ردا على تصاعد عدد أعضائه.. هكذا بدأت النمسا شن حرب ضد اليمين المتطرف

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بينما تواجه القارة الأوروبية موجة صاعدة لليمين المتطرف يهدد بتغيير سياساتها في كثير من القضايا، اتجهت دول مثل النمسا لأخذ خطوة استباقية لمنع استلام هذا اليمين للسلطة.

وفي تحرك لافت، بدأت تنفذ الحكومة النمساوية توقيفات وعمليات تفتيش في أوساط اليمين المتطرف، محذرة من خطر تزايد أعداد الناشطين في صفوفه.

"اليمين الجديد"

وفي 22 يناير/ كانون الثاني 2024، أفادت وزارة الداخلية النمساوية في بيان بتوقيف شخصين في العاصمة فيينا وتفتيش منزليهما.

أحدهما شاب يبلغ 20 عاما يُشتبه في أنه ينتمي إلى مجموعة "فويركرييغ ديفيجن" العنصرية، وأنه دعا خلال أحاديث ضمن مجموعات للنقاش إلى شن هجمات، أما الآخر فهو أربعيني متهم بترديد تصريحات للنازيين الجدد.

وأشارت السلطات تعليقا على التوقيفات بالقول:"نلاحظ ازديادا كبيرا في الأعداد في هذه البيئات، رغم صعوبة إعطاء أرقام بسبب تنوع التيارات".

وأكدت أن "التيار الذي يسمى اليمين الجديد هو أحد أكبر التحديات الحالية"، متحدثة خصوصا عن "حركة الهوية النمساوية".

وكان قد أثار المشارك في تأسيس هذه الحركة المتشددة مارتن زيلنر ضجة في ألمانيا بحضوره اجتماعا نظمه يمينيون متشدّدون في بوتسدام قرب برلين، في نوفمبر/ تشرين 2023، ونوقش فيه مشروع لحملة طرد واسعة النطاق لأجانب أو من أصول أجنبية.

وطرح "زيلنر" مشروعا لإعادة نحو مليوني شخص إلى شمال إفريقيا، من طالبي لجوء وأجانب ومواطنين ألمان يعدهم غير مندمجين في المجتمع.

لذا ترى الحكومة النمساوية أن "اليمين الجديد"، "استغل الأزمات التي شهدتها السنوات الأخيرة مثل فيروس كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا والتضخم، لتعزيز بنيته ودعايته ضد المهاجرين والأجانب.

وقد خرج أكثر من 1.4 مليون شخص في عشرات المدن الألمانية خلال يناير 2024 ضد حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف وعقيدته الراديكالية ورفع هؤلاء  شعارات أبرزها "فليرحل النازيون"، معربين عن قلقهم من صعوده.

ورأت حينها وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر في تصريحات صحافية، أن ذلك الاجتماع يذكر بـ"مؤتمر فانزي الشنيع"، الذي خطط فيه النازيون سنة 1942 إبادة يهود أوروبا.

وتعد النمسا، بحكم تاريخها وموقعها على مفترق الطرق في أوروبا، بمثابة أرض اختبار للحركات السياسية.

وتسعى النمسا لصد التحول نحو اليمين المتطرف، ولا سيما أن أراضيها تعد موطن حزب الحرية (FPÖ) اليميني المتطرف.

وتأسس حزب الحرية في الخمسينيات من القرن العشرين، بقيادة النازيين، وأصبح أحد الأحزاب اليمينية الشعبوية الأولى والأكثر نجاحا في أوروبا، وقد خدم في الائتلاف الحاكم في النمسا مرتين.

 في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ومن 2017 إلى 2019.

وتراجعت شعبية حزب الحرية عام 2019 إثر بث مقطع فيديو صور بواسطة كاميرا مخفية في جزيرة إيبيزا الإسبانية يظهر فيها رئيسه السابق هاينز- كريستيان شتراخه وهو يعرض على امرأة تدعي بأنها مقربة من مستثمر روسي عقودا عامة في النمسا مقابل دعم حملة حزبه.

وحينها طرد حزب الحرية من الحكومة الائتلافية النمساوية بسبب فضيحة فساد كبرى، وعاقبه الناخبون في صناديق الاقتراع.

استغلال الفرص

راهنا يخشى في فيينا من استلام زعيم "حزب الحرية" النمساوي هربرت كيكل السلطة، وهو إيديولوجي يميني متشدد تعهد بوقف انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي والعقوبات التي فرضها الاتحاد على روسيا.

وهذا يعني إحداث شرخ جديد في المواقف الثابتة داخل الاتحاد الأوروبي تجاه كثير من القضايا الداخلية للاتحاد أو الخارجية.

