حوار سياسي مع الأحزاب.. لماذا قاطع إسلاميو موريتانيا دعوة الغزواني؟

12

طباعة

مشاركة

كغيره من أحزاب المعارضة، استبشر حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" (إسلامي) خيرا بتولي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الحكم في موريتانيا خلفا للرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، الذي ساءت علاقته بالحزب رويدا رويدا.

لكن يبدو أن هذا الاستبشار من قبل الحزب المعروف باسم "تواصل"، ثاني أكبر حزب ممثل في البرلمان بعد الحزب الحاكم بـ14 نائبا، لم يدم طويلا فسرعان ما تبدل الحال، وهو ما ظهر جليا في مقاطعة الحزب للحوار السياسي الذي دعا له ولد الغزواني مؤخرا.

في 24 فبراير/شباط 2021، انخرطت أحزاب سياسية، في حوار مع الحكومة، بعد اجتماع عقدته جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان (12 حزبا من المعارضة والموالاة).

غاب عن الاجتماع حزب "تواصل" الذي ظل متمسكا بالدعوة لحوار وطني جامع منذ العهد السابق، حتى جعلها إحدى ثوابته، وذهب إلى القول، إنه "لن يقبل أن تتحكم أطراف دون أخرى في مجريات التحضير لأي حوار سياسي مرتقب بموريتانيا".

وإذا كانت الأحزاب المعارضة قد قررت في 2019 إعلان الهدنة، مع تولي ولد الشيخ الغزواني الحكم، إلا أن الحزب واصل على نفس الخط، مطالبا بما يسميه "التحول التوافقي".

دعوة للحوار

يرتكز الحوار على "المسار الديمقراطي، الإصلاحات الدستورية والتشريعية، تعزيز دولة القانون، تطبيع الحياة السياسية، معالجة إشكالية الرق ومخلفاته، مكافحة الفساد، إصلاح القضاء، الإصلاح الإداري، الإصلاح العقاري، حماية المصالح العليا للبلد".

ومن المقرر أن يجري الحوار على مرحلتين، الأولى ستبدأ بإعلان رئيس الجمهورية، أو من يُفوّضه، عن الدعوة للتشاور الوطني، ثم تشكيل لجنة تحضيرية للحوار تتفق عليها القوى السياسية المشاركة، وتنتهي المرحلة الأولى خلال 3 أو 4 أسابيع، فيما تستمر المرحلة الثانية 5 أو 6 أسابيع، والتي تقوم على جلسات للتشاور.

أكد "التجمع الوطني"، في بيان أصدره في 22 فبراير/شباط 2021، على "ضرورة توحيد صف المعارضة، باعتبار أن المشترك بينها، مهما اختلفت، يفوق المشترك بينها وبين الموالاة".

ظلت الدعوة لحوار وطني جامع إحدى الثوابت التي يتمسك بها حزب التجمع، وكان المعتقد أن الحزب سيتخلى عن الدعوة لهذا الحوار بعد انتخابات 2019 التي أسفرت عن مغادرة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للسلطة وتولي الرئيس الغزواني مقاليد الحكم.

واصل التجمع مطالبته بالحوار بعد وصول الرئيس الغزواني، كما أنه ظل متشبثا بالخط المعارض رافضا الهدنة التي منحتها أحزاب المعارضة للرئيس الجديد، ومعلنا في الوقت نفسه أن أسلوب المشاورات الفردية مع الأحزاب الذي انتهجه الرئيس الغزواني لا يمكن أن يكون بديلا عن حوار وطني جامع.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، دعا الحزب إلى "إنهاء ممارسات إقصاء وتهميش المعارضة، والكف عن مضايقة أطرها ورجال أعمالها"، مطالبا بـ"عقوبات رادعة على من يثبت تورطه بقضايا فساد".

واعتبر الحزب أن "عدم تصريح الرئيس السابق بممتلكاته، كان إحدى أهم الأسباب التي وفرت أخطر البيئات وأكثرها مناسبة لشيوع الفساد وتجذيره وإفلات ممارسيه من العقاب".

عام المعارضة

بعد أشهر من انتخابه في يونيو/ حزيران 2019، حرص ولد الغزواني، على استقبال أغلب قادة الأحزاب المعارضة وأبرزهم رئيس حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية"، محمد محمود ولد سيدي.

لكن الحزب سرعان ما اعتبر، في بيان نوفمبر، أن "الروح الايجابية التي غلبت على خطاب المعارضة خلال 2020 لم تجد في الضفة الأخرى (السلطة) ما يلزم من وعي لتحديات المرحلة، واستعدادا لتوظيف اللحظة لوضع أسس عمل وطني تاريخي".

وقال البيان، إن سنة من حكم الرئيس ولد الغزواني "طبعتها الارتجالية في التعاطي من جائحة كورونا، والتباطؤ الكبير في تنفيذ توصيات لجنة التحقيق البرلماني بشأن ملفات الفساد، وتعيين مشمولين في ملفات فساد في مناصب حكومية، وعدم الاستجابة لدعوات الحوار السياسي".

في قراءة للأحداث، قال المحلل السياسي أحمد ولد محمد المصطفى للأناضول، إن "المعارضة خارجة من عقد منهك من الاستهداف الممنهج في عهد الرئيس السابق، سواء من خلال الاعتقالات والمضايقات والإقالات والشيطنة الإعلامية".

مضيفا: "لكن تزايد حالة الاستياء والإحباط من تصرفات النظام الجديد خصوصا في محاربة الفساد، والتخلص من رموزه، إضافة للمحسوبية بالتعيينات الحكومية، جعلت الخطاب المعارض يبرز من جديد".

ومن أبرز المسؤولين الذين يشير إليهم المحلل السياسي، وزير العدل السابق جا مختار ملل، الذي تم تعيينه مؤخرا، وزيرا أمينا عاما للحكومة، رغم شموله في تحقيقات الفساد.

رأى مراقبون أن أصوات القوى المعارضة سترتفع أكثر باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، متوقعين أن العام 2021 سيشهد معارضة قوية لنظام ولد الغزواني، وأن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية سيكون بمقدمة القوى المعارضة، ومن المنتظر أن يعمل الرئيس ولد الغزواني على إعادة تشكيل الخريطة السياسية في البلد.

تقارب متوجس

في سبتمبر/أيلول 2018، وبعد انتهاء الانتخابات في موريتانيا، هاجم الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز أحزاب المعارضة في بلاده، وذهب إلى حد القول: "بعض الأحزاب السياسية تحتكر الدين وتكفر الآخر وتعتمد دعاية دينية لكسب أصوات الناخبين".

واعتبر الرئيس السابق أن "إسرائيل لم تعد أكبر خطر على العرب بعد ما فعلته الأحزاب الدينية ضد مصالح الشعوب العربية، ووصف ولد عبد العزيز إسرائيل بأنها أكثر إنسانية من هؤلاء".

وفي ورقة بحثية نشرها مركز الجزيرة للدراسات، في 2016، أوضح أن العلاقةَ بين الإسلاميين في موريتانيا وبين الأنظمة المتعاقبة على الحكم، طبعها الشدُّ أكثر مما طبعتها المرونة.

لكن رغم أن الخريطة السياسية الإسلامية في موريتانيا ميزها التنوع أحزابا وجماعات ومرجعيات، غير أن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، ظل أكثرها حضورا على مستوى الخطاب والأداء والتأثير.

وسجلت الورقة البحثية، أن خطاب الإسلاميين تجاه نظام ولد عبد العزيز، تميز منذ البداية بالمهادنة، فدخلوا معه في انتخابات قاطعتها أحزاب المعارضة، لكن نظام ولد عبد العزيز قابل هذا التقرب بالانغلاق والتوجس.

وعند انطلاق موجة الربيع العربي تناغم إسلاميو موريتانيا مع تشكيلات المعارضة في الحراك المطالب برحيل نظام ولد عبد العزيز، ثم عاد الإسلاميون بعدها للتقرب من النظام مشاركين دون سواهم من طيف المعارضة في انتخابات محلية وتشريعية حصلوا من خلالها على نتائج مهمة.

غير أن التوجس ظل يطبع موقف السلطة من الإسلاميين في قربهم أو ابتعادهم منها، ليكتشف قادة الحزب بعد كثير من الانتظار والترقب أن النظام غير جاد في الانفتاح السياسي ولا يرغب في الحوار، وفق المصدر ذاته.

وأشارت الورقة إلى أن حضور الإسلاميين  تعزز بشكل ملحوظ في فترة الحكم العسكري من (1980-1984) لا باعتبارهم قوة سياسية فاعلة مشارِكة في القرار السياسي الذي تتحكم فيه ثُلَّة من كبار قادة المؤسسة العسكرية، لكن باعتبارهم قوة شعبية صاعدة، تتقاطع مع السلطة في كثير من مواقفها وخصوصا فيما يتعلق بالهوية والخطاب الديني.

ومثَّلت شخصية الرئيس السابق محمد خونه ولد هيدالة، البدوية المتدينة، عامل تأثير أساسي في علاقة السلطة بالإسلاميين، وعاش الإسلاميون بعد مرحلة الربيع العربي، التي منحت الحزب تمددا سياسيّا، حالة انحناء أمام الأمر الواقع، وراهنُ العلاقة بينهم والسلطة قائم على التوتر وترقب المواجهة.

تهدئة الغزواني

الباحث والمحلل الموريتاني، محمد حافظ الغابد، قال إن تعامل نظام الرئيس ولد عبد العزيز مع الإسلاميين مر بمرحلتين: مرحلة ما قبل الربيع العربي، وكان فيها تفاهم والتقاء وكان الإسلاميون أكثر لينا تجاه النظام الذي أسقط حكومة كانوا يشاركون فيها.

مضيفا لـ"الاستقلال": "لكنهم على الأقل اعتبروا أن ثمة فرص للتعاون وحتى الشراكة وتطورت العلاقة خصوصا مع الجناح الدعوي الثقافي بقيادة العلامة الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي بل حتى مع حزب تواصل ذاته الذي تحالف مع الحزب الحاكم إبان تجديد ثلث مجلس الشيوخ مطلع 2010، وهو التقارب الذي استمر حتى الربيع العربي وبدايات تأثر موريتانيا به عبر حراك الرحيل 2012.

أما المرحلة الثانية، وفق العابد، فتتمثل في "ما بعد حراك 12 مايو/أيار 2012، وهي مرحلة اتسمت بالاضطراب الشديد واستهداف مؤسسات التيار الإسلامي بالحل كجمعية المستقبل وغيرها لاحقا خصوصا خلال الفترة من 2015 ـ 2018، والتي شهدت إغلاق العديد من المؤسسات".

ولفت الغابد، إلى أن الرئيس السابق ولد عبد العزيز، في آخر خرجاته خلال حملات الرئاسيات، اعتبر أن التيار الإسلامي كلهم متطرفون وإرهابيون، فالذي يلبس بدلة غربية كثيرا ما تراه غير جلده وتحول إلى مقاتل وهي التصريحات التي أثارت نقاشا واسعا واستغرابا في الساحة الموريتانية.

أما في عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وفق المحلل، فإن "حزب تواصل لم ينخرط في معارضة قوية تجاهه، وإنما مارس تهدئة لاتزال مستمرة غير أنه لم يتنازل عن مواقفه المطالبة بإصلاح وتغيير جدي".

ورأى الباحث، أن الذي تغير فعلا هو "موقف حلفائه السابقين في منتدى المعارضة حيث دخلوا في سبات سياسي وتهدئة أقرب للمساندة لنظام الرئيس الجديد، ولم يشاركوا بفاعلية في ساحة المعارضة بشكل جدي".

وتابع الغابد: "تواصل طرح وثيقة قدم فيها مقترحات للإصلاح، إلا أن بقية الأطراف المعارضة اعتبرت أن السياق السياسي الذي يتسم بالصراع بين النظام القديم والجديد يتطلب منح الرئيس الجديد فرصا أوسع للتخلص من الرئيس السابق وملفه".

إضافة لأجواء الوباء العالمي، حسب العابد، وانعكاساته بينما يطرح تواصل فكرة التشارك الجدي القائم على أسس متينة تحتفظ لكل بخصائصه بينما اتجهت أحزاب "التكتل" و"اتحاد قوى التقدم" لدعم الرئيس الجديد ومنحه فرصة أكبر لتجاوز العوائق والمخلفات التي يعبرون أن النظام السابق وضع البلاد فيها.

وختم العابد كلامه موضحا: أما تعامل الرئيس الجديد مع الإسلاميين فقد اتسم لحد الساعة بالتهدئة والتعامل الحذر مع التيار.