بوتفليقة ينتهك الدستور ويغضب المعارضة.. هل يكرر سيناريو مبارك؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل ثمانية أعوام، خرج الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، على شعبه بخطاب أعلن خلاله أنه لن يترشح للرئاسة مرة جديدة، وأنه لم يكن ينتوي الترشح، محاولا امتصاص غضب الشعب المصري الذي خرج إلى شوارع الميادين، إبان ثورة 25 يناير 2011، ليطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ويرفض التوريث.

حينها عين مبارك، عمر سليمان نائبا له، الذي كان يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات العامة، ليخاطب الثوار المصريين ويحثهم على العودة إلى منازلهم والتقيد بحظر التجوال من أجل ما أسماه استعادة الأمن، لتشهد بعدها البلاد حالة من الانفلات الأمني، وتتوالى الأحداث إلى أن تم تسليم السلطة إلى الجيش وتصدرت شخصيات عسكرية للمشهد حتى دخلت مصر في حكم العسكر الذي مازال مستمرا حتى الآن.

ليجدد الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة (82 عاما)، المشهد في الأذهان ثانية، بإعلانه عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل/نيسان المقبل، وتأجيلها إلى ما بعد ندوة الحوار الوطني، وتعديل الدستور، وهي القرارات التي جاءت على خلفية مظاهرات شعبية متكررة منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، لرفض التمديد له فترة رئاسية خامسة.

وقال بوتفليقة، في رسالته إلى الشعب، أمس الاثنين: "لم أنْوِ قط الإقدام على الترشح، حيث إنّ حالتي الصحية وسِنّي لا تتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري، ألا وهو العمل على إرساء أسُس جمهورية جديدة".

قرارات باطلة

واعتبر مراقبون قرارات بوتفليقة "باطلة"، مشيرين إلى أن البيان لم يحدد سقفًا زمنيا ملزما لعملية الانتقال، وأنها قد تستمر سنوات عدة، كما أنها تعطي السلطة الكاملة للندوة الوطنية التي سيختارها بوتفليقة نفسه وليس الشعب، والندوة ستختار لجنة الانتخابات والدستور، بما يعني في النهاية أن الشعب ليس له أي مشاركة في عملية التحول، كما حدث في مصر.

وكذلك، فإن إعلان بوتفليقة يتناقض مع المادة (110) من الدستور الجزائري التي تفيد بأن الحالة الوحيدة التي يتم فيها تأجيل موعد الانتخابات الرئيسية "في حالة الحرب فقط"، ويتولّى رئيس الجمهوريّة جميع السّلطات، وإذا انتهت المدّة الرّئاسيّة لرئيس الجمهوريّة تمدّد وجوبا إلى غاية نهاية الحرب.

وبحسب تحليل نشرته الأناضول،فإن أول عقبة واجهت قرارات بوتفليقة، هي قانونية بامتياز بحكم أن تمديد ولايته لم يستند إلى أي مادة دستورية، فالمادة 107 من الدستور تعد الأقرب لتفسير هذه الحالة من التمديد؛ لأنها تنص على أن "يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية، أو استقلالها أو سلامة ترابها".

وتنص المادة أيضا "تخول الحالة الاستثنائية رئيس الجمهورية أن يتخذ الإجراءات الاستثنائية التي تستوجبها المحافظة على استقلال الأمة، والمؤسسات الدستورية في الجمهورية".

وتشترط هذه المادة على الرئيس، ألا يتخذ مثل هذا الإجراء إلا بعد استشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس المجلس الدستوري، والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، ومجلس الوزراء كما ويجتمع البرلمان وجوبا.

سيناريو مكرر

شهدت الجزائر على مدار السنوات الماضية صراع أجنحة داخل النظام نفسه على من يعتلي كرسي الرئاسة، وتعالى حينها الحديث عن توريث محتمل للسلطة، كما هو الحال نفسه في مصر قبل ثورة 25 يناير، التي كان من أبرز أسباب اندلاعها رفض التوريث.

وشهد العام الماضي، تغييرات مست المؤسسة العسكرية الجزائرية، وأزاحت الستار عن صراع على الحكم، بين السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، ورئيس أركان الجيش، القايد صالح، فأجرى بوتفليقة تعديلات مست قيادات في المؤسسة العسكرية.

