على عكس جيرانها الأوروبيين.. لماذا تقف أيرلندا ضد العدوان الإسرائيلي؟

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في ظل التطابق بين مواقف الدول الأوروبية، حيث مثلت جلها دعما شبه مطلق لعدوان إسرائيل على غزة، برزت أيرلندا كإحدى الحالات النادرة في مساندة الحق الفلسطيني. 

نشرت صحيفة "تاز" الألمانية تقريرا ترصد فيه الموقف الأيرلندي من العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي اندلع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

الأكثر انتقادا

استهلت الصحيفة الألمانية تقريرها بالتأكيد على أن أيرلندا تعد الدولة الأوروبية الأعلى صوتا في انتقاد الاحتلال الإسرائيلي.

وقالت: "لا يوجد في أي دولة في أوروبا الغربية انتقادات لإسرائيل أعلى من تلك الموجودة في أيرلندا".

وفي إطار تدليلها على ذلك، ذكرت أن البرلمان الأيرلندي رفض، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، طرد السفير الإسرائيلي، بأغلبية بلغت 85 صوتا، مقابل 55 صوتا موافقا على طرد السفير. 

وهو ما يعني -وفقا للصحيفة الألمانية- أن الأغلبية الرافضة للقرار "لم تكن ساحقة". وتجدر الإشارة إلى أن الائتلاف الحاكم برر القرار بالقول إن طرد السفير "سيكون له نتائج عكسية".

كذلك لفتت إلى تصريحات نائب رئيس الوزراء الأيرلندي مايكل مارتن، والتي أكد فيها "وجوب الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة لتمكين المواطنين الأيرلنديين من مغادرة غزة".

وأضاف أنه: "يجب بذل كل ما في وسعنا لضمان إطلاق سراح الرهينة الأيرلندية الإسرائيلية (في غزة) إميلي هاند".

ومن ناحية أخرى، ذكرت صحيفة "تاز" أنه قد سُمح، مساء 15 نوفمبر 2023، لـ 23 شخصا من حاملي جوازات السفر الأيرلندية بالسفر إلى مصر.

 إلا أن الجراح الأيرلندي الفلسطيني أحمد المخللاتي وعائلته قرروا البقاء في مدينة غزة، حتى يتمكنوا من مساعدة أكبر عدد ممكن من الجرحى، حسب الصحيفة الألمانية.

وفي ذات الإطار، أضافت أن البرلمان الأيرلندي لم يتمكن من تمرير قرار لتقديم إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بأغلبية 77 صوتا مقابل 58.

وأشارت إلى أن هذا الاقتراح حظي بدعم حزب "شين فين" -الذي ينظر له البعض على أنه مقرب من الجيش الجمهوري الأيرلندي-، وحزب الشعب اليساري، إضافة إلى أحزاب العمال والديمقراطيين الاشتراكيين.

إلى جانب ذلك، نشرت صحيفة "آيريش تايمز" الأيرلندية، رسالة مفتوحة، دعا من خلالها أكثر من 100 أكاديمي أيرلندي إلى "قطع جميع العلاقات مع المؤسسات التعليمية الإسرائيلية على الفور".

ووصفت الرسالة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بأنه "حملة تطهير عرقي".

بالإضافة إلى ذلك، وقع أكثر من 600 فنان أيرلندي على تعهد بمقاطعة إسرائيل حتى تلتزم بالقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان.

سخط إسرائيلي 

على صعيد آخر، لم يمر الموقف الأيرلندي على إسرائيل مرور الكرام، حيث تسارعت ردود الفعل الغاضبة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الموقف الأيرلندي "قوبل بالسخط في تل أبيب"، حيث قال وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو: "إن السكان الفلسطينيين يمكنهم الذهاب إلى أيرلندا أو إلى الصحراء".

وقد أدى هذا إلى استبعاده مؤقتا من اجتماعات مجلس الوزراء، وفقا للصحيفة. 

ولكن بالرغم من ذلك، قال السفير الإسرائيلي لدى أيرلندا، دانا إرليخ: "عندما وصلت إلى هنا قبل ثلاثة أشهر تقريبا، كنت أعرف أنني سأعمل في بلد ذي طبيعة خاصة".

وأردف: "حُذرت آنذاك من أن أيرلندا يُنظر إليها بوصفها معادية لإسرائيل، وبها عناصر معادية للسامية"، وفق زعمه.

بدورهم، يؤكد السياسيون المنتمون للائتلاف الحكومي المحافظ في أيرلندا أن انتقاد تصرفات إسرائيل في غزة "لا يعد معاداة للسامية بأي حال من الأحوال".

وعللوا ذلك بأنهم انتقدوا أيضا هجوم حركة المقاومة الإسلامية حماس، ووصفوه بـ "الهمجي"، وفق تعبيرهم.

بدوره، قال رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار: "إن لإسرائيل بالطبع الحق في الدفاع عن النفس". 

لكنه -في ذات الوقت- استدرك: "ما يحدث ليس مجرد دفاع عن النفس، بل هو أشبه بالانتقام".

وأشارت الصحيفة الألمانية إلى أن الحكومة الأيرلندية تدعو إلى وقف إطلاق النار لتهدئة الأوضاع بالنسبة للسكان في غزة.

وفي ظل التأييد الأوروبي للاحتلال الإسرائيلي، كان الموقف الأيرلندي منفردا، مهددة بذلك مصالحها.

وهو ما أكدته الصحيفة بقولها: "وهذا يعني أن أيرلندا وحيدة إلى حد كبير في الاتحاد الأوروبي". 

العلاقات المشتركة

ومع ذلك، يشير المعلق السياسي فينتان أوتول محذرًا من أن السياسة الخارجية المتسقة أمر ضروري لدولة صغيرة مثل أيرلندا، وإلا فقد يجرى حل وزارة الخارجية وتبني مواقف بروكسل وواشنطن. 

وانتقد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن معلقا: "لا يمكن لها الاستمرار في انتقاد حرب روسيا ضد الأوكرانيين بينما تدعم في الوقت نفسه حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين".

كما انتقد أوتول رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بشكل ساخر، موضحا المفارقة بين مواقفها تجاه أوكرانيا من جهة، وغزة من جهة أخرى.

وأشار إلى أن دير لاين وصفت الهجمات على البنية التحتية المدنية بأنها "إرهاب خالص"، لكنها كانت تشير آنذاك إلى الهجمات الروسية على أوكرانيا.

وعندما أعلنت إسرائيل أنها ستفعل الشيء نفسه مع سكان غزة، أيدت هذه الإجراءات بشكل كامل.

"لقد كانت العلاقات بين أيرلندا وإسرائيل دائما باردة للغاية"، كما ترى صحيفة تاز الألمانية. 

وقد أقرت بهذه الحقيقة بالرغم من إشارتها -في ذات الوقت- لما كتبه الحاخام الأكبر إيمانويل جاكوبوفيتس، الذي جرى تعيينه في عام 1949، مسؤولا عن "العلاقات الوثيقة والودية" بين اليهود والدولة الأيرلندية.

وقال الحاخام: "تعد أيرلندا واحدة من الدول القليلة جدا التي لا تزال تحتفظ بعلاقات وثيقة وودية مع اليهود".

وفي دلالة على ما تحدث عنه الصحيفة بشأن "برود العلاقات"، ذكرت أن أيرلندا لم تعترف بدولة الاحتلال الإسرائيلي حتى عام 1963.

وأشارت إلى تأخر افتتاح السفارة الإسرائيلية في دبلن، حيث كان افتتاحها في منتصف التسعينيات.

وبعد أن استخدمت وكالة المخابرات الإسرائيلية "الموساد" جوازات سفر أيرلندية مزورة، في محاولة اغتيال فاشلة لعضو بارز في حركة حماس (محمود المبحوح) في دبي عام 2010، طردت الحكومة الأيرلندية دبلوماسيا إسرائيليا، وفق الصحيفة.

وأردفت: "وبعد مرور عام، رُفع مستوى البعثة الفلسطينية في دبلن إلى مرتبة سفارة، وقبل ثلاث سنوات، صوت البرلمان لصالح قانون يحظر استيراد وبيع السلع والخدمات والموارد الطبيعية من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة". 

وفي هذا الصدد، قالت هولي كيرنز، زعيمة الحزب الديمقراطي الاشتراكي الأيرلندي اليساري المتطرف: "يشعر الشعب الأيرلندي بالاشمئزاز من القتل في غزة".

ولفتت إلى أن "التهديد بالإبادة الجماعية يتطلب أفعالا وليس أقوالا". كما حذرت من أن "إسرائيل تقتل دون عقاب".