طفرة صينية هائلة.. ما قصة تكنولوجيا الحوسبة الفائقة التي ترعب أميركا؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

صراع محموم بين بكين وواشنطن، شهد فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على شركات صينية عملاقة، في محاولة لإبطاء برنامج الأسلحة الأسرع من الصوت في الصين.

واشنطن تسعى لتعطيل تكنولوجيا الحوسبة الفائقة الذي تتميز به هذه الشركات الصينية، بامتلاكها مجموعة من أسرع الحواسيب في العالم، ما مكنها من تحقيق طفرة تكنولوجية هائلة، وضعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حالة قلق مستمر.

في مارس/ آذار 2021، أعلنت الصين زيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 6.8 بالمئة للعام 2021، في ظل توتر متواصل مع الولايات المتحدة بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي.

فيما تستمر الصين في صعودها، عاملة على تحسين أجور العسكريين خصوصا لجذب أشخاص يتمتعون بمؤهلات عالية إلى الجيش، واستخدام شركات عملاقة للدفاع عن حدودها بواسطة أسلحة أغلى ثمنا وأكثر كفاءة.

سلاح العقوبات 

في تطور للصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين، أدرجت وزارة التجارة الأميركية، في 8 أبريل/ نيسان 2021، 7 شركات تكنولوجيا صينية متخصصة في أجهزة الحوسبة الفائقة وعالية السرعة، ضمن "القائمة السوداء" بسبب دعمها للجيش الصيني، وهو ما اعتبرته واشنطن تهديدا للأمن القومي الأميركي.

وقالت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو، في بيان إن "هذه العقوبات تهدف إلى منع الصين من الاستفادة من التقنيات الأميركية لدعم الجهود المزعزعة للاستقرار (العالمي) من خلال التحديث العسكري".

وأضافت أن "قدرات الحوسبة الفائقة حيوية لتطوير العديد من الأسلحة الحديثة وأنظمة الأمن القومي، إن لم يكن غالبيتها، مثل الأسلحة النووية والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت".

كانت أبرز الشركات والجهات المستهدفة بالعقوبات، شركة "تيان‌ جين فيتيوم لتكنولوجيا المعلومات" المعروفة أيضا باسم "فيتيوم"، بالإضافة إلى "مركز شنغهاي لتصميم الدوائر المتكاملة ذات الأداء العالي"،  و"صن‌ واي" للإلكترونيات الدقيقة.

وشملت الكيانات الأخرى المشمولة بالعقوبات، فروع المركز الوطني للحوسبة الفائقة وهم، مركز "جين‌ آن" الوطني، ومركز "شنزن" الوطني، ومركز "ووشي" الوطني، ومركز "زينغزو" الوطني، وجميعهم يعملون في مجال الحوسبة الفائقة. 

وتتمتع أجهزة الحاسوب هذه بالكثير من الاستخدامات المدنية، وهي مهمة جدا لتصميم الأسلحة، وخاصة تصميم الأسلحة المتقدمة، والأسلحة النووية، والصواريخ الإلكترونية، والصواريخ، وحتى التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

وتعد الصين متقدمة بأشواط على بقية الدول على صعيد عدد الحواسيب الفائقة على أراضيها، وتنافس الولايات المتحدة في ذلك، ما جعلها قوة مهددة لواشنطن في ذلك المجال.

سرعة الصوت

كانت شركة فيتيوم الصينية من أبرز الشركات التي وضعتها واشنطن على رأس القائمة السوداء، وفرضت عليها العقوبات، وهي شركة أشباه موصلات صينية، تقوم بتصميم المعالجات الدقيقة عالية الأداء.

تأسست فيتيوم عام 2012، كفرع لمؤسسة الصين للإلكترونيات، وتعد على علاقة وثيقة بتطوير الجيش الشعبي الصيني، الذي استخدم معالجات فيتيوم الدقيقة للحاسوب الفائق في أكبر مجمع لأبحاث الديناميكا الهوائية في الصين، والذي يجري أبحاثا عن أسلحة تفوق سرعة الصوت.

وليست هذه المرة الأولى التي تدخل فيتيوم ضمن سلسلة العقوبات الأمريكية على الشركات الصينية، ففي عام 2015 بدأت الإدارة الأميركية خلال عهد أوباما، في فرض عقوبات على الكيانات المرتبطة بالحوسبة عالية الأداء للجيش الصيني، حيث وضعت "الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع"، و"المركز الوطني للحوسبة الفائقة في تيان‌ جين" على قائمة الكيانات المحظورة، وكلاهما مرتبطان ارتباطا وثيقا بفيتيوم.

وفي يناير/ كانون الثاني 2019، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ، تيانجين، التي تبعد 70 ميلا عن بكين وموطن شركة فيتيوم، مؤكدا أهمية الشركة لجهود "الابتكار المحلي" في البلاد.

وفي 8 أبريل/ نيسان 2021، بعد إصدار العقوبات الأميركية، أعادت فيتيوم تسمية نفسها رسميا، لتصبح شركة "في‌ تنك" لتكنولوجيا المعلومات.

الخبير في مجال الاتصالات، والمحاضر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بالولايات المتحدة الأميركية، الدكتور نائل الشافعي علق على الموضوع عبر صفحته بموقع "فيسبوك".

الشافعي قال: "فيتيوم تعمل على بناء أول (إكسا حاسب) أي حاسب قادر على إجراء مليون تريليون عملية حسابية في الثانية، لأن هذا الحاسب، بالإضافة لاستخداماته المدنية سيكون قادرا على تصميم أسلحة متقدمة، ويمكن من خلاله حسابات ديناميكا الموائع الأساسية لتصميم الصواريخ والغواصات".

وأضاف: "كانت أميركا تتصدر قائمة أسرع حواسب فائقة بالعالم حتى 2009 حين أزاحها الحاسب (تيان‌ خى) الصيني، المبني على معالجات إنتل الأميركية، واستمر في تصدر القائمة حتى 2018 حين أعلنت (تيان‌ خى) نيتها استبدال إنتل بمعالج محلي، فحظرت أميركا التصدير إليها".

تكنولوجيا مخيفة

أكثر ما يقلق الولايات المتحدة، من الطفرة الصينية الهائلة في مجال الحوسبة الدقيقة، هو العملاق الصيني "تيان‌ خى-2"، وهو ما يعني "درب التبانة 2"، الذي تم تطويره من قبل الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع في مدينة "تشانغشا" في الصين.

حصل "تيان‌ خى-2" في يونيو/ حزيران 2013، على مركز أسرع حاسوب في العالم ضمن قائمة "Top 500".

وحسب ما ذكرته مجلة "تشاينا ديلي" الصينية في 15 أغسطس/ آب 2018، تمتلك الصين  45 بالمئة من أسرع 500 حاسوب عملاق في العالم، إضافة إلى احتلالها لاثنين من المراكز العشرة الأولى، وفقا للطبعة الثانية والخمسين من قائمة "توب 500" لتصنيف أسرع الحواسيب العملاقة عالميا، الصادرة في جامعة تكساس الأميركية. 

المجلة أوردت أن "الصين وسعت حصتها في القائمة العالمية لأسرع الحواسب العملاقة في العالم، حيث ارتفع عدد الحواسيب الفائقة المثبتة في الصين ليصل إلى 227 حاليا، وهو ما يمثل 45.4 بالمئة من الإجمالي العالمي، وفقا للتصنيف".

وأضافت: "على النقيض من ذلك، يستمر عدد الحواسيب الفائقة التابعة للولايات المتحدة في الانخفاض، ليصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق". 

وفي 10 أبريل/ نيسان 2021، نشرت صحيفة "واشنطن بوست"، تقريرا قالت فيه: "تبني الصين أنظمة أسلحة متطورة، قادرة في يوم من الأيام على استهداف حاملات الطائرات الأميركية (أو تايوان)". 

وأكدت أن "بكين تطور صواريخ في منشأة عسكرية سرية في جنوب غرب الصين، معتمدة على الكمبيوتر الضخم المستعمل في صناعة الأسلحة برقائق صغيرة، صممتها شركة صينية تدعى (فيتيوم)". 

وأوضحت: "أن شركة فيتيوم تعد مثالا على كيفية تسخير الصين للتكنولوجيا المدنية للأغراض العسكرية الإستراتيجية، حيث استغلت حلقة حيوية في سلسلة التوريدات العالمية الخاصة بالرقائق الإلكترونية، وأنشأت تقنية فوق صوتية، تتيح للصواريخ الانطلاق بسرعة تتجاوز سرعة الصوت بخمسة أضعاف، وبالتالي قد يمكنها من الإفلات من أنظمة التصدي الدفاعية".

وفي 8 أبريل/ نيسان 2021، أوردت صحيفة "بلومبيرج" الأميركية أن "الاستثمارات الصينية الكبرى في مجال الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت مصدر قلق كبير لدى وزارة الدفاع الأميركية".

وذكرت على لسان مارك لويس، مدير أبحاث وتكنولوجيا الدفاع في البنتاغون سابقا، أن "الأسلحة الأسرع من الصوت هي تقنية عسكرية ناشئة وحاسمة، والصين يمكن أن تستهدف السفن البحرية والقواعد الجوية في المحيط الهادئ".

مضيفا أن "صاروخ كروز التقليدي سيستغرق ساعة أو ساعتين للوصول إلى هدفه بينما يمكن لصاروخ يفوق سرعة الصوت القيام بذلك في دقائق، وإنه مصدر قلق كبير".

فترة خطيرة

في 27 مارس/ آذار 2021، في تحليله للتوترات بين الولايات المتحدة والعالم الغربي من جهة، والصين من جهة أخرى، شدد الدبلوماسي الأميركي المخضرم هنري كيسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، على التحذير من تفجر منافسة تخرج عن السيطرة بين الغرب والصين، واستند في تقييمه إلى تجارب التاريخ. 

وفي كلمة له عبر تطبيق "زووم" خلال مؤتمر نظمه المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن اعتبر كيسنجر أنه في حال عدم الوصول إلى تفاهم بين الولايات المتحدة والصين حول نظام عالمي جديد، فإن العالم سيواجه فترة خطيرة مثل تلك التي سبقت الحرب العالمية الأولى.

وقال: "الأمر المهم يتعلق بما إذا كان بمقدور الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الوصول إلى تفاهم مع الصين حول نظام عالمي جديد. إذا لم نصل إلى هذه النقطة وإذا لم نصل إلى تفاهم مع الصين بهذا الشأن فسنكون إذن في الوضع الذي سبق الحرب العالمية الأولى في أوروبا حيث كانت الصراعات المستمرة تحل على أساس فوري لكن أحدها كان يخرج عن السيطرة في مرحلة ما".

كما وجه انتقادا مبطنا إلى الغرب، قائلا: "على الغرب أن يرتقي بأدائه وأن يؤمن بنفسه.. إنها مشكلتنا الداخلية وليست مشكلة الصين".