المحامون بعد الصحفيين والمهندسين.. هل تخرج نقابات مصر من قبضة السيسي؟

14939 | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

فيما يبدو استمرارا لنهج خروج النقابات عن سيطرة النظام المصري عليها، والتي تصاعدت عقب انقلاب 2013، لحقت نقابة المحامين بنقابتي الصحفيين والمهندسين، وأسقطت المرشح الحكومي، وفاز معارضون بمقاعد في مجلس النقابة.

وأظهرت نتائج انتخابات نقابة المحامين المصريين، تجديد الثقة بالنقيب الحالي عبد الحليم علام، مرشح "جبهة الإصلاح"، بفارق آلاف الأصوات عن أقرب منافسيه، مرشح السلطة، سامح عاشور الذي حل في المركز الثاني.

وعادة ما يمثل الحراك داخل النقابات خاصة الصحفيين والمحامين، مؤشرا على المزاج العام والموقف من السلطة الحاكمة، لهذا رأى محامون ومحللون أن نتائج هذه الانتخابات "رسخت خروج النقابات من عباءة السلطة" بعد فترة سيطرة أمنية عليها منذ انقلاب 2013.

ويرى محللون أن نتائج انتخابات نقابة المحامين بعد الصحفيين والمهندسين والمتمثل في الإطاحة برموز موالية لنظام عبد الفتاح السيسي باتت ذات دلالة على محاولة النقابات في مصر الخروج من عباءة السلطة ومؤشرا على مزاج عام يسعى للتغيير ويرفض الحصار المفروض على النقابات منذ عام 2014.

هزيمة السلطة

"رجعت النقابة الحبيبة لأيدي أصحابها"، "حصانة المحامي أولا ثم أولا"، "انتهى زمن المال الحرام وأكل أموال الأيتام والأرامل"، "علام ينتصر على اللئام"، كانت هذه بعض تعليقات المحامين على منصات التواصل الاجتماعي تعبيرا عن نتائج انتخابات نقابتهم.

ويأتي ذلك بعدما أظهرت النتائج شبه النهائية فوز عبد الحليم علام بمقعد نقيب المحامين لدورة جديدة، بفارق أكثر من 7 آلاف صوت عن أقرب منافسيه، نقيب المحامين الأسبق سامح عاشور، مرشح السلطة، الذي حل في المركز الثاني.

وقبل انتهاء الفرز، أعلنت حملة علام فوزه بمقعد النقيب العام في انتخابات 2024، ليقود لنقابة دورة جديدة (2024-2028)، بفارق كبير.

مصادر متعددة بالنقابة أبلغت "الاستقلال" أنه كانت هناك محاولات من جانب عاشور لطلب مراجعة النتيجة، خاصة أن هزيمته عدت "هزيمة للنظام" بصفته مرشحه، ولكن تم رفض طلبه بعدما ظهر الفارق الكبير بينه وبين علام،

وأشارت إلى أن تأجيل القضاة إعلان النتيجة النهائية بلا مبرر بعد مرور يومين على الانتخابات التي أجريت في 23 مارس/ آذار 2024، أثار مخاوف من عمليات تزوير محتملة، خاصة أن بعض أنصار عاشور ومرشحيه في مجلس النقابة عادوا للحديث عن اكتساح رغم أن فرز الصناديق أظهر عكس ذلك.

المصادر أكدت أيضا فوز غالبية القائمة الانتخابية لنقيب المحامين علام، التي تضم 28 عضوا، رغم رصد محاولات لتأجيل إعلان النتائج، ما دعا البعض للتخوف من التلاعب في نتائج بعض صناديق الانتخابات.

وحدثت مشادات بين أنصار عاشور وأنصار علام أمام اللجان، عقب ظهور نتائج انتخابات النقابة التي أظهرت سقوط عاشور.

وأثار أنصار عاشور جدلا حول إجراء جولة إعادة بين المرشحين عاشور وعلام، لكن محامين نفوا ذلك مؤكدين أن الفارق الكبير وتفوق علام بأكثر من 7 آلاف صوت، ينفي ما يتردد عن جولة إعادة، وأن الأمر "بات محسوما".

ومع أن عدد اللجان الخاصة بصناديق الاقتراع على مستوى مصر 488 لجنة تابعة لـ37 نقابة فرعية، وعدد المحامين الناخبين المقيد أسماؤهم في الكشوف 322 ألفا و152 عضوا، كان الإقبال ضعيفا للغاية بسبب ظروف شهر رمضان.

وأكد وكيل نقابة المحامين، مجدي سخي، في تصريحات لقنوات محلية أن نسبة الحضور في انتخابات المحامين كانت ضعيفة جدا ولم تتجاوز، لأول مرة في تاريخ النقابة، 8 بالمئة، وقال محامون إن أحد الأسباب إجراؤها في شهر رمضان.

ونافس في انتخابات النقابة العامة للمحامين، 15 مرشحا على منصب النقيب، و253 مرشحا على مقاعد العضوية.

أخف ضررا 

"لا يعد النقيب الفائز علام معارضا بالمعنى المتعارف عليه للسلطة، فهو قريب منها، ولكنه معارض للفساد وداعية لإصلاح أحوال نقابة ومهنة المحاماة، وفق تصريحاته، وبعض مواقفه جاءت متعارضة مع السلطة من هذه الزاوية".

هكذا قال عضو سابق بمجلس نقابة المحامين لـ"الاستقلال"، موضحا أن الفارق بين علام وعاشور أن الأول يحاول الظهور مستقلا ويسعى ضمن جبهة الإصلاح لتحسين أحوال النقابة والمحامين.

بينما "الثاني" واقع في أحضان السلطة وقام بتحجيم دور النقابة بشكل كبير وتغاضى عن سجن محامين وإهانة المهنة.

وظهرت "جبهة الإصلاح" بنقابة المحامين بقوة في انتخابات 2020 للتخلص من النقيب السابق عاشور، الذي تتهمه بالفساد وتحويل النقابة لصوت النظام.

وكان شعارها هو "نسعى جاهدين للإصلاح ومكافحة الفساد بنقابة المحامين".

ورشحت في البداية علام بصفته مرشح "جبهة الإصلاح" على منصب النقيب في انتخابات المحامين، لكن بعد يومين قررت أن يكون مرشحها هو النقيب الراحل رجائي عطية، الذي فاز بالفعل على مرشح النظام عاشور عام 2020.

وعقب وفاة "عطية" عام 2022 أصبح علام هو مرشح الجبهة، وترشح لإكمال فترة النقيب الراحل، وحاول عاشور حينئذ الترشح لكن لجنة الترشيح رفضت بحكم أنه عضو في البرلمان (الغرفة الثانية)، والقانون يمنع ترشحه.

وأوضح محامون دعموا علام لـ"الاستقلال" أنهم اختاروه نكاية في عاشور الذي يتهمونه بالفساد وإجهاض دور النقابة وعدم الدفاع عن المحامين الذين أصبح سجنهم واعتقالهم أمرا عاديا في عهده.

وأكد المحامي بالنقض ورئيس اتحاد "محامون بلا قيود"، أسامة صدقي، أن "كثيرا من المحامين يرون أن علام أفضل وأهون وأخف ضررا من عاشور، بحكم أن الاثنين من عباءة واحدة"، وفق تعبيره.

وقال صدقي لـ"الاستقلال" إن "علام وعد بالإصلاح وبالحفاظ على استقلال النقابة والعمل على الإفراج عن المحامين من سجناء الرأي مع النظر في مسائل المعاش والعلاج في الفترة المقبلة، لهذا اختاره المحامون".

دور الزيات

وكانت التوقعات تشير إلى أن المحامي الإسلامي منتصر الزيات قد يشارك في انتخابات النقابة هذا العام 2024 مرشحا لمقعد النقيب، لكنه عزف عن المشاركة، وصدر حكم قضائي يمنعه أيضا، مثلما تم منعه من الترشح في انتخابات 2022.

الزيات، المرشح السابق لمنصب نقيب المحامين وعضو مجلس النقابة الأسبق، كان قد أوضح لـ "الاستقلال" قبل الانتخابات أنه لا يعتزم خوض هذه الانتخابات ولكنه سيدعم مرشحين "مستقلين" سعيا لاستقلال وحرية النقابة والمحامي.

وأكد أنه سيدعم أعضاء في مجلس النقابة لأنه يرغب في رؤية مجلس نقابة "متحرر من الولاءات لأي جهة"، ويعملون من أجل نهضة وحماية مهنة المحاماة وكرامة المحامين، مشيرا إلى دعمه "وجوها جديدة".

ومع أن الزيات لم يشارك هذه المرة في الانتخابات، ربما لنفس أسباب منعه في انتخابات 2022، فقد قام بحراك واسع لدعم مرشحين لعضوية مجلس نقابة المحامين بعدما شكل "قائمة تحالف المستقلين"، أشارت النتائج الأولية لفوز بعضهم.

وضمت "قائمة تحالف المستقلين" 12 من المرشحين على مقاعد العضوية عن محاكم الاستئناف المختلفة، ممن لهم خبرة نقابية ووجود بين أعضاء الجمعية العمومية ومشهود لهم بالنزاهة والكفاءة. 

ويتكون مجلس نقابة المحامين من 28 عضوا منهم 25 يمثلون المحامين و3 يمثلون محامي الإدارات القانونية بالشركات، وتستمر فترة ولاية المجلس 4 سنوات، مع عدم جواز شغل منصب النقيب لأكثر من دورتين متتاليتين. 

وفي 27 فبراير/شباط 2024 رفضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة قبول دعوى من الزيات ضد وزارة الداخلية، لوقف تنفيذ القرار السلبي بعدم تسليمه ما يفيد حسن سيره وسلوكه أثناء فترة الحبس الاحتياطي، حتى يسمح له بالترشح في الانتخابات، وممارسة عمله العام.

وضمن هذا الحراك أقام الزيات إفطارا للعديد من المحامين في إطار حشد الدعم للنقيب علام ضد عاشور، ولدعم مرشحين بعضهم قريب من التيار الإسلامي.

وقال إنه سيقدم مرشحين يخوضون انتخابات مجلس نقابة المحامين القادمة "على مبادئ اتحادنا كرامة، تحرر من الشللية والولاء للأشخاص، التزام بالولاء للمحاماة".

وشدد الزيات على أن هدفه هو "إفراز مجلس نقابة للمحامين قوي ومتناسق يعمل على استعادة اعتبار مهنة المحاماة وكرامة المحامين وهيبة النقابة". 

وفي انتخابات أغسطس/آب 2022 تم استبعاد الزيات وعاشور من قوائم الكشوف النهائية لانتخابات مجلس نقابة المحامين، لينتهي الأمر بفوز علام، مرشح جبهة الإصلاح، نقيبا للمحامين، متفوقا على 17 مرشحا آخرين.

وقال الزيات لـموقع "الجزيرة مباشر" في 28 أغسطس 2022 إن الحكم الصادر باستبعاده من انتخابات نقابة المحامين "معيب وركيك"، مؤكدا أن هناك من يروج بأن "السلطات لا تريده نقيبا للمحامين".

وحذر الزيات من محاولات سحق التيار الإسلامي مطالبا بإيجاد نقاط للتفاهم ومساحات للثقة مع الجميع داخل الدولة المصرية.

وأشار إلى أن هناك موقفا ضد "الإسلاميين" داخل الدولة المصرية مؤكدا أنهم فصيل وطني يجب عدم سحقه.

وطالب الزيات النظام بفتح أبواب الحرية ودعم حرية التعبير، وكذا سرعة الإفراج عن المعتقلين السياسيين.

وجاء في حيثيات استبعاد الزيات أنه صدر بحقه حكم في جنحة صحفية عام 2019 بغرامة 30 ألف جنيه (نحو 630 دولارا)، ورد الزيات بأن تلك الجنحة غير مخلة بالشرف، ولا تمنعه من الترشح لمقعد النقيب، على حد قوله.

فيما جاء في حيثيات استبعاد عاشور عام 2022 أنه كان يتعين عليه تقديم استقالته من عضوية "مجلس الشيوخ" قبل فض دور الانعقاد حتى يُمَكن المجلس من البت في الاستقالة.

وكانت الانتخابات قبل السابقة التي أجريت في مارس/آذار 2020 على منصب نقيب المحامين تمت الإطاحة فيها بعاشور وفاز رجائي عطية الذي توفي عام 2022، ما فتح الباب مجددا لعاشور للترشح.

وتوقع عاشور فوزه أمام الزيات لكن السلطات رأت إبعادهما معا عبر حكم قضائي لمنع تسخين الانتخابات، خاصة أن فرص الزيات كانت أوفر وفق استطلاعات رأي المحامين.

وقبل ذلك في انتخابات 2015 فاز عاشور بمنصب نقيب المحامين بفارق 10 آلاف صوت عن منافسه الزيات، حيث حصل على 22 ألفا و987 صوتا، مقابل 17 ألفا و120 للزيات، وعزا محامون ذلك لسجن آلاف المحامين الإسلاميين وتزوير الانتخابات.

ورغم أن انتخابات النقابات المهنية تتسم بالنزاهة ويصعب تدخل السلطة لتزويرها، فقد كشف النقيب الراحل رجائي عطية، أثناء استضافته على قناة "صدى البلد" المحلية عام 2020 تزوير مواجهتين سابقتين له أمام عاشور في الانتخابات.

وأكد أنه التقى عام 2005 برئيس المخابرات العامة حينها، اللواء الراحل عمر سليمان، الذي اعترف له: "لا أخفي عليك أننا زورنا الانتخابات ضدك!".

الدور السياسي

واشتهرت نقابة المحامين في مصر، بجانب الصحفيين، في لعبها دورا سياسيا على مدار تاريخها، عبر نقباء وأعضاء مجالس عرفهم المصريون بمواقفهم المعارضة للسلطة والمطالبة بالحريات.

وانتعش هذا الدور بقوة حين كان المنتسبون لجماعة الإخوان المسلمين يلعبون أدورا مهمة في النقابات ولهم نسبة مقاعد معقولة بمجلس النقابة.

لكن منذ انقلاب 2013 وغياب الإسلاميين قسريا بسبب السجن والقمع، دخلت نقابة المحامين، مثل غيرها من النقابات، في قفص حكومي حديدي وقادها موالون للسلطة.

وأوضح الباحث أحمد فارس عبد المنعم، في دراسة بعنوان "الدور السياسي لنقابة المحامين المصرية"، أن نقابة المحامين منذ تأسيسها عام 1912 حرصت على ممارسة دور سياسي واضح، ما دفع وزارة العدل في الماضي لطلب عرض مشروعات القوانين عليها لإبداء رأيها فيها.

وأشار إلى دفاع النقابة عن الديمقراطية، حيث وقفت ضد حل مجلس النواب عام 1925، وحل البرلمان عام 1928، وإلغاء دستور 1923 عام 1930، وضد إعلان الأحكام العرفية عام 1949.

ولكن بعد حكم العسكر عقب 1952، جرى لجم دور النقابة حيث أقدمت السلطة على حل مجلس النقابة عام 1954 وتعطيل العمل بقانونها، واستمر تقييدها خلال العهود اللاحقة من حكم قادة الجيش حتى عبد الفتاح السيسي.

وحول الأسباب التي أدت لتراجع العمل السياسي لنقابة المحامين، قال المحامي والناشط السياسي، أسعد هيكل، لموقع "الجزيرة" في 7 سبتمبر/أيلول 2022 إنه حين وقعت حركة الضباط في 1952 وانفرد العسكريون بالحكم، نشأت حرب ممنهجة ضد نقابة المحامين.

وأوضح أن السبب "حتى لا يكون هناك صوت يخالف السلطة، ومن هنا ظهرت حملات إعلامية وأفلام هزلية ومسلسلات ومسرحيات موجهة ضد مهنة المحاماة".

وقال هيكل إن كل هذه الإجراءات أدت في النهاية إلى تحجيم دور النقابة الوطني، ثم كان الصراع على السيطرة عليها -وخاصة على منصب النقيب- بداية من التسعينيات وحتى الآن، ما بين مرشح السلطة ومرشح الإخوان المسلمين أو المعارضة.