الانتخابات المحلية نموذجا.. هكذا عاقب شيعة العراق حلفاء إيران على فسادهم

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مع انقضاء انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) في العراق، أظهر حجم المشاركة فيها تراجعا واضحا للناخبين في المحافظات والمدن ذات الغالبية الشيعية، بعد 20 عاما على تجربة الحكم الديني الشيعي الذي تولى السلطة عقب الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.

وجرت في 18 ديسمبر/ كانون الثاني 2023، الانتخابات المحلية في العراق، التي تشكل أهمية بالغة كونها تمتلك صلاحيات واسعة، فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، ولديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة النطاق.

وتتولى مجالس المحافظات المنتخبة- التي تعد بمثابة برلمانات مصغرة- مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ويملك هؤلاء صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع وفقا للموازنة المالية المُخصصة للمحافظة من الحكومة الاتحادية في العاصمة بغداد.

تراجع ملحوظ

بلغت نسبة المشاركة بانتخابات يوم 18 ديسمبر، في عموم البلاد ما عدا محافظات إقليم كردستان (أربيل، دهوك، سليمانية)، 41 بالمئة من أعداد الناخبين الكلي، وتصدرت المحافظات ذات الغالبية السنية في المراتب الأولى الأربعة، وفق البيانات الصادرة عن المفوضية العليا للانتخابات في العراق.

وجاءت النتائج بالنسبة للمحافظات ذات الغالبية السنية، والتي تصدرت عموم نسب المشاركة في البلاد، بالشكل الآتي: "كركوك 65 بالمئة، صلاح الدين 59 بالمئة، الأنبار 57 بالمئة، نينوى 53 بالمئة، ثم تليهم ديالى بنسبة 43 بالمئة".

وعلى صعيد المحافظات ذات الغالبية الشيعية، جاءت بالنسب الآتية: "المثنى 45 بالمئة، البصرة 43 بالمئة، كربلاء وبابل 40 بالمئة لكل منهما، القادسية 38 بالمئة، واسط 37 بالمئة، النجف 32 بالمئة، ذي قار 31 بالمئة، وأخيرا ميسان 29 بالمئة".

وبخصوص العاصمة بغداد، فقد كانت مشاركة جانب الكرخ الذي يشكل غالبية سنية نسبته 32 بالمئة، بينما اقتصرت نسبة جانب الرصافة ذات الغالبية الشيعية على 21 بالمئة من أعداد الناخبين.

وتراجعت نسبة المشاركة بشكل عام عما كانت عليه في آخر انتخابات مماثلة جرت قبل أكثر من 10 أعوام، وتحديدا في أبريل/ نيسان 2013، والتي بلغت 50 بالمئة، وأقيمت في 12 محافظة وتأجلت في محافظات نينوى والأنبار وكركوك، بسبب الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية فيها ضد "النهج الطائفي" لرئيس الوزراء في حينها نوري المالكي.

وكانت نسبة المشاركة في بغداد الرصافة 33 بالمئة وفي الكرخ 33 بالمئة، فيما كانت المحافظات السنية بالشكل الآتي: صلاح الدين 61 بالمئة، ديالى 51 بالمئة، ولم يحدث في الأنبار ونينوى وكركوك أي انتخابات.

أما المحافظات الشيعية، فقد حققت "بابل 45 بالمئة، كربلاء 54 بالمئة، واسط 52 بالمئة، النجف 53 بالمئة، المثنى 59 بالمئة، القادسية 58 بالمئة وذي قار 50 بالمئة، ميسان 44 بالمئة، والبصرة 42بالمئة".

مقاطعة واسعة

بشكل مغاير عن مثيلاتها، شهدت الانتخابات المحلية الحالية، مقاطعة العديد من التيارات والأحزاب والحركات بمختلف توجهاتها السياسية والإيديولوجية، لكنها في غالبيتها من القوى الشيعية في مناطق وسط وجنوب العراق.

على رأس القوى التي غابت عن المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، هو التيار الصدري بقيادة رجل الدين، مقتدى الصدر، والذي أمر كتلته البرلمانية للاستقالة من البرلمان في يونيو/ حزيران 2021، وإعلانه بعد شهرين من ذلك اعتزال العمل السياسي "نهائيا".

وفي 13 نوفمبر، دعا الصدر أنصاره عبر منصة "إكس" إلى مقاطعة الانتخابات المحلية في البلاد، لافتا إلى أن هذا الخيار "سيقلل من شرعيتها خارجيا وداخليا"، وذلك ردا على سؤال أحد أنصاره في شأن الاشتراك في الانتخابات.

وقال الصدر: "مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيرا ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا ويقلل شرعية الانتخابات دوليا وداخليا ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب حماه الله تعالى من كل سوء ومن كل فاسد وظالم".

وكذلك من الكيانات البارزة التي أعلنت المقاطعة، حركة "امتداد" التي تعد نفسها ممثلة للاحتجاجات الشعبية في 2019، عازية عدم مشاركتها في انتخابات مجالس المحافظات بموعدها الحالي إلى تأخرها في انعقاد مؤتمرها العام الأول لانتخاب قيادة جديدة.

وفي خطوة مماثلة، أعلن ائتلاف "الوطنية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، عدم المشاركة، وذلك لما عده "تضامنا مع مطالب الشعب"، واصفا تلك المجالس بأنها "حلقة زائدة وباب من أبواب الفساد".

