يني شفق: هكذا تعيد تركيا صياغة حدودها الجغرافية

12

طباعة

مشاركة

تصيغ أنقرة جغرافيا جديدة في المنطقة لها وللدول المحيطة بها، من خلال الجهود التي تبذلها في البحر المتوسط، وإن كان ذلك لم يأت بسهولة. فقد مرّت تركيا بدءا من الاحتلال الفرنسي في أوائل القرن العشرين بالكثير من المراحل التاريخية، وفي كل مرة كانت لها كلمة ثابتة راسخة مكّنتها من اتخاذ قرارها، كما هو الحال في الوقت الراهن. 

وقال الباحث التركي في العلوم السياسية، سلجوق ترك يلماز، إن فهم ما حدث في 15 يوليو/ تموز، عندما أُفشل الانقلاب الذي كاد أن يطيح بتركيا ونظامها، يوضح ما دار وسيدور خلال السنوات التي تلت عام 2016 ويعطي فكرة مطمئنة حول المستقبل الجغرافي لتركيا والمنطقة.

وأفاد الباحث في مقال له نشرته صحيفة "يني شفق" التركية، بأن منظمة فتح الله غولن ليس لديها أي تأثير في مسألة الجغرافيا، ويمكن فهم ذلك من خلال كون الذين نفذوا محاولة الانقلاب، هم أشخاص ذوو تاريخ غير مستقيم.

أهداف مثيرة للشك

تريد تركيا أن تضع الحدود الجغرافية الخاصة بها، دون تماس مع الدول المجاورة، ودون أن تتعرض للكثير من الخطابات والقرارات الاحترازية، والعقوبات كما حدث مؤخرا. 

ولا يعني كل ما يدور في الوقت الراهن، من هجمات تشنها الإمبريالية على تركيا، سوى أنها محاولة لإقحام مجموعة تستخدم الدين كشعار لكسب أصوات الجماهير، وكلنا يذكر ما دار في مظاهرات "جيزي بارك" عام 2013، عندما لعبت دورًا كبيرًا في تضخيم المسألة، لكن لم يكن لها دور ميداني على الأرض وقتها، تم تحديد الدافع الرئيسي لهذه المبادرة من قبل أيديولوجيات مختلفة.

وقال المقال، إن تركيا تعرضت للكثير من الهجمات، وقامت المجموعات التي تعرّف نفسها على أنها معادية للإمبريالية، بالتورط داخل هذه الهجمات وعملت على تقديم الدعم لها بشكل أو بآخر. 

ولو وصلت هذه المجموعات لأهدافها، كان يمكن أن يكون لمنظمة غولن موقع آخر اليوم، وكان يمكن مناقشة ذلك ببعد مختلف. وهذا يدل على أن الهياكل المنظمة بخلاف الجماعات الدينية تُستخدم بفعالية. ويمكن لكل من الجماعات الدينية والتشكيلات السياسية والاختلافات الأيديولوجية أن تتحول إلى أداة للتدخل للإمبريالية.

ورأى الكاتب أن التواصل مع الخارج، يتطلب أن تكون شخصا غير عادي، إذ تعد مجموعات رأس المال والهياكل والمؤسسات الدينية والعقائدية أهم آليات الارتباط مع الخارج، كما يحتاج الأمر للولاء الفردي.

لو لم تستطع تركيا إظهار إرادة حقيقة في 2013، لما كانت لها القدرة على اتخاذ قرار في هذه الأحداث الخاصة التي تعيشها في هذه الفترة، وهذه نقطة مهمة جدًا في قراءة المستقبل القريب. 

رسم الحدود

أظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب ذكرى إفشال انقلاب 15 تموز  أن تركيا لن تعيش أي ضعف خاصة فيما يخص الجغرافيا، لذلك من الضروري التعمق في معنى هذه الإرادة.

يمكن، بحسب المقال، قراءة التصريح بطريقتين، فمن جهة هو يعبر عن قوة القرار التركي ومن جهة ثانية هو استمرار بمجادلة الإمبريالية بشكل صريح وواضح.

