عدوى احتجاجات المزارعين تتفشى بـ10 دول أوروبية.. ما الأسباب والتداعيات؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

احتجاجات المزارعين التي بدأت في فرنسا وانتشرت في جميع أنحاء أوروبا منتصف يناير/ كانون الثاني 2024 تعكس مجموعة متعددة الأوجه من المظالم التي تتقاسمها المجتمعات الزراعية.

ومن أبرز القضايا الرئيسة التي أشعلت الاحتجاجات هي، الصعوبات البيروقراطية، والمخاوف بشأن حماية سبل عيش المزارعين في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة في أوروبا.

ثورة الفلاحين 

ونشر مركز "أنكاسام" التركي مقالا للكاتبة، ملكة أكين، ذكرت فيه أن "احتجاجات المزارعين في أوروبا ليست جديدة، بل تكررت على مدى السنوات الماضية".

واستدركت: "لكن تفاقم الخلافات بين النقابات الزراعية وبين السلطات أدى إلى انتشار عدوى الاحتجاج في 10 دول على الأقل، وهي فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وليتوانيا وبولندا وإسبانيا والبرتغال واليونان ورومانيا".

وأوضحت الكاتبة التركية أن "أكبر طرق الاحتجاج المتفق عليها هي غلق الطرقات بالجرارات، وتوجد أسباب محلية خاصة بكل بلد وأخرى تتعلق بالسياسات التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي".

وتابعت: "منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية (في 24 فبراير/ شباط 224)، زادت تكاليف الطاقة والأسمدة والنقل للمزارعين في العديد من دول الاتحاد الأوروبي". 

واستطردت: "في الوقت نفسه أدركت الحكومات والتجار تأثير أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة على المستهلكين واتخذوا إجراءات لخفض أسعار الغذاء المتزايدة".

وقالت أكين إن "الاتحاد الأوروبي الذي تعرض للآثار السلبية للحرب بين روسيا وأوكرانيا، تفهّم حساسية احتجاجات الشعب، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة ويحاول الاستماع إلى مخاوف الناس".

وأضافت "لهذا حاولت الحكومات وتجار التجزئة، خفض أسعار المواد الغذائية استجابة لأزمة تكاليف المعيشة، لكن المزارعين انتقدوا هذه الجهود بصفتها غير كافية". 

وأشارت الكاتبة التركية إلى أنه "من الواضح أنه ينبغي اتخاذ قرارات موجهة نحو الحلول مع تغييرات في السياسات الزراعية والدعم الاقتصادي".

ويواصل المزارعون في أوروبا الشرقية التعبير عن شكاويهم وقلقهم بسبب اتفاقية تجارة أخرى مع أوكرانيا، حيث علّقت المفوضية الأوروبية رسوم استيراد المنتجات الأوكرانية لأجل دعم كييف.

لكن القرار أغرق الأسواق الأوروبية بهذه المنتجات، خصوصا الدول المجاورة لأوكرانيا، ومن بين هذه السلع الرخيصة هناك الدواجن والبيض والسكر والحبوب.

وعلقت أكين: "إذا أخذنا في الحسبان أن أوكرانيا تمتلك أراضي زراعية خصبة واسعة، فسيخفض ذلك سعر المنتجات الزراعية داخل الاتحاد الأوروبي".

في حين أن عوامل مثل ندرة المياه والحرارة الشديدة الناجمة عن أزمة المناخ قد أثرت سلبا على الزراعة وزادت من التكلفة، ولذلك فإنّ زيادة المنتجات الزراعية القادمة من أوكرانيا في سوق المواد الغذائية قد دفع المزارعين في أوروبا إلى السعي للحصول على حقوقهم.

ويشعر المزارعون بأن هذه اللوائح تقوض قدرتهم على المنافسة بفعالية في الاقتصاد العالمي. 

ولهذا السبب اجتمعت المفوضية الأوروبية ووقعت قرارا يقترح فرض قيود على الواردات الزراعية من أوكرانيا، ومع ذلك لم ينظر إلى هذه الخطوة على أنها إجراء كافٍ للمزارعين.

حصار بالجرارات

وقالت أكين إنه "رغم اختلاف الاحتجاجات في كل بلد، إلا أن الأهداف المشتركة للمزارعين هي نفسها بشكل عام".

على سبيل المثال، يواصل المزارعون الاحتجاج في العديد من مناطق ألمانيا على أساس أن حكومة برلين تفكر في إلغاء الدعم في مجال الزراعة.

