أملا في تجديد ولايته.. هكذا يسخر عباس القوانين لصالحه قبل الانتخابات

خالد كريزم | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل أشهر قليلة من الانتخابات العامة، بدأ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) بإزاحة أبرز منافسيه على كرسي الرئاسة وإصدار قرارات ومراسيم جديدة تشير إلى محاولته التفرد بالحكم.

كان من اللافت في هذه الجولة، أن أبو مازن رئيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، بدأ يتنافس مع قيادات في داخل الحركة التي تشهد انقساما وتشرذما حادا، يضعها في حالة ضعف كبيرة أمام منافسها العنيد حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

ومن المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في 22 مايو/أيار والرئاسية في 31 يوليو/تموز والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) في 31 أغسطس/ آب من عام 2021، بحسب مرسوم رئاسي أصدره عباس في 15 يناير/كانون الثاني من نفس العام.

وأجريت آخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي مطلع 2006، وأسفرت عن فوز حركة "حماس" بالأغلبية، فيما سبقها بعام انتخابات للرئاسة وفاز فيها عباس.  

وانتهت ولاية عباس الرئاسية دستوريا في 9 يناير/كانون الثاني 2009 لكنه ظل في منصبه، متخذا من الانقسام الداخلي ذريعة للبقاء.

إزاحة المنافسين

وما أن توصلت أطراف الانقسام (حركتا فتح وحماس) إلى اتفاق بشأن إجراء الانتخابات، حتى بدأ عباس بالتحرك لإزاحة أي منافسين محتملين على الرئاسة والمجلس التشريعي.

آخر خطوات عباس في هذا الصدد كانت إقالة الدبلوماسي والوزير السابق ناصر القدوة (68 عاما) من حركة فتح، وهو ابن شقيقة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

انتخب القدوة عضوا في اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني "فتح" عام 2009، والتي تعد بمثابة الحزب الحاكم، في أراضي السلطة الفلسطينية. 

وطوال وجوده في اللجنة المركزية، لم يعرف عن القدوة أي نزعة صدامية مع القيادة السياسية الفلسطينية، لكن قرار إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، فجر مفاجأة من العيار الثقيل، حيث كرر القدوة إطلاق انتقادات لاذعة للقيادة الفلسطينية، وحركة "فتح".

وأعلن القدوة في الفترة الماضية، نيته خوض الانتخابات التشريعية عبر قائمة منفصلة عن الحركة، أطلق عليها اسم "الملتقى الوطني الديمقراطي"، وسبق أيضا أن أعلن عزمه دعم القيادي في الحركة الأسير مروان البرغوثي، في حال قرر الترشح للرئاسة، وهو ما قد يضعه في منافسة مع عباس. 

إثر ذلك، قررت اللجنة المركزية لـ"فتح"، في 11 مارس/آذار 2021، فصل القدوة. وقال بيان صادر عن اللجنة حمل توقيع عباس، إن قرار الفصل يأتي بعد انتهاء مهلة تم منحها للقدوة، مدتها 48 ساعة للتراجع عن مواقفه المعلنة "المتجاوزة للنظام الداخلي للحركة وقراراتها والمس بوحدتها".

وأكد القيادي المفصول من حركة فتح النائب محمد دحلان أن قرار فصل ناصر القدوة "مخالف لكل لوائح وأنظمة الحركة وأعرافها العريقة".

وقال دحلان في منشور على حسابه بفيسبوك إن هذه "خطوة جديدة في بعثرة قدرات وقوة فتح التي لم تشهد عبر تاريخها الطويل هذا القدر من الاستبداد والتفرد والانحراف عن تقاليد التنوع واحتواء كل الأفكار والآراء".

وأضاف: "هو قرار يؤكد استحالة القبول بنهج محمود عباس الذي بات يشكل تهديدا حقيقيا لمصالح شعبنا ووحدته وقضيته وخطرا داهما على فتح". 

وشدد دحلان على أنه آن الأوان "لقيادات وكوادر وقواعد الحركة أن تنهض لمواجهة هذا التدمير المنظم من شخص حاقد وفاقد للأهلية يشكل مصدرا لضعف الحركة وتراجع مكانتها وقدراتها".

قرار فصل الأخ ناصر القدوة من اللجنة المركزية وعضوية حركة فتح مخالف لكل لوائح وأنظمة الحركة وأعرافها العريقة وخطوة...

