متوقفة منذ منتصف 2022.. ماذا يعرقل استئناف اللجنة الدستورية السورية؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

في أكثر من مناسبة، تؤكد المعارضة السورية أنها ما تزال منخرطة "بشكل إيجابي" في جلسات اللجنة الدستورية المشكلة برعاية أممية لصياغة دستور جديد للبلاد، في مقابل تعطيل نظام بشار الأسد وحلفاؤه لأعمالها في جنيف السويسرية.

وتوقفت أعمال اللجنة عند آخر جولة لها في يونيو/حزيران 2022 بجنيف، عقب رفض روسيا، حليفة الأسد، استكمال المباحثات بسويسرا بعد اعتراض البلد الأخير على الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث رأت موسكو أن المكان "غير محايد". 

تفعيل اللجنة الدستورية 

وبعد انقطاع لعامين عن أعمال اللجنة الدستورية في مدينة جنيف، وفشل كل الدعوات اللاحقة لانعقادها مجددا، تسعى الأطراف العربية والدولية لتدوير أعمالها من جديد رغم تمسك موسكو برفضها وعدم اختيار المكان البديل.

ودعا الممثل الأعلى للسياسة الأمنية والخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى إعادة تفعيل اللجنة الدستورية السورية بشكل عاجل.

وأعرب خلال بيان، في 13 مارس 2024 عن بالغ قلقه من العواقب "الرهيبة" للوضع في سوريا على الشعب السوري وتأثيره المزعزع للاستقرار في المنطقة.

وشدد بوريل على التزام الاتحاد الأوروبي بدعم الحل السياسي المستدام والشامل في سوريا.

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يدعم بشكل كامل قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي يدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية وإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات.

بدوره، أعرب مجلس التعاون الخليجي خلال بيان له في 3 مارس 2024 عن "تطلعه في استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، ودعم جهود لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن الأزمة السورية".

ووفق القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، والممهد لخارطة الحل في سوريا، فإن العملية السياسية تنطلق من أربع سلال تتمثل بالترتيب، بتهيئة الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عقدت اللجنة الدستورية أولى اجتماعاتها بجنيف، من أجل تحديد جدول الأعمال. ومنذ ذلك الحين شهدت الاجتماعات جميعها خلافات وخرقا لمدونة السلوك الناظمة للاجتماعات من قبل نظام الأسد.

إذ أكد وفد المعارضة السورية في إفادته عقب الجلسات على محاولات وفد النظام القفز على أعمال اللجنة والذهاب لمناقشة سلة "الإرهاب" التي يفترض أن تناقش عقب إقرار الدستور الجديد وعدم الاتفاق على أولويات الحل السياسي. 

كما أكد وفد اللجنة الدستورية من جهة المعارضة، أن نظام الأسد عطل عمل الجولات الثمانية السابقة ومنعها من تنفيذ ولايتها والمتمثل بكتابة دستور جديد لسوريا.

وقد أعلنت "هيئة التفاوض السورية" موافقتها على المشاركة في أعمال  الجولة التاسعة للهيئة المصغرة باللجنة الدستورية في مدينة جنيف خلال الفترة ما بين 22-26 أبريل/نيسان 2024 بناء على دعوة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون.

بينما لم يصدر عن نظام الأسد موافقته على المشاركة في "الجولة التاسعة" رغم ذهاب بيدرسون إلى دمشق في 17 مارس 2024 ولقائه وزير خارجية النظام فيصل مقداد.

وحينها قال بيدرسون: "طالما ما من اتفاق بين المعارضة والحكومة، يجب أن نستمر في الاجتماع في جنيف وتطوير اللجنة الدستورية وعمل اللجنة بطريقة يمكن أن تمنح الأمل للشعب السوري"، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية.

معوقات مقصودة

ويتحدث كل من نظام الأسد وروسيا عن مكان بديل غير جنيف لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية.

لكن ما هو لافت أنه حتى المكان البديل ما يزال يحتاج إلى كثير من المناقشات والموافقات من كل الأطراف السورية والدولية.

