السنغال استثناء.. لماذا تفشل "إيكواس" في منع الانقلابات بإفريقيا؟
“إيكواس أثبتت أنها غير قادرة على الوقوف فعليا في وجه أي من هذه الأنظمة العسكرية”
بينما كان الرئيس السنغالي السابق، ماكي سال، يحاول بدهاء تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى في فبراير/شباط 2024، اتجهت أنظار الجميع نحو "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا" (إيكواس)؛ لمعرفة ما إذا كانت سترد على هذا الانتهاك الواضح للقواعد الديمقراطية.
لكن ليس غريبا أن أتى رد "إيكواس" ضعيفا في نظر العديد من المراقبين، الذين اعتادوا منها على هذا السلوك في مواجهة الانتكاسات التي تتعرض لها الديمقراطية في إقليمها.
فلم تتعهد "إيكواس" بفرض عقوبات أو قيود على الرئيس سال، بل ببساطة شجعت على الإعلان عن موعد جديد للانتخابات.
ومع ذلك، منعت المحكمة الدستورية في السنغال سال من تأجيل الانتخابات، وقضت بحتمية أن تُجرى الانتخابات قبل نهاية ولايته في 2 أبريل/نيسان 2024.
وفي مقال لها نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، وصفت الباحثة المهتمة بالشؤون الإفريقية، جيسيكا مودي، المحكمة الدستورية السنغالية بأنها "أظهرت قوة أكبر مما أظهرته إيكواس".
وفي الانتخابات، خرج مرشح المعارضة، باسيرو ديوماي فاي، الذي أطلق سراحه من السجن قبل أيام معدودة، منتصرا من الجولة الأولى.
وبذلك ترك "سال" منصبه والعار يلاحقه، فهو لم يفشل فحسب في تسهيل فوز خليفته الذي اختاره لخوض الانتخابات، بل أيضا سيظل في الذاكرة الشعبية بصفته رئيسا هدد بتقويض الديمقراطية السنغالية.
وترى مودي أن "تهديد سال للديمقراطية هو ما سيتذكره الشعب عن عهده، أكثر من أي من مشاريع البنية التحتية الضخمة وخطط التنمية التي أشرف عليها خلال الأعوام الـ12 التي قضاها في منصبه".
دفعة إيجابية
وتعتقد أنه "في حين أن سال هو الخاسر الواضح، فإن فوز الديمقراطية في السنغال قد يمثل دَفعة إيجابية لإيكواس، التي تتزايد إخفاقاتها باضطراد".
وأضافت أن "الدفاع عن الديمقراطية في السنغال يمكن أن يسهل تمسك دول أخرى في غرب إفريقيا بهذه المعايير".
وهذا بدوره "سينعش الآمال في إمكانية الحفاظ على الديمقراطية واستمرار أهميتها في جميع أنحاء المنطقة التي تشهد انقلابات ومحاولات انقلاب متعددة منذ مطلع عام 2020".
وأردفت مودي أنه "رغم أن حالة السنغال لا تثبت فعالية إيكواس، إلا أنها على الأقل تؤكد مجددا أن هناك بلدانا في غرب إفريقيا تتفق مع المعايير الأساسية التي تدعي إيكواس الدفاع عنها، بما في ذلك قدسية الديمقراطية".
وترى الكاتبة أن "فشل إيكواس في بذل المزيد من الجهود قد يرجع جزئيا إلى نهجها المرتبك في التعامل مع الديمقراطية".
وترتكز المجموعة على "بروتوكول الديمقراطية والحكم الرشيد"، الذي تبنته عام 2001، والذي يتضمن آلية للرد على تغيير السلطة بشكل غير ديمقراطي، ويتطلب حكما ديمقراطيا لدى الدول الأعضاء، وعقد انتخابات دورية، وحياد القضاء وقوات الأمن".
"ومع ذلك، بمجرد إجراء القادة للانتخابات وتمكنهم من إثبات أنهم اختيروا كرؤساء عبر صناديق الاقتراع -مهما كانت العملية الانتخابية معيبة- فإن الشروط الصارمة للبروتوكول غالبا ما تُنحى جانبا"، بحسب الكاتبة.
وأضافت أنه "على هذا النحو، فإن الزعيم الذي يعدل الدستور أو يجبر السلطة القضائية على البقاء في منصبه، أو حتى الشخص الذي يستولي على السلطة بالقوة، قد يعامل لاحقا كزعيم مفوض ديمقراطيا إذا فاز في انتخابات".
ونوهت إلى أنه "من الجدير بالملاحظة التحول السريع الذي اتبعته المجموعة في نهجها تجاه القادة الذين ينتهكون المعايير الديمقراطية بمجرد إجرائهم لأي انتخابات".
فقد انتُخب رئيس توغو، فور غناسينغبي، رئيسا لـ"إيكواس" عام 2017، رغم أن ترأسه لبلاده جاء بعد شبه انقلاب عام 2005، مما أثار أعمال شغب واسعة النطاق وأدى إلى مقتل ما يقرب من ألف شخص.
