مع كل استحقاق انتخابي.. لماذا تتكالب الأحزاب التركية على أصوات القوميين؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

على عتبة الانتخابات المحلية التركية، تتجه أنظار الأحزاب والتحالفات السياسية إلى القوميين، وتسعى كل منها لاستقطاب أصوات هذه الشريحة المجتمعية لما تلعبه من دور حاسم في اختيار رؤساء البلديات والمجالس المحلية للسنوات الخمس القادمة.

فما هي شريحة القوميين؟ وكيف تطورت مع مرور الزمن في تركيا، لدرجة أصبحت أهم عامل يؤثر في السياسة والانتخابات التركية المتتالية؟

جذور القومية التركية

دخلت "القومية" إلى السياسة التركية لأول مرة في عهد المشروطية الثانية (الحقبة الدستورية الثانية). إذ تم تأسيس "الحزب التركي القومي" عام 1912 قبيل حروب الدولة العثمانية في دول البلقان، ليكون أول حزب ينادي بـ "القومية التركية".

والحقبة الدستورية الثانية‏ للدولة العثمانية جاءت عقب ثورة تركيا الفتاة في 1908 التي أجبرت السلطان عبد الحميد الثاني على إعادة دستور 1876 والبرلمان العثماني. 

وقد علق عبد الحميد الثاني البرلمان والدستور سنة 1878 بعد عامين فقط من العمل. وكانت الحقبة الدستورية الأولى  قصيرة ولم تضم أحزابا سياسية كثيرة، لكن المشروطية الثانية تميزت بالتعددية السياسية  والانتخابات.

غير أن القومية التركية تمثلت في بداياتها بأيديولوجية تهدف للدفاع عن الدولة وحمايتها وإصلاحها، أكثر منها حركة تنويرية تهدف للاستقلال والتطور والبناء. 

ويمكن القول إنها ظهرت كرد فعل قومي أمام التمرد والثورات القومية في مختلف أراضيها إضافة لبيئة الحرب التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

وتمثلت القومية حينها في "مثالية طوران" التي تهدف إلى جمع كل الأتراك في العالم تحت راية واحدة"، ولقيت حينذاك، ترحيبا كبيرا في أوساط حزب الاتحاد والترقي.

أما بعد تأسيس الجمهورية، فقد أصبحت القومية الملاذ الآمن لتجنب الصدام بين الشعب المحافظ ومؤسسي الدولة التركية الذين هدفوا إلى الاندماج مع الحضارة الغربية وبناء الجمهورية العلمانية المثالية.

لكن تصور القومية تطور فيما بعد وبات يتفرع اليوم إلى عدة تيارات لكل منها انعكاس بنسب متفاوتة في الشعب. 

فمثلا هناك القومية الطورانية، والقومية العلمانية، والقومية التركية، والقومية المبنية على عداء المهاجرين، والقومية المثالية، والقومية الإسلامية، والقومية الأناضولية.

وبناء على ذلك، يمكن القول إن بذور القومية موجودة في جميع الأطياف والتيارات التركية خاصة أنها لا تخضع للانتقادات بوصفها تيارا فوق سياسي مشتركا في البلاد، ما يجعلها تعد من التيارات ذات التأثير الأكبر على السياسة التركية، وذلك بحسب الكاتب يحيى كمال جان في مقال نشرته مؤسسة هاينريش بول الألمانية في 22 أغسطس/ آب 2019.

صعود مطرد

وحصل "حزب الحركة القومية" الذي يعد مركز القومية في تركيا وأكبر الأحزاب القومية، على أصوات بنسب تراوحت بين 3.4 بالمئة و 6.4 بالمئة في سبعينيات القرن العشرين.

غير أنه شهد صعودا كبيرا في التسعينيات؛ فحصل على 8.18 بالمئة في انتخابات 1995، ثم على 17.98 بالمئة في 1999 ونجح في أن يكون الشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم.

أما في الفترة بين 2002 و 2017، فقد تذبذبت أصوات الحزب. وحصل في عام 2002 على 8.35 بالمئة، ثم في 2007 على 14.27بالمئة ثم في 2011 على 13.01 بالمئة ثم في يونيو 2015 على 16.29 بالمئة، وفي نوفمبر 2015 على 11.90 بالمئة.

لكن وقبيل انتخابات 2018 بأشهر، أعلنت القيادية ميرال أكشنر تأسيسها حزبا قوميا أسمته "الحزب الجيد"، وذلك بعد رحلة طويلة قطعتها مع حزب الحركة القومية؛ حيث دخلت البرلمان عن الحزب في الأعوام 2007 و2011 و2015.

وكانت نتائج هذا الانقسام لافتة، إذ حصل حزب الحركة القومية على 11.10 بالمئة من الأصوات، بينما حصل الحزب الجيد على 9.96 بالمئة، لترتفع نسبة القاعدة القومية إلى ما مجموعه 21.06 بالمئة من أصوات الشعب التركي لأول مرة في تاريخ البلاد.

وفي انقسام جديد، أسس أوميت أوزداغ في عام 2021 حزبا قوميا أسماه "حزب الظفر"، وذلك بعد سنوات طويلة قضاها في ركب حزب الحركة القومية، ومن بعدها في الحزب الجيد.

وارتفع مجموع نسب أصوات القوميين في تركيا بعد انتخابات 2023 إلى 23.19 بالمئة، 10.07 بالمئة منها لحزب الحركة القومية، و9.68 بالمئة منها للحزب الجيد، و2.23 بالمئة منها لحزب الظفر و0.98 بالمئة منها لحزب الاتحاد الكبير (حزب داخل تحالف الجمهور حاليا مع حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية).

وحصلت الأحزاب القومية في انتخابات 2023 الرئاسية على ما يعادل 12 مليونا و607 آلاف و 813 صوتا، وهو ما يمثل خمس الشعب التركي، أي أن واحدا من أصل كل خمسة، صوتوا لصالح حزب قومي.

ويرى الكاتب التركي شوكت أبوهان أن صعود الحزب الجيد كان بسبب أزمة يواجهها حزب الحركة القومية في تمثيل القومية التركية. 

ورأى أن صعود حزب الظفر جاء كرد فعل على انفتاح الحزب الجيد على الشرائح غير المحافظة. وبناء عليه، تمكن كل حزب من الوصول إلى الشرائح التي تعد نفسها قومية، لكن لا ترى أن حزب الحركة القومية يمثلها.

ويرى أبوهان في مقابلة نشرتها صحيفة الإندبندنت التركية في 20 مايو 2023، أن نسبة الأصوات التي تتحرك بدافع قومي تتجاوز الـ 60 بالمئة وأن بعضها لا يصوت للأحزاب آنفة الذكر لأنه يرى أنها لا تمثله.

حجر أساس

ودعت الحاجة بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي في 2018، إلى إنشاء تحالفات بين الأحزاب. وبينما تحالف حزب العدالة والتنمية مع أحزاب الحركة القومية والرفاه من جديد والاتحاد الكبير من أجل انتخابات 2023، تحالف حزب الشعب الجمهوري مع أحزاب الجيد والديمقراطي والسعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم.

فيما أنشأ حزب الظفر تحالفا قوميا مع أحزاب العدالة والحقيقة ووطني وتحالف تركيا، وأسماه "تحالف الأجداد" ورشح عنها للانتخابات الرئاسية في 2023، رفيق دربه سابقا في حزب الحركة القومية، سنان أوغان.

ومع عدم تمكن أي مرشح من الحصول على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات، أجريت جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية تنافس فيها رجب طيب أردوغان عن تحالف الجمهور، وكمال كيليتشدار أوغلو عن تحالف الشعب.

ودفعت هذه النتيجة كثيرين للتساؤل عن الدور المفتاحي الذي يلعبه القوميون في الانتخابات التركية، حيث أجرى سنان أوغان مفاوضات مع كلا المرشحين للرئاسة أردوغان وكيليتشدار أوغلو ليقرر لاحقا دعمه أردوغان في الجولة الثانية.

وعن هذه الجزئية، قال سنان أوغان في لقاء بتاريخ 9 مارس 2024: جمعنا 5.2 بالمئة فقط من القوميين الأتراك في الانتخابات الرئاسية وهؤلاء جعلوا معسكرين (تحالف الجمهور وتحالف الشعب) حجمهم 95 بالمئة، في حاجة إليهم.. ثم جاء الطرفان وسمعوا شروطنا وقبلوا بها ثم قدمنا دعمنا (لمن نريد).

ثقل الأحزاب القومية

ويرى الكاتب جمهور كارتال يلديز في مقال نشر في موقع أكاديمية السياسة الدولية التركي بتاريخ 17 يونيو 2023، أن حزب الحركة القومية حقق نجاحا كبيرا ضد أحزاب الجيد والظفر القوميين.

حيث أسهمت الحركة القومية بما نسبته 10 بالمئة في أصوات تحالف الجمهور وكان لها الدور الأكبر في فوز مرشحه رجب طيب أردوغان في انتخابات 2023 الرئاسية.

في المقابل، ورغم أن مرشح "تحالف الأجداد"، سنان أوغان حصل على أصوات 5.17 بالمئة في الجولة الأولى من انتخابات 2023، إلا أن مؤسس تحالف الأجداد وحزب الظفر أوميت أوزداغ، لم يحقق النجاح الذي أمله في الانتخابات البرلمانية وخسر مقعده الوحيد في مجلس الأمة التركي الكبير.

وكان أوزداغ قد هدف للحصول على 8 بالمئة من الأصوات، لكنه لم يحصل سوى على 2.23 بالمئة منها في 2023، كذلك لم يحصل على الدعم الذي يتوقعه في المدن التي تشهد أعدادا كبيرة من المهاجرين واللاجئين مثل غازي عنتاب وهاتاي وكيليس وأدي يامان.

وبالنظر إلى نوع القومية التي يتبناها أوزداغ والتي تعتمد على عداء المهاجرين واستخدام شعارات متطرفة لإرسالهم إلى بلدانهم الأصلية، يمكن القول إن هذا النوع من القومية لم يجد انعكاسا وقبولا من قبل الشعب التركي.

غير أن الأحزاب القومية الأربعة في تركيا حاليا، الحركة القومية والجيد والظفر والاتحاد الكبير، تتفق فيما بينها على رفض الجلوس مع حزب مساواة وديمقراطية الشعوب الكردي المعروف بعلاقته مع حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) والمصنف إرهابيا من قبل تركيا والاتحاد الأوروبي.

واليوم، يواصل حزب الحركة القومية الذي يملك نصيب الأسد من أصوات القوميين، طريقه في تحالف الجمهور ويؤيد مرشحي حزب العدالة والتنمية في المدن الكبيرة مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، ومن المتوقع أن يحافظ على أصوات قاعدته التي تصل نسبتها إلى 10 بالمئة من الأصوات.

أما الحزب الجيد، الذي يأتي في المرتبة الثانية من حيث حجم قاعدته القومية، فاختار التقدم بمرشح منفصل في جميع المدن التركية، وذلك في أعقاب خسارة تحالف الشعب الذي كان الحزب جزءا منه في انتخابات 2023 الرئاسية.

وقالت أكشنر في برنامج إفطار رمضاني انضمت له في مدينة أرتفين يوم 15 مارس، إن حزبها يشارك هذه المرة بمرشح منفصل ليقوم “بتقييم ثقله في ميزان الشعب”.

وقالت في برنامج انتخابي بإسطنبول في 7 مارس إنها ستترك السياسة وتعود لمنزلها إن لم يحصل حزبها على الأصوات المرجوة في 31 مارس.

من جانبه، تقدم حزب الظفر أيضا بمرشحين منفصلين حتى في مدن كبرى مثل أنقرة وإسطنبول، وقال رئيس الحزب أوميت أوزداغ إنهم يتوقعون أن يفوزوا في إسبرطة وإنهم يتقدمون في مدن عثمانية وألانيا، وإن حزب الظفر في المرتبة الثالثة في إزمير.

جدير بالذكر أن أوزداغ أشار إلى أنه عرض على الحزب الجيد التعاون في انتخابات 31 مارس المرتقبة قائلا: "عرضنا التعاون على الحزب الجيد لكن لم يقبلوا، ثم عرضنا عليهم أن يدعموا مرشحينا وندعم مرشحيهم في المحافظات الإستراتيجية، فلم يعودوا بجواب".

وبالنظر لما سبق، يمكن القول إن أصوات الأحزاب القومية لا تزال طور الصعود والتزايد، لكنها غير كافية بمفردها من أجل الفوز، وذلك رغم ما تلعبه من دور مفتاحي في السياسية التركية وأهم ما فيها العملية الانتخابية.