داعمة لسد النهضة.. لماذا تعمل روسيا على تعزيز قدرات إثيوبيا العسكرية؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تتسارع خطوات الدعم الروسي لإثيوبيا أكثر فأكثر، لا سيما بعد قرار أديس أبابا الوقوف على الحياد من غزو موسكو لأوكرانيا منذ فبراير/ شباط 2022.

ويأتي ذلك، ضمن سعي إثيوبيا للاحتفاظ بعلاقة جيدة مع السلاح الروسي في ظل حالة الحرب التي تشهدها، وفي ظل تنافس دولي على الوجود في منطقة القرن الإفريقي.

وتمتد العلاقات بين روسيا وإثيوبيا إلى ما يربو عن قرن من الزمن، حيث أبرما الكثير من الاتفاقيات البينية التي تؤسس لمصالح مشتركة يبحث عنها الطرفان في الوقت الراهن.

تعزيز الدفاعات

وجديد العلاقة بين أديس أبابا وموسكو، ما كشفته مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، من أن روسيا أرسلت مجموعة من معدات الحرب الإلكترونية إلى إثيوبيا، التي تتطلع إلى تطوير قدراتها الاعتراضية وحماية مجالها الجوي من الضربات الكبرى.

وذكر تقرير المجلة الصادر في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أن أنظمة التشويش الروسية الصنع "كراسوخا-4" ظهرت في عرض عسكري بأديس أبابا في 26 أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته.

ومن المقرر أن تتسلم إثيوبيا أنظمة الاستخبارات والمراقبة الروسية "موسكفا-1"، وبحسب "إنتلجنس أونلاين" جرى تحميل العتاد على متن طائرة "Volga-DneprAn-124" في قاعدة أوليانوفسك الجوية العسكرية.

ويترافق تسليم التكنولوجيا الروسية مع إجراء تدريبات على نُظم الحرب الإلكترونية، حيث تنشر موسكو في إثيوبيا مدربين من فوج الفضاء الجوي، وذلك لتدريب متخصصين محليين في مجال الحرب الإلكترونية والاستخبارات بعيدة المدى.

 وبدعم من الكرملين، تبني إثيوبيا قدرات منع الوصول (A2/AD) في مجالها الجوي لحماية بنيتها التحتية الحيوية مثل سد النهضة، الذي يُبنى على النيل الأزرق.

وفاجأت روسيا كثيرين منتصف يوليو/تموز 2021، بالإعراب في مجلس الأمن عن تفهمها لأهمية "سد النهضة" لإثيوبيا، وهو ما أثار انتقاد مصر والسودان.

وبدأت إثيوبيا تشييد "سد النهضة" على النيل الأزرق عام 2011، بهدف توليد الكهرباء؛ وتخشى مصر أن يلحق السد ضررا بحصتها من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب، والتي تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.

وسبق أن أعلن السفير الإثيوبي لدى موسكو، أليمايهو تيغينو، عام 2022 أن أديس أبابا قد تطلب من موسكو دعما فنيا في توفير صور الأقمار الصناعية لتتبع منسوب المياه في نهر النيل الأزرق.

وكثيرا ما أعلنت إثيوبيا أنها وفرت سبل الحماية والدفاع عن سد النهضة في مواجهة أي مخاطر محتملة قد تهدد بقاءه.

أدوات استخبارات

ويجرى تدريب المتخصصين الإثيوبيين في مركز التدريب على الحرب الإلكترونية رقم 1084 المشترك بين القوات في مدينة تامبوف الروسية.

كما تُنظم دورة تدريبية في أكاديمية القوات الخاصة للطيران في فورونيج للمشغلين الإثيوبيين لنظامي "كراسوخا-4" و"موسكفا-1"، ويركز التدريب على أجهزة المحاكاة لتحديد التهديدات الجوية على الطيف الكهرومغناطيسي والتشويش عليها.

ويمكن لطائرة "موسكفا-1"، التي صنعتها شركة "Concern Radio-Electronic Technologies" برئاسة ألكسندر بان، تحديد جميع أنواع التهديدات الجوية وموقعها عن طريق الكشف عن الموجات الكهرومغناطيسية من مسافة تصل 400 كيلومتر، ونقل المعلومات إلى نظام "كراسوخا- 4" الإلكتروني الهجومي وأنظمة الدفاع الجوي والقوات الجوية.

