أحمد المستيري.. أشرس معارضي الحبيب بورقيبة وأبرز بناة تونس 

تونس- الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فقدت تونس في 23 مايو/أيار 2021، "رائد الديمقراطية" والسياسي المحامي أحمد المستيري عن عمر يناهز 96 عاما.

قالت رئاسة الحكومة، في بيان نعيه، إن "الفقيد أحد أبرز المناضلين الوطنيين زمن الاستعمار (الفرنسي 1881- 1956) ومن بناة الدولة التونسية الحديثة بعد الاستقلال، حيث تقلد عديد المناصب الوزارية على غرار الدفاع والداخلية والعدل والمالية".

كما نعى رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان)، راشد الغنوشي، في بيان، المستيري، واصفا إياه بـ"رائد الحركة الديمقراطية التونسية".

وفي تدوينة عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، قال رئيس الجمهورية الأسبق منصف المرزوقي، "ترجل أحد فرسان الديمقراطية في تونس، أحمد المستيري في ذمة الله والتاريخ، كل التعازي لأهله ولكل الديمقراطيين الذين واكبوا مسيرته النضالية على امتداد نصف قرن".

أبرز بناة تونس

قالت "حركة النهضة" التونسية، في بيان لها، إن المناضل أحمد المستيري هو أحد أبناء الحركة الوطنية التونسية ورموزها، ويعد من أهم الشخصيات التي ساهمت في إرساء العمل السياسي والتي دافعت عن التعددية الحزبية والديمقراطية، وعملت على تأسيس الدولة الوطنية بعد الاستقلال.

واعتبر حزب "قلب تونس"، أن "تونس فقدت واحدا من أكبر المناضلين في زمن الاستعمار، وأبرز بناة الدولة الحديثة، وعرف بنضاله من أجل رفع راية الحريات والتعددية وحقوق الإنسان"، فيما اعتبر الحزب الجمهوري أن المستيري هو "المناضل ورجل الدولة وأحد رواد الديمقراطية في البلاد".

ولد أحمد المستيري في يوليو/تموز 1925، بضاحية المرسى الساحلية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط (شمال تونس العاصمة)، لعائلة ثرية من كبار الملاكين العقاريين، وتعود جذورها إلى مدينة المنستير. 

تزوج المناضل الراحل سنة 1956 بسعاد شنيق، ابنة الوزير الأكبر الأسبق محمد شنيق، ولديه منها خمسة أبناء، منهم أربعة أولاد وهم إدريس والطاهر وحاتم والمنصف، وبنت وهي سيمة.

انتمى منذ مطلع شبابه في عام 1942 إلى الشعبة الدستورية بالمرسى، ثم درس الحقوق في الجزائر فيما بين 1944 و1948، ثم بمعهد الدراسات السياسية وكلية الحقوق بباريس حيث حاز على الإجازة. 

منذ عام 1948 انخرط المستري في مهنة المحاماة بتونس العاصمة، وأصبح عضو جامعة تونس للحزب "الحر الدستوري الجديد" عام 1950، ومشاركا في جريدة "ميسيون" الأسبوعية الناطقة بالفرنسية. 

في يناير/كانون الثاني 1952، دخل المستيري الديوان السياسي السري للحزب، الذي أصبح يقوده فرحات حشاد والصادق المقدم، ودافع كمحام عن المناضلين الوطنيين أمام المحاكم المدنية والعسكرية الفرنسية.

تعرض المناضل حينها إلى محاولة اغتيال من قبل المنظمة المصنفة إرهابية "اليد الحمراء"، التي كونتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية  لتنشط ببلاد المغرب العربي، والتي اغتالت الزعيم النقابي فرحات حشاد.

أشرس المعارضين

في أغسطس/آب 1954، أصبح المستيري مدير ديوان وزير الداخلية المنجي سليم.

وفي أول حكومة شكلها الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال، في 14 أبريل/نيسان 1956 سمي المستيري على رأس كتابة الدولة (أي وزارة) العدل، حيث ساهم في تونسة الجهاز القضائي، وفي تحرير القوانين الجديدة ومن ضمنها مجلة الأحوال الشخصية. 

بعد فترة وجيزة أصبح ممثلا لبلاده في مجلس الأمن للأمم المتحدة إثر النزاع مع فرنسا في إطار قصف ساقية "سيدي يوسف" في 8 فبراير/شباط 1958. 

