لماذا تهدد الصراعات العرقية إثيوبيا بعد عام من ثورة التصحيح؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أشهر عدة من الهدوء عاد الصدام القبلي مرة أخرى لإثيوبيا، ليطلق جرس الإنذار هذه المرة من ولاية أمهرا، التي شهدت خلال الأيام الماضية هجوما متبادلا من قوات الشرطة المحلية مدعومة بقوات الأمن الفيدرالية، ضد جماعات مسلحة لم تعلن الحكومة الإثيوبية عن هويتها حتى كتابة هذه السطور.

وتشير الأحداث الساخنة في منطقة شعب الأورومو، إلى أن إثيوبيا مقبلة على صيف ساخن، بالتزامن مع مرور عام على إزاحة رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلى مريام ديسالين، وتعيين آبي أحمد بديلا عنه.

وحسب مسار الأحداث المتصاعدة، فإن الأزمات التي واجهها آبي أحمد، مع بقايا أنصار النظام السابق وخاصة من قومية التيغراي، التي ظلت مسيطرة على الحكم منذ تولي ملس زيناوي وحتى الثورة الشعبية لشعب الأورومو قبل عام، تؤكد أن الصراع مع مراكز القوى بدأ يمتد من مكان لآخر، ولكنه هذه المرة دخل في أهم ما يقلق رئيس الوزراء الإثيوبي الشاب وهو الصدام القبلي، والذي يمكن أن يصل بإثيوبيا لحرب أهلية طاحنة تعيدها سنوات كثيرة للوراء.

ماذا جرى؟

تسلسل الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة شمال الشوا، بولاية أمهرا، بدأت في الثامن من أبريل / نيسان الجاري، بهجوم لجماعات مسلحة على المواطنين العزل ودور العبادة، ما أدي لمقتل عدد من المواطنين، ونهب العديد من الممتلكات العامة والخاصة، ليقوم بعدها مجلس الأمن القومي الإثيوبي، باتخاذ عدة إجراءات تصعيدية، منها توجيه الأوامر للقوات المسلحة والمؤسسات الأمنية الفيدرالية والشرطة باتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد المحرضين على أعمال العنف، سواء في مدينة كميسي، التي تعد المركز الإداري لمنطقة أورومو أو في باقي ضواحيها.

ورغم تحرك الأمن الفيدرالي وحملة التجييش التي قامت بها الحكومة المركزية، لمنع انتشار العنف بالمنطقة، إلا أن الأهالي فوجئوا بهجوم من الجبال والغابات في صباح اليوم الثالث للأحداث، ما أدي لمقتل 27 مواطنا وثلاثة من رجال الشرطة، مع غياب لأي إحصاء عن الخسائر في صفوف القوات المعادية.

ونقلت وكالة "الأنباء الإثيوبية" عن رئيس منطقة شمال شوا قوله: "كان الهجوم من أعلى الجبال، ويتزايد عدد الضحايا كل فترة، وحتى الآن حصيلة القتلى وصلت إلى 27، وهناك إمكانية لتصاعد هذه الأرقام، وأن ثلاثة من القتلى هم من أفراد شرطة الولاية".

وحسب رواية رئيس المنطقة، فإن الجماعات المسلحة مارست أعمال نهب لممتلكات السكان، وهاجموا الكنائس والمؤسسات الدينية الأخرى، واختطفوا ثلاثة أشخاص.

وتشمل المناطق المتأثرة بالعنف مدينة كميسي، والتي تعد المركز الإداري للمنطقة الإدارية لمجتمع أورومو؛ وكذلك مدينتي عطاي وكركوري وأفراتا وجديم ويريدا.

وما يثير القلق في الأحداث الأخيرة، أن حكومة ولاية "أمهرا" سبق وأن طلبت من الحكومة الفيدرالية في فبراير/ شباط الماضي، بنشر القوات المسلحة والشرطة الفدرالية، نتيجة تفشي الاضطرابات في المنطقة نتيجة الانفلات الأمني المستمر.