وتُعد "موسكفا- 1" أداة قيمة ضد صواريخ كروز والطائرات المسيرة، وتتضمن أيضا خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها التعرف على التهديدات وتحديدها.

وقد أثبتت قدراتها في سوريا عام 2018، عندما استخدمها نظام بشار الأسد ضد الضربات التي شنتها فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة خلال عملية "هاملتون". 

وستعمل التكنولوجيا الجديدة على تعزيز الدفاعات الأرضية-الجوية الحالية لإثيوبيا، والتي تعتمد على نظام "بانتسير- إس 1" الروسي و"سبايدر- إم آر" من شركة "Rafael" الإسرائيلية.

وأدى النزاع الذي استمر عامين في شمال إثيوبيا بين القوات الموالية لحكومة أبيي أحمد وجبهة تحرير شعب تيغراي إلى مقتل نصف مليون شخص، قبل توقيع اتفاق السلام أبرم في بريتوريا في الثاني من نوفمبر 2022.

ومنذ ذلك الحين بدأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد العمل على تنويع تحالفاته الإقليمية والدولية، لا سيما في تمتين العلاقات مع روسيا.

وفي 26 يوليو 2023، التقى آبي أحمد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش أعمال قمة "روسيا - إثيوبيا" في مدينة سان بطرسبرغ.

وقال الرئيس الروسي حينها: "لدنيا آفاق جيدة لتطوير علاقاتنا التجارية وزيادة حجم التبادل التجاري بين روسيا وإثيوبيا.. التعاون بيننا قائم في مختلف المجالات ولدينا مشاريع مشتركة من بينها مشروعات في مجال الطاقة".

وسبق أن التقى رئيس الوزراء الإثيوبي في "القمة الروسية الإفريقية" بمدينة سوتشي عام 2019، بالرئيس بوتين. 

واتفقا على تعزيز التعاون العسكري وزيادة المبيعات العسكرية الروسية لأديس أبابا، التي تسلمت بموجبها منظومة الدفاع الصاروخي "بانتسير إس1" كما تم الاتفاق بين الطرفين لبناء محطة للطاقة النووية بإثيوبيا، وقبلها وعام 2017 أدرجت موسكو إثيوبيا ضمن أهم أسواق الأسلحة الروسية في إفريقيا.

وفي خطوة متقدمة، أعلن الجيش الإثيوبي في 7 يوليو/تموز 2021 عن توقيع "العديد من الاتفاقيات" مع روسيا، بهدف تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وذلك في ختام الاجتماع المشترك الـ11 للتعاون التقني العسكري الإثيوبي-الروسي، حسبما نقلت هيئة الإذاعة والتليفزيون الإثيوبية "فانا".

وأضافت "فانا" أن الاتفاق بين البلدين "محوري" لتحديث قدرة الجيش بالمعرفة والمهارات والتكنولوجيا.

تبادل مصالح

لكن بالمقابل فإن مد روسيا يدها بسخاء لإثيوبيا ليس "دون ثمن"، بل يصب في صالح تطلعات موسكو لاقتسام النفوذ مع دول أخرى في هذا البلد، في ظل تنافس دولي على الوجود في منطقة القرن الإفريقي (شرق القارة).

وكثيرا ما تحدث الخبراء عن وجود "هدف إستراتيجي" لروسيا يتمثل بإنشاء قواعد في البحر الأحمر، وإعادة بناء تحالفات حقيقية في منطقة القرن الإفريقي، فضلا عن استغلال المنطقة كقاعدة انطلاق لتوسيع روسيا نفوذها بمناطق أخرى من القارة، بوصفها بوابة لوسط وجنوب إفريقيا.

كما أن حرب "تيغراي" الأخيرة أظهرت نقاط ضعف كبيرة وفشلا لدى الجيش الإثيوبي في مهامه بالإقليم، الأمر الذي يدفع أديس أبابا لتعزيز القدرات العسكرية في التدريب والتسليح لجيشيها مستغلة الانفتاح الروسي عليها.

كما أن هناط حاجة إثيوبية لبناء أجهزة أمنية قوية في ظل تفوق الروس في الأمن السيبراني.

