طالبان باكستان تورط الحركة الأفغانية مع إسلام أباد.. كيف يكون مستقبلها؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت التوترات خلال مارس/آذار 2024 بين حركة طالبان في أفغانستان وباكستان من جهة، وبين السلطات في إسلام أباد من جهة أخرى وذلك بسبب تبادل الهجمات.

ففي 18 مارس، أعلنت حكومة طالبان في أفغانستان أن باكستان شنت ضربتين جويتين داخل الأراضي الأفغانية وتحديدا في ولايتي باكتيكا وخوست على الحدود الباكستانية، مما أسفر عن مقتل 8 من النساء والأطفال، عادة ذلك انتهاكا لسيادة البلاد.

وتأتي الهجمات بعد يوم من تعهد الرئيس الباكستاني الجديد آصف علي زرداري بالانتقام لمقتل 7 عسكريين باكستانيين، بينهم ضابطان، في هجوم مسلح على موقع لقوات الأمن شمال وزيرستان شنته حركة طالبان باكستان.

وفي إطار النزاعات المسلحة في الفترة الأخيرة، تتساءل صحيفة "8 صبح" الأفغانية: "لماذا تستخدم حركة طالبان الأفغانية نظيرتها الباكستانية ضد مصالح إسلام أباد؟".

كما تساءلت: "هل ستختار الحركة الدولة الباكستانية أم طالبان باكستان في النهاية؟".

ردود فعل مفاجئة 

وأعلنت الحكومة الباكستانية رسميا مسؤوليتها عن الهجوم على الأراضي الأفغانية، مدعية أنها "استهدفت المقاتلين التابعين لحافظ جول بهادور، وهو قائد مهم في حركة طالبان الباكستانية". 

وفي المقابل، زعم عبد الله شاه، أحد المقاتلين الموالين لجول بهادور، من خلال نشر شريط فيديو، أنهم "ليسوا موجودين حاليا في أفغانستان، بل في جنوب وزيرستان".

وبحسب الصحيفة الأفغانية، لم يتوقف المسؤولون الباكستانيون عند تأكيد وتبني الغارات الجوية على الأراضي الأفغانية، بل أرسلوا تحذيرات قوية إلى طالبان. 

إذ صرح رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، أن بلاده "لن تتسامح مع أي نوع من الإرهاب العابر للحدود". 

وهنا، تنوه الصحيفة أنه "مع عودة شهباز شريف للسلطة، كانت حركة طالبان تتمنى تقليل خطورة مشكلة حركة طالبان الباكستانية". 

إلى جانب ذلك، حذر أيضا وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف، من أنه "إذا ظلت حركة طالبان الباكستانية نشطة في أفغانستان، فسوف تستهدف هذا البلد مرة أخرى". 

وتذكر الصحيفة أن جون أشاكزاي، المسؤول السابق في ولاية بلوشستان، ذهب إلى أبعد من ذلك بقوله: "إذا استمرت حركة طالبان باكستان في استهداف الأراضي الباكستانية، فإن جيش بلاده سيدخل أفغانستان، ويحتل ممر واخان وصولا إلى الصين". 

ومن بين جميع ردود الفعل، تصف الصحيفة الأفغانية موقف وزارة الخارجية الباكستانية بأنه "جديد وجدير بالتفكير".

وصرحت الوزارة بأن "بعض العناصر الموجودة في السلطة في أفغانستان تدعم بنشاط حركة طالبان الباكستانية وتستخدمها كقوات بالوكالة ضد إسلام أباد". 

وبهذا الشأن، تقول الصحيفة إن "المسؤولين في إسلام أباد تحدثوا كثيرا عن حركة طالبان الباكستانية، لكن وصفها بأنها جيش وكيل لطالبان بهدف الإضرار بمصالح باكستان هو أمر جديد حتى الآن".