وأنهى حينها بوتفليقة، الذي يجلس على مقعد متحرك ونادرا ما يظهر في العلن منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013، مهام قائد الناحية العسكرية الأولى، اللواء لحبيب شنتوف، وقائد الناحية العسكرية الثانية، اللواء سعيد باي، وعين خلفا لهما اللواء علي سيدان، مدير الأكاديمية العسكرية بشرشال، للمنطقة الأولى، واللواء مفتاح صواب، قائد الناحية العسكرية السادسة، للمنطقة الثانية بوهران.

وقبل عام من الثورة المصرية، وسط تعالي الأصوات الرافضة لمشروع التوريث، سربت "ويكيليكس" في 2010 تقريرا مفاده بأنّ الجيش المصري قد يشكل عقبة رئيسية أمام خلافة جمال مبارك لوالده.

وأكدت برقيات دبلوماسية أمريكية، أنّ فرضية توريث جمال للحكم غير مؤكدة، لغياب دعم الجيش اللازم لنجل الرئيس المخلوع، ولم يتمكن حلفاء جمال في الحكومة حينها، الذين كان أغلبهم من رجال الأعمال وليسوا من المؤسسة العسكري، من الوقوف جانبه.

هذا ولم يخل المشهد من تكرار السيناريو الدولي، فكما يصدر الآن عدد من زعماء العالم إشادة وثناء على ما أعلنه بوتفليقة، كان المشهد المصري مماثلا، إذ أشاد رؤساء العالم بتنحي مبارك بعد 30 عاما من الحكم وتسليم السلطة للجيش، بل وتوالى الثناء على الطريقة التي يدير بها العسكر الحكم في مصر.

"لا تسرقكم الفرحة"

من جهتها، حذّرت الكاتبة الأردنية، إحسان الفقيه، الجزائريين من تكرار السيناريو المصري، قائلة: "يا أحرار الجزائر لا تسرقكم الفرحة كما سرقت الجماهير في مصر إبّان تنحّي مبارك عن المشهد، وتسليم البلاد للمجلس العسكري والتنظيم الموازي حتى إذا هدأت حرارة الثورة، بدأت مرحلة سرقة الثورة والتخطيط لاستعادة البلاد من بين أيديكم. احذروا التجار والمُستعرضين".

وأشارت في سلسلة تغريدات لها في "تويتر" إلى أن المجلس العسكري في مصر طمأن الثوار بمسرحية تنحّي مبارك، وبدأ العمل لإعلان دستوري واستفتاء عليه حتى إذا استنزف الوقت والجهد بصراعات سياسية حزبية، عاد التنظيم الموازي ليعبث ويتمكّن بانقلاب عسكري جلب المجرم السيسي وعصابته"، محذرة بالقول: "انتبهوا يا ثوار الجزائر المشهد يعيد نفسه".

ودعت الفقيه، أحرار الجزائر إلى أخذ العبرة من تجارب من سبقوهم إلى سباق الحرية في مصر وسوريا وغيرهما، قائلة: "لا تثقوا بالعسكر.. ولا رموز النظام.. ولو تحدثوا فيكم جميل القصائد والخُطب.. فهم أساس البلاء، والغلاء والوباء، فلم يكونوا يوما نصيرا لكم ولَم تعنِهم أوجاعكم".

دعوة لإسقاط المنظومة

ووجه سياسيون وناشطون تحذيرات إلى الشعب الجزائري، أشاروا فيها إلى أنّ المشكلة ليست في بوتفليقة، إنما المشكلة الأساسية في النظام الحاكم للبلاد، الذي يضحي الآن بمومياء من أجل الكنز، وسط دعوات للشعب الجزائري ليكون يدا واحدة.

وناشد الدكتور حاكم المطيري، رئيس حزب الأمة الكويتي، الجزائريين قائلا: "أيها الجزائريون إنكم جزء من أمة واحدة ثائرة تتطلع إلى الحرية من المحيط إلى الخليج وتواجه نظاما وظيفيا واحدا يخضع للغرب ولن تتحرر الجزائر إلا بإسقاط المنظومة الوظيفية بشقيها (العلماني والإسلامي) التي فرضتها فرنسا منذ الانقلاب العسكري ١٩٩٢ فخذوا حذركم من إعادة إنتاج النظام نفسه".

