بالون اختبار أم اغتيال "ناجح"؟.. جدل حول مصير زعيم حزب الله

12 days ago

12

طباعة

مشاركة

حالة ترقب سيطرت على منصات التواصل الاجتماعي، وجدل حول صحة نبأ اغتيال الاحتلال الإسرائيلي الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، برز خلالها غضب واسع من الحزب وتحميله مسؤولية اختراقه أمنيا واستخباراتيا واتهامه بوجود خائنين بين أفراده.

في أعقاب عدوان متواصل على لبنان صعده الاحتلال الإسرائيلي منذ 23 سبتمبر/أيلول 2024، قصف جيش الاحتلال في 27 سبتمبر، ما وصفه بـ"المقر المركزي" لحزب الله في قلب الضاحية الجنوبية ببيروت، وأوردت وسائل إعلام عبرية أن نصر الله المستهدف الرئيس.

وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاغاري، إن سلاح الجو نفذ ضربة على المقر الرئيس لقيادة حزب الله، مؤكدا مواصلة استهداف ما وصفها بـ"الأهداف الإرهابية التي تهدد مواطني إسرائيل في لبنان".

وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن طائرات "إف-35" نفذت الغارات بواسطة قنابل خارقة للحصون، في هجوم هو الأعنف منذ الحرب التي خاضها الطرفان صيف 2006.

ونقلت "القناة 12" العبرية عن مسؤول إسرائيلي كبير تأكيده أن المؤشرات "إيجابية بأن عملية تصفية نصر الله نجحت"، كما نقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي رفيع أن هناك مؤشرات على أن نصر الله كان بموقع الهجوم، فيما نقلت معاريف تقديرات للجيش بنجاح اغتياله. 

وبينما يلتزم حزب الله الصمت حيال مصير الأمين العام، قال مصدر مقرب من الحزب، إن الغارات الإسرائيلية استهدفت أبنية تقع ضمن منطقة سكنية تضم مؤسسات ومقرات ومكاتب تابعة للحزب ونوابه، لكن نصر الله بخير، بحسب وكالة رويترز.

ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن مصادر أمنية بأن حسن نصر الله وهاشم صفي الدين (رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله) في مكان آمن وما تتداوله وسائل الإعلام الإسرائيلية غير صحيح.

وغداة الغارات الإسرائيلية، أفادت وزارة الصحة اللبنانية بوقوع ستة قتلى و91 مصابا، وأعلنت إجلاء المستشفيات الواقعة في ضاحية بيروت الجنوبية لمرضاها، داعية المستشفيات في باقي المناطق لوقف استقبال الحالات غير الطارئة حتى نهاية الأسبوع المقبل.

بدورها، تبرأت واشنطن من استهداف نصر الله، وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه لم يكن لديهم علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي لاستهداف الأمين العام لحزب الله، ولم يشارك فيه، مضيفا: "نحتاج إلى مزيد من المعلومات وأنا قلق دائما من احتمال التصعيد".

ورأى ناشطون على منصتي "إكس" و"فيسبوك"، أن الدلالات تؤكد أن إيران تخلت عن حزب الله، وشككوا في أنها تقدم لتل أبيب الإحداثيات في لبنان بهدف الخلاص من حزب الله بعدما صار يشكل عبئا عليها، مستنكرين التزام إيران بضبط النفس أمام تصعيد الكيان على لبنان.

وبرز حديثهم عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حسن_نصر_الله، #نصر_الله، #الضاحية_الجنوبية، وغيرها، عن الأخطاء التي ارتكبها حزب الله وأودت به للمشهد الراهن ومنها تدخله بسوريا وانتماؤه لإيران. 

سيد المقاومة 

ونصر الله هو الأمين العام الثالث لحزب الله اللبناني، وتولى منصبه في 16 فبراير/شباط 1992 خلفا للأمين العام السابق عباس موسوي، الذي اغتالته إسرائيل بإطلاق صاروخ على موكبه.

ولقب بـ"سيد المقاومة"، لدور الحزب في تحرير جنوب لبنان عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر 22 عاما، ثم في مواجهة إسرائيل في حرب يوليو/تموز 2006، كما كان له دور في تدبير عمليات تبادل لإعادة أسرى لبنانيين وعرب وجثامين مقاومين لدى الاحتلال.

تخلي إيران

وتحت عنوان "ماذا يحدث في حزب الله.. وماذا عن موقف إيران؟!"، قال المحلل السياسي ياسر الزعاترة، إن "ما جرى حتى الآن ليس أخطاء، بل خطايا أفضت إلى هذا المسلسل من الخسائر التي تباهى، وسيتباهى بها الغزاة على نحو يعوّضهم جزئيا عن كارثة 7 أكتوبر".

وأضاف: “حين تعرّض الحزب لضربة بايجر.. هل يعقل أن يواصل عناصره حمل أجهزة الاتصال التي وردت بنفس التوقيت؟!، حين تعرّض لضربة الضاحية السابقة عبر قنابل أصابت اجتماعا في الطابق الثاني تحت الأرض، كيف يجتمع القوم في مكان بنفس المواصفات؟!”

وأكد الزعاترة، أن "سواء كان نصر الله في المكان، كما تقول تقديرات جيش الاحتلال، أم لم يكن، فإن الاجتماع كان خطيئة أخرى"، مشيرا إلى أنها "الاختراقات من جهة، مع قدر كبير من الاسترخاء".

وتابع: "لكن الجانب الأهم من ذلك كله هو أن ما يجرى كان نتاج جهد استخباري صهيوني عمره 18 عاما، منذ حرب تموز 2006، ولغاية الآن".

ورأى أن  أكثر المؤشرات مازالت تقول إن "الصبر الإستراتيجي" سيتواصل خشية الحرب الشاملة وتداعياتها على وضع داخلي مهلهل، خاصة في الجانب الاقتصادي، مع خوف من ضربة للمنشآت النووية.

وحذر من أن ذلك "قد لا يمثل مسارا صحيحا، لأن غرور الصهاينة الآن قد يدفعهم نحو تنفيذ ما كان موضع جدل بينهم منذ عقدين ممثلا في ضرب تلك المنشآت، والذي كانت منظومة الصواريخ والمسيّرات في لبنان هي ما يلجمه أكثر من أي شيء آخر، بجانب الحسابات الأميركية التي يبدو أن الصهاينة لم يعودوا بأبهون لها ما داموا يسيطرون على الحزبيْن".

وفي سياق الحديث عن أخطاء الحزب، رصد المدير عام مركز لندن للإستراتيجية الإعلامية أحمد رمضان، 10 أخطاء وقع فيها الحزب اللبناني.

وأكد أن ما يجرى في لبنان نتيجة سلسلة أخطاء يمكن وصفها بـ"القاتلة" وقع فيها حزب الله وقيادته منذ سنوات، وأدت إلى تلقيه ضربات موجعة، طالت بنيته القيادية والعسكرية، وقد تؤدي إلى إنهاء دوره الذي عُرف به.

ومن بين الأخطاء التي رصدها، فقدان الحزب هويته التي تأسس وفقا لها عام 1982 (تنظيم عسكري أمني)، وتحوَّل إلى كيان يوازي الدولة وينافسها في مهامها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والإعلامية، وهو ما جعله مكشوفا إلى حدٍّ كبير، وانتشاره خارج حدود مركزه (الضاحية والجنوب) حيث حاضنته الشعبية.

وأشار رمضان، إلى أن "تدخل الحزب عسكريا في سوريا خلق  له عداوة لا تمحى مع الوسط السُّني في المنطقة، والأخطر أنه كشفه أمنيا".

ولفت إلى أن "علاقة التبعية مع إيران والحرس الثوري (تبين أن الجسم العسكري والأمني الإيراني مخترق بقوة) وأدى ذلك إلى كشف المستوى القيادي للحزب على نحو واسع".

وأوضح الباحث لقاء مكي، أن حزب الله ارتكب خطيئتين يبدو أنهما تقضيان عليه. الأولى: غياب إرادة القتال الحاسمة والواضحة، وقد ظهر ذلك بوضوح بعد مقتل قائدة العسكري فؤاد شكر، إذ إنه بدلا من يعاقب إسرائيل بضراوة بالغة ويطلق عليها ألف صاروخ لا تعادل شيئا من ترسانته، انتظر كثيرا، وربط نفسه بالتقويم الإيراني الذي قرر (ضبط النفس) في حادث اغتيال إسماعيل هنية.