فقد عاد سيرغي فيرشينين نائب وزير الخارجية الروسي، للقول في 5 مارس 2024: "يجب أن يتواصل البحث عن مكان يحظى بموافقة كل الأطراف".
 

وأردف: "نحن نتحدث عن حوار بين الأطراف السورية، ونعمل على تسهيله، وننطلق من حقيقة أن مكان انعقاد الجلسات يجب أن يتمتع بصفة محايد، واليوم ترى أن مثل هذه المنصة غير موجودة في جنيف".

كما اقترح  قدري جميل رئيس منصة "موسكو" السورية المدعومة من روسيا، نقل اجتماعات اللجنة الدستورية من جنيف إلى دمشق تحت رعاية الأمم المتحدة.

وزعم جميل المقيم في موسكو، خلال مؤتمر صحفي في 4 مارس 2024 أن المبعوث الأممي بيدرسون اقترح أن تنعقد اللجنة الدستورية في نيروبي عاصمة كينيا، مشيرا إلى تقديم اقتراحات عدة بأن يكون مكان الاجتماع العاصمة بغداد من دون ذكر الدول المقترحة أو الكيانات.

 

وضمن هذه النقطة، أفادت مصادر دبلوماسية عربية لموقع "تلفزيون سوريا" المعارض أنه خلال اجتماع لجنة الاتصال العربية الوزارية الخاصة بالملف السوري الذي عقد في 14 أغسطس/آب 2023 بالقاهرة، كان الاختراق الوحيد الذي حققه النظام السوري يتمثل في التوافق حول تحويل مكان استضافة اللجنة الدستورية إلى سلطنة عمان. 

إلا أن مصادر صحفية تحدثت عن عدم استعداد سلطنة عمان لاستضافة تلك الاجتماعات، لإصرار الأمم المتحدة على استئناف أعمال اللجنة الدستورية السورية في جنيف.

وكان قد أجرى رئيس النظام بشار الأسد زيارة عمل إلى العاصمة مسقط، في 20 فبراير 2023، استقبله خلالها سلطان عمان هيثم بن طارق أمام سلم الطائرة، وقدم له تعازيه بضحايا الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من الشهر ذاته.

وتثار كثير من التساؤلات حول المأمول من الجولة التاسعة للجنة الدستورية في حال انعقدت وشارك فيها وفد نظام الأسد، ألا تقتصر جلساتها على اللقاءات بين الوفود والخروج ببيانات شكلية.

إذ يؤكد قانونيون سوريون أنه يجب أن يكون هناك منهجية جديدة لأعمال اللجنة الدستورية تختلف عن الجولات السابقة؛ كي تمنع نظام الأسد من عرقلة اللجنة واللعب على عامل الوقت والتسويف في الرد على مناقشات المواد المطروحة خلال الجلسات بحضور الوفد الأممي.

وهنا يشير الباحث في مركز الحوار السوري، أحمد قربي، إلى أن "اللجنة الدستورية هي مسار هامشي أوجدته روسيا ولم يحقق أي تقدم في كل جلساته بجنيف ومن عطل عملها هم الروس للمناكفة مع الغرب عقب حرب أوكرانيا واستخدام الورقة السورية لتعطيل مسار الحل السياسي في سوريا".
 

وأضاف قربي لـ "الاستقلال": "يمكن أن يكون هناك بعض التنازلات من روسيا في حال جرى تغيير مكان انعقاد جلسات اللجنة الدستورية بدلا من مدينة جنيف".

واستدرك قائلا: "وهذا إن حصل محاولة لإظهار نوع من التجاوب مع الجهود العربية التي قامت بالتطبيع مع نظام الأسد والقول إن هناك تنازلات قدمت من النظام في قضية استئناف عمل اللجنة الدستورية كما طالبت دول خليجية".

ونوه إلى أن "نظام الأسد من الناحية الموضوعية لن يقدم أي تنازل خلال الجلسات بل سيستمر في قضية التعنت والمماطلة واتباع التكتيكات التي تعرقل عملها بإنجاز دستور جديد لسوريا".

حجج واهية

ويؤكد مراقبون أن الحجة الروسية حول جنيف ليس لها علاقة بمسار الحل السياسي السوري؛ خاصة أن المقر يتبع وفق القوانين والاتفاقيات الدبلوماسية لهيئة الأمم المتحدة، وليس لسويسرا التي فرضت عقوبات على موسكو بسبب غزو أوكرانيا.

بل هو دليل واضح على رفض نظام الأسد الانخراط في الحل السياسي والبدء بتحقيق انتقال سياسي للسلطة بعد الثورة الشعبية التي اندلعت في مارس/آذار 2011 ضد الأسد وقمعها بالحديد والنار وخلفت أكثر من نصف مليون قتيل وتهجير أكثر من 15 مليون سوري داخليا وخارجيا من أصل 25 مليون نسمة فضلا عن تدمير المدن السورية.

حتى أن الشارع السوري يأخذ على هيئة التفاوض المعارضة قبولها بتجاوز "هيئة الحكم الانتقالي" التي تسبق مسألة إعداد دستور جديد للبلاد.

ومع ذلك، فقد أظهرت الأيام أن نظام الأسد غير جاد في تمرير بند واحد من بنود مواد الدستور والموافقة عليه خلال الجولات الثمانية في جنيف للجنة الدستور، لا سيما أن إعلام النظام يسمى وفد المعارضة بـ "الوفد التركي".

كما أن النظام غير مقتنع بتشكيل اللجنة الدستورية، إذ سبق لبشار الأسد، أن وصف مباحثات اللجنة الدستورية في جنيف بأنها "لعبة سياسية"، وذلك خلال لقاء مع وكالة "سبوتنيك" الروسية في أكتوبر/تشرين الأول 2020، الأمر الذي عده الشارع "تصريحا واضحا عن عدم جديته" في صياغة دستور جديد يمهد للعملية السياسية المنشودة.

وأكد جمهور الثورة في مظاهرات خرج بها في شمال غربي سوريا، أن توصيف الأسد بأن صياغة دستور جديد للبلاد هي "لعبة سياسية"، يرجع لكون النجاح في "اجتراح" دستور جديد للبلاد، سيقود لانتخابات برلمانية ورئاسية قادمة تضع رأس النظام خارج المعادلة وقد تجره للمحاكمة وأفراد نظامه على جرائمهم بحق السوريين.

ولهذا يرى كثير من المراقبين أنه حتى لو عاد النظام السوري إلى جنيف، فستكون نتائج الجلسات اللجنة الدستورية صفرية المحصول كسابقاتها، لكون النظام يرى أنه أجبر على المشاركة وهو بعيد عن الضغوط هذه المرة وخاصة من حليفته روسيا.

وضمن هذا السياق، يرى المحامي السوري غزوان قرنفل في مقال نشرته جريدة "عنب بلدي" المعارضة، في 10 مارس 2024 أن "وفد النظام السوري يعمل بكل دأب على تمييع أعمال اللجنة السورية وإطالة أمده، إعمالا لمبدأ شراء الوقت والمراهنة عليه".

وكذلك "إغراق أعمال اللجنة دائما بعناوين وتفاصيل تافهة يعد الغوص فيها انجرارا للضفة التي يراها آمنة له، تتيح له ترحيل كل الاستحقاقات التي يتعين عليه الولوج إليها، بانتظار أن تحدث تصدعات في المواقف الدولية والإقليمية والعربية تجاهه" خاصة بعد موجة التطبيع العربية مع نظام الأسد.

وراح يقول: "المسألة باختصار أن روسيا تسعى لإلغاء ونسف المرجعية الدولية لتلك المفاوضات ولأي حل يتعلق بالوضع السوري؛ لأنها تعتقد أن تلك المرجعية والسير وفق مضامينها ستفضي حتمًا إلى تفكيك بنية المنظومة الحاكمة في سوريا،".

إذ "لطالما سعت روسيا ودول إقليمية أخرى لاجتراح حلول ومسارات تفاوضية بعيدة عن المرجعيات الدولية كأستانا وسوتشي، التي لم تفض إلا إلى تراجع زخم الثورة وانحسار مناطق سيطرتها".