لماذا عجّل السيسي بالاستفتاء على التعديلات الدستورية؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

التعديلات الدستورية في مصر كما أُقرت على عجل، تحدد موعد الاستفتاء  عليها أيضا على عجل، وسط تساؤلات عدة تربط بين هذا الاستعجال، وما يحدث على مقربة من مصر في السودان وليبيا، أو أبعد من ذلك في الجزائر.

ربما خشي رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي من انتقال عدوى الاحتجاجات بشكل أو بآخر أو حتى دخول الأمور في فوضى عارمة تؤثر على مصر.

وربما أيضا أنه خشى من ترجمة الرفض الإلكتروني الواسع للتعديلات عبر استطلاعات الرأي وحملة باطل، على أرض الواقع، وتفجير احتجاجات قد لا تبقي ولا تذر.

استفتاء "مسلوق"

الثلاثاء كان الموعد المنتظر لكي يقر مجلس النواب (البرلمان) التعديلات التي حُسم أمرها مسبقا، بعد مناقشات ومداولات صورية حاول الإعلام الموالي للسلطة أن ينقلها كمشهد حضاري، لكنها عسكت برلمانا معبرا عن السلطة وناطقا باسمها ومنفذا لأوامرها.

بأغلبية وصلت إلى 96% من إجمالي النواب الحاضرين جلسة التصويت والبالغ عددهم 554 عضوا، تم إقرار التعديلات التي تتضمن 13 مادة مُعدلة و9 مواد مُستحدثة، أبرزها ما يتيح للسيسي البقاء في الحكم حتى عام 2024 بشكل فوري، مع إمكانية ترشحه لفترة ثالثة مدتها 6 سنوات أي في المحصلة بقاءه حتى عام 2030.

وبعيدا عن جوهر التعديلات وتفاصيلها، فإن مسألة "سلق" المراحل القانونية لإجراء التعديلات الدستورية منذ طرحها من قبل نواب موالين للسلطة وحتى إقرارها، ليست مستغربة بل توقعها الجميع، لكن المستغرب هو التسريع في إجراء الاستفتاء على تلك التعديلات.

فبعد إقرارها بساعات معدودة، أعلن لاشين إبراهيم رئيس هيئة الانتخابات، أن الاستفتاء سيجري داخل البلاد على مدى 3 أيام من 20 إلى 22 أبريل/ نيسان الجاري، وفي السفارات المصرية بالخارج من 19 إلى 21 أبريل/ نيسان.

ربما توقع البعض أن يتم تحديد موعد الاستفتاء في وقت لاحق بعد شهر رمضان وإجازة عيد الفطر المتزامنة مع إجازات الدراسة، أو حتى انتظار إجرائه قبل رمضان بأيام معدودة، إلا أن تسريعه على هذا النحو يثير استغرابا شديدا.

هذا الاستغراب يقود إلى تساؤل مفاده: هل لهذا التسريع علاقة بما يجري من تطورات متلاحقة في دول الجوار المصري، خاصة ما يحدث بالجزائر والسودان؟، لكن ما هي هذه العلاقة، وإلى أي حد قد أجبرت السيسي على الإسراع في إجراء الاستفتاء؟

عدوى الجوار

لا شك أن خشية الأنظمة العربية الديكتاتورية من ارتداد موجات الاحتجاجات الشعبية في الدول المجاورة يبقى متوقعا، بعد ما عاشته المنطقة عام 2011 حيث عصف الربيع العربي بأنظمة 4 دول تونس ومصر وليبيا واليمن، وتحول لحرب عالمية وإقليمية مستمرة حتى الآن في سوريا، ثم جاء ارتداده بعد 8 سنوات كاملة في الجزائر والسودان.

هذه الموجة الأخيرة تحديدا ربما هي التي تخيف السيسي من أن ينتقل سيناريو ما حدث بالبلدين إلى مصر بشكل أو بآخر، رغم القبضة الأمنية غير المسبوقة التي يحكم بها البلاد، أو حتى خشيته من فوضى قد تضرب الجارة الجنوبية السودان، أو أخرى عارمة في الجارة الغربية ليبيا، قد تسبب تداعياتها اضطرابات في مصر تؤثر على عرشه المستقر.

ربما لهذا تعمد السيسي الإسراع في الاستفتاء على التعديلات الدستورية ليس ليحكم قبضته فقط، لكن ليكمل سيطرته على مفاصل البلاد لمدة طويلة، قد يسبقها أجله.

موقع إذاعة "راديو فرانس إنترناسيونال" لفت إلى مخاوف السلطات المصرية مما يجري حولها، وقال: "أسوأ كابوس في مصر هو أن يغرق السودان في الفوضى، إذ سيكون ذلك بمثابة تهديد أمني في الجنوب، يضاف إلى تهديد ليبيا في الغرب، وسيناء في الشرق، ثلاثة مناطق يمكنها تصدير الإرهابيين إلى مصر".

وأوضح موقع الإذاعة أن "التهديد الأهم الذي يقلق السلطات المصرية هو تأثر نهر النيل الحيوي لمصر، والذي يمر عبر السودان بأية فوضى يغرق فيها الأخير، فبسبب مياه النيل حافظت الحكومة المصرية على علاقات جيدة مع الرئيس المعزول عمر البشير، الذي كان حليفا لجماعة الإخوان المسلمين وهي الجماعة التي يعتبرها النظام المصري منظمة إرهابية".

وأخيرا، أشار التقرير إلى تهديد الهجرة من الجنوب الذي سيعرض مصر لأزمة اقتصادية حادة، وهو احتمال يمكن أن يؤدي إلى عبور ملايين السودانيين الحدود بين البلدين بطول أكثر من 1000 كيلو متر ليأتوا إلى مصر.

أما صحيفة "لوريون لوجور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية، فقالت: "في مواجهة عدم الاستقرار المتزايد من الجزائر إلى الخرطوم مرورا بطرابلس، القاهرة تخشى من رؤية الاضطرابات التي تهز جيرانها تفيض على حدودها".

وبعد إسقاط بوتفليقة في الجزائر والبشير في السودان، أكدت الصحيفة أنه من ناحية أخرى غرقت ليبيا في الفوضى منذ سقوط معمر القذافي، وهي الآن في قلب الصراع العنيف على السلطة.

الثلاث أزمات المتزامنة تمثل تحديات مختلفة للدولة المصرية، وفق الصحيفة التي نقلت عن الباحثة في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط، ميشيل دن، قولها: إن "انسحاب بوتفليقة من الجزائر يقدم خطوطا متوازية مع ما حدث في مصر عام 2011، وربما تأمل الحكومة المصرية أن يحافظ الجيش الجزائري على قبضته، وألّا يسمح بانتقال سياسي حقيقي".

وتابعت: "تخشى الحكومة المصرية من أن تعيد الرغبة في الديمقراطية لدى الجزائريين إحياء الخلاف حول الاستبداد المصري".

كرة الثلج تتدحرج

ورغم أن استطلاعات الرأي بشأن التعديلات الدستورية تبقى إلكترونية ليس لها مردود على أرض الواقع، إلا أنها أظهرت مسألتين في غاية الأهمية، الأولى المدى الذي يخشى فيه السيسي من تلك الاستطلاعات إلى الحد الذي يدفعه لمحاربتها.

5 مرات تعرض موقع حملة "باطل" المناهضة للتعديلات الدستورية للحجب، لكنها نجحت في جمع أكثر من ربع مليون توقيع، حتى ساعة إعداد التقرير، كما حجبت السلطات 34 ألف موقع ونطاق إلكتروني، في محاولة للتضييق عليها، وفق ما كشف عنه موقع "نت بلوكس" المتخصص في مراقبة حرية الإنترنت.

وتقول حملة "باطل" في بيان إن "الهدف من الهجوم الدفع بتصويتات غير واقعية إلى النظام الإلكتروني لإبطال جدية العريضة". وتسعى الحملة لتجاوز الحجب من خلال تدشين روابط جديدة للموقع، ومساعدة بعض السياسيين والفنانين والإعلاميين الموجودين في الخارج لتسويقها.

الاستطلاع الذي أجرته شبكة "سي إن إن" بالعربية أظهر هو الآخر نسبة رفض كبيرة للتعديلات الدستورية وصلت إلى أكثر من 66% من إجمالي المشاركين، قبل أن يتم التلاعب في نتيجته لترجيح دفة الموافقة، بحسب الفنان عمرو واكد، الذي رد عبر حساب الشبكة على تويتر بهذا المضمون.

وبحسب واكد، فإن عدد الموافقين على التعديلات في الاستطلاع زادت بأرقام كبيرة وصلت لنحو 35 ألف مصوت من بين 105 آلاف مشارك على فترات متقطعة، أوضحها بشكل مفصل في تغريداته.