وقال الائتلاف عبر بيانه في 20 أغسطس، إن "في مقدمة المطالب التي تحققت للمظاهرات الشعبية عام 2019 هي إلغاء مجالس المحافظات وسد باب من أبواب الفساد والمناورات المشبوهة، وتحقق هذا المطلب بدماء الشهداء والجرحى".

وشهدت الاحتجاجات الشعبية مقتل نحو 800 شخص، وإصابة قرابة 30 ألفا آخرين على يد قوات الأمن والمليشيات الموالية لإيران، والتي دفعت في حينها الحكومة التي كان يرأسها عادل عبد المهدي، إلى تقديم استقالتها للبرلمان.

وأكد ائتلاف علاوي، أن "هذه المجالس هي حلقة زائدة في تركيبة الدولة، وباب من أبواب الاستحواذ على مقدرات الشعب"، لافتا إلى أن "حالة الفساد والنفوذ الأجنبي مخيمة على أجواء الانتخابات، إضافة إلى المال السياسي الذي يعد لاعبا كبيرا وأساسيا في العملية الانتخابية والديمقراطية الزائفة".

وفي 28 مارس، أعلن رئيس حركة "وعي" صلاح العرباوي، مقاطعة الحركة انتخابات مجالس المحافظات، داعيا العديد من الحركات المعارضة للواقع السياسي الحالي إلى مقاطعتها أيضا بشكل حقيقي وليس صوريا.

انفضاض الحاضنة

وبخصوص تزايد المقاطعين في المناطق ذات الغالبية الشيعية، رأى الباحث في الشأن العراقي، علي المساري أن "عزوف المجتمع الشيعي له العديد من الأسباب، وفي مقدمتها فشل حكم الأحزاب والحركات الطائفية التي جاءت مع الاحتلال الأميركي، والتي كانت ترفع شعار الحكم للشيعة".

وأوضح الباحث لـ"الاستقلال" أن "الأحزاب هذه والتي غالبيتها نشأت وترعرعت في إيران، كانت تحظى بدعم المرجعية الشيعية في النجف، حتى وصل الأمر إلى إصدار المرجع علي السيستاني، فتوى توجب انتخاب الائتلاف العراقي الموحد الذي يضم الأحزاب الشيعية كلها".

ويضم الائتلاف العراقي الموحد الذي شارك في انتخابات عام 2005، 17 كيانا وحركة شيعية، ومن أبرزها: "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبد العزيز الحكيم، حزب الدعوة بقيادة إبراهيم الجعفري، التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، ومنظمة بدر برئاسة هادي العامري".

ولفت المساري إلى أن "رفع المرجعية الشيعية يدها عن هذه الأحزاب أضر بشعبيتها إضافة إلى أن صوت المرجعية لم يعد مؤثرا كما كان عليه في عام 2005، كونها لم تحابي العديد من الفاسدين من هذه الأحزاب، ولم تطلب صراحة بمحاكمتهم وإعادة الأموال التي نهبوها".

وأشار إلى أن "من الأسباب الأخرى التي أدت إلى تراجع المشاركة الشعبية الشيعية في الانتخابات، هو الفساد المالي والإداري الكبير الذي تميزت به هذه الطبقة السياسية الحاكمة للبلد منذ عام 2003، وبالتالي تسببت بنقص حاد في الخدمات وتردي الزراعة والصناعة، واعتماد البلد على المستورد".

ولفت الباحث إلى أن "من انتخب الأحزاب والكيانات الشيعية في انتخابات مجالس المحافظات في 18 ديسمبر، هم المنتفعون والمنتمون إليهم، وغالبيتهم من الأجهزة الأمنية ومنتسبي الحشد الشعبي".

وبيّن المساري أن "تعداد القوات الأمنية في العراق يصل إلى أكثر من 1.5 مليون شخص وهؤلاء بنسبة 90 بالمئة منهم شيعة، وإذا أضفنا إليهم عائلاتهم قد يصل عددهم إلى أكثر من 3 ملايين، كلهم انتخبوا هذه الأحزاب في ظل المقاطعة الشعبية الكبيرة".

وكان القيادي في قوى الإطار التنسيقي، زعيم تيار "الحكمة" الشيعي عمار الحكيم، قد حد من تأثير غياب التيار الصدري على "التوازن الطائفي" في الانتخابات المحلية المقبلة.

وخلال تجمع انتخابي لتياره بالعاصمة بغداد في 17 نوفمبر، قال الحكيم إن "من يدعو المكون الشيعي إلى مقاطعة الانتخابات هو من يتحمل مسؤولية الإخلال بالتوازن المكوناتي، وتمثيل المكون الاجتماعي الشيعي في المحافظات المختلطة، لا سيما بغداد وديالى وصلاح الدين وغيرها".

وفي إشارة إلى دعوة الصدر دون أن يذكر اسمه، أوضح الحكيم: "عندما تقول للمكون الشيعي لا تشترك في الانتخابات، بينما تشترك باقي المكونات، فإن هذا سيحدث اختلالا في التوازن من شأنه أن يؤدي إلى عدم الاستقرار، لذلك من يمنع المشاركة عليه أن يتحمل المسؤولية".