وأشار إلى أن الخطيئة الثانية هي الفشل الأمني المريع، وعدم القدرة على السيطرة على تسرب المعلومات، حتى كأن أحدا ما كان يضع قيادات الحزب في المكان الخطأ لتقتلهم إسرائيل، وأصبح الحزب كتابا مفتوحا لإسرائيل خلال مغامرته الطويلة في سوريا.

وأعرب المحامي الكويتي ناصر الدويلة، عن أسفه على أن إسرائيل تعرف كل برنامج عمل قيادة حزب الله، مؤكدا أن هذا لا يمكن إلا من خيانة داخل الحزب أو من ضباط الحرس الثوري العاملين في قيادة الحزب.

واستنكر أن إيران مازالت تصرح على استحياء بأنها تقف كلاميا مع لبنان على لسان رئيس البرلمان، قائلا: "لا أعرف كيف ينظر الآن أعضاء حزب الله إلى مرجعيتهم في إيران وعلي خامنئي صامت ولم ينطق بكلمة واحدة والرئيس الإيراني يطلق تصريحات مملوءة بمشاعر دافئة للأميركان وحتى للصهاينة".

وأكد الدويلة، أن "إيران باعت كل حلفائها من أجل تجنب ضربة إسرائيلية لمشروعها النووي"، متوقعا أن "إسرائيل ستدمر في النهاية المشروع النووي الإيراني، ولكن هذه المرة لن يكون لإيران أذرع تستطيع الرد على إسرائيل".

وقال رئيس تحرير صحيفة "المصريون"، جمال سلطان: "قاعدة لا تتخلف، إيران لا تشارك أبدا في معارك بجنودها أو حرسها الثوري وتدفع من دم أبنائها إلا إذا كانت في بلد عربي للاستيلاء على الحكم فيه، أو دعم قوة موالية لها مثل سوريا، فإذا كانت المعركة مع إسرائيل تركت حلفاءها العرب وحدهم يقاتلون ويدفعون ضريبة الدم وتبقى هي في مقاعد المشجعين".

وكتب المحامي ‏أنور مساعد الطبطبائي: "شي غريب هذه السرعة في تصفية قيادات حزب الله و كوادرها خلال أيام قلائل والآن خبر مقتل كبيرهم شبه مؤكد، وعدم شراسة رد الحزب وإيران عمليا خلال 24 ساعة على الاحتلال الصهيوني يدل أن الحزب تم بيعه والتخلص منه بشكل نهائي!".

واستنكر سيد البطوطي، "ممارسة إيران ضبط النفس بعد تلقيها صفعتين: مقتل زعيم حماس إسماعيل هنية على أراضيها، وحسن نصر الله زعيم حزب الله - في عمليتين دقيقتين".

شائعة واختبار

في المقابل، رجح المحلل السياسي ياسين عز الدين، أن "شائعة اغتيال نصر الله غير صحيحة"، مشيرا إلى أن الاحتلال "غير متأكد ويقول إنه يقيم الأمور".

وقال: "لو كان متأكدا عند القصف كما يزعم فلن يخرج أحد حي، لكن على الأغلب هو ضرب المقر المزعوم دون أن يدري من الموجود فيه، وإلا فما هي الصدفة أن يكون هنالك اجتماع بنفس لحظة إلقاء بنيامين نتنياهو كلمته".

وأشار الإعلامي جمال ريان، إلى أن "سلاح الجو الإسرائيلي نفذ ضربته للضاحية الجنوبية لبيروت ومضى دون أن يعرف إن كان أصاب الهدف هو نصر الله أم لا"، محذرا بالقول: "إياكم ان تصدقوا بالونات الاختبار التي يطلقها الإعلام الإسرائيلي حول مصير نصر الله، صدقوا فقط ما يصدر من بيانات عن المقاومة اللبنانية".

