عام على اعتقال قادة المعارضة.. هل يحرك إضرابهم عن الطعام الركود في تونس؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

سنة كاملة مرت على حملة الاعتقالات التي طالت عددا من المعارضين السياسيين في تونس الرافضين لانقلاب الرئيس قيس سعيّد على "المسار الديمقراطي" منذ 25 يوليو/تموز 2021.

ويلاحق في أول قضية فيما بات يعرف بـ"التآمر على أمن الدولة"، 6 من أبرز السياسيين المعارضين، على خلفية لقاءات جمعتهم من أجل البحث عن حلول للأزمة السياسية بالبلاد، وفق ما أكدته هيئة الدفاع عنهم في أكثر من مناسبة.

وبعد مرور عام كامل على اعتقالهم، دون البدء في محاكمتهم رغم طول مدة حبسهم، أعلن القادة السياسيون المعارضون منذ 12 فبراير 2024 دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام من معتقلهم بسجن "المرناقية" في العاصمة تونس.

وأثار إضراب الجوع موجة واسعة من التضامن من قبل منظمات المجتمع المدني والأحزاب وطيف واسع من الحقوقيين، مطالبين بإطلاق سراحهم ووقف ملاحقة المعارضين على خلفية نشاطهم السياسي. 

معركة الأمعاء

بداية فبراير/شباط 2023، شنت قوات الأمن التونسية حملة اعتقالات طالت عددا من القيادات السياسية المحسوبة على المعارضة والرافضة لقرارات سعيّد التي اتخذها في 25 يوليو 2021 وعدتها المعارضة انقلابا على المسار الديمقراطي وتقويضا لمكتسبات الثورة.

وطالت هذه الاعتقالات حينها القيادي في حزب التكتل من أجل العمل والحريات، خيام التركي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، والأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، والقيادي السابق في حركة النهضة، عبد الحميد الجلاصي.

وأيضا القيادي في حراك مواطنون ضد الانقلاب، جوهر بن مبارك، والقيادي السابق في حركة نداء تونس، رضا بالحاج، بالإضافة إلى المحامي لزهر العكرمي والناشطة السياسية شيماء عيسى اللذين تم إطلاق سراحهما في 14 يوليو 2023.

ونظمت تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين، الذين دخلوا في إضراب عن الطعام، ندوة صحفية بمقر الحزب الجمهوري المعارض في 21 فبراير 2024، للحديث عن "معاناة الموقوفين بعد مرور عام كامل على إيقافهم".

وأكدت فائزة راحم، زوجة عصام الشابي أنه "لم تقع دعوة الموقوفين للاستنطاق أو الاستماع في هذه القضية باستثناء خيام التركي الذي حضر أمام قاضي التحقيق في 12 يونيو/حزيران 2023، ولم تقع دعوة بقية المعتقلين إلا في 22 أغسطس/آب 2023 لإعلامهم من قبل كاتب حاكم التحقيق بقرار التمديد في الاحتفاظ بهم".

وقال عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي مختار الجماعي، إنه "نظريا مرور سنة على الاعتقال يجعلنا نعتقد في قرب فصل قضية المعتقلين السياسيين طالما أن ظاهر النص يحدد أقصى مدة الإيقاف التحفظي في 14 شهرا لم يتبق منها أكثر من شهرين، لكن على مستوى سير الملف لا يبدو ذلك منتظرا، فالأبحاث لا تتحرك بالوجه المطلوب".

وأضاف الجماعي لـ"الاستقلال" أن "كل نظام سياسي يوظف القضاء للتضييق على خصومه هو نظام ترهقه المحاكمات السياسية العلنية".

وتابع: "لأن تعيين الملفات للفصل في جلسات علنية تفضح خواء تلك الملفات وضعف مستنداتها، حتى ما يخوضه المنوبون من معارك البيانات وبلاغات وإضرابات جوع وما يسجله الدفاع من طعون ليس غايتها الحصول على أحكام براءة أو تسريح بقدر ما هي ضغط لتحويل الملف إلى الطور العلني الذي يخشى النظام حتى خوضه من طرف وسائل الإعلام".

وشدد الجماعي على أن "معركة الأمعاء الخاوية هي أقسى أشكال المقاومة حينما يضع الإنسان صحته الجسدية والنفسية موضع الخطر، وثانيهما أن هذا الإضراب هو  الثاني الذي خاضه المعتقلون خلال سنة واحدة من اعتقالهم رغم إن الإضراب الأول وفي نظر عامة الناس لم يحقق مطلبه، فلم تُعَد التجربة". 

وبيّن أن "أسباب هذا الإضراب في علاقة بثلاث نقاط منها الشخصي ومنها الموضوعي، أولها، الأفق المسدود للحياة السياسية من خلال انهيار التجربة الديمقراطية وضرب الرغبة في صياغة مشروع سياسي يتأسس على المبادئ المتفق عليها منذ بدايات التحول الديمقراطي في تونس منذ 2011".