وحذر في سلسلة تغريدات له عبر حسابه بـ"تويتر" الجزائريين من أن ينخدعوا كما انخدع المصريون قائلا: "أيها الجزائريون الأحرار الثورة أعلى من (مؤسسات الدولة) والشعب أسمى من (القانون) و(الدستور) و(النظام العام) و(النظام الدولي)، فإياكم أن تُخدعوا كما خدع الشعب المصري بهذه الأوهام الفرعونية، فليس ثَم إعلان دستوري ولا قانون طوارئ إلا ما يفرضه العسكر أو تفرضه الثورة؛ فامضوا حيث تنصرون".

وأشار إلى أن الجدل في الجزائر اليوم عن الدستور وما يسمح به من تمديد للحكومة وما لا يسمح، تضليل للرأي العام وخداع إعلامي، فالثورة الشعبية نفسها إعلان عن انتهاء شرعية السلطة وانتهاء صلاحية الدستور، وإلا لما حدثت ثورة أصلا، الحديث يجب أن يقتصر على كيف يتم تسليم السلطة للشعب فورا بشكل سلمي!.

وعلى الوتيرة ذاتها، قال الكاتب السعودي تركي الشلهوب: "على الشعب الجزائري أن يتعلَّم من أخطاء الثورة المصرية، عندما أطاح المصريون بمبارك وتركوا نظامه، فتسبَّب ذلك بأسوأ كارثة لمصر في تاريخها الحديث"، مؤكدا أن الجزائر تحكمها عصابة تسيطر على جميع مفاصل الدولة؛ لذلك عدم إزاحة هؤلاء الفاسدين قد يتسبَّب بكارثة أكبر من بقاء بوتفليقة في الحكم.

وكتب الناشط الحقوقي محمود رفعت، أن ما يحدث في الجزائر الآن هو تكرار للسيناريو الذي تم في مصر، حين تنحى مبارك تاركا السلطة للمجلس العسكري ليتم تبريد الثورة ثم القضاء عليها والتنكيل بالشعب بعدها أشد تنكيل، مستطردا: "يبدو أن الشعب الجزائري استوعب الدرس فأسرع برفع شعار ترحلوا يعني ترحلوا".

المعارضة ترفض

بدورها، رفضت أحزاب جزائرية معارضة القرارات التي جاءت بها رسالة بوتفليقة، واعتبروها التفافا على مطالب الشعب، معلنين ذلك عبر صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، فقال جاب الله، رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية: "إنّ الإجراءات التي أقرها الرئيس تضمنتها رسالة الترشح، كما أنها مستهلكة، ودعا إليها سابقا حزب سياسي بتسويق من السلطة".

أما عبد العزيز بلعيد، رئيس حزب جبهة المستقبل، فقد قال: إن "كل القرارات، التي جاء بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة غير دستورية".

من جهته، قال رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق ورئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس: "إنّ البلاد شهدت تعديا بالقوة على الدستور، بالإعلان عن تمديد الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة، بدون مباركة الشعب".

وأشار إلى أن "القوى الدستورية، ستبقى مستولية على مركز صنع القرار، والسطو على صلاحيات رئيس غائب"، معتبراً أن "هذا الاستيلاء على مركز القرار كان مبرمجا بالولاية الخامسة، فأصبح بالتمديد للرابعة".

وأكد المتحدث باسم حزب طلائع الحريات الجزائري المعارض، أحمد عظيمي، أن قرارات بوتفليقة ضحك على عقول وذكاء الجزائريين، والتفاف على مطالب الشعب، والهدف هو ربح الوقت وضمان استمرارية النظام، مضيفا في تصريحات لسكاي نيوز عربية، أن ما جاء في رسالة الرئيس هي ذات الوعود التي قطعها على نفسه عام 2011 دون تحقيق أي منها.

وشدد عظيمي على أن قرارات الرئيس بوتفليقة بإلغاء الانتخابات غير دستورية، وأنه سيصبح رئيسا غير شرعي بعد 18 إبريل/نيسان المقبل، وهذا لا يمنحه حق قيادة المرحلة الانتقالية.

وقالت رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، زبيدة عسول، في لقاء مع "سكاي نيوز"، إن قرارات بوتفليقة غير مقبولة واصفة إياها بالمناورة من السلطة الحاكمة.