إذ إنه في تجمع حاشد بالقرب من مدينة غراتس بجنوب النمسا في يناير 2024 دعا كيكل إلى "اتحاد أوطان الآباء"، وقال: "إنهم لا يستطيعون إيقافنا".

وهاجم كارل نيهامر، مستشار حزب الشعب النمساوي الحاكم حاليا، ووصفه بأنه "رجل ميت يمشي". 

كما تعهد "كيكل" "بالدفاع عن مصالح النمسا" جنبا إلى جنب مع حلفاء له مثل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، وهذا الأخير تروق أفكار لليمين المتطرف.

فمنذ وصول "أوربان" للسلطة منذ عام 2010 بنى جدارا حدوديا لمنع اللاجئين من العبور، وأدخل القيم المسيحية إلى دستور المجر.

كما تلاعب بقوانين الانتخابات بشكل كبير بما يخدم مصلحته، وملأ المحاكم والمنابر الإعلامية بحلفائه، وسيطر على مؤسسات الدولة.

وهذا ما عزز سلطته وقضى على أي معارضة لها دور في الشأن العام، كما منح أجزاء واسعة من اقتصاد البلاد لمقربين، حسب ما ذكرت صحيفة "إيكونوميست" في تقرير لها في أغسطس/ آب 2022.

وردا على صعود اليمين المتطرف خرجت تظاهرة تحت عنوان "الوقوف ضد الخطر اليميني" في مدينة فيينا في 26 يناير 2024، للتضامن مع جهود مكافحة التطرف والدفاع عن قيم الديمقراطية، حسب وكالة الأنباء النمساوية.

وحسب استطلاعات الرأي فإن حزب الحرية اليميني المتطرف سيحصل على 30 بالمئة في الانتخابات المقبلة مقابل 22 بالمئة لكل من الحزب الاشتراكي، وحزب الشعب المحافظ الحاكم حاليا بقيادة المستشار النمساوي كارل نيهامر.

"منع التجربة النازية"

اللافت أن كثيرا من الأحزاب في النمسا والشخصيات السياسية بمن فيهم رئيس النمسا "ألكسندر فان دير بيلين" وهو كذلك رئيس حزب الخضر، لن يضعوا يدهم بيد حزب الحرية الصاعد، وفق مراقبين.

وحول قدرة الحزب اليمني المتطرف على الوصول لمنصب المستشارية، يرى رفعت زيادة الباحث السياسي، أن "النمسا دفعت ثمنا كبيرا أمام الحركات الشعبوية، ولهذا فإن حزب الحرية سيواجه تحالفا عبر حكومة موسعة من ثلاثة أحزاب تمنع من استلامه للسلطة في البلاد".

وأضاف لموقع "النمسا ميديا":"حزب الحرية يلعب على جذب الطبقة الوسطى التي أثرت عليها حرب أوكرانيا وأدت لسحب الرفاهية منها وأدت لارتفاع تكاليف المعيشة بنسبة 50 بالمئة ما خلق حالة من النقمة ضد السياسات الحكومية فضلا عن معاداة المهاجرين والتحذير من أسلمة أوروبا".

ومضى زيادة يقول، وهو مقيم في النمسا، إن "الخوف النمساوي من التجربة النازية السابقة هو ما سيدفع الوعي المجتمعي لمنع صعود اليمين المتطرف مجددا للسلطة في الانتخابات القادمة".

ولفت إلى أن "اليمين المتطرف في النمسا ليس لديه برنامج سوى تهييج خوف الطبقة الوسطى من القادم وضرب النخب السياسية الأخرى، ولهذا تخشى فيينا من ضرب الأمن الاجتماعي عبر الأفكار الجديدة من اليمين المتطرف الداعية لطرد الأجانب واللاجئين وغيرها".

بدوره يقول بيتر هاجيك، أحد منظمي استطلاعات الرأي في فيينا، إن "حزب الحرية يتقدم دائما أو يصل إلى مجموعات أكبر من الناخبين عندما يكون هناك فراغ موضوعي وشخصي في الحزبين التقليديين، حزب الشعب الحاكم والديمقراطيين الاشتراكيين"، وفق وكالة أسوشيتد برس الأميركية.

ومع انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران 2024 والانتخابات الوطنية المتوقعة في الخريف، فإن صعود حزب اليمين المتطرف من الممكن أن يخلف تأثيرا كبيرا على سياسات القارة.

إذ إن فرنسا وبولندا والنمسا هي من بين الدول التسع التي من المتوقع أن تحتل فيها الأحزاب اليمينية المتطرفة المركز الأول.

ولهذا سوف يميل البرلمان الأوروبي بشكل حاد إلى اليمين بعد الانتخابات المزمعة، مع فوز الأحزاب الشعبوية المناهضة للاتحاد الأوروبي بمقاعد في جميع أنحاء القارة، وفقا لتقرير جديد صادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR).