"العدالة والتنمية لم يطبع".. هكذا حاول بنكيران تبرئة الحزب المغربي

الرباط - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حرص رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران (63 عاما) على أخذ مسافة من المشهد السياسي والحزبي منذ أن عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس، سعد الدين العثماني (61 عاما) رئيسا للحكومة، خلفا لبنكيران في مارس/آذار 2017.

لكن بين الفينة والأخرى، يعود بنكيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية للمشهد مرة أخرى، خاصة في ظل أزمات يعيشها الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي، منذ توقيع أمينه العام الحالي (العثماني)، اتفاق التطبيع مع إسرائيل أمام الملك محمد السادس، في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

خرج الرئيس السابق للحكومة عبد الإله بنكيران، يوم توقيع الاتفاق، داعيا مناضلي حزبه إلى الكف عن انتقاد العثماني، وفي 18 من فبراير/شباط 2021، عاد بنكيران للحديث عن الأزمة قائلا: "الدولة هي التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل وليس حزب العدالة والتنمية".

محاولة ثانية

واجه الحزب انتقادات حادة لكون أدبياته - منذ تأسيسه عام 1967- تقوم على رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، وفي 18 يناير/ كانون الثاني 2021، أعلن المفكر والنائب البرلماني البارز عن "العدالة والتنمية"، المقرئ الإدريسي أبوزيد، قرار تجميد عضويته في الحزب، احتجاجا على موقفه من التطبيع.

ووصل الأمر إلى عقد الحزب في 23 و24 يناير/كانون الثاني 2021، دورة عادية لمجلسه الوطني (برلمان الحزب) ناقش موضوع التطبيع.

وخلال دورة المجلس، قال العثماني، إن توقيعه على اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل أملته عليه المسؤولية التي يشغلها (بصفته رئيسا للحكومة)، وشدد على أن موقف حزبه "لم يتغير، ولا نقبل المساومة في أي من القضيتين (إقليم الصحراء وفلسطين)، ولسنا مستعدين للتفريط في أي منهما".

يوم توقيع الاتفاق، خرج بنكيران، داعيا مناضلي حزبه إلى الكف عن انتقاد العثماني، مشددا على أن من حق حزبه أن يستاء من قرار التطبيع، بعدما شكلت هذه القضية لعقود من الزمن نقطة أساسية في عقيدته، لافتا إلى أنه "من غير المناسب أن يقف هذا الحزب الذي يترأس الحكومة ضد قرارات الدولة، وأنه لا يمكن له أن يؤيد قرارا ويرفض آخر".

واعتبر بنكيران حينها، أن وجود العدالة والتنمية في الحكومة يفرض عليه القبول بكل القرارات، وإذا كان سيرفض أي قرار فالمفروض أن يظل في المعارضة، وحينها يمكن أن يقول ما يشاء، أما والحال أن الحزب يترأس الحكومة وأمينه العام هو الرجل الثاني في الدولة، فلا يمكن للرجل الثاني أن يخرج عن الرجل الأول.

وفي 18 من فبراير/شباط 2021، عاد بنكيران للحديث عن الأزمة قائلا: "الدولة هي التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل وليس حزب العدالة والتنمية"، مشددا في كلمة على صفحته بفيسبوك، أن "الذي يمضي اليوم في التطبيع مع إسرائيل هو الدولة التي يسيرها الملك وليس الحزب".

واعتبر الرجل المؤثر داخل الحزب، والذي مازال يحظى بشعبية واسعة خارجه أيضا، أن استئناف العلاقات مع تل أبيب مرتبط بمصلحة البلاد، والقرار الذي اتخذه الملك "الذي يتصرف في إطار صلاحياته، لا يمكننا إلا أن نكون معه ولن نكون ضده".

وذهب بنكيران إلى القول: "بعض الإسلاميين بين عشية وضحاها استلوا سيوفهم، وشرعوا يتهمون هذا بأنه عميل وأن هذا خائن، لكنهم لا يدركون أنهم بهذه الطريقة سيفقدون إخوانهم".

مستطردا: "من حق هؤلاء أن ينتقدوا المغرب بسبب موقفه، ولكن ليس من حقهم أن يقللوا الحياء عليه، وعليهم أن يراعوا، لأنه دولة إسلامية عظيمة، ولها وحدة مذهب ودافعت عن ثغر الأمة الغربي منذ 12 قرنا، ورفات المغاربة لا يزال في الجولان وسيناء".

صدمة كبيرة

يعيش الحزب أزمة أمام قواعده والرأي العام، تظهر في تباين مواقف هيئته التنظيمية، بين موقف رافض لها عبّرت عنه كل من حركة "التوحيد والإصلاح"، الذراع الدعوية للحزب، والتنظيم الشبابي، وآخر تمثّل في الأمانة العامة التي تجنّبت إعلان موقف صريح مباشر.

وخلّف إعلان الوزير المغربي والقيادي في حزب العدالة والتنمية عزيز رباح، استعداده للذهاب إلى إسرائيل "إذا ما تطلبت منه مسؤوليته داخل الحكومة ذلك، باعتباره ممثلا للدولة"، صدمة كبيرة.

تصريحات وزير الطاقة والمعادن، أثارت رجة لدى أعضاء "العدالة والتنمية" الإسلامي، لكن -وبحسب مصادر داخل الحزب-، أكدت توجهها هذه المرة إلى اتخاذ "تدابير وإجراءات" لمحاسبة الوزير على تصريحاته.

