أزمة قناة بنما.. هل تنجح سياسة "القوة الصارمة" في إخضاع أميركا اللاتينية؟

“ترامب أحدث ضجة كبيرة حول قضية قناة بنما”
أسلوب "القوة الصارمة" الذي يتبعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع دول أميركا اللاتينية، يطرح مدى نجاحه وتأثيره على مستقبل العلاقة بين الطرفين.
وفي هذا الإطار، استعرض موقع "أوبزرفر" الصيني تفاصيل أزمة قناة بنما مع واشنطن، موضحا أسباب رغبة الولايات المتحدة استعادة القناة.
كما ذكر أبرز أوجه التعاون الاقتصادي بين الصين وبنما، وأهمية قناة بنما للطرفين، وعلاقة بنما ودول أميركا اللاتينية بقضية استقلال تايوان.
عقاب بنما
وأصدرت السفارة الأميركية في بنما بيانا بشأن زيارة قائد القيادة الجنوبية الجديد إلى بنما، في 20 فبراير/ شباط 2025 حيث ذكر أن السفارة ستناقش مع المسؤولين البنميين "تجنب خضوع منطقة القناة لنفوذ الحزب الشيوعي الصيني وسيطرته".
وردت سفارة بكين على هذا البيان وصرحت: "لم تشارك الصين مطلقا في إدارة القناة وتشغيلها ولم تتدخل مطلقا في شؤون القناة، والادعاء بأن سيطرة بلادنا على القناة هي كذب محض".
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة هي التي تهدد باستمرار بـ"استعادة" القناة، في محاولة لاستعادة السيطرة عليها، والإجراءات الأميركية الرامية إلى تقويض العلاقات بين الصين وبنما غير شعبية ولن تنجح".
واتهم الموقع إدارة ترامب منذ توليها السلطة بـ"العمل على قمع وإكراه دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، في محاولة لإجبارها على الوقوف إلى جانبها وإطلاق (حرب باردة جديدة) لاحتواء الصين".
ورأى أن بنما "اضطرت إلى دفع ثمن باهظ مقابل شعور ترامب أنه يبدأ عصرا ذهبيا جديدا للولايات المتحدة، وقد تضطر المزيد من دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى دفع هذا الثمن في المستقبل".
وفي خطاب تنصيبه، قال ترامب: إن "العصر الذهبي الجديد سيبدأ بالنسبة للولايات المتحدة، وستفكر مرة أخرى في نفسها كأمة نامية، وسنوسع أراضينا"، وصرح علنا أنه لن يستبعد استخدام القوة للسيطرة على قناة بنما وجرينلاند.
وقال الموقع: “ليس من قبيل المصادفة أن يركز ترامب أنظاره على قناة بنما، فقد كانت هناك علامات على ذلك منذ عام 2017، حيث صرح ترامب حينها قائلا: قناة بنما هي (أصل وطني مهم للولايات المتحدة، وسنستعيدها)”.
وأضاف أن "رغبة ترامب في السيطرة على قناة بنما، تعكس المشاعر المعقدة التي يشعر بها الأميركيون تجاه قناة بنما".
ممر مناسب
وأوضح الموقع مقصده قائلا: "تاريخيا، كان بناء قناة بنما يعد بمثابة إستراتيجية جيوسياسية للولايات المتحدة لتصبح الدولة الأكثر قوة في العالم".
وأكمل: "وفي العصر الذي كانت فيه القوة الجوية متخلفة، اعتمدت واشنطن على هذه القناة للحصول على ممر مناسب بين المحيطين وتحقيق السيطرة العسكرية على المحيطين الهادئ والأطلسي".
واستدرك: "لكن بعد الحرب العالمية الثانية، انخفضت الحاجة إلى استمرار سيطرة الولايات المتحدة على قناة بنما بشكل كبير، ويرجع هذا إلى تراجع القيمة العسكرية للقناة، وتحول الحفاظ على تشغيل القناة تدريجيا إلى عبء مالي".
وأضاف: "كما أصبحت المقاومة القومية في بنما مشكلة شائكة تسببت في صداع شديد للولايات المتحدة، وبناء على ذلك، تخلت واشنطن عن القناة وسلمتها لبنما عام 1999".
ويرى الموقع أن "هدف ترامب لا يقتصر على السيطرة على قناة بنما، بل يشمل أيضا إخضاع دولة بنما، وذلك ردا على استكمال إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الصين بطريقة سرية للغاية بهدف منع العرقلة والتخريب من قبل الولايات المتحدة".