أسيرة لإسلام أباد

وبتدقيق النظر في رد فعل وزارة الخارجية الباكستانية، تطرح الصحيفة عدة أسئلة؛ أولها "لماذا تستخدم حركة طالبان حركة طالبان الباكستانية كقوة بالوكالة ضد مصالح إسلام أباد؟".

يتمثل السبب الأول في أن "طالبان، التي عادت إلى السلطة بهدوء شديد ومن دون صداع، من المتوقع أن يُعترف بها بشكل أسرع".

وبطبيعة الحال، كان هذا التوقع موجها في أغلبه نحو باكستان، الملقبة بـ "مؤيد طالبان" أمس واليوم. 

والأهم من ذلك أن "إسلام أباد تحلت بالشجاعة في الماضي واعترفت بحركة طالبان، ثم جعلت السعودية والإمارات حليفتين لها". 

لكن بإعلانها هذه المرة أنها لن تتحرك وحدها دون قرار العالم، وخاصة دول المنطقة، فإن "طالبان تخشى من أنه إذا اتخذت إسلام أباد الخطوة الأولى هذه المرة، فإنها لن تكون وحدها وسترافقها دول كثيرة"، وفق الصحيفة الأفغانية.

أما السبب الثاني، فتقول إنه "على الرغم من الاعتراف بحركة طالبان كقوة حاكمة في أفغانستان منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، إلا أن وصمة التبعية لباكستان لم تُزل بعد من جبينهم". 

ومن جانبها، تفترض طالبان أن "الصراع مع باكستان حول قضية حركة طالبان الباكستانية أو غيرها من القضايا سيساعد هذه المجموعة على عدم النظر إليها بوصفها أسيرة لإسلام أباد كما كان الحال في الماضي". 

فضلا عن ذلك، تبرز الصحيفة أن الصراعات الحدودية مفيدة بالنسبة لطالبان، حيث تسمح لها بوضع نفسها في موقع "حامية سلامة أراضي أفغانستان". 

وبشأن السبب الثالث والأخير، تشير إلى أن "غياب رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان، جعل مشكلة حركة طالبان الباكستانية أكثر خطورة، كما جعل العلاقة بين إسلام أباد وطالبان باكستان متوترة". 

"ورغم أن عمران خان لم يعترف بطالبان باكستان، إلا أن دفء العلاقة بين الطرفين كان محسوسا إلى حد كبير"، بحسب ما ورد عن الصحيفة. 

جدير بالذكر أنه في عهد عمران خان، لم تكن أزمة حركة طالبان الباكستانية ساخنة للغاية.

إذ ذهب شاه محمود قريشي، وزير خارجية حكومة عمران خان، إلى بعض دول المنطقة وزُعم أنه كان يحاول إضفاء الشرعية على حركة طالبان. 

كما كان قد وُقع في عهد حكومة خان اتفاق وقف إطلاق النار لمدة شهر بين باكستان وطالبان الباكستانية بوساطة فرع من الحركة.

وبعد إزالة عمران خان من السلطة، توضح الصحيفة أن العلاقة بين إسلام أباد وطالبان تضررت للغاية. 

وعزت ذلك إلى أن "الحكومة الجديدة، وخاصة العسكرية، أصبحت أكثر جدية تجاه حركة طالبان الباكستانية، وتخلت على ما يبدو عن خيار التفاوض".

انقسام داخل طالبان

وفي إطار ما ذُكر سابقا، تتساءل الصحيفة: "هل تستطيع الحركة بالفعل استخدام طالبان باكستان كقوة وكيلة ضد مصالح إسلام أباد".

وترى أن الحركة "أضعف من أن تكون لديها القدرة على استخدام طالبان باكستان كقوة بالوكالة ضد المصالح الباكستانية". 

وعزت ذلك إلى سببين؛ الأول هو اعتمادهم على إسلام أباد، والثاني هو تمتع هذه الدولة -باكستان- بقوة عسكرية كبيرة رغم مواجهتها العديد من التحديات في مجالات أخرى. 