بعد مرور عام

ويربط العديد من المختصين بالشأن الإثيوبي، الانفلات الأمني وتصاعد أعمال العنف في ولاية الأمهرا، بمناسبة مرور عام على تولي رئيس الوزراء الشاب آبي أحمد، لرئاسة الحكومة بالبلاد خلفا لـ"هايلى مريام ديسالين"، بعد مظاهرات ساخنة لشعب الأورومو نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية بالبلاد، ليبدأ بعدها آبي أحمد ثورة تصحيحية داخل الحزب الحاكم بإثيوبيا، استجابة لرغبة "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية"، التي تمثل المرجعية السياسية الأساسية للحكم بإثيوبيا، وهو ائتلاف تم تأسيسه عام 1991، من أربعة أحزاب تشكل الوعاء الأكبر للإثنيات والقوميات الإثيوبية وهم: "منظمة أورومو الديمقراطية الشعبية، وحركة أمهرا الديمقراطية الوطنية، والحركة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية الجنوبية، وجبهة تحرير الشعب التيجرية".

وفي دراسة قيمة للباحث أحمد عسكر بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، فإن آبي أحمد استطاع خلال عامه الأول منذ تسلُّمه الحكم أن يَحْظَى باهتمامٍ إقليميٍّ ودوليٍّ ملحوظ؛ نظرا لأن صعوده للسلطة مثَّل سابقة في تاريخ إثيوبيا الحديث بأن يحكم أحد أبناء قومية "أورومو" البلاد بعد استحواذ التيجراي على السلطة ومفاصل الدولة على مدار العقود الثلاثة الماضية.

وبحسب الدراسة، فإن آبي أحمد استطاع تحقيق إنجازات جيدة على الصعيد الداخلي ضمن المشروع الإصلاحي الذي يستهدف من خلاله تماسك الجبهة الداخلية الإثيوبية التي تعرضت خلال السنوات الأخيرة إلى بعض التحديات التي من شأنها التأثير سلبًا على مستقبل الدولة هناك، إضافة إلى دوره في دعم مناخ السلام في منطقة القرن الأفريقي خاصة بعد توقيعه اتفاق السلام مع إريتريا في يوليو/تموز 2018.

وتشير الدراسة إلى أن رئيس الوزراء الشاب قد تولى الحكم في ظل انقسام التحالف الحاكم على نفسه، وفي ظل انقسامات بين المكونات القومية –العرقية والإثنية- داخل البلد صاحب المائة مليون نسمة، وهو ما كان بمثابة عامل تحفيز للقيادي الشاب، في أن يواصل مساعيه للقيام بثورة تصحيح لأخطاء الماضي، وتنفيذ العديد من الإصلاحات في البلاد، حيث تعهد في بداية حكمه بإجراءات من شأنها تعزيز الديمقراطية، بتنفيذ خطوات إصلاحية على كافة المستويات، والاعتذار عن انتهاكات الأجهزة الأمنية في حق المعارضين، وتبنّي سياسة خارجية تنفتح على الجميع، وتعيد السلام بين إثيوبيا وإريتريا.

وترى الدراسة نفسها، أن هذه الإصلاحات لم تتقبلها بعض الأطراف السياسية في البلاد التي حاولت عرقلة آبي أحمد عن المضي قدما نحو الإصلاح في الداخل، فكانت محاولة اغتياله الفاشلة في يونيو/حزيران 2018، بميدان "مسقل" في العاصمة أديس أبابا، وقيام عدد من أفراد الجيش الإثيوبي في أكتوبر/تشرين الأول  2018، بمحاولة اقتحام مكتبه للتعبير عن استيائهم بالنسبة للأجور وبعض المطالب الأخرى، وهو ما اعتبره آبي أحمد محاولة لإجهاض التغيير في إثيوبيا.

