بنقل مقرات شركات من دبي للرياض.. هل توجه السعودية ضربة للإمارات؟

محمد السهيلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

وجهت السعودية أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم، ضربة قاسية لحليفتها وجارتها دولة الإمارات العربية، فيما اعتبره مراقبون بداية للخلافات العلنية بين الرياض وأبوظبي، على كعكة الاقتصاد الإقليمي والعالمي.

السعودية، وفي قرار مفاجئ أعلنت عدم منح عقود حكومية لأي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط بأي دولة أخرى غير المملكة، ما أثار التساؤلات حول مدى اعتبار تلك الخطوة موجهة بالأساس ضد وجود الشركات الأجنبية بالإمارات التي تستحوذ على نصيب الأسد من مقرات الشركات العالمية بالخليج والشرق الأوسط.

وزير المالية السعودي محمد الجدعان، قال في 15 فبراير/ شباط 2021، (تاريخ إصدار القرار) إنه يتم تنفيذه اعتبارا من 2024، في خطوة تأتي تحفيزا لتطويع أعمال الشركات والمؤسسات الأجنبية التي لها تعاملات مع حكومة المملكة، وسعيا نحو خلق الوظائف والحد من التسرب الاقتصادي.

الجدعان، حاول تقليل مخاوف الإمارات من تبعات القرار، بقوله لوكالة "رويترز"، 16 فبراير/ شباط 2021، إن دبي والرياض ستكملان بعضهما البعض، معلنا أن قرار بلاده "لا يتعلق بدبي وأبوظبي وأي مدينة أخرى، ويتعلق بحق السعودية بأن يكون لديها نصيبها العادل من المقرات الإقليمية".

الخطوة السعودية تأتي في ظل سعي المملكة لتحقيق مكانة اقتصادية أكبر، ضمن "رؤية 2030"، التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أبريل/ نيسان 2016، وتقدر بتريليون دولار، وتابع أعمالها عبر مبادرة "منتدى مستقبل الاستثمار" 27‏ يناير/ كانون الثاني 2021، بالرياض، والذي تم خلاله الإعلان عن عزم 24 شركة عالمية نقل مقراتها للرياض.

استعدادات وحوافز

وإلى جانب ما يجري من أعمال في مشروع "نيوم" (شمال غرب) لجذب الاستثمار العالمي للسعودية؛ يجري العمل أيضا على "مركز الملك عبدالله" المالي بالرياض ليضم بنوكا بمساحة 4 أضعاف منطقة المال والأعمال "كناري وارف" في لندن تقريبا.

في هذا الإطار أطلق ابن سلمان في 10 فبراير/ شباط 2021، إحدى مشروعات السياحة العملاقة غرب المملكة، باسم "كورال بلوم"، بجزيرة "شُريرة"، لتضم 11 منتجعا وفندقا يتولى تشغيلها أشهر علامات الضيافة العالمية.

الرياض، ووفق نشرة "استثمر في السعودية" قدمت حوافز للشركات العالمية، بينها إعفاء ضريبي 50 عاما، للشركات صاحبة المقرات الإقليمية بالرياض، بشرط توظيف سعوديين، مع منحها أفضلية بمناقصات وعقود حكومية، بجانب خدمات إعادة تموضع وإصدار أسرع للتراخيص وقواعد ميسرة لتصاريح العمل للأزواج.

وفي مقابل الميزات التنافسية لجذب الشركات الأجنبية التي تصب لصالح الإمارات التي تمتلك مجمعات سينمائية ونواد ليلية وفنادق شاطئية عالمية وتسهيلات قانونية للمغتربين؛ سمح ابن سلمان، بإقامة الحفلات الموسيقية ودور السينما، مع شواطئ مفتوحة في "نيوم".  

الخطوة السعودية اعتبرها مراقبون محاولة للاستحواذ على حضور أكبر عدد من الشركات الأجنبية إلى أراضيها، وجعلها المحور المالي والاقتصادي والسياحي الأهم بالخليج، إلا أن الطموح السعودي يصطدم بكون الإمارات وخاصة دبي العاصمة التجارية والمالية للمنطقة.

‏الباحث المصري في العلوم السياسة‏ والعلاقات الدولية‏ محمد هاشم، أكد أن نصيب الرياض من المقرات الإقليمية 5 بالمئة مقابل 80 بالمئة من المقار بالشرق الأوسط للإمارات، واصفا القرار عبر صفحته بـ"فيسبوك"، بأنه "عدوان اقتصادى صريح"، من السعودية ضد أبوظبي.

