اعتقال رامي شعث.. إليكم رسائل السيسي لرافضي التطبيع مع إسرائيل

محمد سراج الدين | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أكثر من رسالة حملها خبر اعتقال السلطات المصرية للناشط الفلسطيني رامي شعث، نجل وزير خارجية فلسطين الأسبق ومساعد رئيس السلطة الفلسطينية حاليا نبيل شعث.

الرسائل ليست فقط في أن رامي الذي يتمتع بالجنسية المصرية بجانب جنسيته الفلسطينية، نجل شخصية فلسطينية مرموقة ومعروفة، ولها صلات قوية مع النظام المصري، وبالتالي فإن نظام عبد الفتاح السيسي لم تعد له خطوط حمراء.

وليست الرسائل كذلك في الاتهامات الرسمية التي وجهتها السلطات المصرية لشعث بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وإنما في الأسباب الحقيقية وراء اعتقال الناشط الفلسطيني البارز في ملف مقاومة التطبيع مع إسرائيل.

ناشطون مقربون من رامي شعث، أكدوا في تعليقاتهم على خبر اعتقاله، أن الحملات التي دشنتها الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل (BDS Egypt)، التي يتولى رامي منسقها العام، هي السبب وراء اعتقاله، وترحيل زوجته الفرنسية الأصل، قبل أكثر من شهر عن الإعلان الرسمي لخبر اعتقاله وضمه لقضية خلية الأمل، التي تقول السلطات المصرية أنها كانت تخطط لخوض انتخابات البرلمان المقبلة بالتحالف مع جماعة الإخوان.

لماذا الآن؟

حسب تصريحات صحفية لزوجته الفرنسية "سيلين"، فإن رامي كان نشيطا خلال الفترة التي سبقت اعتقاله في 5 يوليو/ تموز الماضي، في صياغة البيانات والمشاركة في مؤتمرات معارضة لما تعرف بصفقة القرن ومشاركة مصر في مؤتمر البحرين، رغم أنه يعمل منذ سنوات منسقا لمصر في الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها والمعروفة بحركة مقاطعة إسرائيل (BDS) دون أن يتعرض للملاحقة.

وقالت "سيلين" في تصريحات نقلتها شبكة الجزيرة، أن السلطات المصرية رحّلتها إلى فرنسا لحظة اعتقال زوجها، رغم وجودها بشكل قانوني في مصر منذ 7 سنوات، وحاولت مرارا وبكل الطرق معرفة سبب ترحيلها، إلا أنها لم تحصل على سبب لذلك، قائلة إنها تواصلت مع قنصلية بلادها كي تفهم من السلطات المصرية السبب، ولم تحصل على أي اجابة حتى الآن.

وحسب بيان الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل (BDS Egypt)، فإن رامي "شارك في تأسيس الحملة، وله مواقفه الصلبة في التعامل مع القضايا التطبيعيّة، فضلا عن مواقفه السياسية المعلنة المؤيدة لمقاومة العدو الصهيوني ودعم النضال الفلسطيني نحو التحرّر. كما أنه ينخرط سياسيا في مصر عبر دعمه لنضال شعبه الفلسطيني".

 

تشير الحملة في بيانها أن منسقها العام بمصر، "يتبنى المقاطعة كإحدى أدوات الضغط الفعالة ضد الاحتلال. ويؤمن بالمقاومة كخيار نحو التحرّر الكامل من العدو الصهيوني، وينخرط كناشط وسياسي في مصر من خلال مشاركته في حملات حركة المقاطعة المصريّة والعالميّة ضدّ الشركات الإسرائيليّة والعالميّة المتورطة في دعم الاحتلال، فضلا عن الدور الفاعل الذي يلعبه في مناهضة التطبيع في مصر".

وفي نفس الإطار أكد محمود نواجعة المنسق العام للحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل (بي دي أس) أن اعتقال رامي جاء "لإسكات صوته المعارض لسياسة الحكومة المصرية فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، وكذلك مشاركة مصر الأخيرة في مؤتمر البحرين الذي يعتبر الشق الاقتصادي لصفقة القرن الأمريكية".

