تفجير أجهزة "بايجر".. كيف تمكنت إسرائيل من تنفيذ "أكبر اختراق أمني" ضد حزب الله؟

22 days ago

12

طباعة

مشاركة

في "أكبر اختراق أمني" ضد حزب الله اللبناني منذ اندلاع الاشتباك منذ الثامن من أكتوبر 2023، نفذت "إسرائيل عملية غير متوقعة" عبر تفجير أجهزة اتصال لاسلكي من نوع "بايجر" يحملها المئات من عناصر حزب الله وآلاف اللبنانيين.

وفي مشهد غير مألوف يوم 17 سبتمبر/أيلول 2024، انفجرت أجهزة “بايجر” التي يحملها عناصر وقيادات بين صفوف حزب الله في أنحاء لبنان، لا سيما في الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت معقل الحزب.

هجوم "بايجر"

وقال حزب الله، إن اثنين من مقاتليه على الأقل لقوا مصرعهم، عندما انفجرت أجهزة اتصال محمولة "بايجر" يستخدمونها في أنحاء مختلفة من لبنان.

بدوره أفاد وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، بأن تسعة أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب نحو 2750 آخرين، منهم 200 في حالة حرجة، بسلسلة الانفجارات المتزامنة لأجهزة الاتصال في أنحاء لبنان.

ومن بين القتلى في الضاحية الجنوبية، مهدي (40 عاما) وهو نجل عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" في البرلمان التابعة لحزب الله النائب علي عمار، كما أصيب عدد من أبناء قيادات الحزب.

بينما قال مسؤول كبير بجماعة حزب الله لرويترز إن حسن نصر الله زعيم الحزب "بخير ولم يصب بأي أذى" عقب سلسلة انفجارات متزامنة لأجهزة اتصال "بايجر".

وحمل حزب الله اللبناني "العدو الإسرائيلي" مسؤولية انفجار أجهزة الاتصالات في أنحاء لبنان وقال في بيان إن "المجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل".

وقال مسؤول من حزب الله طالبا عدم ذكره بالاسم لوكالة رويترز إن انفجار الأجهزة هو "أكبر اختراق أمني" تعرَّضت له الجماعة منذ الثامن من أكتوبر 2023.

ما كان لافتا هو أن مجتبى أماني السفير الإيراني لدى لبنان أصيب بجروح طفيفة في انفجار جهاز اتصال محمول "بايجر"، وفق ما قالت وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية.

ونقلت الوكالة عن مصدر قوله "أصيب "مجتبى" أماني إصابة سطحية وهو الآن تحت الملاحظة في مستشفى".

وذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ندد بشدة خلال اتصال هاتفي مع نظيره اللبناني "بالهجوم الإرهابي" وشكر لبنان على تقديم الرعاية الطبية الفورية للسفير.

كما أصيب 14 شخصا بجروح في العاصمة السورية دمشق ومحيطها في انفجار أجهزة اتصال "خاصة بحزب الله اللبناني"، وفق مواقع محلية.

وأمام هذه المعادلة العسكرية الجديدة في خِضَمّ الخشية من اندلاع "حرب شاملة" بين حزب الله وإسرائيل، طرحت الكثير من الأسئلة حول كيفية تمكن إسرائيل من تنفيذ مثل هكذا هجوم سيبراني عبر أجهزة قيل إنها هي أحدث طرازات استوردها حزب الله إلى البلاد قبل ثلاثة أشهر "بسرية تامة".

وعقب "العملية الإسرائيلية" التي استهدفت عصب العمليات العسكرية المتمثل في اتصالات حزب الله أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن أجهزة الاستدعاء "بايجر"، المتضررة كانت من شحنة جديدة تلقاها الحزب في الأيام الأخيرة.

ونقلت الصحيفة عن شركة "لوبك إنترناشيونال الأمنية" أن سبب انفجار أجهزة الاتصال هو على الأرجح برمجيات خبيثة.