وفي تلك الفترة، فرضت "إيكواس" عقوبات على توغو، لكنها بعد أقل من عام، أعلنت أن الانتخابات، التي سمحت لغناسينغبي بالاحتفاظ بسلطته، كانت حرة ونزيهة.
مهمة صعبة
هذا التقاعس في مواجهة الانقلابات -وفق مودي- يتناقض تماما مع الإدانات الفورية وشديدة اللهجة التي أصدرتها"إيكواس" ضد الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا خلال السنوات الأخيرة.
فبعد الانقلابات في بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وغينيا، فرضت "إيكواس" عقوبات، ودعت إلى تقديم جداول زمنية للانتخابات، لدرجة أنه في حالة النيجر، فكرت المجموعة في التدخل العسكري المباشر.
"وفي حين أن هذه الإجراءات لم تكن فعالة إلى حد كبير، إلا أن إيكواس بدت، على الأقل، مهتمة بفعل شيء لمواجهة مثل هذه الانقلابات"، بحسب الكاتبة.
واستدركت: "لكن مهمة إيكواس في التعامل مع الانقلابات العسكرية أصبحت أكثر صعوبة؛ بسبب تقاعسها المؤسف عن مواجهة الانقلابات الدستورية، التي سادت المنطقة في العقود السابقة".
وأكدت مودي أن "هذا الجمود كان له تأثير هائل على المدنيين في غرب إفريقيا".
وأوضح أنه "في خضم عقود من الانتخابات المعيبة التي لم تسفر إلا عن إراقة الدماء والحكم شبه السلطوي، تضاءلت الثقة في أن الديمقراطية ستمكن السكان من التغيير، الأمر الذي أدى إلى خلق انجذاب نحو الحكم العسكري".
وتُظهر بيانات مقياس "الأفروباروميتر" من 36 دولة شملها الاستطلاع في عامي 2021 و2022 أنه على الرغم من أن ثلثي الأفارقة يفضلون الديمقراطية على أي شكل آخر من أشكال الحكم، إلا أن 38 بالمئة فقط من المشاركين كانوا راضين عن الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية في بلادهم.
وقالت مودي: "من المؤكد أن إيكواس فرضت عقوبات وعارضت ضد الانقلابات العسكرية علنا، لكنها أثبتت -وهكذا يرى قادة الانقلابات- أنها غير قادرة على الوقوف فعليا في وجه أي من هذه الأنظمة العسكرية".
وتابعت أن "الجهود المبذولة لإقناع الطغمات العسكرية الحاكمة في مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا، والنيجر بالالتزام بجدول زمني انتقالي وإجراء الانتخابات كانت جهودا غير فعالة في أحسن الأحوال، وكثيرا ما كانت محرجة للغاية".
وأردفت: "لقد وافق قادة الانقلابات بشكل دوري على مواعيد الانتخابات، لكنهم تراجعوا بسرعة وقدموا أعذارا بالية".
"وأخيرا مدد المجلس العسكري في بوركينا فاسو الحكم العسكري لمدة خمس سنوات أخرى على الأقل، في حين أفادت التقارير بأن مالي تناقش أيضا مثل هذه الخطوة".
"هذا على الرغم من رفع "إيكواس" للعقوبات في وقت سابق من هذا العام 2024، في محاولة غير موفقة ويائسة لإقناع القادة العسكريين في البلاد بالعودة إلى الحظيرة الديمقراطية".
"وفي أغسطس/آب 2023، وفي محاولة أخيرة لإنقاذ نفسها، أعلنت الكتلة عن خطط لشن غزو النيجر لدعم الديمقراطية هناك بعد الإطاحة بالرئيس محمد بازوم".
"لكن الخطة لم تسفر في النهاية عن شيء، حيث ألقت مالي وبوركينا فاسو بثقلهما خلف قادة الانقلاب في النيجر، وبدا أن خيار التدخل العسكري لم ينل دعما كبيرا في الإقليم أو في النيجر نفسها"، وفق الكاتبة.
"ولتزيد الطين بلة، أعلنت مالي وبوركينا فاسو والنيجر في أوائل عام 2024 أنها ستنسحب من المجموعة بالكامل، وتؤسس بدلا من ذلك تحالف دول الساحل"، بحسب مودي.
وترجح مودي أن "بحلول ذلك الوقت، فإن هذه الكتلة الإقليمية ستكون قد وصلت إلى نهاية الطريق".
لكنها ترى أن انتخاب فاي في السنغال قد يكون بمثابة شريان الحياة لـ"إيكواس"، إذ من المرجح أن يؤدي وصوله إلى السلطة وتعزيز الدورة الديمقراطية في البلاد إلى تعزيز المعايير الديمقراطية في المنطقة مرة أخرى.
وهذا، بحسب مودي، قد يسهّل مهمة "إيكواس" بعض الشيء.