ورأت الكاتبة أن "مواصلة المزارعين للاحتجاج رغم تحديث حكومة برلين للتخفيضات في مجال الزراعة، تبين أن المخاوف في مجال الزراعة عميقة جدا". 

وفي هذا السياق، يبدو أن المزارعين في ألمانيا قد اتحدوا وأنشأوا منصة تتحقق فيها رغباتهم بشكل أكثر فعالية. 

بينما في فرنسا، التي تحتل المرتبة الأولى في الاتحاد الأوروبي من حيث الإنتاج الزراعي، يواصل المزارعون الاحتجاج على تضخم أسعار الغذاء وحظر المبيدات.

وأردفت أكين بأن "أكثر الانتقادات التي يتم التعبير عنها في الاحتجاجات هي إدخال قواعد صارمة بشأن استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكربونية في نطاق الاتفاق الأخضر"، والذي بدوره يجعل الإنتاج الزراعي صعبا.

وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال عن إجراءات جديدة تشمل تخفيضات ضريبية ومساعدة مالية للمزارعين. 

وقالت أكين إن "اتخاذ الحكومات لهذه السياسات وإعلانها عن تقديم المساعدات والدعم يدل على نجاح الاحتجاجات، لكن هذا الأمر ليس كافيا بعد، ولذلك يبدو أن الاحتجاجات ستستمر بالفعل". 

أما في إيطاليا، فيظهر المزارعون الذين يشعرون بالانزعاج أيضا بسبب انخفاض الأجور وضغوط الأسعار ردود أفعالهم من خلال وضع جراراتهم في مداخل المدينة بسبب الاتفاق الأخضر.

ولفتت الكاتبة التركية النظر إلى أن "إجراءات المزارعين لإغلاق مداخل ومخارج المدينة تدلّ على أنهم يحاولون رسم إستراتيجية فعالة من خلال الإعلان عن احتجاجاتهم لجماهير كبيرة". 

في الوقت نفسه، ينصبُّ التركيز الرئيس للمزارعين في بولندا على منتجات الحبوب التي تأتي رخيصة من أوكرانيا. 

ومن أجل منع المنتجات الغذائية الأوكرانية من دخول بلادهم، أغلق المزارعون البولنديون الحدود بجراراتهم، وظهرت صور مماثلة خاصة في عاصمة بلجيكا بروكسل. 

وتعبيرا عن استيائهم من السياسات البيئية للاتحاد الأوروبي، قامت المئات من الجرارات بإغلاق الشوارع وسط المدينة في العديد من الدول الأوروبية، ثم نظم المزارعون الغاضبون احتجاجات عبر رمي البيض على البرلمان الأوروبي.

ومن خلال الكشف عن مشاهد فوضوية مدوية في الاتحاد الأوروبي يمكن رؤية مدى عاجلية الموقف ومدى إلحاح مطالب المزارعين، وفق أكين.

أمّا في اليونان، فيبدو أن المتظاهرين سيمنحون الحكومة موعدا نهائيا لتلبية مطالبهم. 

فبعد الفيضانات التي شهدتها اليونان، يجب على الحكومة إدارة العملية بشكل أكثر فعالية من خلال تلبية طلبات تقديم مزيد من المساعدات الاقتصادية للمزارعين وإجراء مراجعة للسياسات البيئية، تقول الكاتبة.

وأضافت أن "الجمهور يدعم احتجاجات المزارعين بسبب العديد من العوامل، مثل ارتفاع تكاليف المواد الزراعية المُستَورَدة، بالإضافة إلى المنافسة الأجنبية غير العادلة والصعوبات المالية ومخاوف السياسة التجارية". 

فبالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الأسمدة والوقود، أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى زيادة التكاليف الزراعية. 

وأكدت الكاتبة التركية على أن "المنتجات الزراعية التي تُستَورَدُ من الأسواق الأجنبية مثل أوكرانيا بثمن بخس تسببت في دخول المزارعين المحليين بمنافسة غير عادلة، ولهذا يتحتم على الحكومات أن تقرر ما هي أولوياتها".

ودعت الحكومات إلى "تنفيذ سياسات لحماية المزارعين المحليين من المنافسة غير العادلة عن طريق فرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة أو تقديم دعم مالي مباشر للمزارعين المحليين".

واستدركت: "عكس ذلك ستُضطر الحكومات للتعامل مع هذه الاحتجاجات التي ستؤدي إلى تدهور الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، حيث تعكس مطالب المزارعين المتعلقة بالصعوبات الاقتصادية والتنظيمات البيئية انتقادا واسع النطاق لسياسات الاتحاد الأوروبي في مجال الزراعة".