وضمن هذا السياق، يرى الأكاديمي مصطفى يوسف، مدير المركز الدولي للدراسات التنموية والإستراتيجية (مقر في كندا)، أن "روسيا تود أن يكون لها قدم في إفريقيا، وإثيوبيا هي البوابة لذلك، في ظل أن آبي أحمد له صلات قوية مع الأميركان والإسرائيليين".

وأضاف يوسف لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية منتصف يوليو 2021، أن "هناك وجودا دوليا كبيرا في إفريقيا، لاسيما من الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل وفرنسا، وبالتالي مفهوم جدا هذا السعي الروسي للوجود".

وتوازيا مع وجود رسائل إلى اللاعبين الدوليين في الساحة الإفريقية بأن موسكو قادمة عبر بوابة إثيوبيا، يواصل آبي أحمد رفع سقف طموحاته.

وتجلى ذلك، حينما أثار آبي أحمد الدهشة في المنطقة وخارجها عندما أكد بقوة في  13 أكتوبر 2023، بقوله إن الحصول على إمكانية الوصول الدائم ومنخفضة التكلفة إلى ميناء على البحر الأحمر يعد "مسألة وجودية" بالنسبة لبلده غير الساحلي.

وقال في خطاب متلفز أمام البرلمان: "بحلول عام 2030، سيبلغ عدد سكان إثيوبيا 150 مليون نسمة، لا يمكن أن يعيشوا في سجن جغرافي".

وفقدت إثيوبيا جميع موانئها على البحر الأحمر الذي يعد أحد أكبر مسالك التجارة العالمية، وأصبحت أكبر دولة غير ساحلية في العالم عام 1993، عندما حصلت إريتريا على استقلالها بعد حرب تحرير استمرت 30 عاما. 

ومنذ ذلك الحين، اعتمدت إثيوبيا بشكل كامل على جيرانها ــ خاصة جيبوتي ــ في الوصول إلى الموانئ وطرق الشحن الدولية.

منفذ بحري

وإثيوبيا ثاني أكبر بلد إفريقي من حيث عدد السكان، لكن ليس لديها أي منفذ مباشر على البحر الأحمر خلافا لجارتيها إريتريا وجيبوتي.

ولا يقع أي من جيران إثيوبيا تحت أي التزام بتزويد إثيوبيا بإمكانية الوصول السهل والرخيص إلى البحر.

وفي خطابه أمام البرلمان المذكور آنفا، اقترح آبي أحمد أن يمنح جيران إثيوبيا إمكانية الوصول الدائم ومنخفض التكلفة إلى موانئهم مقابل حصص في الشركات والمشاريع العامة المربحة مثل سد النهضة الكبير.

لكن مع ذلك، لم يتردد آبي آحمد خلال اجتماع مع المستثمرين في يوليو/تموز 2023، القول "بينما تريد إثيوبيا الحصول على ميناء عبر الوسائل السلمية، فإنها لن تتردد في استخدام القوة إذا فشلت هذه الخطة".

وسبق لإثيوبيا أن حصلت على منفذ على البحر الأحمر عندما ضمت إليها بشكل تدريجي إريتريا، المستعمرة الإيطالية سابقا في تسعينيات القرن العشرين.

لكنها فقدته منذ اندلاع نزاع بين البلدين عامي 1998 و2000، بعيد استقلال أريتريا عام 1993. 

وتعتمد إثيوبيا حاليا على ميناء جيبوتي للصادرات والواردات.

وفي ظل معاناة إثيوبيا من العنف السياسي والجوع والفقر وتفاقم التوترات الدينية، فإنه وفق مراقبين قد يرغب آبي أحمد في صرف الانتباه عن تلك المشاكل، من خلال حشد شعب ثاني أكبر دولة في القارة السمراء من حيث عدد السكان لتحقيق مطلب الحصول على منفذ بحري لبلاده.

ولهذا فإن آبي أحمد اتجه أكثر لتحصيل مزيد من الدعم الروسي لبلاده، من خلال تركيز موسكو عيونها على إثيوبيا.

وبلغ هذا التحول ذروته في أغسطس/ آب 2023 بانضمام إثيوبيا إلى جانب خمس دول أخرى، بما في ذلك إيران، إلى مجموعة "البريكس"، المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وهي خطوة تقدم لأديس أبابا سبلا إضافية للتحايل على العقوبات الأميركية في المستقبل، وفق مراقبين.

الكلمات المفتاحية