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 1958، أسندت إليه حقيبة المالية والتجارة، وكان من أولوياته آنذاك إبرام سلسلة من الاتفاقيات مع فرنسا، وإصدار عملة جديدة هي الدينار التونسي. 

وفي عام 1960، عين سفيرا في الاتحاد السوفييتي ثم في الجمهورية العربية المتحدة (اتحاد بين سوريا ومصر) عام 1961، ثم في الجزائر عام 1962. 

وفي يناير/كانون الثاني 1966، عاد إلى تونس ليتولى وزارة الدفاع، وبعد أن عبر علنيا عن معارضته لسياسة التعاضد الفلاحي والتجاري لأحمد بن صالح، طرد من الحزب "الاشتراكي الدستوري" الحاكم في يناير/كانون الثاني 1968، وكان عليه أن ينتظر إزاحة أحمد بن صالح، حتى يعود إلى الديوان السياسي للحزب في أبريل/نيسان 1970. 

وفي يونيو/حزيران من نفس السنة، عين وزيرا للداخلية، ليستقيل في الشهر نفسه من 1971 -أي بعد سنة- بسبب عدم وفاء الرئيس الحبيب بورقيبة بالوعود التي قطعها بخصوص الانفتاح السياسي، إذ لم يكن يوجد أي حزب قانوني، سوى الاشتراكي الدستوري، حزب بورقيبة.

حينها وصف أحمد المستيري بأنه "أقوى وزراء بورقيبة" وأحد أشرس معارضيه، ولقب المناصب في تونس بـ"أب الديمقراطية" لكونه أول من عارض في العلن الحبيب بورقيبة.

وخلال مؤتمر الحزب المنعقد في أكتوبر/تشرين الأول من نفس السنة، انتخب في اللجنة المركزية خلفا لـ"الباهي الأدغم".

وإزاء التخوف من سيطرة الليبراليين على الحزب، علق بورقيبة نشاط أحمد المستيري، ثم طرده منه نهائيا في 1972، وفي 1973 طرد من البرلمان الذي كان عضوا فيه منذ الاستقلال.

في 1978، أسس أحمد المستيري حركة "الديمقراطيين الاشتراكيين" بمشاركة مصطفى بن جعفر (رئيس المجلس الوطني التأسيسي بين 2011 و2014)، والوزير الأسبق حمودة بن سلامة، وتولى أمانتها العامة.

اختار العزلة

في عام 1981 شارك حزبه في أول انتخابات تعددية انتهت بالإعلان عن فوز ساحق للحزب الحاكم، وكشف أكثر من مسؤول أبرزهم للرئيس السابق، الباجي قايد السبسي، أنه جرى تزوير الانتخابات البرلمانية، في أكتوبر/تشرين الأول 1981، وإعلان فوز الحزب الحاكم، بدلا عن حركة "الديمقراطيين الاشتراكيين". 

تعرض المستيري خلال ثمانينيات القرن العشرين، لمضايقات من النظام الحاكم، وفي عام 1986 اعتقل وأخضع للإقامة الجبرية بعد مشاركته في أبريل/ نيسان 1986، في مظاهرة منددة بالعدوان الأميركي على ليبيا.

وفي العام 1989، أجرى نظام الرئيس زين العابدين بن علي انتخابات برلمانية شابها تزوير لصالح قوائم "التجمع الدستوري الديمقراطي" حزب بن علي، واندلعت خلافات داخل حركة "الديمقراطيين الاشتراكيين" حول تقييم هذه الانتخابات.

حينها، قرر المستيري الانسحاب طوعيا من الأمانة العامة لحركة "الديمقراطيين الاشتراكيين"، وأنهى كل نشاط سياسي.

عاد اسم المستيري إلى التداول بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وفي نهاية 2013، في أعقاب الأزمة السياسية الأكثر حدة التي عاشتها البلاد.

جرى اقتراح اسم الفقيد ليترأس إجراء انتخابات 2014، ويتولى رئاسة "حكومة الكفاءات" التكنوقراطية (غير حزبية) المنبثفة عن الحوار الوطني والتي أطاحت بحكومة، علي العريض، بعد اغتيال كل من المناضلين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

 لكنه رفض واستمر في الاعتكاف بمنزله، ليجري اختيار، مهدي جمعة، رئيسا للحكومة.

شارك رئيس الجمهورية التونسي، قيس سعيد، في مراسم تشييع الراحل بمقبرة "سيدي عبد العزيز" بالمرسى مسقط رأسه.