رد فعل إماراتي غاضب، أطلقه المدير السابق لدائرة دبي المالية ناصر الشيخ، قائلا: "لا أرى السعودية بحاجة لقرار كهذا لتعارضه مع مبدأ السوق الخليجي الموحد، خصوصا وأنها بمخططها التنموي الضخم ستكون تلقائيا لاعبا إقليميا رئيسا جاذبا للشركات والأفراد".

وأضاف عبر "تويتر": "التجارب العالمية والتاريخ أثبتا أن الجذب القسري غير مستدام والأجدى هو الارتقاء بالبيئة كما أعلنت المملكة".

الأكاديمي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، قال عبر "تويتر"، إن "شركات ومصارف عابرة للقارات تتخذ دبي مقرا لها منذ 30 سنة لتدير عملياتها وفروعها في 50 دولة من الهند إلى المغرب ومن تركيا إلى نيجيريا".

وأكد عبر تغريدة في تويتر أن هذه المؤسسات "اختارت دبي دون غيرها بسبب نوعية الحياة والميزات التنافسية وبيئة تشريعية واجتماعية وبنية تحتية فريدة ولن تتركها، رغم ذلك مليون أهلا بالمنافسة".

لكن، نائب رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان، وفي سلسلة تغريدات عبر "تويتر"، قلل من تأثير القرار على بلاده، وقال إنه "يضر بدول خليجية أخرى أضعف اقتصاديا بكثير من الإمارات"، مضيفا أن "مسار دبي التجاري ليس محدودا بالمنطقة الخليجية ولكن حركة تجارتها عالمية".

انتزاع التاج

وبدورها، قدمت وكالة "رويترز"، 16 فبراير/ شباط 2021، تحليلا للأمر بعنوان "السعودية تتطلع لانتزاع التاج من دبي من خلال إنذار لنقل المقر"، مؤكدة أن "الرياض زادت الرهانات في منافسة مع دبي التي تنطلق بأقصى سرعة لاجتذاب المواهب والأموال الأجنبية".

وأكدت أن "الإجراء هو أحدث محاولة من جانب المملكة، لإعادة تشكيل نفسها كمحور مالي وسياحي"، موضحة أنه "لن يكون من السهل تحدي هيمنة دبي باعتبارها العاصمة التجارية والمالية للمنطقة".

راشيل زيمبا من مركز الأمن الأميركي الجديد للبحوث، قالت لـ"رويترز"، إنه "تحد جديد للأعمال في الإمارات، لاسيما دبي، رغم أن بيئة التشغيل الفائقة والبيئة القانونية والتسهيلات (هناك) تشير إلى أن الشركات ربما تستمر في أن تكون لديها مكاتب في أرجاء المنطقة".

محلل شؤون الشرق الأوسط في شركة "ستراتفور ورلدفيو" رايان بوهل، قال لوكالة "بلومبيرغ" 18 فبراير/ شباط 2021: "سيكون من الصعب إقناع الشركات متعددة الجنسيات والعمالقة في المنطقة بالانحياز إلى جانب واحد"، متوقعا وضع الرياض استثناءات وإيجاد طرق للشركات لتعمل في السعودية والإمارات.

وفي تعليقه قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مصطفى شاهين، إن "رؤية ولي عهد المملكة باختصار هي تنويع مصادر الدخل للسعودية التي قطعت شوطا عظيما في تكنولوجيا المعلومات وقاموا بتطوير هائل بهذا المجال ولديهم معظم التكنولوجيا الأميركية".

أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية أضاف في حديثه لـ"الاستقلال": "لكن؛ تبين للسعودية أن هناك اتجاه عالمي وغربي لاستخدام بدائل النفط، ولذا تريد عمل قاعدة صناعية تستحوذ على مصادر ثروتها، وهذا يناقض الإماراتيين، بل هناك غيرة بين الشعبين والسعودي وضعه أقل بكثير من الإماراتي".

وحول اعتبار القرار السعودي بداية لظهور أول خلافات علنية وصراع  اقتصادي بين الرياض وأبوظبي، يرى شاهين، أن "تنافسهما منطقي وطبيعي بهدف جذب عالمي للاستثمارات لمنطقة نيوم كمشروع سياحي غرضه الرئيس تنمية الاستثمارات الداخلية، وتقليل نفقة السعوديين بالخارج في مناطق سياحية مثل تركيا، وغيرها".

ورأى أن "مصلحة الشركات الأجنبية تقتضي وجود مقر لها بالسعودية، وشركة مايكروسوفت مثلا لو أرادت عقد صفقة لبناء تكنولوجيا هناك، فما المانع من وجود فرع بالرياض التي تريد أن يكون مراكز القرار والصيانة داخلية وكل الخدمات التي تحتاجها (In House)" .