وقال مسؤول في حزب الله إن مئات المقاتلين لديهم مثل هذه الأجهزة، وتكهن بأن برامج ضارة ربما تسببت في تسخين الأجهزة وانفجارها.

وأشار المسؤول إلى أن بعض الناس شعروا بأن هذه الأجهزة تسخن ولذلك تخلصوا منها قبل أن تنفجر.

إن الفرضية الأولى للهجوم تركزت حول طبيعة الاختراق التقني لهذه الأجهزة، لا سيما أن حزب الله سبق أن طلب من عناصره عدم استخدام الهواتف المحمولة لتفادي أي خرق إسرائيلي، ووضع بديلا منها نظام اتصالات خاص به.

كيف يعمل "بايجر"؟

وبشأن المعلومات المتوفرة حول نظام "بايجر" المحمول باليد فهو جهاز إلكتروني صغير كان يُستخدم في الأساس لتلقي الرسائل النصية القصيرة أو إشعارات التنبيه. 

وقد ظهر هذا النظام في منتصف القرن العشرين وكان جزءا من وسائل الاتصال قبل انتشار الهواتف المحمولة.

ويعد بايجر جهازا لاستقبال الرسائل فقط، حيث يمكن أن يتلقى المستخدم رمزا رقميا أو رسالة نصية قصيرة عبر شبكات الاتصالات الخاصة به حيث شبكة اتصالات راديوية لبث الرسائل النصية أو الرموز.

 ويُرسل المُرسل إشعارا إلى جهاز بايجر الخاص بالمستقبل عبر محطة إرسال مركزية، وبمجرد استقبال الجهاز للرسالة، يُصدر صوتا أو اهتزازا ليُعلم المستخدم بوجود إشعار جديد.​

وكان زعيم حزب الله حسن نصر الله، دعا في 14 فبراير 2024، مقاتلي الحزب وعائلاتهم وأهل الجنوب اللبناني إلى الاستغناء عن الهواتف المحمولة، ووصفها بـ"العميل القاتل" الذي يقدم معلومات دقيقة ومجانا لإسرائيل.

ويعد جهاز بايجر من التقنيات القديمة نسبيا، والتي لا يمكنها الاتصال بالإنترنت، ولذلك يعد آمنا نوعا ما من الاختراقات السيبرانية ومحاولات التجسس والتتبع الشائعة عند استخدام الهواتف المحمولة أو الذكية، ولهذا فهو لا يزال يستخدم في المجالات العسكرية والأمنية.

ورغم قدم التقنية، يمكن اختراق شبكة أجهزة "بايجر" بعد كشف موجتها عبر معدات إلكترونية متخصصة. ويمكن تفجير الجهاز عند تحميله بما يفوق قدرته ما يؤدي لانفجار بطاريته جراء تسخينها.

كما أشارت وكالات إعلام إلى وجود أجهزة من نوع بايجر حديثة وفيها ميزات جديدة تختلف عن تلك القديمة، وهذا ما وفرته التكنولوجيا، حيث ظهرت أجهزة بايجر الحديثة التي تجمع بين مميزات التواصل اللاسلكي والتطبيقات الذكية؛ حيث تتيح للمستخدمين إرسال النصوص، والمكالمات، والتنبيهات من دون الحاجة لاستخدام هواتفهم. بالإضافة إلى ذلك، توفر تقنية البلوتوث والواي فاي ربطا سلسا بين الأجهزة لتحسين تجربة الاتصال.

وتحدثت معلومات أن أجهزة بايجر من طراز حديث حصل عليها عناصر الحزب قبل ثلاثة أشهر. وبناء على التحليل الأولي للصور فإن الجزء الذي تم تفجيره في الأجهزة هو بطارياتها من خلال رفع حرارتها وتعريضها بطريقة ما لتلف ميكانيكي يؤدي لانفجارها.

