تغييرات تبون في المؤسسة العسكرية.. ما علاقتها بالحراك الجزائري؟

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا أسماء جديدة في كل من وزارة الدفاع والمديرية العامة للأمن الوطني، دون أن يذكر البيان الرئاسي أسباب إنهاء أعمال المسؤولين السابقين، الذين جرى تعيينهم مع بداية الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019.

في الوقت الذي يترقب فيه الجزائريون إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/ حزيران 2021، والإطاحة ببعض رموز الفساد في السلطة، استجلب الرئيس مسؤولين أمنيين من عهد النظام القديم على رأس المؤسسات الأمنية في البلاد.

استقرأ المراقبون من خطوة تبون أن النظام يدخل مرحلة جديدة في التعامل مع الحراك، وأن تعيين هذه الأسماء يجسد توجه النظام القديم في القمع وإخراس صوت الشارع من جديد

تبادل أدوار

أنهى الرئيس الجزائري في 15 مارس/آذار 2021، مهام المدير العام للأمن الوطني خليفة أونيسي، وعين مكانه فريد زين الدين بن الشيخ، حسب بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية.

لم يذكر البيان أسباب إنهاء أعمال أونيسي، الذي استلم مهامه على رأس المديرية العامة للأمن الوطني في أغسطس/ آب 2019، بعد حوالي 5 أشهر من انطلاق الحراك الشعبي، وبعد حوالي شهرين من رحيل بوتفليقة من الحكم في 2 نيسان/ أبريل.

وكان فريد زين الدين بن الشيخ، المدير الجديد للأمن الوطني، يشغل منصب المفتش العام للشرطة في منطقة الوسط التي تضم العاصمة الجزائرية، فيما يتولى منصبه الجديد مع انطلاق الموجة الثانية من الحراك في فبراير/شباط 2021، بعد توقف بسبب الجائحة.

فيما حضر الفريق السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، في 15 مارس/آذار 2021، مراسم تنصيب اللواء محمد الصالح بن بيشة، كأمين عام جديد بالنيابة لوزارة الدفاع، خلفا للواء عبد الحميد غريس.

وأفادت صحيفة "النهار" المحلية المقربة من السلطات، بأن شنقريحة أعطى الصالح بن بيشة تعليمات وتوجيهات المنصب الجديد، بغية "مواصلة جهود خدمة البلاد".

ابن بيشة، بدوره ليس دخيلا على المؤسسة العسكرية، إذ شغل منصب مدير الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع الوطني ليتم تنحيته في يوليو/ تموز 2020، وتعيين اللواء عيسى حمادي محله، كما تقلد منصب مدير المستخدمين والموارد البشرية بوزارة الدفاع الوطني.

وفي 17 مارس/آذار 2021، عين الرئيس الجزائري، بومدين بن عتو، مستشارا لدى رئيس الجمهورية مكلفا بالشؤون المتصلة بالدفاع والأمن، واستدعى تبون الجنرال عتو من التقاعد، بعد أن شغل منصب المراقب العام للجيش قبل أن ينهي الرئيس السابق بوتفليقة مهامه في آب/ أغسطس 2018، وهو المنصب الذي شغله منذ سنة 2005.

المستشار الأمني الجديد سبق أن شغل منصب مدير الاتصال والإعلام والتوجيه بوزارة الدفاع الوطني ما بين عامي 2004 و2005، وحصل على رتبة لواء سنة 2012، واعتبر طيلة سنوات من أبرز إطارات المؤسسة العسكرية.

ويخلف اللواء بن عتو اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد الذي كلف بإدارة معهد الدراسات الشاملة التابع لرئاسة الجمهورية.

هرم السلطة

هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها تبون تغييرات في مناصب في مؤسسة الجيش والأمن منذ وصوله إلى الحكم، ففي كانون الثاني/ يناير 2021، عين الرئيس اللواء نور الدين مقري خلفا للواء محمد بوزيت على رأس جهاز الأمن الخارجي التابع للمخابرات.

رأى بعض المراقبين أن الأسماء التي أعادها تبون إلى المشهد، هي التي كانت ظاهرة فيه قبل الحراك، قبل أن يميطها قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح، وأن عودتها تمثل جزءا من توافقات فرضتها المرحلة بين الرئيس والجيش، خصوصا وأن البلد مقبل على استحقاقات تأتي في ظرفية رجوع المحتجين إلى الشارع.

بعد وفاة قايد صالح، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2019، الذي اعتبر الحاكم الفعلي للبلاد في الفترة بين استقالة بوتفليقة وانتخاب تبون في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، توقع المراقبون تغير المعطيات.

حدث ذلك بالفعل عندما عاد اللواء المتقاعد، خالد نزار، إلى الجزائر يوم 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، تزامنا مع صدور أحكام البراءة  من تهمة "التآمر على الجيش والدولة" بحق كل من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق ومستشاره الخاص، والمديرين السابقين للاستخبارات بشير طرطاق (يعرف أيضا بعثمان طرطاق)، ومحمد مدين الملقب بـ"الجنرال توفيق".

السرعة التي أعيدت بها المحاكمة، خلافا لما تعرفه هذه القضايا عادة، جعلت بعض المراقبين يستقرؤون في هذه التطورات مؤشرا لافتا على وجود تسويات على مستوى هرم السلطة، للسماح بعودة وجوه من منظومة الحكم القديمة.

فيما رأى ناشطون، أن النظام لم يتغير، بل شهد نوعا من التجاذبات الداخلية فقط بين أجنحته، فيما ذهب آخرون إلى القول إنها "العهدة الخامسة" لبوتفليقة، فقط الوجوه التي تغيرت.

أحد مؤسسي حركة "عزم" الشبابية المنظمة للحراك في الجزائر، الدكتور حمزة حسام، قال: "الأحكام ارتبطت بصفقة، بالنظر إلى متغيرين أساسيين، أولهما هو تغير قيادة الجيش والرئاسة، فالقيادة العسكرية السابقة الممثلة في القايد صالح، كان عدائها الشديد لتوفيق وتياره داخل الجهاز العسكري والأمني والاستخباراتي، معروفا".

وأفاد المحلل السياسي في حديث سابق لـ"الاستقلال"، أن تغير هذه القيادات العسكرية، أدى إلى تغير طريقة التعامل مع الجنرالات الموقوفين وأنصارهم، وهو ما اتضح منذ إطلاق سراح رجل الأعمال، يسعد ربرات، الذي كان يحسب على الجنرال توفيق.

صناعة القرار

البروفيسور بوحنية قوي، أستاذ العلوم السياسية، وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية، بجامعة ورقلة الجزائر، أشار إلى أن ما يحدث من تغييرات داخل المؤسسة العسكرية مرتبط بالأساس بصناعة القرار داخل الجيش وليست له علاقة بالحراك.

وقال قوي لـ"الاستقلال": "يجب التوضيح بداية إلى أن الحراك مطالبه منحصرة في إقامة دولة العدل والقانون وأيضا دمقرطة الحالة السياسية وإلغاء الكثير من المظاهر التي سادت خلال مراحل سابقة".

وأضاف: "النسخة الثانية من الحراك رفعت بعض الشعارات مثل مدنية لا عسكرية، لكن الحراك في بدايته كانت مطالبه واضحة بإسقاط العهدة الخامسة وما لحقها من تغييرات، تحقق بعضها والبعض الآخر لم يتحقق بعد".

الإشكال، وفق البروفيسور، أن ما يطرح هو مغالطة، بأن ما يحدث الآن داخل المؤسسة العسكرية من تغييرات من طرف  وزير الدفاع رئيس الجمهورية تبون، وما يحدث من إعادة صياغة الخارطة العسكرية داخل المؤسسة من حيث إعادة بعض الوجوه وإبعاد أخرى، فهذا له علاقة بصناعة القرار داخل الجيش ومحاولة ترتيب أوراقه، ولا أعتقد بتاتا أن له علاقة بالحراك".

ولفت أستاذ العلوم السياسية، إلى أنه يمكن القول بأن هناك مجموعة من العراقيل والمطبات التي حدثت، في نهاية السنة الفارطة، بعد إقرار التعديل الدستوري منها مرض الرئيس الذي استغرق أكثر من شهرين وغيابه عن الساحة السياسية.

وتابع: "هذا ترك فرصة لكثير من التأويلات، بعضها مغرض ومنها ما هو مرتبط بأجندات مختلفة، فيما ارتبط بعضها بخطاب سياسي معين تتبناه المعارضة".

ومضى قائلا: أعتقد أن الغياب الذي دام شهرين، وبعده إقرار التعديل الدستوري، ثم بعده إقرار قانون الانتخابات، كلها جعلت القراءات تختلف بين هذه الأطراف وأيضا جعلت الكثير من القراءات، التي تبدو لي إلى حد كبير متعجلة.

ورأى البروفيسور، أن المخاض السياسي داخل النظام مازال في بدايته منذ بداية حكم تبون، الذي لم تمر عليه سوى سنة واحدة، في ظل ظروف الجائحة التي يمر بها العالم وتقرير مجموعة من التدابير، ما جعل الحديث عن الشأن السياسي إلى حد كبير مغيبا، لكن في الفترة الأخيرة وقد طرح بكثرة جعل النقاشات تعود من جديد.

وختم قوي حديثه قائلا: "المؤسسة العسكرية  مازالت قوية في صناعة القرار، ومازالت محل إجماع، كما أن القرار السياسي العسكري يخضع لشكل توافقي ولكن بشكل فردي، وبالتالي لا علاقة له بالحراك".