أبرز الصراعات

وتعتبر الحكومة الإثيوبية استمرار الصراعات الطائفية والإثنية، إحدى محاولات بعض القوى المناوئة لتعطيل عملية الإصلاح التي يقوم بها آبي أحمد، خاصة وأن هذه الصراعات أدت لنزوح ولجوء ما لا يقل عن 1.8 مليون إثيوبي.

ووفق الدراسة السابقة فإن أبرز هذه الصراعات بين قوميتي الصومالية والأورومو وهو الصراع الدائر منذ يوليو/تموز 2018، والتي قدر المجلس النرويجي للاجئين أنها تسببت في نزوح أكثر من 200 ألف شخص نتيجة الصراع بينهما.

كما أن هناك صراعا بين قوميتي الصومال والعفر في إثيوبيا على المنطقة الحدودية بينهما "إنديفو". وهو ما يعيد للأذهان تصاعد النزعة الانفصالية في البلاد؛ في ظل تمسك الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين بموقفها السابق لانفصال الإقليم الصومالي في إثيوبيا عنها، الأمر الذي يثير المخاوف لدى صانعي القرار الإثيوبي من تفكك الدولة الإثيوبية، والسعي دوما نحو الحفاظ على الاتحاد الفيدرالي للبلاد.

ويضاف لما سبق استمرار الخلاف بين الحكومة المركزية وبعض الجبهات المسلحة، وعلى الرغم من عودة جبهة تحرير أورومو إلى البلاد إلى جانب ست جماعات وحركات متمردة كانت متمركزة في إريتريا عقب توقيع اتفاق السلام بين البلدين، إلا أن هناك خلافا قد نشب بين الجبهة والحكومة الفيدرالية بشأن نشر القوات الإثيوبية في مناطق ينشط فيها مقاتليها، وهو ما كان سببا في أن يوجه بعض القيادات المحلية في إقليم الشوا أصابع الاتهام لمقاتلي جبهة تحرير أورومو بتنفيذ العمليات الأخيرة ضد المواطنين العزل.

مصير يوغسلافيا

وقد اهتمت الصحف العالمية بتطورات الأحداث في إثيوبيا، ما دفع بمجلة "فورين بوليسي" لتوجيه تحذير للحكومة الإثيوبية بأن يكون مصيرها، شبيها لمصير يوغسلافيا السابقة، وتشير دراسة مفصلة للمجلة إلى أن الخطوات الإصلاحية لآبي أحمد، والتي كان من أبرزها، منح الآلاف من الأشخاص والمنظمات العفو والأمان، بعد أن كانوا يعتبرون من الإرهابيين، والتوسع في منح الأقليات حكما ذاتيا، كل هذا يمثل سلاحا ذا حدين، في بلد يعيش فيه قرابة 100 مليون نسمة ينتمون إلى أكثر من 80 مجموعة عرقية.

وتشير المجلة لأوجه التشابه مع الحالة اليوغسلافية في تسعينات القرن الماضي، بأن إثيوبيا دولة فيدرالية مؤلفة من تسع وحدات منظمة على طول خطوط عرقية هي مناطق التيغراي، وصومالي، والأمهرا، وأوروميا والتي تأخذ اسمها من المجموعة العرقية التي تعيش فيها، وتمثل هذه المناطق 80 بالمئة من إثيوبيا.

ويمثل تعزيز مكانة كل مجموعة عرقية من خلال الحكم الذاتي لها سلاحا ذا حدين، ففي الوقت الذي أدى السماح لهذه المجموعات بالحكم الذاتي إلى تخفيف شدة التوترات الناجمة عن سيطرة مجموعة عرقية محددة، أصبح الانتماء إلى العرقية في المقام الأول، الأمر الذي يشكل خطر تزايد التوتر العرقي في نهاية المطاف بين المجموعات.

