اليونان ترى كل خطوة للتقارب بين تركيا ومصر "كأنها موجهة ضدها".. لماذا؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

خلال زيارته إسطنبول في 20 أبريل/ نيسان 2024، قال وزير خارجية النظام المصري سامح شكري، إن بلاده تعمل على توثيق التعاون مع تركيا من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، مؤكدا أن عبد الفتاح السيسي سيزور أنقرة قريبا.

وتعليقا على تنامي العلاقات بين الجانبين، نشرت صحيفة إندبندنت البريطانية في نسختها التركية مقالا للكاتبة "جولرو جازار" حللت فيه المصالح التركية المصرية التي تتابعها عن قرب الجارة اليونان.

حدث مهم

وقالت الكاتبة التركية إن زيارة شكري كانت حدثا مهما، وتابعت الصحافة اليونانية مباحثاته في إسطنبول عن كثب. وتناولت بعض الصحف الزيارة في صفحاتها الأولى تحت عنوان "المنافسة الجيوستراتيجية".

وأضافت أن اليونان تفسر تقريبا كل خطوة تقوم بها تركيا في السياسة الخارجية على أنها موجهة ضدها، بل وتظهر ميلا لاتخاذ تدابير مضادة، والتاريخ الحديث مليء بالأمثلة على ذلك.

في هذا السياق، تراقب اليونان بقلق تطوير تركيا لعلاقاتها الثنائية والمتعددة الأطراف بعد تجاوز فترة مضطربة مع مصر.

فعلى سبيل المثال، خلال الفترة التي لم يكن فيها حوار بين أنقرة والقاهرة، قادت اليونان تشكيل منصات مشتركة مع دول المنطقة الأخرى في مختلف المجالات من الطاقة إلى التعاون العسكري، خاصة في شرق البحر المتوسط، مما أدى إلى استبعاد تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية.

ومن المفهوم أن اليونان تريد الحفاظ على ميزتها، فكل بلد يسعى إلى حماية مصالحه الخاصة وضمان أمنه.

ومع ذلك، فإن المشاركة في آليات التعاون بدلا من التنافس مع تركيا يمكن أن يسهم في الاستقرار والسلام في المنطقة.

حلقة التطبيع الأخيرة

ولفتت الكاتبة التركية إلى أن مصر كانت الحلقة الأخيرة وربما الأكثر أهمية في سياسة تركيا لتحسين علاقاتها مع الدول التي كانت تعاني من مشاكل في العلاقات معها.

لكن عند المقارنة مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فإن عملية عودة العلاقات مع مصر إلى طبيعتها لم تكتمل بعد.

حيث طلبت مصر من تركيا بعض الطلبات لبدء تطبيع العلاقات. ومن بين هذه الطلبات تسليم 15 عضوا من جماعة الإخوان المسلمين المطلوبين لـ"ارتباطهم بهجمات في مصر".

ومع ذلك، اتخذت تركيا بعض الخطوات لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح.

إذ عينت أنقرة سفيرا كبيرا قائما بالأعمال في مصر، ما يعكس الأهمية التي توليها للعلاقات مع القاهرة.

وكانت نقطة التحول في العلاقات هو اللقاء الذي استمر 45 دقيقة بين الرئيس أردوغان ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي خلال حفل افتتاح كأس العالم   2022 في قطر.

وبعد ذلك، كانت هناك اتصالات على مستوى وزراء الخارجية وتم تعيين سفراء متبادلين.

وزار الرئيس أردوغان القاهرة في 14 فبراير/ شباط 2024 بعد أكثر من 10 سنوات من الانقطاع، مما شكل خطوة مهمة نحو التطبيع.

وفي اجتماعه مع السيسي تم الاتفاق على إعادة تنشيط مختلف الآليات بين البلدين. وفي هذا الاتجاه، تم توقيع بيان مشترك لتفعيل مجلس التعاون الإستراتيجي عالي المستوى.

كما أعرب الطرفان عن رغبتهما في زيادة التعاون في موضوعات ثنائية مثل الطاقة والسياحة والتجارة، بالإضافة إلى التشاور بشأن قضايا إقليمية مثل ليبيا والسودان.

زيارة السيسي

وأشارت الكاتبة التركية إلى أن زيارة شكري الأخيرة شملت مباحثات بشأن التطورات في غزة، لكنها كانت في الأساس تحضيرا لزيارة السيسي المرتقبة.

لذلك، ناقش الوزيران شكري وفيدان التحضيرات المتعلقة بالاجتماع المتوقع لمجلس التعاون الإستراتيجي عالي المستوى خلال الزيارة.

