دولة "الجنوب العربي".. هل تنجح أبوظبي في تقسيم اليمن؟

آدم يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شيء ما يلوح في الأفق، ترتيبات تتم في الخفاء لكن معالمها بدت تطفو على السطح، يوما بعد يوم يتزايد الحديث عن قرب فصل جنوب اليمن عن شماله، وتكوين ما يسمى دولة "الجنوب العربي".

وسائل إعلامية ومواقع إخبارية تداولت أنباء عن ترتيبات لإنهاء الوحدة اليمنية، وعمد بعض المحللين السياسيين والعسكريين إلى كتابة تغريدات عن اقتراب موعد إعلان الانفصال وتأسيس دولة الجنوب، فيما يبدو أنه تهيئة للأجواء لقبول فكرة الانفصال، الذي يسعى لتحقيقها ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.

منذ سيطرة الإمارات على الجنوب، بدعوى محاربة الحوثيين، عملت على إنشاء وتشكيل أجهزة موازية للأجهزة الرسمية للدولة، فعلى المستوى العسكري والأمني عملت على إنشاء أحزمة أمنية ونخب عسكرية في عدن والمحافظات الجنوبية، تعمل بديلا عن الأجهزة الرسمية التي عملت على إضعافها.

وعلى المستوى السياسي وفي مايو/آيار 2017 أعلن محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي، وبإيعاز من أبو ظبي تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وأصدر بيانا قال فيه إن المجلس يهدف إلى فك ارتباط جنوب اليمن عن شماله، وتحقيق استقلال جنوب اليمن عن سلطة صنعاء،  بحدوده قبل إعادة تحقيق الوحدة عام 1990.

في ديسمبر/كانون الأول 2018 أعدت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرا بعنوان "اليمن على شفير الهاوية"، نقلت فيه تصريحا لأحد قادة المجلس الانتقالي (لم تسمه)، قال فيه: إن "الإمارات حليف إقليمي للمجلس الانتقالي الجنوبي ولديه مصلحة في إقامة دولة صديقة جنوب اليمن".

وقال التقرير نقلا عن القائد الجنوبي: "لدينا الآن جيش ونسيطر على الجنوب ولدينا حليف إقليمي معنا، في إشارة للإمارات، لم نكن أقوياء بهذه الدرجة في الجنوب، يقول الناس إننا لعبة بيد الإماراتيين مثل الريموت كونترول، ولكن الإماراتيين ليسوا جمعية خيرية، طبعا لديهم مصالحهم، تأمين الساحل، ومحاربة تنظيم القاعدة، وإقامة دولة صديقة هنا في جنوب اليمن".

دولة جنوبية

تعمل الإمارات على خلق فوضى وحروب أهلية وزعزعة الأمن والاستقرار، لتهيئة الأجواء لإقامة دولة في الجنوب، وهو الأمر الذي سيحظى، في تقديرهم، بالقبول لدى عامة الشارع الجنوبي.

وأكد تقرير الجارديان أن التدخل الخارجي، خاصة الإمارات، أدى إلى تحويل النزاع إلى "حروب ومناوشات محلية داخل حرب واحدة، وأقام الإماراتيون معسكرات وقواعد عسكرية وأقاموا دولة موازية بقواتها الأمنية وغير تابعة للحكومة اليمنية".

نهاية مايو/آيار الماضي، منعت السلطات الأمنية التابعة للسلطة المحلية في محافظة سقطرى إفراغ سفينة إماراتية يعتقد أنها تحمل معدات وآليات عسكرية لتعزيز تشكيلاتها المسلحة داخل الجزيرة، وزعزعة أمن واستقرار الجزيرة، إثر توجيه من محافظ سقطرى رمزي محروس لمدير الميناء بمنع تفريغ السفينة الإماراتية بعد رفض الكشف عن حمولتها والالتزام بقوانين الملاحة.

وردا على تهديدات المجلس الانتقالي المدعوم من قبل الإمارات، الذي توعد بطرد قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، قال قائد المنطقة العسكرية الأولى اللواء الركن صالح محمد طيمس، إن القوات المسلحة، ستكون بالمرصاد لكل الأيادي التي ستحاول العبث وزعزعة الأمن في وادي حضرموت، في إشارة للإمارات، وأكد اللواء طيمس، أن أفراد وضباط المنطقة العسكرية الأولى سيكونون الصخرة التي تتحطم عليها كل المؤامرات دفاعاً عن اليمن الاتحادي.

وكانت الدعوات للمطالبة بفصل الجنوب عن الشمال وتحرير وادي حضرموت قد تصاعدت، تزامنا مع انعقاد مجلس النواب في مدينة سيئون في أبريل/نيسان الماضي.

إحياء الصراع

لا تقف جهود الإمارات على تأسيس لحالة الانقسام بين شطري الشمال والجنوب فحسب، بل تتعداها لتعميق الصراع الداخلي بين أبناء الشطر الواحد، وإعادة إحياء الصراع بين الأجنحة السياسية في الجنوب، الذي عانى من صراع الأجنحة السياسية المسلحة قبل إعلان الوحدة في 1990.

آخر فصول الصراع كانت مذبحة 13 يناير/كانون الثاني 1986، أي قبل إعلان الوحدة بأربع سنوات، وراح ضحيتها عشرات السياسيين، أبرزهم رئيس الدولة في الجنوب سالم ربيع علي، وحل مكانه رئيس الحزب عبد الفتاح إسماعيل، ثم تصفية علي عنتر وعلي شايع في أحداث يناير الدموية.

وفي تقرير نشرته صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية في يوليو/تموز 2017 كشف عن دعم الإمارات للجنوبيين، وأضاف أن الكتلة الجنوبية في اليمن المدعومة من أبوظبي لا تواجه الانقسام فحسب، بل هي خطر حقيقي على الصراع الداخلي.

أثر ذلك الانقسام يمتد ويتجاوز أبناء الشطر الواحد، ليطال الشماليين في الجنوب، فعقب دخول الإماراتيين إلى عدن، طردت السلطات الأمنية في عدن ورحلت مئات الشماليين الذين أجبروا على ترك محلاتهم وتجارتهم ومصادر أرزاقهم، بالإضافة إلى فرض إجراءات مشددة على المنافذ الرابطة بين المحافظات الجنوبية والشمالية.

وفي يناير/كانون الثاني 2019، أصدر فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة تقريرا قال فيه إن تشكيلات مسلحة مدعومة من الإمارات جنوب اليمن تعمّق الانفصال، وأضاف التقرير أن الحكومة اليمنية تعاني من عدم قدرتها على السيطرة على قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية في المكلا والنخبة الشبوانية، وجميعها فصائل مسلحة تدعمها الإمارات تسعى للانفصال.

يأتي ذلك في ظل تأكيد التقرير أن التناقض في المصالح المشتركة داخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين يؤدي إلى تفاقم تجزئة اليمن، وإلى تآكل سلطة الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف، إلى درجة أن استعادة الحكومة لسلطتها في جميع أنحاء اليمن غدا أمرا بعيد التحقق، رغم التقدم على الأرض ضد الحوثيين.

صراع الموانئ

أحد قادة ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي كشف لصحيفة الغارديان أن الإمارات تقدم الدعم للمجلس لأن لديها مصلحة في إقامة دولة جنوبية صديقة. ما هذه المصلحة؟ فكشف عنها تقرير للإندبندنت حينما قال إن أجندة الإمارات تتمثل في السيطرة على الموانئ والقواعد البحرية على طول الساحل الجنوبي الإستراتيجي لليمن.

وعمليا تسيطر الإمارات على مضيق باب المندب، وأنشأت قاعدة عسكرية في جزيرة ميون الواقعة في قلب المضيق، بالإضافة إلى محاولات سيطرتها الكلية على جزيرة سقطرى المحاذية للسواحل العمانية والقريبة من مضيق هرمز، في محاولة لتوسيع نفوذها الإقليمي وتحقيق طموحها المتنامي في المنطقة، كقوة صاعدة تطمح لها أبوظبي.

وبالطبع هذا الأمر، بحسب اعتقادها، لن يتحقق لها إلا إذا تخففت من حمولة الشمال، وعملت على فصل جنوبه، واستمرت في خلط المشهد، وتكريس الفوضى، وتقويض سلطة الحكومة الشرعية.