دوائر صنع القرار

أما المسألة الثانية التي أظهرتها استطلاعات الرأي، فهي خشية السيسي أن تتدحرج كرة الثلج وتنعكس نتائج تلك الاستطلاعات على أرض الواقع، فتسفر عن مظهر معارض ملموس ربما احتجاج شعبي أو ما شابه.

يأتي هذا التخوف، رغم القبضة الأمنية غير المسبوقة التي يحكم بها السيسي مصر، فضلا عن سعيه الدائم والدؤوب ليس لتركيز السلطات في يده فقط، بل تمكين أبنائه من صناعة القرار في البلاد، ما يعني سيره على نهج الرئيس الأسبق حسني مبارك في توريث السلطة، وفق التقرير الذي نشرته "تايمز" البريطانية.

ويقول التقرير إن السيسي يستعين بأبنائه لمساعدته في البقاء بمنصبه، ويلعبون أدوارا رئيسية في إدارته وهو يواصل التغييرات الدستورية لتعزيز قبضته على السلطة، مشيرا إلى أن تلك الأدوار تتركز في دوائر صنع القرار بالبلاد.

وتابع التقرير: "يُقال إن محمود، نجل السيسي، وهو عميد في جهاز المخابرات العامة، كان يشرف على لجنة غير رسمية ترصد التقدم المتحقق في الإصلاح"، وأن "مصطفى، الابن الأكبر للرئيس، مسؤول كبير في هيئة الرقابة الإدارية، التي اكتسبت مكانة أعلى في عهد السيسي بينما يحاول تأكيد سلطته وسلطة الجيش على الجهاز البيروقراطي للبلاد".

وتابع أن الابن الثالث، حسن، والمسؤول التنفيذي السابق في مجال النفط، قد انضم إلى جهاز المخابرات العامة، وبحسب الصحيفة، فإن النظام يُصر على أن التغييرات التي أدخلت على الدستور اقترحها نواب بالبرلمان، وأن السيسي وأبناءه لا يشاركون في المسألة، "لكن التقارير العامة القليلة عن ترقيات الأبناء تسبب القلق حتى بين أولئك الموالين للسيسي" وفق الصحيفة.

ونقلت عن محللين قولهم إن السيسي "استخدم الإحالة للتقاعد والإقالة لتهميش أجزاء من النظام القديم غير موالية له، وكذلك إعلاء الجيش فوق الشرطة، والمخابرات العامة فوق الأمن الوطني، كما تم رفع مكانة هيئة الرقابة الإدارية".

"اطمن أنت مش لوحدك"

ولعل الحديث عن حملة باطل وما تلعبه من دور يقلق نظام الحكم العسكري في مصر، يعيد إلى الأذهان حملة "اطمن انت مش لوحدك" التي دشنها نشطاء سياسيون وإعلاميون ولاقت تجاوبا غير مسبوق من قطاعات واسعة، كونها دفعت المعارضين لنظام السيسي إلى التعبير عن رأيهم علنا للمرة الأولى دون خوف من البطش الأمني.

وكان لافتا أيضا، دمج كثيرين بين الحملة والتعديلات الدستورية، الأمر الذي أقلق بلاشك نظام السيسي الذي نكّل بعائلة الإعلامي معتز مطر الذي أطلق حملة "اطمن انت مش لوحدك".

وتهدف الحملة إلى طمأنة المعارضين للنظام أنهم الأغلبية في مصر، عبر عدة فعاليات سلمية آمنة، في ظل حالة القمع الشديد التي تشهدها مصر، مثل إطلاق الصفارات والطرق على الأواني وإطلاق أبواق السيارات بنغمة متفق عليها، ويتصدر الوسم الذي يحمل اسم الحملة مواقع التواصل مساء كل أربعاء، وهو الموعد المخصص لفعاليات الحملة.

المثير أنه بعد أيام من إطلاق الحملة، قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن السيسي عقد اجتماعا مع كبار قادة القوات المسلحة والشرطة بحضور وزيري الدفاع والداخلية، وتناول تطورات الأوضاع المحلية والجهود المبذولة فيما يتعلق بالأوضاع الأمنية في شمال سيناء وتأمين الحدود على كافة الاتجاهات.

هذا الاجتماع الأمني الرفيع من غير المستبعد أن تكون له علاقة بمناقشة مآلات الحملة أو بحث إمكانية تطورها وانعكاسها على احتجاجات فعلية، وكيفية مواجهة الأمر.