وبالإضافة إلى ذلك تمّت مناقشة الخطوات التي ستُتّخذ لتحقيق هدف حجم التجارة البالغ 15 مليار دولار والذي تم تحديده خلال زيارة الرئيس أردوغان إلى القاهرة.

في هذا الإطار، كان توسيع نطاق اتفاقية التجارة الحرة وإعادة تشغيل خدمات النقل البحري بين موانئ البلدين من القضايا البارزة.

فقد أكد فيدان في مؤتمر صحفي مشترك مع شكري على تعزيز العلاقات في مجال الصناعات الدفاعية، وأشار إلى إمكانية التعاون الواسع في مجال الطاقة بما في ذلك الطاقة النووية.

وقد تم أيضا مناقشة التطورات في ليبيا والسودان والصومال وإثيوبيا واليمن في سياق الموضوعات الإقليمية، واتفق الطرفان على زيادة التعاون في القضايا الإقليمية.

وكانت ثمة إشارة مهمة من شكري إلى أن المحادثات جرت في جو ودي، وأن التعاون بين البلدين مهم وسيسهم في السلام والاستقرار في المنطقة، مما يبرز أن مصر تؤكد على أن التحرك في المنطقة بدون تركيا لن يكون في مصلحة أي طرف.

الوضع شرق المتوسط

وفي هذه النقطة، شددت الكاتبة التركية على أنه من المهم تطوير الحوار مع مصر، ليس فقط على مستوى القضايا الثنائية، ولكن أيضا في القضايا الإقليمية وخاصة ليبيا.

فالاستثمارات التركية مهمة لمصر التي تعاني من مشاكل اقتصادية. وتُعَدّ تركيا ممرا رئيسا للغاز الطبيعي المسال المصري للوصول إلى أسواق أوسع.

كما تعد مصر لاعبا رئيسا في العالم العربي والقارة الإفريقية، وهي بوابة لتركيا إلى إفريقيا.

لكن هناك قضايا أخرى تنتظر الحل بين الطرفين ودولاً ترغب في عرقلة تطور العلاقات.

وأشارت الكاتبة إلى أن تقاسم الموارد الطبيعية في شرق البحر المتوسط بشكل عادل هو واحد من المشاكل الرئيسة.

بالإضافة إلى ذلك، لا تعترف تركيا باتفاقية تحديد المناطق البحرية الموقعة بين مصر واليونان، وتدعي مصر أن الاتفاقية الموقعة بين تركيا وليبيا غير صالحة من الناحية القانونية الدولية.

وعلى الرغم من أن مستقبل منتدى غاز شرق البحر المتوسط، الذي تأسس في عام 2019 بدون تركيا ويضم مصر وإسرائيل واليونان وإيطاليا والأردن وفلسطين، غير واضح بسبب العدوان على غزة، إلا أن تركيا تحتاج إلى تلبية شروط إعلان القاهرة للانضمام إلى المنتدى في المستقبل.

وفي هذه الحالة، تظهر عقبات مثل تحديد الحدود البحرية مع دول شرق البحر المتوسط وعدم اعتراف تركيا بالإدارة القبرصية اليونانية.

فيما يدافع المسؤولون المصريون عن أن العلاقات المتطورة مع تركيا لن تؤثر على الحوار الذي تم إنشاؤه مع اليونان وقبرص، ويدعون أن مصر تتبع سياسة توازن في المنطقة. 

لكن في الواقع تبدو مصر أقرب إلى اليونان، تستدرك الكاتبة.

وأضافت أن العنصر الرئيس هنا هو رغبة اليونان في التحرك في المنطقة بشكل مستقل عن تركيا ومحاولة فرض مسألة قبرص كشرط مسبق في العديد من القضايا. 

وإذا لم تكن تركيا تستهدف مصر ولا تشكل تهديدا مباشرا لأمنها، فمن المفترض ألا تكون هناك اعتراضات طبيعية من مصر على التعاون مع دول ثالثة.

وختمت الكاتبة بالقول إن مصر دولة قادرة على تحليل ديناميكيات المنطقة بشكل جيد، وتدرك أن تركيا لديها نفوذ من آسيا الوسطى إلى البلقان. ومع ذلك، تعد مصر أيضا تركيا منافسا لها منذ القدم.

وشددت على أن مصر ليست مضطرة للاختيار بين تركيا واليونان لتحقيق السلام الدائم في شرق المتوسط. في هذه النقطة، يكفي أن لا تقدّم مصر فرصة لاتخاذ خطوات قد تعرقل تطور العلاقات بين أنقرة والقاهرة.