المحلل السياسي المنتمي لحزب العدالة والتنمية، بلال التليدي، يعتقد بأن الاتفاق الذي أبرم في الرباط لعودة العلاقات مع إسرائيل، كان فجائيا بالنسبة للحزب، والدولة هي التي أدارت تفاصيله وحيثياته للنهاية، ولم يكن هناك ترتيب سابق من قبل الحزب لتدبير هذا الملف ولم يكن له علم بالموضوع.

وقال التليدي لـ"الاستقلال": "الاعتبارات الدستورية تعطي للملك صلاحيات تدبير العلاقات الخارجية، لذلك لم يكن هناك من خيار بالنسبة لحزب العدالة والتنمية بصفة أمينه العام رئيسا للحكومة سوى أن يساير منطق الدولة وأن يتفهم السياق الذي دعاها إلى هذه الخطوة المحدودة، التي تخضع لمنطق الاتفاق المتزامن".

وشدد المتحدث، على أن المغرب لا يمكنه أن يقدم على شيء حتى يحقق ما التزم به الطرف الآخر تجاه قضيته الوطنية، في سياق زمني محدد.

تدبير الموقف

لا تهم تفاصيل هذا الاتفاق، برأي التليدي، بقدر ما يهم أن الموقف صدم الداخل الحزبي باعتبار أن العدالة والتنمية ينتمي للحركة الإسلامية، التي ترتكز إلى 3 ثوابت معروفة بخصوص القضية الفلسطينية، إذ تعتبرها قضية عقدية وقضية وجود لا حدود.

ثم تعتبر، وفق التليدي، بأن المقاومة هي طريق التحرير ومن ثم فهي تعطف على الفصائل المقاومة وتدعمها ثم الثابت الثالث هو مقاومة التطبيع بكل مستوياته.

وبناء على المرتكز الأخير، يقول المتحدث: "جاءت الصدمة داخل الحزب، والحقيقة أن الذي ينظر إلى الطريقة التي دبر بها الحزب الموقف بعد الاتفاق، يجد بأن المشكلة كانت تواصلية بالأساس".

ويرى المحلل السياسي، أن قيادة الحزب لم تستطع أن تدبر الموقف وتوضح الفارق بين مسايرة منطق الدولة لاعتبارات دستورية، باعتبار أن رئيس الحكومة لا يمكنه أن يكون ضد رئيس الدولة، وبين الاحتفاظ بثوابت الحزب ومنطلقاته ومرجعياته. 

وقال التليدي، إن: "بعض القيادات داخل الحزب تهرول نحو تبرير هذه الخطوة، ولا ترى حرجا في الذهاب بها إلى أبعد مدى وهو الأمر الذي أحدث رجة كبيرة داخل الحزب". 

ومضى مضيفا: "خرجة الأستاذ عبدالإله بنكيران جاءت لتؤسس للمبدأ السياسي والصياغة المناسبة التي يمكن أن يتم بها التواصل، وفي نفس الوقت أن تحفظ التماسك الداخلي للحزب".

خرجة بنكيران

واستقرأ المحلل من خرجة بنكيران، أنها ركزت أولا على أن الموقف (التطبيع) لم يتخذه الحزب وإنما الدولة، والعدالة والتنمية تفهم الموقف من موقع مشاركته في قيادة الحكومة.

شدد المتحدث، على أن موقف الحزب من التطبيع ثابت ولن يتغير، وهو مقاومة التطبيع، ووصف المحلل ما دفع الحزب للأزمة، بأنه تفهم أملته ضرورة وطنية ترتبط بكسب معركة النزاع في ملف الصحراء، وأن بنكيران أراد أن يرسم الخطوط الكبرى للموقف ويفسر هذا التحول الجزئي، وفي الوقت نفسه يرسم القواعد التي لا يمكن الخروج عنها. 

لا يرى التليدي، أن الحزب من خلال خرجة بنكيران، يريد أن يرسم لنفسه مساحة بعيدة عن السلطة، إذ أنه يشارك في وضع دستوري يحدد الصلاحيات والعلاقات بين المؤسسات بشكل دقيق.

واستطرد قائلا: لا يمكن للحزب الذي يريد أن يشارك في السلطة أن يشارك بمنطق غير الذي تم إقراره في دستور 2011، ويجد المتحدث أن كلمة بنكيران كانت واضحة، وعبّرت على أن سلطة الحكومة محدودة، وأنه لا يمكن تحميل العدالة والتنمية  مسؤولية أكثر مما يطيق.

وزاد: "الحزب ينبه على قضية مهمة، هي أن مشاركته في السلطة تعني قبوله بجميع قواعدها ومستلزماتها، فلا يمكنه أن يدخل إلى الدولة ويكون شريكا داخلها ولا يقبل ما تفرضه صلاحيات المؤسسات الأخرى، بعد أن دخل على هذا الوضع الدستوري، الذي يسير على هذا الشكل، وعليه أن يلتزم به، دون أن يمنعه ذلك من إبداء رأيه في القضايا التي له فيها وجهة نظر".

وختم التليدي بالقول: "بنكيران كان واضحا، في أن الدولة أخذت هذا الخيار الذي تفهمه الحزب مع احتفاظه بموقفه، دون أن يخذل الدولة أو يعرض مصالحها الوطنية للإجهاز في هذه المرحلة الدقيقة".