Posted by ‎Mohammad Dahlan محمد دحلان‎ on Thursday, March 11, 2021

خلافات وانقسامات تمزق حركة فتح بسبب تصاعد فساد السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، وبعد فصل دحلان من الحركة والذي أسس لاحقا ما يعرف بـ"التيار الإصلاحي" داخل الحركة.

دحلان والبرغوثي

وتحدثت تقارير فلسطينية وعربية عديدة في منتصف فبراير/شباط 2021، عن فشل جهود وساطة قادتها مصر والأردن لتوحيد صفوف "فتح" قبيل خوض الانتخابات اصطدمت برفض عباس مصالحة دحلان.

وفي 17 يناير/كانون الثاني 2021، استقبل عباس في مقر الرئاسة برام الله رئيسي جهازي المخابرات العامة المصرية الوزير عباس كامل، والأردنية اللواء أحمد حسني.

وقالت تقارير إن الهدف الرئيس من الزيارة كان "محاولة إقناع عباس بضرورة تحقيق مصالحة فتحاوية تعيد دحلان وتياره إلى صفوف الحركة، ما يمكنها من خوض الانتخابات بقائمة موحدة قادرة على منافسة "حماس".

وتقول تقديرات فلسطينية إن رفض عباس التصالح مع دحلان مرده الخوف من منافسته، حيث يحظى رئيس جهاز المخابرات السابق ومستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بشعبية كبيرة خاصة في قطاع غزة.

ولا يخشى عباس من دحلان فقط، حيث أرسل في 11 فبراير/شباط 2021، رسالة إلى عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مروان البرغوثي، المعتقل لدى إسرائيل، نقلها وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، قالت تقارير عديدة إنها كانت بهدف ثنيه عن الترشح للانتخابات الرئاسية.

وزار الشيخ، الأسير في سجنه بمعتقل "هداريم" شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة بحسب بيان رسمي، قال فيه "قمت بزيارة الأخ القائد مروان البرغوثي حاملا له رسالة وتحية من الرئيس محمود عباس واللجنة المركزية لحركة فتح".

ولم يفصح الشيخ عن فحوى الرسالة، لكن زيارته للبرغوثي جاءت بعد أيام من إعلان مقربين من الأخير عزمه الترشح للرئاسة، وأن مقربيه يعتزمون خوض الانتخابات التشريعية بقائمة منفصلة عن القائمة الرسمية لحركة "فتح".

بعد الزيارة بيومين، نقلت القناة 13 العبرية عن مصادر فلسطينية قولها إن زيارة حسين الشيخ، للبرغوثي اشتملت على عرض مغر لقاء تخليه عن ترشحه للرئاسة.

وأوردت المصادر أن عرض الشيخ اشتمل على وعد بتقديم مبلغ مليوني دولار، ووضع اسمه في قائمة فتح للمجلس التشريعي، وهو ما رفضه البرغوثي "ويعتقد أن بإمكانه هزيمة عباس في الانتخابات المقبلة"، وفق المصادر.

والبرغوثي اعتقلته إسرائيل عام 2002، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، بتهمة "المسؤولية عن عمليات، نفذتها مجموعات مسلحة، محسوبة على حركة فتح، وأدت إلى مقتل وإصابة إسرائيليين".  

ويحظى الرجل بشعبية فلسطينية جارفة خاصة في صفوف الداعمين للمقاومة بكافة أشكالها، والرافضين لنهج السلطة في التنسيق الأمني والتعاون مع الاحتلال.

قرارات وتعديلات

وبجانب التعامل مع الشخصيات المنافسة، أثارت قرارات جديدة وتعديلات على قوانين أصدرها عباس منذ مطلع 2021، حالة من الجدل والرفض بعد أن قالت نخب ومؤسسات فلسطينية إن هدفها انتخابي بحت. 

وفي 11 يناير/كانون الثاني 2021، أصدر عباس قرارا بقانون رقم (39) لسنة 2020 بشأن تشكيل المحاكم النظامية، وقرارا بقانون رقم (40) لسنة 2020 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، وقرارا بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية، وإحالة عدد من القضاة إلى التقاعد الإجباري.

المبدأ الأساسي في أحد هذه المراسيم أن عباس هو الذي يختار رؤساء الهيئات القضائية العليا ونوابهم من بين عدة قضاة مرشحين، وهو أمر مخالف للقانون الصادر في 2002 الذي نص على أن يتم تعيينهم بشكل تلقائي حسب الأقدمية، والرئيس فقط هو الذي يصادق على التعيين.

وفي 2 مارس/آذار 2021 أصدر عباس قرارا بقانون رقم (7) لسنة 2021، المعدل لقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000، بشكل من شأنه أن ينهي استقلالية المؤسسات والمنظمات الأهلية عن السلطة التنفيذية والحكومة، والتي تسهم وتساعد المجلس التشريعي في الرقابة.