لأجل نتنياهو

تعرض رامي لحملة تشويه من الإعلام المصري، بهدف تركيز التهم التي وجهتها إليه السلطات، وهي دعم وتمويل أنشطة جماعة الإخوان، وقالت جريدة الأهرام (حكومية)، أنه "استغل التبرعات التي كان يحصل عليها لصالح المحاصرين في غزة لدعم أنشطة الإخوان، بدافع الانتقام لنفسه بعد رفض مصر منحه جنسيتها، تاركا القضية الفلسطينية وشهداءها الأبرار يتساقطون يوميا برصاص الغدر الإسرائيلي وراء ظهره".

وهي الحملات التي رفضتها أسرة شعث، كما فندتها الحملة المصرية لمقاومة التطبيع، مؤكدين أن رامي حاصل على الجنسية المصرية بالفعل، وكان أحد نشطاء ثورة يناير 2011، كما كان ناشطا بارزا في حزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرادعي، بعد نجاح ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، باعتباره مواطنا يحمل الجنسية المصرية.

 

وفي توصيفه لهذه الحملة اعتبر مساعد رئيس الجمهورية السابق للشؤون العربية محمد عصمت سيف الدولة، أن اعتقال رامي يعود في الأساس للتحركات الإسرائيلية ضد حركة BDS حول العالم، مشيرا عبر حسابه على فيسبوك، إلى أنه لا يستبعد أن تكون من ضمن المطالب الاسرائيلية حظر نشاط الحملة بمصر، ووفقا لطبيعة النظام المصري الحالية وعمق علاقته بإسرائيل فإنه لن يجامل نبيل شعث على حساب نتنياهو.

ملف التطبيع

ووفقا لمتابعين لتطور التطبيع المصري مع إسرائيل، فإن هذا الملف يشهد تقدما على الصعيد الرسمي، بالإضافة لمحاولات عديدة لكي يحظي بنفس القدر على الصعيد الشعبي، وبالتالي فإن لجان مقاومة التطبيع تقف عائقا أمام أي إنجاز يمكن أن يتحقق في هذا الإطار، وهو ما يترجم السبب وراء اعتقال رامي شعث.

وفي هذا الإطار، جاء تحذير الحملة العالمية لمقاومة التطبيع BDS، من محاولة جديدة لغرز تل أبيب داخل المشهد الثقافي والسينمائي للمنطقة العربية، بعد ظهور مؤسسة جديدة بإسم "كلوز أب" (Close Up, A Cinematic Initiative for Non - Fiction Films) تستهدف إقامة ورش عمل لخلق فرص إنتاج مشترك للأفلام التسجيلية بين مخرجين من البلاد العربية وإيران وأفغانستان وتركيا وإسرائيل.

وحسب بيان للحملة، فإن "هذه المؤسسة الجديدة تتبنى نفس مشروع مؤسسة جرين هاوس الإسرائيلية، التي توقف نشاطها عمليا عام 2017، بعد أن قاطعها معظم السينمائيين العرب بسبب أهدافها المكشوفة لتطبيع العلاقات مع السينمائيين الاسرائيليين، وتعزيز وجود دولة العدو داخل المشهد الثقافي والسينمائي في منطقتنا، ليس باعتبارها كيانا استعماريا ولكن ككيان طبيعي يدخل في علاقات ثقافية مع بلاد الجوار".

ويأتي تحذير الحملة بعد دعوات تلقاها عدد من المخرجين العرب لتقديم مشاريع أفلامهم، كما دعت المنتجين من دول أوروبية مثل الدانمارك والنرويج والسويد وأيسلندا وفنلندا إلى المشاركة والتعاون مع المخرجين العرب والإسرائيليين.

وقالت المؤسسة إن المخرجين المختارين سيُدعون إلى 3 ورش لصناعة الأفلام الوثائقية تحت إشراف متخصصين لإرشادهم خلال اتفاقيات الإنتاج المشترك، وبالتعاون مع مؤسسات عالمية متخصصة في الإنتاج الوثائقي.

وذكرت الصفحة الرسمية للمؤسسة الإسرائيلية أن السينمائيين المختارين سيُعطون منحة كاملة لتغطية كافة نفقات السفر والتدريب والطيران والإقامة والوجبات.

مسرحية "سوبيبور"

 

وفي إطار تنشيط ملف التطبيع مع إسرائيل شهدت جامعة عين شمس منتصف أغسطس/آب 2019، واحدة من خطوات النظام المصري لإقرار التطبيع كأمر واقع داخل الجامعات، حيث قام طلاب الجامعة بتقديم عرض مسرحي بعنوان "سوبيبور" على مسرح السلام ضمن البرنامج الثقافي لمهرجان المسرح القومي.

وتدور أحداث المسرحية داخل معتقل ألماني يمارس فيه التعذيب ضد اليهود، وتظهر المسرحية المأساة الإنسانية التي تعرض لها اليهود على يد النازيين، وفق الروايات التي تحدثت عن مجازر الهولوكوست.

وتعرضت الكاتبة والأديبة أمنية طلعت، لهجوم شديد من اللجان الإلكترونية التابعة للمخابرات المصرية، بعد أن فضحت المسرحية، وقالت إنها "تأتي ضمن خطة الدولة للتطبيع الثقافي والفني مع إسرائيل"، مؤكدة في تصريحات صحفية أن المخرج الذي قام بإخراج المسرحية ليس طالبا بالجامعة، أو أحد خريجيها، "وإنما تم استقدامه من خارجها للقيام بهذا العرض".

وحسب طلعت، فإن النص المسرحي الذي تم عرضه محول عن فيلم "الهولوكوست"، ومضمونه خطير يمكن تناوله في أوروبا ودول الغرب، ولا علاقة له بالمنطقة العربية وليست قضيتهم "حيث إنه يستعطف المشاعر مع الصهاينة".

شهادات إسرائيلية

وحسب شهادات إسرائيلية عديدة، فإن عبد الفتاح السيسي، يعد مفتاح التطبيع الذي كانت تبحث عنه إسرائيل في المنطقة العربية، وهو ما أكده "إيال زيسر" أستاذ دراسات الشرق بجامعة تل أبيب، في مقال نشره بصحيفة "إسرائيل اليوم" عن مستقبل العلاقة بين الدول العربية و"إسرائيل"، أثناء هوجة التطبيع الخليجي مع إسرائيل قبل 4 أشهر.

ووفق "زيسر" فإن السيسي لا ينشغل بردود أفعال الرأي العام في تطوير وتنمية علاقات نظامه مع إسرائيل، على عكس مبارك، الذي كان يضع الرأي العام محل تقدير في مسألة التطبيع مع إسرائيل، رغم أنه كان حريصا على حفظ اتفاق السلام مع تل أبيب، لكنه لم يجد اهتماما أو حاجة لتوثيق وتعميق العلاقة معها، ويحتمل أن يكون قد خاف من ردود فعل الشارع المصري على كل خطوة تطبيع أو تنمية للعلاقات الأمنية والاقتصادية بين مصر وإسرائيل.

ويرى الخبير الإسرائيلي أن السيسي لا يخاف من مثل هذا النقد، خاصة وأن النخبة الحاكمة في مصر، لا تعارض تعميق التعاون الأمني والاقتصادي بل والسياسي مع إسرائيل.

وعن التطبيع الثقافي على وجه التحديد، اتخذ الباحث اليهودي جاكي خوجي محرر الشؤون الفلسطينية في الإذاعة العسكرية الإسرائيلية، من التغيرات التي طرأت على تصريحات المسؤولين المصريين السابقين في عهد مبارك، والذين كانوا يرفضون التطبيع بشكل علني، لكنهم الآن يرحبون به، اتخذ من هذه التغيرات دليلا على تغيير المناخ السياسي الذي كان يرفض تطوير ملف التطبيع.

واستدل خوجي في مقال نشره بجريدة معاريف، بتصريحات وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، بدعمه للتطبيع مع إسرائيل، رغم رفضه لذلك خلال عمله وزيرا، مشيرا إلى أن الضابط المسئول عن ملف الثقافة في نظام السيسي، منح الإشارة لهذا التغيير، لذلك فإن حسني يتكلم الآن بما يتوافق مع رغبات النظام المصري القائم، بعد أن انخفض الصوت المعادي لإسرائيل في الصحافة المصرية خلال السنوات الأخيرة".

وكشف خوجي وجود حملة رسمية يقوم بها نظام السيسي لتغيير الخطاب المصري المعادي تجاه إسرائيل من خلال وقف المقاطعة الثقافية لها، وهو توجه يحتاج جيلا كاملا من التعليم والثقافة، خاصة وأن الجمهور المصري معاد لإسرائيل بالفطرة، وفور سماع اسمها تصدر ردود فعل فورية قاسية.


المصادر