وفي عام 2018، أقامت كل من جمهورية الدومينيكان والسلفادور علاقات دبلوماسية مع الصين، وهو “ما عدته واشنطن خطوة مستوحاة من النموذج البنمي”.
وقال الموقع: "ردا على ذلك، قام وزيرا الخارجية الأميركيان آنذاك، ريكس تيلرسون ومايك بومبيو، بزيارة بنما خلال العام نفسه، في محاولة لممارسة الضغوط على حكومتها".
وخلص إلى أن ترامب أحدث ضجة كبيرة حول قضية قناة بنما في محاولة لتحقيق الأهداف الثلاثة التالية.
أولا، إجبار بنما على الخضوع لإرادة الولايات المتحدة في التعامل مع علاقاتها مع الصين، وثانيا، عدم دفع رسوم الملاحة في قناة بنما، بل وتحصيلها والاستفادة منها، وثالثا، ردع دول أميركا الوسطى، عن توثيق العلاقات مع الصين.
ضغط أميركي
ومنذ أن أطلقت الصين مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، وهي تسعى لاجتذاب دول أميركا الجنوبية إلى مشروعها الضخم.
وبالفعل عام 2017 أصبحت بنما أول دولة في أميركا اللاتينية، توقّع مذكرة تفاهم بشأن مبادرة "الحزام والطريق"، مما "جعلها نموذجا لربط هذه المبادرة مع دول المنطقة"، كما أفاد الموقع.
واستدرك: "مع ذلك اضطرت بنما أخيرا إلى الانسحاب من المبادرة، تحت ضغط من الولايات المتحدة، وهو ما سيضع بلا شك التعاون بين الصين وبنما أمام اختبار هائل".
وأضاف: "ستواجه مشاريع التعاون التجاري الكبرى بين البلدين تأثيرا مباشرا، وهناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن ما إذا كانت قادرة على الاستمرار".
وأوضح أن مشروع محطة قناة بنما الذي تديره شركة هاجيسون وامبوا "كان أول المشاريع التي تأثرت".
وقد حصلت الشركة على امتياز لمدة 25 عاما لميناءين في القناة عام 1997 وجددت الصفقة لمدة 25 عاما أخرى عام 2021، "وتعارض الولايات المتحدة بشدة السماح للشركة بمواصلة تشغيل الميناءين"، حسب ما أفاد الموقع.
ويرى أنه "رغم أن إدارة ترامب تستخدم وسائل (القوة الصارمة) لإصلاح دول أميركا اللاتينية دون تردد، ورغم أنها حققت سلسلة من الانتصارات التكتيكية المبهرة؛ فإن حقيقة أن قدرة واشنطن على اتخاذ قرارات بشكل أحادي الجانب قد تراجعت بصورة لا يمكن إخفاؤها".
وتابع الموقع الصيني: "في عام 2014، كتب مايكل شيفتر، وهو باحث في مركز أبحاث أميركي مختص بشؤون أميركا الجنوبية، أن واشنطن لا تستطيع تحقيق أهدافها الإستراتيجية في أميركا اللاتينية من خلال العمل الأحادي الجانب، بل يتعين عليها تنسيق مواقفها واتخاذ إجراءات مشتركة مع تلك الدول".
ووفقه، فقد "تجلّت هذه القيود التي تواجهها الولايات المتحدة بشكل واضح في قضية فنزويلا، حيث حاولت إدارة ترامب الأولى ممارسة (أقصى الضغوط) لدفع الاقتصاد الفنزويلي نحو الانهيار وإحداث تغيير في النظام".
واستدرك: "لكن حتى يومنا هذا، لا يزال نظام نيكولاس مادورو في الحكم، بينما اختفى خوان غوايدو، الذي دعمه ترامب وشجعه بصفته رئيسا مؤقتا".
وينظر الموقع إلى عودة قناة بنما إلى الولايات المتحدة "كتجسيد واقعي لتراجع قدرتها على اتخاذ إجراءات أحادية".
واستطرد: "وبافتراض نجاح واشنطن في إعادة السيطرة على القناة، هل ستحصل بنما على مكاسب من الولايات المتحدة بعد أن تُجبر على تقليص تعاونها مع الصين؟ المعطيات الحالية لا تبعث على التفاؤل".