ولعل 15 تموز من بين الأمثلة الصارخة على محاولات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرض إرادتهم على تركيا في التاريخ الحديث، وهي تشابه بشكل أو بآخر مع ما حدث عام 1974، وما يحدث في شرق البحر المتوسط وشمال إفريقيا وشرقها وشمال العراق. وينبغي أيضا، النظر إلى شمال سوريا في نفس الإطار، بحسب الباحث في العلوم السياسية.

في عام 1974 أطلقت الجمهورية التركية العملية العسكرية لإحلال السلام في جزيرة قبرص، بعد انسداد الطرق الدبلوماسية بين الدول الضامنة بموجب القوانين الدولية، وهي تركيا وبريطانيا واليونان.

وعقب إخفاق المساعي الدبلوماسية في حل الأزمة القبرصية آنذاك، بدأت أنقرة بعملية عسكرية في الجزيرة، بتاريخ 20 يوليو/ تموز عام 1974، بعد أن شهدت الجزيرة انقلابًا عسكريًا قاده نيكوس سامبسون ضد الرئيس القبرصي مكاريوس، وبعد فترة من استهداف المجموعات المسلحة الرومانية لسكان الجزيرة من الأتراك.

وانتهت الحملة في 22 يوليو/ تموز من نفس العام بوقف لإطلاق النار، ثم أطلق الجيش التركي حملة ثانية يوم 14 أغسطس/ آب 1974، نجحت في تحقيق أهدافها، إذ أبرمت اتفاقية تبادل للأسرى بين الجانبين، في 16 سبتمبر/ أيلول من العام ذاته.

إذن، قال الكاتب، ليست صدفة أن تستخدم تركيا الجغرافيا، لقد بدأت منذ زمن قريب تغيير بنيتها الجغرافية.

جغرافية العالم الإسلامي

عُرِف إسماعيل أنور لدى الغرب باسم "أنور باشا"، وهو قائد عسكري عثماني وأحد قادة حركة "تركيا الفتاة"، عُيِّن رئيسًا لأركان الفيلق الثالث، وشارك في انقلاب عام 1908 هو وجمال باشا وطلعت باشا ضد السلطان عبدالحميد الثاني.

قاد أنور باشا خلال الحرب العالمية الأولى الجيش العثماني الثالث ضد الروس، ثم تصدى للحملة البريطانية على العراق، وزار الأقصى في عام 1915؛ وتُعد زيارة أنور باشا وجمال باشا للقدس زيارة تاريخية، بَشّرت بمرحلة جديدة في تاريخ المدينة، لكنّها لم تدُم طويلًا بدخول الاحتلال البريطاني في عام 1917.

من الضروري فهم كل فترة في حد ذاتها ثم التركيز على أوجه التشابه أو الاختلافات، فمن جهة التموقع الجغرافي، حافظت تركيا على الأرض والحدود، وفي ذات الوقت هي علامة ضعف؛ لكن الاستقرار في تركيا يساعد على اتخاذ القرار. 

واعتبر الكاتب أن تركيا تعطي أهمية كبيرة لجغرافيتها وجغرافية العالم الإسلامي وموقعها يعطيها الحق في ذلك، بدلا من أن يكون حق المقاومة لدول أخرى كالسعودية والإمارات وحتى مصر. 

وزاد يلماز موضحا: "لا يمكننا القول إن هذه البلدان الوسيطة لديها إرادة قوية"، وقال إن الضغوط على المراكز الضعيفة يمكن أن تؤدي إلى نتائج في وقت قصير، وللأسف، هذا هو الحال بالنسبة لتركيا أيضا.

بعد الثورة الفرنسية، تغيرت الأفكار والمفاهيم الجديدة في أوروبا ثم العالم بأسره، والتغيير في تركيا أيضا كان مهمًا. حيث أنه وفي أوائل القرن العشرين، شكّلت مثالا واضحًا للنضال ضد الإمبريالية.

إن التفكير بأن هذه الفترة ستنتج أفكارها ومفاهيمها الخاصة لا تشير إلى مقاربة بسيطة، وينبغي النظر إلى الحماس والمفاهيم الجديدة التي تولّدت بعد إفشال 15 تموز. وختم الكاتب قائلا: ليس هناك شك في أننا نمر بفترة تاريخية.