فورين بوليسي: إدارة ترامب رفضت معاقبة حميدتي وقواته.. لماذا؟

كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، عن رفض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض عقوبات على قوات الأمن السودانية، ولا سيما قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إثر مذبحة ارتكبتها بحق المتظاهرين أمام قيادة الجيش في الخرطوم.
وقال التقرير، إن إدارة ترامب تخشى أن اتخاذ إجراءات ضد المجلس العسكري لقتل المتظاهرين قد يؤدي إلى فشل محادثات السلام بين الأطراف المتصارعة في السودان وتعريض البلاد لأزمة تعصف بوحدتها واستقرارها.
تمهيد الطريق
ونقلت المجلة عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، متخصصين في السياسة الخارجية، قولهم إن الولايات المتحدة أوقفت خططا لفرض عقوبات على قوات الأمن السودانية على خلفية مذبحة المتظاهرين من أجل تمهيد الطريق لاتفاق لتقاسم السلطة بين القادة العسكريين والمدنيين.
وأوضحت، أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أن مجلس الأمن القومي الأمريكي عقد سلسلة من الاجتماعات لمناقشة رد الولايات المتحدة الأمريكية علي المذبحة التي قامت بها قوات الأمن السودانية ضد ناشطين مطالبين بالديمقراطية، في البلد الذي يقع شرق إفريقيا، حيث ارتكبت قوات الدعم السريع في الثالث من يونيو/حزيران الماضي مجزرة في أماكن تجمع المحتجين وفي مستشفى الخرطوم، نجم عنها مقتل أكثر من 100 سوداني.
ولفت التقرير إلى أن هذه الهجمات الدموية قضت على آمال الانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة مدنية، بعد الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي حكم السودان لعقود طويلة.
وذكرت المجلة، أنه تم تكليف وزارة الخزانة الأمريكية بوضع إستراتيجية للعقوبات على السودان تستهدف بشكل جزئي قوات الدعم السريع السودانية وقائدها اللواء محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي".
وأكدت، أنه وفقا لمسؤولين أمريكيين مطلعين، فقد تم وقف أطروحات العقوبات على المداولات الداخلية فقط، حتى لا تؤثر هذه العقوبات المفترض إقراراها ضد السودان سلبا على محادثات السلام الهشة بين قيادات قوى الحرية والتغيير، وبين قيادات المجلس العسكري الحاكم في السودان.
وأشار التقرير إلى أن المداولات الداخلية الأمريكية تشير إلى المأزق الدبلوماسي الذي تعانيه الدبلوماسية الأمريكية، في الوقت الذي من المفترض أن ترعى الانتقال الديمقراطي السلمي في السودان بعد ثلاثين عاما من الحكم الاستبدادي في البلد الذي يعاني من ظروف اقتصادية كارثية، ونزاعات مسلحة أثرت في حياة الشعب السوداني، مما جعل السياسيين والخبراء الأمريكيين مشتتين بين الخيارات السياسية والدبلوماسية الأمريكية حيال الأزمة السودانية.
وتابعت المجلة: "ففي حين يرى البعض أن واشنطن بحاجة إلى معاقبة الشخصيات العسكرية السودانية على العنف والمجزرة التي قاموا بارتكابها ضد نشطاء المعارضة السودانية، بما في ذلك مزاعم القتل والاغتصاب والتعذيب في أعمال العنف التي وقعت في الثالث من يونيو/حزيران، لإظهار أن مثل هذه الجرائم لن تمر دون عقاب من المجتمع الدولي، بينما يخشى آخرون من أن تؤدي هذه الخطوة إلى إلحاق ضرر أكبر من نفعها على المدى الطويل من خلال احتمال الإخلال باتفاق تقاسم السلطة الهش وإغراق البلاد في مزيد من الفوضى.
وأردفت المجلة، بأن مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، تيبور ناجي، كان قد أعرب عن قلقه ازاء عدم استقرار السودان، وقال في مؤتمر صحفي الشهر الماضي: إن "هناك بعض السيناريوهات المحتملة التي ستكون سلبية للغاية. يمكن أن ينتهي الأمر بنوع من الفوضى القائمة في ليبيا أو الصومال، وآخر ما تريده مصر هو ليبيا أخرى على حدودها الجنوبية".
وفي سياق متصل، نقل تقرير المجلة عن مسؤولين حاليين وسابقين، قولهم إن المبعوث الخاص للسودان كان من أبرز المدافعين عن إيقاف العقوبات على السودان خشية أن تخرج محادثات السلام عن مسارها. لكن متحدثا باسم وزارة الخارجية وصف هذه الادعاءات بأنها "كاذبة".
حساسية المفاوضات
ونقل التقرير عن المتحدث باسم وزارة الخارجية، قوله إن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تواصل دعمها لتشكيل حكومة يقودها مدنيون، وتحظى بدعم واسع الطيف من الشعب السوداني، مضيفا أن الوضع في السودان كان، ولايزال غير مستقر وسريع التقلبات، مما يستدعي أن تستخدم الولايات المتحدة جميع أدواتها الدبلوماسية لرعاية وتسهيل الانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة مدنية بطريق سلسة ومنظمة، وأن الخارجية الأمريكية لا تعقب على أي عقوبات قبل إقرارها.