نسخة بالكربون

ليست قضية توريث السلطة فقط هي القاسم المشترك بين دولتي السيسي ومبارك، بل إن التعديلات الدستورية أفصحت عن توافق جديد يكشف العوامل المشتركة بين نظامين يعتبر كثيرون أن ثانيهما مجرد امتداد للأول لكن بصورة أعنف وأكثر شراسة.

فكما كانت عبارات الإصلاح والاستقرار هي المدخل الذي روج له نظام مبارك للتعديلات الدستورية التي أُقرت عام 2005، لم يختلف الأمر في تعديلات السيسي 2019.

ورغم الشروط التعجيزية التي وضعتها المادة 76 بعد تعديلها عام 2005 ليتحول اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب وليس الاستفتاء، إلا أن الحزب الحاكم وقياداته، احتفوا بها واعتبرها الإعلام الرسمي "خطوة غير مسبوقة لبدء عهد جديد على طريق الإصلاح".

وخرج رموز النظام، بين مسؤولين حكوميين ونواب منتمين للحزب الوطني الديمقراطي وقيادات قانونية كبيرة من الحزب مثل رئيس المجلس أحمد فتحي سرور وآمال عثمان ومفيد شهاب بتصريحات تمتدح التعديل الذي أجري باقتراح من مبارك وموافقة من مجلس الشعب.

رئيس الوزراء أحمد نظيف وصف الأمر باعتباره "يمثل تطورا كبيرا وتاريخيا لم يحدث من قبل للمصريين"، أما الأمين العام المساعد وأمين التنظيم بالحزب الوطني حينها الراحل كمال الشاذلي وصف التعديل بأنه "يفتح الباب أمام إصلاحات واسعة".

وكأنها نسخة بالكربون، قال زعيم الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب الحالي عبد الهادي القصبي، إن مقترح مد فترة الرئاسة لست سنوات يأتي "تطلعا لاستمرارية الاستقرار واستكمال الخطط التنموية"، وشملت نسخة 2019 من التعديلات حملة إعلامية غير مسبوقة شاركت فيها جميع القنوات الخاصة قبل الحكومية، بمشاركة واسعة من نجوم المجتمع من سياسيين وإعلاميين ورياضيين وفنانين.

ملخص التعديلات

تشمل تعديلات الدستور الحالية 13 مادة مُعدلة و9 مواد مُستحدثة. وتحتوي على المواد التالية:

  • زيادة الولاية الرئاسية إلى 6 سنوات بدلا من 4 سنوات.
  • مادة انتقالية تسمح للسيسي بزيادة ولايته الحالية عامين لتنتهي في 2024 بدلا من 2022، والسماح بإعادة انتخابه لمدة ثالثة ولايتها 6 سنوات، ما يتيح له البقاء في السلطة حتى عام 2030.
  • استحداث مادة تجيز لرئيس البلاد أن يعين نائبًا له أو أكثر، ويحدد اختصاصاتهم، ويعفيهم من مناصبهم وأن يقبل استقالاتهم.
  • تعديل مادة تولي للجيش مهمة الحفاظ على مدنية الدولة ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد، وحظر إنشاء أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية.
  • استحداث مادة تحدد مهام رئيس مؤقت للبلاد حال وجود مانع يحول دون مباشرة الرئيس لسلطاته، إذ يحل نائب رئيس البلاد أو رئيس الوزراء عند عدم وجود نائب الرئيس.
  • حظرت مادة الرئيس المؤقت جواز قيامه بطلب تعديل الدستور أو حل مجلس النواب أو إقالة الحكومة، أو الترشح لهذا المنصب.
  • استحداث مادة بتشكيل مجلس الشيوخ (لا يقل عن 180 عضوا)، على أن يتم انتخاب ثلثيه بالاقتراع ويعين رئيس البلاد الثلث الباقي.
  • تعيين رئيس البلاد لرؤساء الهيئات القضائية والنائب العام من بين ترشيحات مجالسها، لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغهم سن التقاعد (70 عاما) ولمرة واحدة طوال مدة العمل.
  • محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في حال القيام بجرائم اعتداء على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو مناطق عسكرية.
  • تعيين رئيس البلاد لوزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
  • تخصيص نسبة 25% من المجالس النيابية (النواب والشيوخ) للمرأة.
  • رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء وغيرهم من أعضاء الحكومة غير قابلين للمساءلة أمام مجلس الشيوخ (الغرفة البرلمانية الثانية) للبلاد.