الجزائريون حائرون بين تجارب من سبقوهم في الربيع العربي

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بخلاف استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رفع الجزائريون خلال حراكهم الذي استمر قرابة شهر مطالب أخرى منها تحقيق تغيير حقيقي في بلادهم، من نظام استبدادي إلى دولة ديمقراطية ضامنة للحرية والكرامة مجسّدة لمعاني التعددية الفكرية والسياسية، الحكم فيها للشعب صاحب السيادة والذي يملك وحده سلطة التعيين.

تونس، مصر، اليمن، سوريا، وليبيا، خمسة نماذج للثورات العربية ماثلة أمام أعين الجزائريين وهم يدخلون بحراكهم منعطفا جديدا إثر إعلان بوتفليقة استقالته من منصبه في 2 أبريل/نيسان الجاري، فإلى أي من هذه السيناريوهات سيكون مآل الثورة في الجزائر.

وفي وقت يجمع فيه الجزائريون على رفضهم تكرار ما حدث في سوريا وليبيا في بلادهم خاصة بعد مرورهم بتجربة شبيهة خلال الفترة من 1992ـ 2002 وهو ما سمي بـ"العشرية السوداء"، فإنهم قد يختلفون على إمكانية تكرار تجارب تونس ومصر واليمن، فيما يأمل بعضهم في صناعة نموذج مختلف يحقق آمال شعوبهم.

المسار الدستوري

قرار بوتفليقة بالاستقالة أحال ملف رئاسة البلاد إلى المجلس الدستوري الذي أقرّ رسميا شغور المنصب، ليلتئم البرلمان الجزائري بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الأمّة) والذي تم إقراره الثلاثاء 9 أبريل/نيسان 2019، لتنتقل رئاسة البلاد بعدها إلى رئيس مجلس الأمّة عبد القادر بن صالح، حسب الدستور.

المادّة 102 من الدستور تنص على أنّه "في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة.‬ وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبا.‬ يتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظّم خلالها ‬انتخابات رئاسيّة، ولا يَحِقّ لرئيس الدّولة المعيّن بهذه الطّريقة أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة".

هذا الخيار الذي تصرّ المؤسسات الرسمية في البلاد على السّير فيه يقابل برفض واسع من الشارع الجزائري، الذي خرج بمئات الآلاف إلى الشوارع مطالبا برحيل جميع رموز النظام.

سيناريو تونس

البعض يعتبر تجربة الثورة التونسية منذ خلع الرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير /كانون الثاني 2011، الأكثر نجاحا واستقرارا في المنطقة؛ مقارنة بنظيراتها من ثورات الربيع العربي التي إما وقعت في شر الحروب والاقتتال الداخلي كما هو الحال في سوريا واليمن وليبيا، أو وقعت في قبضة الانقلابات العسكرية والعودة بالبلاد إلى نظم التسلّط والاستبداد مثلما هو الحال في مصر.

بعد فرار بن علي حاول رجال دولته إدخال إصلاحات على نظام المخلوع، فأعلن محمد الغنوشي تشكيل حكومة وحدة وطنية في 17 يناير/كانون الثاني 2011 يحتفظ فيها وزراء آخر حكومة في عهد بن علي بأهم المناصب، وبعدها بـ 10 أيام أعلن الغنوشي عن تركيبة جديدة لحكومة الوحدة الوطنية وخروج العديد من رموز النظام السابق.

أصرّ التونسيون على القطع نهائيا مع النظام البائد، فتمّ حلّ غرفتي البرلمان وتعطيل الدستور وتشكيل حكومة من المستقلين في 7 مارس/ آذار 2011 ترأّسها الباجي قائد السبسي الذي كان يتوقع حينها أنّه لا يملك طموحا لتولّي السلطة بحكم عامل السن (85 عاما حينها)، كما تمّ إحداث هيئة للانتقال السياسي أعدّت قانونا جديدا لانتخاب مجلس تأسيسي لصياغة دستور جديد للبلاد وإدارة المرحلة الانتقالية.

ورغم أن الحالة الجزائرية تستلهم بصورة ما هذه التجربة التونسية، حيث إنّ التقيد بالدستور الحالي للبلاد لا يبقى ملزما، كما أنّ الأولوية تتحوّل من الانتخابات الرئاسيّة إلى انتخابات تشريعية تأسيسية إلا أنّ القياس على تجربة تونس تصطدم برفض الجزائريين المطلق لشخصية عبد القادر بن صالح لرئاسة البلاد حتى في مرحلة انتقالية.

سيناريو مصر

في المقابل اختلف الوضع في مصر ثاني دول الربيع العربي والتي انفجرت ثورة شعبها في 25 يناير/كانون الثاني 2011، حيث خرج نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان مساء 11 فبراير/شباط 2011 للإعلان عن تخلّي حسني مبارك عن الحكم وتكليف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد، لتنطلق بعدها خطوات لإصلاح النظام السياسي في مصر بتعديل الدستور والاستفتاء عليه وإنجاز انتخابات تشريعية ومن ثمّ رئاسية.

تختلف التقييمات للتجربة في مصر، لكن هناك شبه إجماع أنّها مهّدت لانقلاب عسكري أعاد البلاد إلى مربّع الاستبداد والدكتاتورية والحكم العسكري، إذ لا يخفي الجزائريون تخوّفهم من الانزلاق نحو سيناريو مشابه في بلادهم، فرغم تأييد أغلبية الشعب لخطوات المؤسسة العسكرية وقيادتها إلى حدود هذه اللحظة، بالضغط على رئاسة الجمهورية من أجل تقديم بوتفليقة استقالته، إلا أنّهم يؤكّدون بشكل مستمر رفضهم تولّي الجيش (المجلس العسكري) مسؤولية إدارة البلاد.

رئيس حركة مجتمع السلم المعارضة عبد الرزاق المقري يرى استحالة تكرار السيناريو المصري في الجزائر، لكنّه متخوّف من عودة تدخّل الجيش في الشأن السياسي قائلا: "نحن لا نخاف من التجربة المصرية وهي غير واردة في الجزائر، بل نحن نخاف من العودة إلى التجربة الجزائرية ذاتها، وهي أنّ المؤسسة العسكرية هي التي تصنع الرؤساء وهي التي تتحكم في اللعبة السياسية وقواعدها وحتى في خارطتها من الخلف".

سيناريو اليمن

في اليمن، شهدت الثورة أبعادا خرى بتأثير العوامل السياسية والمذهبية والمناطقية على الحراك، كما أنّ تدخّل دول المنطقة أفضى إلى التوصل إلى اتفاق سياسي قضى بتداول السلطة داخل النظام بين الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ونائبه الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، لينتخب بعدها هادي رئيسا للبلاد بعدما ترشح بمفرده للانتخابات الرئاسية في فبراير/شباط 2012 وحصل على 99.8% من أصوات الناخبين.

هذا السيناريو يبدو مستبعدا في الجزائر بشكله المماثل، إلا أنّه ربّما يحيل إلى سيناريو تداول السلطة داخل النظام نفسه والحفاظ على أدوات الحكم من أحزاب وشخصيات ودوائر النفوذ فيها.

الشعارات المرفوعة في تظاهرات الجمعة 5 أبريل/نيسان تؤكد أنّ هذا السيناريو أو ما يشابهه بدا مرفوض من قبل حراك الشارع وغير قابل للتمرير، حيث سميت بجمعة "إقالة الباءات الثلاث"، عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة، نور الدين بدوي الوزير الأول، ومعاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني،

وهو ما يؤكد الرفض الشعبي المطلق لاستمرار رموز النظام ومشاركتهم في المرحلة الانتقالية، إلا أن هذه المطالب قد تقابل بمأزق دستوري ليس من السهل تجاوزه.

المخارج الدستورية

الرفض الشعبي لبن صالح وبدوي لكونهما من رموز نظام بوتفليقة، يطرح عقبات أمام المخرج الدستوري الذي يدافع عنه الجيش بصرامة، وفقا للمحلل السياسي إسماعيل معراف في تصريح لوكالة الأناضول قال فيه: "إن  المخرج الدستوري، الذي قطع خطوته الأولى، يحتاج إلى اجتهادات حقيقية لإرضاء مطالب الشعب".

معراف اقترح أن "تقدم الحكومة الحالية خطة عملها أمام البرلمان، ليرفضها الأخير، وبالتالي تقدم استقالتها وفق المادة 194 من الدستور"، كما أن "رئيس مجلس الأمة (عبد القادر بن صالح) يمكن ألا يكون رئيسا انتقاليا، إذا قدم استقالته"، لكن معراف رأى في المقابل أن الاستجابة لمطالب الحراك، وفق النصوص الدستورية، هو "أمر في غاية التعقيد والصعوبة من حيث التنفيذ".

هذه الصعوبات والتعقيدات التي تريد أن توائم بين الالتزام بنص الدستور والحراك الشعبي دفعت بعدد من الناشطين والحركات السياسية إلى المبادرة بتجاوز كل ذلك، والتركيز فقط على تحقيق المطالب الشعبية، من أجل ضمان انتقال ديمقراطي حقيقي يقطع مع الماضي بأشخاصه ومنظومته القانونية.

قدمت مبادرة "أرضية من أجل التغيير" رؤية متكاملة للمرحلة الانتقالية من أجل الوصول بالبلاد إلى نظام سياسي ديمقراطي يحقق مطالب الحراك الشعبي وتتجاوز الدستور الحالي، وفي تصريح سابق للقيادي في حركة رشاد المعارض محمد العربي زيتوت قال لـ "الاستقلال": "لا يمكن القبول بدستور أنشأته العصابة، وفي ظل تواجد الشرعية الشعبية في الشارع فهي التي تحكم وهي فوق أي قانون وضعي".

وتدعو المبادرة إلى إقالة الحكومة وحلّ المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) ومجلس الأمّة (الغرفة الثانية للبرلمان)، ومن ثمّ تشكيل "رئاسة جماعية (مجلس رئاسي)" مكوّنة من شخصيات وطنية نزيهة تتعهّد بعدم البقاء في السلطة في نهاية الفترة الانتقالية، وتشكيل "حكومة إنقاذ وطني" تعيّنها "الرئاسة الجماعية" وتُكلّف بتصريف أعمال الدولة.

كما تضمنت المبادرة إطلاق نقاش (حوار) وطني جامع يحدّد الجوانب العملية لتعديل الدستور وتنظيم انتخابات ما بعد المرحلة الانتقالية، مع ضرورة التزام الجيش الوطني الشعبي والأجهزة الأمنية بضمان مهامّهم الدستورية دون التدخّل في خيارات الشعب السياسية.