ووفق خبراء فإن أكثر من 4000 جهاز انفجّرت في لحظة واحدة، وكانت الأجهزة موزّعة على قادة حزب الله وقوات النخبة التي يمكن استدعاؤها في أي لحظة، وأن أغلب الذين كانوا يحملون الجهاز في منطقة الخصر أصيبوا إصابات خطيرة أو فقدوا حياتهم في التفجير.

ويعمل جهاز بايجر ببطاريات الأقلام AA وليس بطارية ليثيوم، والتفجير تم بزرع متفجرات بكميات صغيرة بين (٦-٢٠ غراما) من مادة نترات الجليسرين التي لا يمكن تمييزها عن البلاستيك العادي، علما بأن درجة غليان هذه المادة 50 درجة مؤية، ودرجة انفجارها 98 درجة.

وأفادت مصادر بأن الشركة المصنّعة لهذه الأجهزة في هنغاريا حيث توجد جالية يهودية كبيرة، لكن يستبعد أن تكون المتفجرّات قد ركّبت في خطوط الإنتاج، لمخاطرة أن يعرف بالأمر عدد كبير من الناس.

وعلى الأغلب تم تركيب المتفجرات في سفينة الشحن أثناء الإبحار، أو في قسم الشحن بالمطار إن شُحنت بطائرة بمعاونة من مخبرين أو عملاء يعملون في المطارات.

ومن المرجّح أن تكون أجهزة أمنية في دول أوروبية ساعدت في هذه العملية بشكل مباشر؛ حيث تم تفعيل التفجير بإطلاق إشارات من طائرة حرب إلكترونية في الجو، وغطى الانفجار العناصر الموجودة في لبنان وسوريا.

اختراق سيبراني

وضمن هذا السياق، رأى الخبير العسكري منير شحادة، أن "ما حدث هو اختراق سيبراني بواسطة الموجات اللاسلكية"، مشيرا إلى "أن لدى إسرائيل تقنيات متطورة وعالية الدقة".

وقال شحادة في تصريحات تلفزيونية في 17 سبتمبر إن إسرائيل "تملك بيانات الاتصالات والتحويلات البنكية الخاصة بلبنان منذ عام 2005 وقد حصلت عليها من خلال لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري".

وأكد الخبير العسكري الذي شغل سابقا منصب رئيس المحكمة العسكرية الدائمة في لبنان أن "إسرائيل تعرف من يحمل جهاز بايجر في لبنان".

وقال الخبراء إن انفجارات أجهزة النداء أظهرت علامات تشير إلى أنها عملية مخطط لها منذ فترة طويلة على الرغم من عدم معرفة الوسائل على الفور.

ولم يكن لدى المحققين أي كلمة فورية حول كيفية تفجير أجهزة النداء أو ما إذا كانت المتفجرات قد تم إدخالها بطريقة ما إلى كل جهاز نداء من نوع بايجر الذي بدأ اللبنانيون في استخدامه منذ عام 1990.

وضمن هذه الجزئية، قال يوسي ميلمان، أحد مؤلفي كتاب "جواسيس ضد نهاية العالم" وغيره من الكتب عن الاستخبارات الإسرائيلية: "إن هذا يحمل بكل تأكيد كل السمات المميزة لعملية الموساد. لقد زرع شخص ما متفجرات صغيرة أو برامج ضارة من داخل أجهزة النداء. وأعلم أن هذه الأجهزة تم توريدها أخيرا أيضا".

وقال ميلمان لصحيفة "الغارديان" البريطانية، إنه يدرك أن "الكثير من الناس في حزب الله يحملون هذه الأجهزة، وليس فقط كبار القادة وقد استخدمتها الجماعة اللبنانية لأنها كانت تخشى أن تكون هواتفهم المحمولة خاضعة لمراقبة الاستخبارات الإسرائيلية لمراقبة اتصالاتهم وتحديد الهجمات الصاروخية".

ولفت ميلمان إلى أن التدريب أظهر أن "الموساد قادر على اختراق حزب الله مرارا وتكرارا"، لكنه تساءل عما إذا كانت هناك أي مكاسب إستراتيجية من الانفجارات المنسقة. وأضاف: "لن يغير ذلك الوضع على الأرض، ولا أرى أي تقدم فيه".

ولكن هناك من رأى أن ما حدث هو اختراق سيبراني واستدلوا على نظريتهم بالقول إن كل الأجهزة التي من حولك تحتوي على شرائح وترسل ترددات وبمجرد توصيلها بالإنترنت يعد ذلك في حد ذاته ثغرة أمنية.

لا سيما أن أكثر برامج الحماية تتبع لحكومات؛ حيث تستطيع بأي لحظة أن تصنع الثغرة عبر ما تمتلكه من قوة في الأمن السيبراني.

وإسرائيل تمثل ثاني أكبر عدد من صفقات الأمن السيبراني على الصعيد العالمي، بعد الولايات المتحدة وقبل المملكة المتحدة، حسب تقرير جديد جمعته شركة بيانات في نيويورك "سي-بي انسايتس" ونشرته في أبريل/نيسان 2018.

وأظهر التقرير حينها أن إسرائيل شكلت 7 بالمئة من حصة التعامل العالمي للأمن السيبراني في السنوات 2013-2017.

وهنا يوضح أليكس بلتساس، خبير الأسلحة في المجلس الأطلسي، لوكالة أسوشيتد برس في 17 سبتمبر "أن حريق بطارية ليثيوم أيون أمر مختلف، لكنني لم أر قط بطارية تنفجر بهذه الطريقة. تبدو وكأنها شحنة متفجرة صغيرة".

وأضاف بلتساس: "أن هذا يثير احتمال أن تكون إسرائيل على علم بشحنة أجهزة بايجر متجهة إلى حزب الله وتمكنت من تعديل هذه الأجهزة قبل التسليم".

نبضة إلكترونية

بدوره، قال يهوشوا كاليسكي، وهو عالم وباحث كبير في معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث في تل أبيب، لوكالة أسوشيتد برس: "إن هناك احتمالا آخر يتمثل في نبضة إلكترونية "أُرسلت من بعيد وأحرقت الأجهزة وتسببت في انفجارها. إنها ليست عملا عشوائيا، بل كانت متعمدة ومعروفة".

وأمام كل تلك الفرضيات، فقد أكد وزير الاتصالات اللبناني جوني القرم، في أول تعليق له على تفجير أجهزة "بايجر" اللاسلكية "إن المعلومات التي وردت إليه خلال وجوده في مجلس الوزراء تفيد بأن الأمر يتركز حول (سخونة) بطاريات الأجهزة بشكل كبير، ما أدى إلى انفجارها".

وأضاف القرم: "يمكن أن تكون البطاريات سخنت، وفعّلت عن بعد، لا نعرف كيف انفجرت، هناك أشخاص شعروا ببداية ارتفاع حرارة البطاريات، فابتعدوا عن الأجهزة، ولم يصابوا بأذى"، على حد قوله.

وحول احتمالية أن تكون الأجهزة مفخخة، خاصة أن المصابين كلهم من "حزب الله" أساسا، أجاب القرم: "يجب أن نبحث وراء كيفية وتوقيت دخول الشحنة إلى لبنان؟ وماذا كان محتواها بالضبط، ومن الشركة التي اشترتها؟ وكيف تمت عملية الشراء؟ وحينها يمكن الإجابة عن الأسئلة الكثيرة المطروحة".

وبالتزامن نقل موقع أكسيوس الأميركي عن مصدر مطلع على الهجوم لم تسمه قوله: "إن إسرائيل نفذت العملية من أجل نقل قتالها ضد حزب الله إلى مرحلة جديدة، مع محاولة عدم التصعيد إلى مستوى حرب شاملة".

وأضاف المصدر بحسب الموقع إن "العملية الإسرائيلية هدفت إلى تقويض ثقة حزب الله وخلق شعور في صفوف الحزب بأنه مخترق بالكامل من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية".