر قُدرة في مجال تصنيع وتطوير الأسلحة والصواريخ.

ووفقاً لوسائل إعلام عراقية، حدثت انفجارات أو حرائق في معسكرات عدة تابعة لفصائل الحشد الشعبي.

في 19 يوليو/تموز الماضي وقع انفجار في معسكر للحشد الشعبي في ناحية امرلي، القريبة من كركوك والتابعة إدارياً لمحافظة صلاح الدين شمال العاصمة، لكميات ضخمة من الذخيرة والصواريخ، ألقت قيادات سياسية في الحشد الشعبي مسؤولية ذلك على الولايات المتحدة وإسرائيل بينما لم يصدر أي اتهام رسمي من الحكومة العراقية.

وتحدثت قيادات أخرى عن أنَّها حرائق عادية نتيجة سوء التخزين للأسلحة والذخيرة أو نتيجة لخلل فني في منظومة الطاقة الكهربائية داخل المعسكر. بينما حملت قيادات في الحشد الشعبي الولايات المتحدة المسؤولية عنها.

بعد ذلك بأيام تعرَّض معسكر آخر للحشد الشعبي في محافظة ديالى بالقرب من الحدود الإيرانية لهجوم مماثل.

وفي 12 أغسطس/آب شهدت العاصمة تفجيرات ضخمة في قاعدة الصقر العسكرية التي تتخذها فصائل الحشد مقراً لمستودعات أسلحتها وذخيرتها نشرت وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة للحرائق والتفجيرات في القاعدة.

أما في 20 أغسطس/آب، فقد تعرَّضت مخازن أسلحة وذخيرة في معسكر تابع للحشد الشعبي بالقرب من قاعدة بلد الجوية شمال بغداد لانفجارات ضخمة وحرائق.

لم تُؤكِّد إسرائيل رسمياً مسؤوليتها عن الهجمات في العراق، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتياهو اعترف "ضمناً" في 25 أغسطس/آب الماضي، بعد يوم واحد من إسقاط "حزب الله" طائرتين مسيرتين إسرائيليتين فوق الضاحية جنوب بيروت، أن "كل دولة ستسمح باستخدام أراضيها لشن هجمات على إسرائيل ستتحمل النتائج". وبالتأكيد فإنَّ إيران تستخدم كلاً من الأراضي العراقية والسورية كمنطلق لشن هجمات على إسرائيل عبر قوات حليفة لها في البلدين. 

تملك إسرائيل ما يكفي من الدوافع لضرب مواقع الحشد الشعبي المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في العراق.

وتعتقد إسرائيل أنَّ إيران تسعى لإبعاد ترسانات الأسلحة والصورايخ بعيداً عن الأراضي السورية لتجنب استهدافها بالغارات الجوية أو الصواريخ الإسرائيلية.

لذلك، باتت إيران تُركِّز على استخدام معسكرات وقواعد الحشد الشعبي في العراق لتخزين الأسلحة والصواريخ متوسطة المدى المخصصة للقوات الحليفة لها في لبنان وسوريا، والعراق أيضاً، في مسعى منها لزيادة نفوذها وتوسيع جبهة الردع لإسرائيل والتصدي للهجمات المتكررة على مواقع الحرس الثوري أو القوات الحليفة في سوريا ولبنان.

ومن المُحتمل أنَّ القيادات الإسرائيلية اعتمدت سياسة تدمير ترسانة الصواريخ الإيرانية في العراق عبر مثل هذه الهجمات قبل أن تستطيع إيران والفصائل الحليفة لها نقلها إلى القوات الحليفة في لبنان وسوريا بعد إجراء عمليات التطوير عليها بإشراف مستشارين من الحرس الثوري الإيراني.

وتهدف إسرائيل من تصعيد هجماتها في العراق إلى الحدِّ من قدرات القوات الحليفة لإيران بنقل الأسلحة والذخيرة والصواريخ البالستية إلى لبنان وسوريا عبر الأراضي العراقية، بالإضافة إلى احتمالات استهداف إسرائيل من مناطق حدودية مع الأردن إلى إسرائيل ضمن مديات لا تصل إلى 350 كيلومتراً، وهي المسافة بين العراق وإسرائيل عبر الأجواء الأردنية.

ثمَّةَ الكثير من المؤشرات على أنَّ إسرائيل ستعمل مستقبلاً على توسيع جهودها ضد النفوذ الإيراني في المنطقة بعد الهجمات على مواقع القوات الحليفة لإيران في العراق، واحتمالات استهداف مواقع تابعة لجماعة الحوثي في اليمن التي أشار إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي في أكثر من تصريح. 

تُعدُّ الهجمات الإسرائيلية في العراق تطوراً بالغ الأهمية في إستراتيجياتها لمواجهة التهديدات الإيرانية المباشرة أو عبر القوات الحليفة لها، وتوسيع النطاق الجغرافي أبعد من المناطق التقليدية التي تشمل الأراضي السورية واللبنانية.

لذلك سيكون للتصعيد الإسرائيلي المتواصل، وتوسيع رقعة جغرافية الاستهداف للقوات الحليفة لإيران تداعيات على المصالح الأمريكية في العراق، حيث تنظر قيادات فصائل الحشد الشعبي إلى تواطُؤٍ أمريكي في الهجمات الإسرائيلية على مواقعهم في العراق، ما يُرجِّح أن تكون مواقع أو مصالح أمريكية في العراق والمنطقة أهدافاً محتملة في المرحلة المقبلة للحشد الشعبي العراقي أو جماعة الحوثي في اليمن.  

يمكن لفصائل الحشد الشعبي استهداف القوات الأمريكية والمنشآت المدنية والقواعد العسكرية والشركات العاملة في العراق، وهي جميعها أهداف سانحة أمام تلك الفصائل التي تفرض سيطرتها على أجزاء واسعة من مناطق وجود القوات والقواعد الأمريكية في وسط وغرب العراق، وشركاتها العاملة في الجنوب وكذلك منشآتها الدبلوماسية في العاصمة بغداد.

سيكون لاستهداف المصالح الأمريكية في العراق على نطاق واسع إذا واصلت إسرائيل استهداف مواقع الحشد الشعبي بالعراق، رُدود فعل محتملة على أهداف أمريكية "قد" تستدعي رداً أمريكياً على هذه الفصائل وعلى أهداف إيرانية أيضاً، وهو ما قد يُؤدي إلى مواجهة مفتوحة في العراق والمنطقة ستقود حتماً إلى حرب إقليمية متعددة الأطراف.