ومع ذلك، تسلط الصحيفة الضوء على أن "الحاجة إلى اكتساب الشرعية الدولية تشكل أهمية قصوى بالنسبة لطالبان أفغانستان، وهم لا يريدون خسارة ثقة دولة تدعمهم مثل باكستان".

وتطرقت إلى ما ذكر في بيان وزارة الخارجية الباكستانية من أن "عددا من مسؤولي طالبان يستخدمون حركة طالبان الباكستانية كقوة بالوكالة". 

وكذلك ادعاء آصف دوراني، الممثل الباكستاني الخاص لشؤون أفغانستان، في مقابلة أن "الهند ستدعم ماليا حركة طالبان الباكستانية من خلال وكلائها في أفغانستان".

وعلقت بالقول إن ادعاءات المسؤولين الباكستانيين لم تذكر حركة طالبان بأكملها، لكن ذكرت بعض مسؤولي طالبان فقط.

وفي هذا السياق، تلمح الصحيفة إلى أن "عددا كبيرا من مسؤولي الحركة الذين يستخدمون طالبان الباكستانية ضد مصالح إسلام أباد ربما يفعلون ذلك بناء على توجيه من نيودلهي"، زاعمة أن "الأمر لا يبدو ممكنا دون دعم أجنبي". 

وهنا، تبرز أن "محاولة طالبان التقرب من الهند تستحق الاهتمام أيضا، لعدم حدوث مثل هذا الشيء قبل ذلك". 

وبشكل عام، في حال كان ادعاء آصف دوراني، الممثل الباكستاني الخاص لشؤون أفغانستان صحيحا، فإن الصحيفة تتوقع "وجود انقسام داخلي داخل حركة طالبان".

ضرورة الاختيار 

وتتناول الصحيفة الأفغانية مسألة اختيار طالبان ما بين الدولة الباكستانية وحركة طالبان الباكستانية.

وتوضح أن "باكستان -بلا شك- تمثل خيارا أكثر ملاءمة للحركة من طالبان الباكستانية".

وأردفت: "لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل هذه المجموعة أيضا، وذلك بسبب قوتها غير المسبوقة". 

وأشارت إلى أن حركة طالبان الباكستانية تستطيع بسهولة، في الوقت الحالي، إيقاع ضحايا من الجيش الباكستاني من خلال شن هجمات معقدة في أيام أو أسابيع.

وهو ما يؤكد -بحسب الصحيفة- ادعاءات مسؤولي إسلام أباد المتكررة حول "تسليح مقاتلي حركة طالبان الباكستانية بأسلحة جديدة ومتطورة".

ولذلك، وعلى هذا الأساس، تنوه أن "حركة طالبان (الأفغانية) قد لا تتمكن من احتواء نظيرتها الباكستانية". 

وفي ذات السياق، تصف الصحيفة المشهد بأن "طالبان، مثل إسلام أباد، تواجه الحدث وليست قادرة على اتخاذ قرار واضح وموحد وخالٍ من التكلفة الميدانية". 

وبطبيعة الحال، ترى أن "طالبان لن توافق على الانفصال عن أصدقائها الأيديولوجيين، مثل نظيرتها في باكستان وأيضا تنظيم القاعدة حتى تصبح حكومة شرعية". 

وفي هذا الصدد، تلفت الأنظار إلى أن "احتمال إضفاء الطابع الرسمي على طالبان يظل قاتما أيضا". 

و"حتى وإن أصبح ذلك ممكنا، فليس من الواضح ما إذا كانت علاقة هذه الحركة بالجماعات الإرهابية الأخرى ستنقطع أم لا".

وفي النهاية، تخلص الصحيفة إلى أنه "رغم تضرر العلاقة بين طالبان وباكستان، إلا أنه لا يمكن الادعاء بأن الطرفين أدارا ظهورهما لبعضهما بعضا".