بعد 15 عاما من الدعم.. لماذا خسر "حزب الله" حاضنته اللبنانية والعربية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن منع أهالي قرية "شويا" الحدودية الدرزية في منطقة "حاصبيا" جنوب لبنان، مقاتلي "حزب الله" اللبناني من المرور براجمة صواريخ لضرب إسرائيل، واعتداء الأهالي على عناصر الحزب وتسليمهم لجيش لبنان حدثا عاديا.

في خطوة غير مسبوقة؛ تعرضت عناصر "حزب الله" في 6 أغسطس/ آب 2021، للتوقيف ومصادرة أسلحتهم من قبل لبنانيين، في إشارة إلى خسارة الحزب حاضنته الشعبية التي طالما قدمت له الدعم منذ حربه مع إسرائيل عام 2006.

تلك الواقعة سبقها بخمسة أيام وتحديدا في مطلع أغسطس/ آب 2021، قتل عشائر "عرب خلدة السنة" عنصرا من "حزب الله"، ثأرا لطفل قتله عام 2020، فيما تطور الأمر لحدوث هجمات قتل فيها 4 عناصر أخرى من الحزب.

قبلها وفي مناسبة مرور عام على انفجار مرفأ بيروت، 3 أغسطس/ آب 2021، استعرض "شباب حي الصليب" قوتهم في منطقة ​عين الرمانة​ المسيحية مقر القوات اللبنانية التابعة لسمير جعجع، في تحد اعتبره البعض ضد "حزب الله".

الاستهدافات الثلاثة لعناصر "حزب الله"، من قبل عشائر سنية، ومسيحية، ودرزية، أظهرت حجم التحول الكبير في المزاج الشعبي اللبناني تجاه الحزب، بعدما حصد شعبية كبيرة لمدة 15 عاما.

تلك المصادمات أثارت المخاوف من شبح حرب أهلية ثانية، ربما يجري دفع لبنان نحوها، في ظل انهيار اقتصادي، وسيطرة "حزب الله" على جزء كبير من الحياة السياسة والاقتصاد.

ولذا فإن الجيش اللبناني تدخل سريعا لتبريد الأجواء المشتعلة.

اعتراف نصرالله

عدم تعاطي "حزب الله" مع الأزمات الاقتصادية الداخلية، وما يثار عن دوره في تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية بالتحالف مع الرئيس اللبناني ميشال عون، زادا من حالة الغضب الشعبي ضد الحزب.

كذلك كان تركيز حزب الله على أن معادلة الصراع مع إسرائيل تأتي ضمن تحالفه مع إيران ولو جاءت على حساب اللبنانيين، وفق مراقبين.

لكن حوادث استهداف مقاتليه تارة بالثأر منهم وقتلهم، وتارة بالقبض عليهم ومصادرة راجمة الصواريخ التي أعادها الجيش اللبناني لحزب الله لاحقا؛ تدق ناقوس الخطر.

أمين عام "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله، دفعته تلك الأحداث لإلقاء خطاب اعترف فيه عن حجم القلق مما جرى، لكنه ركز على أمرين.

الأول، كان قلقه من ضياع الحاضنة الشعبية بقوله: "أقول للعدو لا تراهن على البيئة المحيطة بالمقاومة فهي داعمة ومخلصة في كل وقت".

والثاني، هو تخوفه من رفض اللبنانيين دعمه، والتصدي لقواته، بتعبيره: "حزنت كثيرا عند مشاهدة صور حادثة اعتراض بعض اللبنانيين شاحنة لمقاومين شاركوا في تنفيذ عملية ضد الاحتلال".

نصرالله، قال: إن "ما حصل في شويا لم يكن شيئا بسيطا ولا عابرا وله دلالات خطيرة".

لكن زعيم "حزب الله" حاول إظهار الواقعة أنها حادث فردي، ورفض تحميل أهالي شويا المسؤولية.

وأشار إلى أن "بعض أهالي شويا رفضوا ما حصل ونقدر كل من وقف إلى جانب المقاومة".

لكنه طالب بالعقاب قائلا: "من اعتدى على إخواننا يجب أن يحقق معهم من قبل الأجهزة ويحاكموا أمام القضاء".

كما لفت إلى انزعاجه من "حادثة خلدة" جنوب بيروت التي قتل فيها 5 من عناصر "حزب الله".

واعتبر "ما حصل في خلدة مجزرة وليس حادثة"، واصفا من قام بها بأنهم "عصابة من المجرمين والقتلة"، وفق قوله.

قمع الربيع العربي

بقدر ما شكلت وقائع مصادرة راجمة الصواريخ واعتقال جنود حزب الله، وإطلاق النار على جنوده وقتل 5 منهم، مؤشرات على تغير الواقع اللبناني تجاه الحزب، بقدر ما أظهرت حجم خسائر الحزب من عدائه للربيع العربي.

تورط "حزب الله" في قمع الثورة السورية والضلوع في الحرب الأهلية هناك، أفقده تعاطف كثير من اللبنانيين ومن شعوب عربية أخرى تدريجيا.

وكان الحراك الشعبي الذي شهده لبنان في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وضم كافة الطوائف اللبنانية مناهضا في جزء منه لدور "حزب الله" العدائي مع الربيع العربي، وفق محللين.

وفي أعقاب حرب 2006 مع إسرائيل، أعاد "حزب الله" بناء نفسه ليصبح واحدا من أقوى الجماعات المسلحة في لبنان والشرق الأوسط، وتبع هذا توسيع نفوذه المحلي والإقليمي.