ووصف الكاتب سامح عسكر، من يعتقد أن زعيم حزب لبناني، مقاتل ضد إسرائيل، تعرض للاغتيال 90 مرة من قبل، وهو على رأس المطلوبين للكيان، أن يكون موجودا في المقر الرئيس للحزب أثناء الحرب، بأنه "ساذج".

وأوضح أن ما حدث "جريمة ضد مدنيين، هم يمثلون القطاع المدني لحزب سياسي لبناني، عناصره كله مدنيون خدميون لصالح أهل المنطقة".

وذكر زياد الحداد، بأن "عام 2006 في ذروة حرب تموز وبعد انتشار خبر اغتيال نصر الله ظهر بخطاب مباشر وأعلن عن مفاجأة تفجير البارجة الصهيونية في عرض البحر التي قصفت المدنيين في بيروت".

صرف الأنظار

وتأكيدا على أن الحديث عن اغتيال نصر الله هو محاولة إسرائيلية لصرف الأنظار عن حجم الإجرام المرتكب في لبنان، استنكر الإعلامي جابر الحرمي، أن "لا أحد يتحدّث عن مئات القتلى والمصابين - وربما الآلاف - في العملية الإجرامية الوحشية التي قام بها الكيان الصهيوني في لبنان، والحديث كله عن نصرالله وعدد من قادة حزب الله".

وقال: "أيا كان مصير قادة حزب الله.. هناك العشرات من المباني التي دُكّت وتم تسويتها بالأرض بمن فيها وما فيها.. هناك دولة عربية تقصف ويقتل ويُشرّد شعبها.. دون أن تتحرّك جامعتهم العتيدة أو تسمع عن تحرّك لدول عربية تضامنا مع لبنان الشقيق".

وأكد الحرمي، أن "هذه الوحشية الصهيونية في غزة ولبنان - بمباركة أميركية غربية - هدفها إرهاب الجميع وتركيع المنطقة، وتفصيلها حسب مقاس الكيان الصهيوني، وكلما تمكّن الصهاينة من طرف، فتحت شهيتهم لارتكاب المزيد من الجرائم وافتراس أطراف أخرى".

ورأى مدير معهد لندن للإستراتيجية العالمية مأمون فندي، أن "حكاية استهداف نصرالله تغطية على جريمة بشعة، فبدلا من الحديث عن مئات من البشر قتلوا بعشوائية وقصد تحاول صحف الغرب وكذلك الإعلام الإسرائيلي الحديث عن نصرالله". 

وذكر بأن "الذي ضرب هي مبانٍ يسكنها بشر في واحدة من أهم الحواضر والعواصم العربية"، مؤكدا أن "نصر الله هامش على متن ضرب عاصمة عربية".

قواعد اللعبة

وذهب ناشطون إلى أن التصعيد الإسرائيلي على جنوب لبنان ومحاولة استهداف نصر الله شخصيا سيغير قواعد اللعبة ويدفع حزب الله لاستخدام مزيد من قوة الردع.

ورأى الباحث في الشأن الفلسطيني هاني الدالي، أن "قواعد اللعبة تغيرت والقادم عمق وقلب الكيان ولا خطوط حمراء"، مؤكدا أن رد حزب الله "قادم وفي عمق وقلب الكيان الصهيوني".

ونقل عن وسائل إعلام إسرائيلية قولها إن "حزب الله يتمتع بمرونة تفوق الجيوش النظامية، حيث يستطيع التكيف مع الخسائر والاستمرار في تنفيذ عملياته، كما ظهر ذلك بوضوح في المواجهات التي شهدتها الأيام الأخيرة".

وقال الكاتب إبراهيم المدهون، إن "نصر الله بخير، ولكن العدوان على الضاحية بهذه القوة والكثافة يمثل مرحلة جديدة من الحرب"، مضيفا: "أعتقد أن هذه المرحلة قد نقلت المواجهة من مجرد عملية عسكرية ومقاومة إلى حرب مفتوحة".

ورأى أن "من المرجح أن يرد حزب الله على قصف الضاحية بضرب تل أبيب بكثافة نارية وصاروخية".

وأكد خالد عبدالمفلح، أن “قواعد اللعبة تغيرت”، قائلا: "سنصبح نقول بعد 27 أيلول ليس كما قبله توسعت دائرة الصراع ولن تضيق في الوقت القريب".