محاولة للإقناع

في مارس/آذار الماضي زار ما يسمى رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي عددا من الدول الأوروبية بالإضافة إلى روسيا، منطلقا من مقر إقامته في أبوظبي، في مسعى منه لإقناع هذه الدول بفكرة انفصال الجنوب عن اليمن، معتمدا على فكرة تسويق مظلومية الجنوبيين حينا، ومادحا الاحتلال البريطاني لليمن حينا آخر، حتى وصل به الحال لوصف الاحتلال البريطاني بالشريك السابق.

الزبيدي قال أمام لجنة التعاون والتنمية في مجلس العموم البريطاني: "إن بريطانيا لها تأثير إيجابي على شعب الجنوب، وبحكم الشراكة القديمة والوجود البريطاني في السابق وما حققه من إرث ثقافي وحضاري وتقدم في النظام والقانون، أردنا أن تكون أول زيارة لبريطانيا باعتبارها كانت شريكا، والشعب الجنوبي له إرث طويل معها" على حد قوله.

خيبة أمل

الأمر نفسه تكرر أثناء زيارة الزبيدي لروسيا التي امتدح دورها في اليمن، من خلال الحزب الشيوعي، وهو النظام الحاكم للشطر الجنوبي حينها، وعقب ذلك قام السفير الروسي فلاديمير ديدوشكين بزيارة عدن، وحظي باستقبال رسمي، بمراسم رفعت علم الانفصال.

رغم كل ذلك، ورغم الدعوات والعروض المقدمة لروسيا من قبل المجلس الانتقالي للقيام بدور فعال في جنوب اليمن، ومحاولة استمالتها لدعم دعوات الانفصال، صرح السفير الروسي في لقاء له أنه لا يرحب بتقسيم البلاد، ولا بالإجراءات الانفصالية، وأن موقف روسيا في هذا الشأن معروف وواضح، وهو يدعم يمنا واحدا وموحدا، حسب قوله.

موقف روسيا من قضية الانفصال شكّل، بحسب سياسيين، صفعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وبحسب مركز كارينجي للسلام فإن موسكو تحاول ردم الهوة بين دعم حكومة هادي لدولة وحدوية وبين رغبات حلفائه في الائتلاف، بتوسيع مشاركة جنوب اليمن في عملية تسوية النزاع".

وأضاف أن روسيا تقدم نفسها في صورة الوسيط الذي يتمتع بالمصداقية في هذا النزاع، فيما تبقي على علاقات وثيقة مع المسؤولين في حكومة هادي، وتحتفظ بالعلاقات غير النظامية التي بنتها خلال الحرب الباردة مع السياسيين اليساريين في جنوب اليمن".

خيبة ثانية

بعد يوم واحد فقط من زيارة السفير الروسي لعدن، وتصريحاته بشأن عزم موسكو إعادة فتح القنصلية الروسية في عدن، قام السفير الأمريكي ماثيو تولر بزيارة عدن، لأول مرة، منذ الانقلاب في 2015، حيث التقى رئيس الوزراء معين عبد الملك.

السفير أكد أن واشنطن "لا تدعم الجماعات التي تسعى لتقسيم اليمن، وأن أمريكا والعالم كله يدركون أن مصلحتهم تكمن في يمن موحد آمن ومستقر"، مضيفا: "ندرك أهمية عدن، ونعمل مع الحكومة على إعادة بناء المؤسسات، ولقاءاتنا هنا تبحث تعزيز التعاون في مختلف المجالات".

الكاتب والصحفي اليمني شاكر خالد، قال لـ"الاستقلال": "مجيء الزيارة بعد يوم واحد من زيارة مماثلة للسفير الأمريكي، يؤكد أن هناك تنافسا لتعزيز النفوذ في هذه المنطقة الإستراتيجية".

مضيفا: "التنافس غير معلن، ولم يصل بعد إلى درجة الاحتكاك والتصادم، ولا أعتقد أنه سيكون كذلك، لكن كل دولة تسعى لتعزيز نفوذها، وضمان الحصول على موطئ قدم في بلد أصبح قرارها الوطني مختطفا، وصار مصيرها في مهب ريح التنازعات الإقليمية".