وفي 17 يناير/كانون الثاني 2021، دعت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وبإلحاح شديد، إلى إلغاء كافة القرارات بقانون، الصادرة في الشأن القضائي من قبل عباس، وإنهاء ما ترتب عليها من آثار.

ودعت العديد من مؤسسات المجتمع المدني، في بيان بعد اجتماع لها، إلى إعادة الاعتبار لقانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، وتشكيل مجلس قضاء أعلى دائم بموجب الآليات التي حددها القانون، وعدم الخروج عن أحكامه أو إجراء أي تعديل له إلا من خلال برلمان منتخب بشكل ديمقراطي.

وأشارت المؤسسات إلى أن تلك التعديلات تمثل اعتداء خطيرا على مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية، وآثارها السلبية على النظام السياسي الفلسطيني، وعلى واقع الحقوق والحريات العامة.

وعبرت عن استغرابها من توقيت صدور القرارات بقانون والمراسيم المتعلقة بالشأن القضائي قبل صدور المراسيم الخاصة بالدعوة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وإنجاز المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام.

عقبة حقيقية

ورأت في صدورها قبل إجراء الانتخابات عقبة حقيقية في طريق إجراء المصالحة، لا سيما أن السلطة القضائية تأثرت بالانقسام وهي بحاجة إلى توحيد لا إلى مزيد من الانقسام.

وتقول صحيفة هآرتس العبرية: "المراسيم الجديدة، لها قوة القانون في ظل غياب المجلس التشريعي، 4 منها جاءت قبل نشر المرسوم الرئاسي بشأن انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان)".

وأوضحت في مقال نشرته في 28 يناير/كانون الثاني 2021، أن تقارب هذه التواريخ يزيد تشكك رجال القانون ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية بأن الأمر يتعلق باختطاف متعمد، وأن جهات في حركة فتح ليست جدية فيما يتعلق بالانتخابات أو بجوهرها الديمقراطي.

فلو كانت هناك نية حقيقية لاستئناف نشاطات المجلس التشريعي، الذي كان مشلولا منذ 2017 وتم حله قبل سنتين (2019)، لما كانت هناك حاجة إلى المسارعة وإصدار مراسيم رئاسية، وفق الصحيفة.

وحسب القانون الأساسي الفلسطيني (الذي يعتبر نوعا من الدستور)، فإن المراسيم الرئاسية يتم إصدارها فقط في حالات الطوارئ، بخلاف ما هو عليه الوضع حاليا.

ووفق المرسوم، فإن من صلاحيات محكمة الشؤون الإدارية التي أطلقها عباس، مناقشة التماسات ضد لجنة الانتخابات العامة، وأنه إذا أرادت السلطة التنفيذية عدم إجراء الانتخابات، فيمكنها أن تفعل ذلك، تقول هآرتس.

ويقول المختص بالشأن الحقوقي والقانوني صلاح عبد العاطي: "جميع القرارات الصادرة بقانون من الرئيس عباس متعلقة بالانتخابات المرتقبة، وهي قرارات تبعث بالخطورة كونها مخالفة للقانون الأساسي الفلسطيني والشرعيات الدولية".

وأضاف في حديث لوكالة "صفا" المحلية في 4 مارس/آذار 2021 أن "عباس أحكم بهذه القرارات والتعديلات قبضته وسيطرته على المجتمع المدني والحياة القضائية والسياسية، بل والحياة الاقتصادية، وجعلها مرتبطة بعمل السلطة التنفيذية".

ويؤكد أن الرئيس قيد عمل الجمعيات الأهلية بالقرارات الأخيرة الصادرة حول قانون عملها، وتدخل بشكل سافر في حرية عملها، وفق قوله.

ويرى عبد العاطي أن عباس "يرغب من خلال قراراته الإقصائية هذه أن تكون الانتخابات المقبلة شكلية يضمن من خلالها تجديد ولايته الفردية وفوز قوائم تخدمه، والدليل تزامنها وتسابقها مع موعد الانتخابات".

ومن وجهة نظره، فإن عباس يريد فرض بيئة قانونية وقضائية تضمن الوصول إلى تشكيل "مجلس أعيان" أقرب منه إلى انتخابات ديمقراطية. ويضيف "نحن ذاهبون إلى انتخابات وضعت أمامها كل العوامل والعراقيل التي تضمن إقصاء الخصوم السياسيين أمام الرئيس".