ووفق الدراسة نفسها فإن يوغسلافيا خضعت لتحولات سياسية في تسعينيات القرن الماضي، تماما كما خضعت له إثيوبيا الآن. وظهرت قضايا مستقبل النظام السياسي والاقتصادي إلى الواجهة، وكذلك الصراع على السلطة، أصبح مغلفاً بالسياسة العرقية، وحسب الدراسة فإنه وحتى الآن ليس هناك ما يثير المخاوف، خاصة وأن المطالب الانفصالية لمجموعات صغيرة في منطقة صومالي الإثيوبية ظهرت منذ عقود، ما جعل المنطقة ميدان صراع معهود، وكذلك منطقة تيغراي يمكن أن تشتعل فيها شرارة الأزمة أيضا، ومن دون الإدارة الحذرة للمرحلة الانتقالية يمكن أن تتعرض إثيوبيا للانقسام والتشظي على طول خطوطها العرقية.

تصفية الحسابات

وقد اتفقت "فورين بوليسي" مع كثير من التحليلات الأخرى، بأن أكثر ما يهدد إثيوبيا، هو حزب جبهة تحرير تيغراي الاشتراكي، الذي سيطر على السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية في إثيوبيا لعدة عقود، وقد أدت التحولات الأخيرة في تركيبة الحكم، لاستياء الحزب خوفا من ملاحقات جنائية انتقائية لمسؤوليه السابقين والحاليين، بسبب الانتهاكات الصارخة التي ارتكبوها ضد المعارضين السياسيين وتورطهم في قضايا الفساد.

ويشير تحليل معمق لمركز الدراسات والبحوث التابعة لقناة الجزيرة القطرية، إلى أن القيادات العسكرية من قومية "تيغراي" ظلوا يهيمنون على مفاصل السياسة الإثيوبية الداخلية والخارجية، لأكثر من عقدين، إلا أن قرار آبي أحمد بتعيين سيري مكونن قائدا للقوات المسلحة خلفا لسامورا يونس الذي خدم في الجيش الإثيوبي لأربعة عقود، وتعيين قائد القوات الجوية، آدم محمد، رئيسًا لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني ليحل محل جيتاتشو أسافا، كان بمثابة الضربة الموجعة للتيغراي، الذين لم يدخروا جهدا في محاولة الانقلاب على رئيس الوزراء الشاب من جهة، ومحاولة اغتياله من جهة أخرى، وتورطهم في فشل مشروع سد النهضة ومقتل رئيس السد من جهة ثالثة.

كما نظم حزب جبهة تحرير تيغراي الاشتراكي، عدة مظاهرات قبل ثلاثة أشهر في معظم مدن إقليم تغراي بشمال إثيوبيا، والتي شملت الحمرة وأكسوم وعدوة والماطا لتأييد الجبهة الشعبية لتحرير تغراي الحاكمة في الإقليم، وقبل هذه المظاهرات كان رئيس الجبهة وحاكم الإقليم بالإنابة ديبراصيون جبري مايكل قد رفض، ما أسماه استهداف الإقليم تحت ذريعة سيادة حكم القانون.

وتكشف هذه المظاهرات وتصريحات مايكل عمق الخلافات بين أعضاء جبهة تحرير شعب التيغراي، ورئيس الوزراء، الذي غيّر سياسات كثيرة عبر سلسلة من التحولات الجذرية، رغم أن الاثنين شركاء في ائتلاف الجبهة الثورية الحاكم.

القرن الأفريقي

وبالعودة لتحليل مركز بحوث الجزيرة، وغيره من الكتابات الأخرى، فإن ما يحدث في إثيوبيا، إذا خرج عن حدود السيطرة سيكون له تداعيات سيئة على منطقة شرق أفريقيا، التي تشهد أعلى معدلات للنمو الاقتصادي على مستوى العالم، وفق تقارير البنك الدولي، إلا أن الأخطر هو تأثير عدم الاستقرار داخل إثيوبيا على منطقة القرن الأفريقي، بعد النجاحات التي حققها آبي أحمد في هذا الملف، والذي أوجد لإثيوبيا الحبيسة موضع قدم في أهم منطقة بحرية على مستوى العالم.