منذ ذلك الحين لعب الحزب (المتحالف مع الرئيس اللبناني)، دورا مقيدا للحياة السياسية أدى لاتساع الانقسام السياسي في لبنان بعدما عرقل تشكيل الحكومة عدة مرات، حسب رؤية مراقبين.

ولذا فإن الربيع اللبناني في 2019، كان بعضه موجها لإسقاط الطائفية السياسية‬، ومنها حزب الله، بعدما أدرك اللبنانيون بعد سنوات من الطائفية أن عدوهم الاستبداد والقمع والفساد المتحالف مع الخارج.

مظاهرات لبنان بدت كنسخة ثالثة من الربيع العربي أكثر نضجا ووعيا، بعد النسخة الأولى التي انطلقت 2011 في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وجرى إجهاض أغلبها، والنسخة الثانية التي تعاني في السودان والجزائر.

وبات شعار "كلن يعني كلن" (كلهم يعني كلهم) الذي نادى به المتظاهرون بهدف إسقاط النخبة السياسية الحاكمة بأكملها صورة معدلة من شعار الربيع العربي في نسختيه الأولى والثانية "الشعب يريد إسقاط النظام".

زاد الحراك الشعبي استمرار تعطيل تشكيل الحكومة، وانفجار مرفأ بيروت وما رافقه من حديث عن فساد، وانهيار الاقتصاد والعملة اللبنانية ما زاد من عمق الفجوة بين اللبنانيين و"حزب الله".

توقع تلك الحالة في وقت مبكر تقرير لمعهد "كارنيغي" للشرق الأوسط في تقرير له نشر يوم 19 يونيو/ حزيران 2021، مؤكدا أن قوة "حزب الله" ستتأثر أمام مطالب اللبنانيين. 

وقال: إن "قوة حزب الله الصلبة لم تتأثر بالتطورات التي شهدها الربيع العربي أو سوريا، إلا أن ميل الرأي العام إلى إعطاء الأولوية للحقوق المدنية والديمقراطية، عاملان يمكن أن يضعفا بشكل حاد قبضة الحزب على السلطة".

ومن هنا، بات حزب الله يخشى الحرب مع إسرائيل ليس فقط لفقدانه الحاضنة الشعبية بعدما تورط في دعم بشار الأسد في سوريا وشارك بقواته في قمع الربيع العربي هناك، وإنما لعدم ضمانه وقوف اللبنانيين خلفهم مثل سيناريو 2006.

صحيح أن إسرائيل أيضا تخشى الحرب لأنها ربما تكون مفتوحة على جبهتين على الأقل في سوريا ولبنان، أو تتحول لمواجهة متعددة الأطراف مع إيران والحزب والفصائل الفلسطينية في المخيمات اللبنانية، وربما غزة.

لكن حزب الله يخشى خسارة نفوذه بالكامل في ظل تآكل التعاطف الشعبي معه ما يدخله في صراع داخلي أعلى درجة مع اللبنانيين أنفسهم الذين يعانون انهيارا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.

مأزق سياسي

منذ انتخابات 6 مايو/ أيار 2018، والتي خسر فيها "تيار المستقبل" السني بزعامة سعد الحريري ثلث مقاعده البرلمانية مقابل مكاسب كبيرة لحزب الله وحلفائه، بما فيهم التيار الحر المسيحي بزعامة الرئيس ميشيل عون، يعيش لبنان في مأزق سياسي.

حصل "حزب الله" على الثلث المعطـل بالبرلمان، وترك الوزارات الحساسة بيد "تيار 14 آذار" المؤيد له، وربط أي نزع لسلاحه بهذا الثلث المعطل وعرقلة عمل الحكومة.

نجح الحزب مع تياره في الفوز بـ72 مقعدا مقابل 53 للتيار المنافس، و3 مقاعد للمستقلين، فيما تبلغ عدد مقاعد البرلمان 128 مقعدا وفق اتفاق الطائف عام 1989، مقسمة على نواب ينتمون إلى 11 طائفة دينية.

الانتخابات كانت بطعم الصراع الطائفي والإقليمي والدولي في لبنان، إذ خاضتها إيران بورقة حزب الله و"تحالف 8 آذار"، والسعودية والإمارات بورقة تيار المستقبل و"تحالف 14 آذار" بزعامة الحريري، وقوى مسيحية.

وفجر الحراك الشعبي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، هذا الشلل الذي أصاب هذه الحكومة بفعل الثلث المعطل لحزب الله وصراع المحاصصات الطائفية وطالب اللبنانيون بإنهاء هذا النظام الفاسد وإبعاد الجميع لأنهم "وكلاء للخارج".

اشتعل الغضب الشعبي أكثر مع سعي "حزب الله" لاستغلال الأزمة الاقتصادية وتخزين المواد الغذائية والنفطية استعدادا للأسوأ ووصول البلاد للانهيار التام، حسبما أكدت وكالة رويترز 16 أبريل/ نيسان 2021.

وجاءت وقائع الصدام مع جنوده وقتل خمسة منهم ومصادرة راجمة الصواريخ لتشير لوصول الشارع إلى مرحلة احتقان خطيرة ربما تشعل البلاد وتدخلها أتون حرب أهلية ثانية، في ظل فقدان الحزب للدعم الشعبي التقليدي الذي كان يتمتع به.