وبشأن مدى نجاح الرياض في سحب البساط من أبوظبي يعتقد الخبير المصري أن "الإمارات مازالت متفوقة على السعودية لأنها بدأت مبكرا وتملك كل التكنولوجيا الغربية".

وتساءل هنا عن مدى قدرة السعودية على اللحاق بها  عبر القوانين والقواعد الجديدة، مبينا أنها "تحتاج بعض الوقت، ومع ما حصلوا عليه من تكنولوجيا معلومات هائلة وصرفوه من مبالغ طائلة؛ اعتقد سينجحون".

وأشار إلى نقطة تمنح السعودية التفوق بما لديها من "كوادر بشرية أكثر من الإمارات التي تتخوف من الطاقة البشرية السعودية الهائلة"، لافتا إلى أن "الميزة الثانية هي العناصر الموجودة أو الثروة المالية حيث تبيع الرياض 10 مليون برميل يوميا من الطاقة البترولية الهائلة وتصدر 10 بالمئة مما ينتجه العالم يوميا".

وأكد أن "كل هذه الموارد لو أحسنت السعودية استغلالها لا شك أنها تتفوق كثيرا على الإمارات".

في إطار المنافسة

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أشرف الصباغ، قال إن "قرار السعودية سيادي، أي أن الحديث لا يخص العقود الأخرى لمؤسسات خاصة ضخمة ومتوسطة".

وبين أن استحواذ الإمارات على نصيب الأسد من وجود الشركات الأجنبية العالمية بالخليج، طبيعي، نظرا لسعيها القانوني والتشريعي لفتح الأبواب لتلك المؤسسات، ولكن لدى أبوظبي طاقة استيعاب لا يمكن أن تتجاوزها. 

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، يعتقد الصباغ، أن "الخلافات السعودية الإماراتية، ومع أي دولة خليجية أو من دول البحر الأحمر، لا تزال في إطار المنافسة الشرعية والقانونية، ونلاحظ أن القرار السعودي يبدأ تنفيذه بعد 3 سنوات، أي بمرحلة التجريب والاختبار". 

"قد تتأثر دبي على المديين المتوسط والطويل بقرار السعودية؛ ولكن هذا مرتبط بمحاولات الإمارات تطوير الإماراة ونقلها من مركز مالي إقليمي إلى عالمي لإدارة العمليات الاقتصادية، والمشاركة بالمشروعات المستقبلية العملاقة".

ويرى الصباغ، أن "النشاط المالي والاستثماري والاقتصادي للإمارات بدولة إقليمية كبرى كمصر، وإمكانية مشاركة الإمارات بمشروع (نيوم) يجعل تصريحات مسؤولين إماراتيين سابقين أو غير مؤثرين، بالونات اختبار واستفسارات استعراضية، وربما لخلافات ما على (البيزنس)".

 لكن دبي موجودة بقوة بالساحة المالية والاقتصادية الإقليمية، واستمرار هذا الدور مرهون بالسعي للتحديث وتوطين التقنيات والمنظومات القانونية والاستثمارية الأكثر حداثة والملائمة للزبائن، وفق قوله.

الكاتب والمحلل المصري، يعتقد أن "مشروع (نيوم) ليس فقط اقتصاديا أو استثماريا أو ماليا، بل يمثل نقلة نوعية للمنطقة، لأنه يتحرك على محاور اقتصادية ومالية واستثمارية وسياسية وأمنية، إضافة إلى قطاع الطاقة والنقل والمواصلات وترانزيت النفط والغاز، وفي حقيقته عملية طويلة الأمد تشبه ( العولمة) بحلوها ومرها وبإيجابياتها وسلبياتها". 

وقال إنه "لكي لا تخسر الإمارات كثيرا، يجب ألا تنعزل وتقاطع مشروع (نيوم) وإنما تندمج فيه، فرأس المال لا يعرف وطن، والاستثمارات تبحث عن المناطق المريحة من شبكات وطرق المواصلات ومنظومات القوانين، وعن المشروعات المريحة من حيث تراكم المكاسب والأرباح والفوائض المالية".

وألمح إلى أن "هناك تنافس طبيعي لم يخرج عن الأطر المرسومة ولم يتجاوز الخط الأحمر، إلا إذا قررت السعودية أن تبتلع الإمارات أو مصر أو قطر، فهذا كلام آخر، لأنه لن يسمح أحد لها بتحقيق ذلك، كما أنها لا تملك كل شيء، وهذا سر إمكانية نجاح مشروع (نيوم) الموزع بين أكثر من دولة، وأكثر من مجموعة مالية واستثمارية".