الرأي العام بين السياسة والرياضة

أيمن خالد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

متشابهة ومتداخلة جملة الأحداث التي يتعرض لها الرأي العام العربي. ومحطات الذاكرة لا تسمح للكاتب تجاوز حكاياتها وإن مرَّ عليها الزمن. كان من المفترض أن أنتهي من مقالي لولا حكاية فرضت حكمها أن تكون مقدمة للمقال.

تقول الحكاية لناشرها د. أياد عبد المجيد عن جدته عن جده المجاهد أحمد الحسون: أنه وأثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا قبل 100 عام، كانت الفرقة السنغالية إحدى الفرق التابعة للجيش الفرنسي، وعندما بدأت المعارك في الشمال السوري في جبل الزاوية وهي سلسلة جبلية تقع في إدلب، كان الجندي السنغالي يخفي أسلحته بين كوم الأحجار من أجل أن يأخذها الثوار السوريون. ويطلق صوته عاليا (أنا مسلم).

لو كان مجرد الكشف عن هذه الحكاية بعد 100 عام، هو كل ما جناه المنتخب السنغالي من بطولة أفريقيا، لاستحق التتويج. وهنا تأتي معايير النصر والهزيمة بمعناها الحقيقي.

المصادفة القدرية، أن جبل الزاوية وإدلب نفسها اليوم تتعرض إلى حرب إبادة، ترتكبها الطائرات الروسية وطائرات نظام الأسد ضد شعب سوريا وثورته الباحثة عن الحرية والاستقلال. ولا شك أبدا لو أن إرادة الشعوب أطلقت في ميادينها الحقيقية، لوجدنا الآلاف من نموذج ونسخة ذلك الجندي السنغالي الذي أخفى سلاحه لكيلا يصوبه نحو صدر أخيه المسلم.

أنا من محبي الجزائر جدا، وفرحت لفوز منتخبها بالبطولة الأفريقية. أما مصر فهي منزل الطيب والكرم لعقد ونصف من الزمن. وتألمت لخروجها مبكرا من البطولة. تتداخل الأحداث في ذهني. سأحاول الوقوف عند محطات لا تغادرها الذاكرة.

"الغضب الساطع آت وأنا كلّي إيمان...".

حينها كنا في لبنان في مهمة إعلامية لمؤتمر يعنى بشؤون المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية. تزامن ذلك مع يوم اللقاء الرياضي بين منتخبي مصر والجزائر الذي صادف يوم الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2009. كان زميلي الإعلامي المصري الموفد من قناته المهتمة بالمؤتمر يتحدث عبر الهاتف بانفعال مع زملائه في مصر وفور انتهائه من المكالمة بادرني بعبارة (هو ينفع؟) هو ينفع الإعلام المصري يبث ملحمة فيروز (الغضب الساطع آت) على خلفية الأحداث الرياضية المؤسفة بين مصر والجزائر؟

بصرف النظر عن الرياضة وكرة القدم وعشاقها ومخرجاتها العربية. نعتقد اليوم أننا أمام مشكلة حقيقية والمواجهة يجب أن تكون صريحة ومن دون مجاملة، أمام حملة تجريف الوعي وتحطيم عقلية الأمة.

كان واضحا مقدار تأثر اتجاهات الرأي العام واستجابته مع أحداث وتفاعلات ما جرى بين المنتخب الجزائري الفائز بكأس البطولة الأفريقية وحكاية الجسر الجوي الجزائري لنقل المشجعين إلى مصر قبل المباراة النهائية. ذلك الجسر الجوي الذي تأخر بإعادة المشجعين إلى الجزائر، ما أدى إلى مسببات الانفعال والمواجهات التي أعقبتها اشتباكات بين الأمن المصري والجمهور الجزائري بعد المباراة مباشرة. الأمر الذي يراه البعض تقصيرا وانفعالا مصريا مقابلا نتيجة إعلام التحريض المتمرس.

هناك نسبة كبيرة من النخب المثقفة تميزت صفحاتهم بألوان الشتائم المقذعة الموجهة إلى الشعوب والبلدان متناسين أن مصر في ثورة. والجزائر لا زال أحرارها في ميادين الحرية والكرامة. ناهيك عن المعارك الإعلامية على قنوات التضليل والتزييف.

يتساءل الكثير من عقلاء الناس عن حجم وأهمية كرة القدم أمام مصير أمة تتقطع أوصالها كل يوم. ففي الوقت الذي تشتعل المعارك الإعلامية والشحن والتأليب المجتمعي من آثار الرياضة وجنونها. تباد مدن وقرى بأهلها في سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان على يد أعدائها الخارجيين. ومستبدها من الداخل.

وما يخفف قليلا من سموم وغلواء المتطرفين المستظلين بأجنحة حكام الظلم والاستبداد. تنطلق أيضا أصوات الكثير من الأحرار التي ترى أن العسكر المصري والجزائري يخططون للوقيعة بين الشعبين المتحابين. بقصد إرباك وشغل الثورتين. ويرون أن تضليل إعلام الأنظمة المتهالكة يهدف إلى استعباد الشعوب وإلهائها بمعارك الكرة وأخواتها، كما حدث في زج الشعبين المصري والجزائري في أتون أزمة عام2009 على إثر مباراة تحدد المرشح لكأس العالم.

إذن هي ليست معارك رياضية، بقدر ما هي معركة مستمرة ومعقدة بين الحكام الانقلابيين المستبدين وبين دعاة الحرية وحركة الثورة بميادينها المتعددة من مصر إلى الجزائر إلى سوريا فالسودان وليبيا واليمن والعراق. هي كما تبدو مؤامرة تديرها أنظمة الذل لإذابة الحق الفلسطيني (القضية الكبرى). ذلك لا يغطي حتما وازع الوعي الذي تجلى بصورة ذلك الهتاف لفلسطين عبر حناجر مشجعي الجزائر ومصر رغم قيود أجهزة القمع العربي.

من ميادين السياسة حيث الثورة مستمرة. إلى ميادين الرياضة. تبدو الجزائر منسجمة مع حالة الفوز. وقطعا فإن أحرار الجزائر يدركون تماما أن مصر الثورة هي المعادل الطبيعي المكافئ لترجيح كفة النجاح ضمن مسيرة الحراك الثوري العربي الشامل.