من يختار رئيس الجزائر القادم.. الجيش أم الحراك؟

ادريس ربوح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

استطاع مطلب توقيف العهدة الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والمطالبة باستقالته قبل نهاية عهدته الرابعة، التي ستنتهي يوم 28 أبريل/ نيسان 2019، أن تَجمع الحراك الشعبي والمعارضة مع قيادة الأركان للجيش الوطني الشعبي لتلتحق في الدقائق الأخيرة أحزاب الموالاة في نظام بوتفليقة، لتجعل عقد هذا النظام ينفرط وتدخل الجزائر مرحلة جديدة تتميز:

1/ خروج القوى الدستورية من السلطة، وهي قوى وصفها الحراك بالعصابة، ليلتحق الجيش بنفس الوصف في خطاب دعوة التنحي والتطبيق الفوري المادة 102 من الدستور، فقد مكن لها بوتفليقة وحكمت باسمه خاصة في السنوات الأخيرة من حكمه.

2/خروج شبكة المصالح بقيادة رئيس المخابرات السابق الفريق محمد مدين من دائرة الصراع وهي الشبكة المتحالفة مع العصابة بقيادة السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس والحاكم باسمه، بعد انكشاف مؤامراتها على الحراك الشعبي لتمرير مشروع التمديد والمرحلة الانتقالية للالتفاف على المطالب الشعبية. 

إن خروج مركز رئاسة الجمهورية من الصراع بكل ما تعنيه من صلاحيات دستورية والسيطرة على مقدرات الدولة التي كانت بحوزتها وخروج حلفائهم وما كانوا يملكونه من نفوذ في الأحزاب السياسية والإعلام والمال، أوصلنا إلى التقاء الحراك والجيش وجها لوجه باعتبارهما المنتصرين في مرحلة الدور ما قبل النهائي من تصفيات رئاسة الجمهورية الجزائرية. 

لهذا ستكون المرحلة المقبلة بعد تثبيت الاستقالة على مستوى البرلمان مرحلة تنافس بين الحراك والجيش لملئ مركز الرئاسة وهو مركز أساسي في النظام السياسي الجزائري الذي بني منذ ستة عقود خلت.

فهو مركز لا يمكن تقاسمه خاصة وأن الدستور الجزائري يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة جدا، لهذا ستحرص قيادة الجيش على أن يصل لرئاسة البلاد شخصية موثوق بها وقريبة من المؤسسة العسكرية وفي أسوء الأحوال غير معادية لها.

لأن عكس ذلك سنشهد جولة جديدة من الصراع ستكون بين رئيس منتخب مدعوم بالحراك الشعبي والقوى السياسية المؤيدة له وقيادة أركان تريد أن لا تطالها عملية التنحية باعتبارها جزء من نظام بوتفليقة وشاركت معه في الحكم لسنين طويلة.

ليأتي بعدها مرحلة تمدين النظام السياسي وتحجيم الدور السياسي للجيش المتعود على التدخل في الحياة السياسية منذ فجر الاستقلال الوطني وخاصة ما يتعلق باختيار رئيس الجمهورية وكذلك عزله وهو ما يتجلى بشكل واضح في دعوة استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وبشكل غير واضح في استقالة سلفه الرئيس الشاذلي بن جديد لتكون الكلمة العليا في كل مرة للجيش في نهاية المطاف تصعيدا وتنزيلا. 

كما تخشى المؤسسة العسكرية أن تصبح كبقية مؤسسات الجمهورية والقطاعات الوزارية التي يمكن مراقبتها ومحاسبة أدائها في البرلمان وهذا من مقتضيات دولة القانون التي يريدها الحراك الشعبي أن تتحقق في أرض الواقع. 

إن الجيش الجزائري الذي كان له الدور الرئيسي في اختيار رؤساء الجزائر منذ الاستقلال سواء كانوا ينحدرون من المؤسسة العسكرية نفسها أو من المؤسسة السياسية للنظام الجزائري، هذا الجيش يريد أن يحافظ على هذا الامتياز الحصري له ويبقى الرئيس القادم مدينا له بالفضل والمنة عوض الاختيار الشعبي الحر كما هو معمول به في جميع الديمقراطيات. 

إن تحقيق الانتقال الديمقراطي في أولى خطواته لابد أن يغلب عليه طابع التعاون بين الجيش والحراك بدل التنافس وبروح التفهم المتبادل لكلا الطرفين فالجيش في نهاية مرحلة تاريخية من الأدوار السياسية وبداية أخرى من المفروض أن تملئها الطبقة السياسية المتجددة والجديدة التي سوف يفرزها الحراك الشعبي.

فالجيش الشعبي الوطني هو المرافق لعملية انتخاب رئيس جمهورية انتخابا حرا وكذلك بقية الخطوات الباقية في المسار الديمقراطي الانتقالي وأهمها الدستور الجديد والانتخابات التشريعية والمحلية القادمة. 

هذا المسار يشرف عليه رئيس الجمهورية المنتخب الذي لابد أن يدرك خطورة عملية التحول وضرورة الوعي بالدور التاريخي للجيش الجزائري في الحياة السياسية وضرورة فتح باب التعاون لإنجاح تجربة الاختيار الشعبي الحر والذهاب بالتدريج في ترتيب الساحة السياسية الجزائرية والدور الدستوري للجيش. 

فرئيس الجزائر القادم عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وبعد حراك شعبي فريد من نوعه في تاريخ الجزائر فهو رئيس مرحلة انتقال ديمقراطي سيقود البلاد تحت ضغطين، ضغط الحراك الشعبي الواثق من نفسه بعد الانتصارات المتوالية في تحقيق أجندته الديمقراطية وضغط الجيش الواثق هو الآخر من نفسه في التكيف مع التطورات التي حدثت في المجتمع الجزائري وقدرته على مرافقتها والعمل من خلالها دون أن يضطر إلى يفقد امتيازاته التاريخية دفعة واحدة.