واستطرد: "ثانيها إصرار السلطة السياسية بواسطة (القضاء الوظيفي) في حرمانهم من حريتهم ومصادرة حقهم في التعبير والمشاركة السياسية، وثالثها  احتجاجا على قرار إيقافهم وإطالة أمده بدون محاكمة ورغبتهم في التسريع بفصل الملف وإنهاء مهزلة قضائية غير ذات أساس قانوني ولا واقعي".

حراك سياسي

ورغم حجم الخلافات المتراكمة منذ سنوات بين مختلف القوى السياسية في تونس، إلا أن قضية المعتقلين السياسيين تعتبر من القضايا القليلة التي تحظى بشبه إجماع بينهم، وخلقت مواقف متماهية رافضة لاستمرار مسلسل الاعتقال.

وأعلن "منتدى القوى الديمقراطية"، المكوّن من عدة أحزاب وجمعيات، في بيان أصدره في 20 فبراير، مساندته للمعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام، مطالبا بإطلاق سراحهم وضمان حقهم في المحاكمة العادلة.

وفي بيان لـ"تنسيقية القوى التقدمية" التي تضم أحزاب التيار الديمقراطي والعمال والتكتل والقطب، في 14 فبراير، دعا "كل القوى الديمقراطية والتقدمية والحقوقية لمساندة  المعتقلين وعائلتهم من أجل استرجاع حريتهم".

وحمّل البيان "منظومة الانقلاب مسؤولية عواقب سياسة التشفي  تجاه المضربين عن الطعام"، ومطالبا "بإطلاق سراح كل المعتقلين والمعتقلات السياسيين".

كما أعلن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي المعتقل كذلك منذ أبريل/نيسان 2023 الدخول في إضراب عن الطعام من مقر اعتقاله بالسجن المدني بـ"المرناڤية" بداية من 19 فبراير 2024، تضامنا  منه مع المعتقلين المضربين عن الطعام ومساندة لكل المعارضين بمختلف السجون التونسية ولكل معتقلي الرأي.

وأعادت هذه القضية تحريك المياه السياسية الراكدة في تونس، بعد تراجع التحركات التي تدعو إليها المعارضة ونجاح السلطة نسبيا في خلق مناخ من الخوف نتيجة التضييق على الحريات العامة وملاحقة العشرات من الناشطين السياسيين والحقوقيين والصحفيين.

ورأى الناطق باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغيّر، أن "التضامن مع القادة السياسيين المعتقلين والمضربين عن الطعام من قبل منظمات المجتمع المدني والأحزاب إذا قمنا ربطه بالسياق السياسي الذي نمرّ به وما يحمله من اعتقالات وتضييق على حرية التعبير محترم". 

واستدرك الصغيّر في حديث لـ"الاستقلال" قائلا "وجب الإشارة كون الأساليب والأشكال المعتمدة ظلت تقليدية، وهو ما يعني حدود جاذبيتها ومحدودية تأثيرها الاجتماعي".

وتابع: "هذا ما يدعو للتفكير في ضرورة تطوير وتجديد أشكال التضامن وربطها بالأوعية والفضاءات الجاذبة لجيل الشباب خاصة، بوصفهم الفئة الديمغرافية الأغلب في المجتمع (أكثر من 57 بالمئة من المجتمع التونسي أعمارهم أقل من 35 سنة)".

وأكد الصغيّر أن "هذه القضية أصبحت تمثل العنوان الأبرز للتوجه الاستبدادي وللفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمنظومة الحكم".

واستطرد: "بالتالي وكما عاشت تونس فترة جزر سياسي في بداية التسعينيات إثر انقلاب زين العابدين بن علي على الرئيس آنذاك الحبيب بورقيبة وما رافقها من تصحّر سياسي ومدني تواصل لقرابة 10 سنوات، فإن هذه القضية قد تصبح عاملا مساهما في التسريع في الخروج من حالة الارتباك التي أصابت جزءا من النخب السياسية والمدنية".

وأعلن الصغيّر عن "وجود نقاشات متواترة لتكثيف التحركات وتنويعها، ومن المنتظر الإعلان عن تنظيم اعتصام بداية مارس/آذار 2024".

وتابع: "في الأسابيع المقبلة سيتم التركيز على الاختلالات والخروقات القانونية والسياسية التي رافقت الاعتقالات ونشرها في شكل مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بغاية كشف حقيقة كون الاعتقالات الحاصلة هي اعتقالات سياسية لتصفية خصوم قيس سعيّد".

وأثار إضراب الجوع وحملة التضامن الواسعة مع المعتقلين السياسيين حفيظة سعيّد، الذي قال خلال لقائه رئيس الحكومة أحمد الحشاني، في 20 فبراير 2024، "يتهافتون كأن الدولة غنيمة يتقاسمونها، كانوا يتبادلون التهم في مسرحية مفضوحة ويتبادلون الشتائم في كل مكان ويصفون فلانا بالسفاح والآن صاروا معا في إضراب جوع''، وفق قوله.

وتابع مهددا: ''لن نقبل بأن يفلت أحد من المحاسبة ومن حق الشعب أن يسترجع ثروته وبلاده''.