كما نقل عن كاميرون هدسون، وهو دبلوماسي أمريكي سابق وموظف في مجلس الأمن القومي كان يعمل في قضايا السودان، قوله: "في الوقت الحالي، ونظرا لحساسية المفاوضات، ونظرا لهشاشتها، فإن العقوبات سابقة لأوانها.
ومن ناحية أخرى، بحسب المجلة، فإن خبراء آخرون يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تستخدم العقوبات بفاعلية أكثر مما تمارسه في هذه الآونة، أو على الأقل التهديد بفرض عقوبات في الأحاديث العلنية، عند التعامل مع كبار الشخصيات العسكرية في السودان لضمان التزامها بالانتقال إلى الحكم الذي يقوده المدنيون.
ووفقا لمسؤول أمريكي، تحدث للمجلة طالبا عدم الكشف عن هويته، فإنه "لا أعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق يقبل به المجلس العسكري، ما لم نظهر لهم أنه ستكون هناك عواقب على عمليات القمع العنيفة. وإلا، سنحصل على نفس النتائج مرة أخرى إذا لعبنا مع نفس اللاعبين، بنفس التكتيكات".
اتحاد المغتربين
من جهتها، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا بعنوان "السودانيون الأمريكيون يطالبون بحكم مدني في السودان، وهم متحدون"، قالت فيه إنه عندما قطع المجلس العسكري الحاكم في السودان خدمة الإنترنت في يونيو/حزيران في محاولة لقمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، بدأ الأمريكيون السودانيون في العمل، داعيين أحبائهم إلى العودة إلى ديارهم لجمع المعلومات وتبادلها مع العالم.
وقال التقرير، إن المغتربين السودانيين في الولايات المتحدة قاموا بتهريب بطاقات هواتف "SIM" إلى البلاد لمساعدة المدافعين عن مكافحة حملة القمع الحكومية القاسية، وأرسلوا الأموال لأقنعة الغاز المسيل للدموع وساعدوا النشطاء المعرضين للخطر على الفرار.
وأكدت الصحيفة، أنه من خلال مجموعات "واتساب" ووسائل التواصل الاجتماعي، حشد المهاجرون السودانيون من العاصمة الخرطوم، جنبا إلى جنب مع أولئك من دارفور، وهي موطن لجماعات عرقية عدة كانت تستهدفها المليشيات المدعومة من الخرطوم قبل 15 عاما للتطهير العرقي، والتي قتل أكثر من 300 ألف شخص.
وذكر التقرير، أن هؤلاء مارسوا ضغوطا على الكونجرس للدعوة إلى حقبة سياسية جديدة في السودان، وخططوا أو شاركوا في مظاهرات متكررة، بما في ذلك وقفة احتجاجية، الجمعة الماضية، خارج سفارة المملكة العربية السعودية، وهي دولة قدمت الدعم المالي للجيش السوداني.
ونقلت الصحيفة عن قادة المتظاهرين، إن المهاجرين من الخرطوم ودارفور لم يعملوا معا في الماضي. ولكن مع تحول قوات الأمن المسؤولة عن الإبادة الجماعية في دارفور الآن إلى المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في العاصمة، تشعر الطائفتان بشكل متزايد بأنهما مرتبطتان بهدف مشترك.
وقالت نيمات أحمدي، والتي وصلت إلى الولايات المتحدة كلاجئة في عام 2007، في حديث للصحيفة الأمريكية: إن الوضع "شمل السودانيين عبر جميع الحدود السياسية والجغرافية والاجتماعية". وذكرت الصحيفة، أن سفارة السودان في واشنطن لم تستجب لطلبها للتعقيب عما ذكره التقرير.
وأوضحت، أنه على الرغم من أن العديد من السودانيين الذين يقدر عددهم بنحو 44 ألف سوداني في الولايات المتحدة يتقاسمون تجربة الوصول كلاجئين، فإن الفئات السكانية الفرعية المتميزة قد فعلت ذلك في ظل ظروف مختلفة. وقد حصل البعض - مثل سمية عبد الهادي، وهي سجينة سياسية سابقة في الخرطوم تعيش الآن في ولاية كارولينا الشمالية - على اللجوء السياسي عندما جعلت حكومة عمر البشير الحياة في السودان صعبة للغاية بالنسبة لهم، وفرّ آخرون من دارفور وسط تهديدات لحياتهم، ابتداء من عام 2003.
وأضاف التقرير، أن حركة إنقاذ دارفور جذبت انتباه السياسيين الأمريكيين، والعالم، في السنوات التي تلت ذلك. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر بالقبض على البشير بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وفي المقاطعة، تجمع المهاجرون الدارفوريون وحلفاؤهم لعقد الوقفات الاحتجاجية الشهرية أمام السفارة السودانية في ماساتشوستس.