سارومان.. وحدة استخبارات فرنسية أحياها قانون الانفصالية لاستهداف المسلمين

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 10 فبراير/ شباط 2021، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، المعنية بشؤون الاستخبارات، أن الحكومة الفرنسية، بصدد تفعيل خلية "سارومان" الاستخباراتية المعنية بمراقبة أنشطة الإسلام السياسي، والمسلمين على الأراضي الفرنسية. 

وقالت المجلة، إن "البرلمان الفرنسي يعمل على التصويت على مشروع قانون مناهض للانفصالية الدينية، حيث يتم تشجيع الاستخبارات الفرنسية على إحياء خلية (سارومان)، الوحدة المشتركة بين الوكالات، والمكرسة لمراقبة الأنشطة الإسلامية". 

وحدة سارومان

"سارومان" هو اسم لشخصية خيالية مشهورة، وردت في رواية "سيد الخواتم" للكاتب الإنجليزي جون رونالد تولكين، والتي حولت لاحقا إلى فيلم سينمائي.

في اللهجة الإنجلوسكسونية (اللغة الإنجليزية القديمة) فإن "سارومان" يعني "الرجل الماكر"، وهو ما استلهمته الحكومة الفرنسية لتفعيل وحدة الاستخبارات الجديدة، في إطار موجة تصاعدية من الإسلاموفوبيا تميز بها عهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. 

وتستعد فرنسا بعد إقرار قانون "النزعات الانفصالية" بالقراءة الأولى في 16 فبراير/شباط 2021، إلى اتخاذ حزمة إجراءات تعسفية ضد المسلمين ومؤسساتهم الدينية وتشديد الرقابة على المساجد، مستخدمة في ذلك وحدة "سارومان".

فما طبيعة هذه الوحدة؟ وما هو دورها؟ وما هي المؤسسات الأمنية التي تتعاون معها؟ وكيف سيعزز قانون النزعات الانفصالية من حملة التضيقات ضد ملايين المسلمين في فرنسا؟ 

بإقرار القانون، تصبح "سارومان" على وشك الانطلاق، حيث ذكرت "إنتيليجنس أونلاين" أن الخلية تعد إحدى وحدات الاستخبارات المشتركة، والتي ستجمع في علمها التعاون بين أجهزة الاستخبارات الرئيسة، بما في ذلك وكالتي الاستخبارات الخارجية والداخلية في فرنسا ومديرية الاستخبارات العسكرية، وجهاز الاستخبارات المالية الفرنسي".

وأوردت: "سوف يتم ربط سارومان، بوحدة الاستخبارات المشتركة الجديدة الأخرى (هونفلير)، التي أنشأتها السلطة التنفيذية، في الأمور المتعلقة بمكافحة التلاعب بالمعلومات".

وأضافت: "تتمثل مهمتها في تحديد الشبكات المالية والسياسية والتأثيرية التي تعمل في إطار الإسلام الفرنسي".

ومما جاء أن: "أحد أحدث الطلبات الحكومية، تتمثل في الحصول على معلومات استخباراتية عن شبكات الإسلام التركي في فرنسا". 

تمييز ديني

ليس أبلغ على تمييز نظام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ضد المسلمين، من تصريحات وزير داخليته جيرالد دارمانان خلال افتتاح المناقشات في الجمعية الوطنية الفرنسية، يوم 16 فبراير/ شباط 2021، عندما قال: إن "بلدنا يعاني من نزعات انفصالية، أولها التطرف الإسلامي الذي ينخر وحدتنا الوطنية".

واعتبر أن مشروع القانون وتفعيل خلية سارومان، "يطرح استجابات ملموسة للانعزال المرتكز على الهوية ولانتشار الإسلام المتطرف الذي يمثل أيديولوجيا معادية للمبادئ والقيم المؤسسة للجمهورية".

ووصفت وسائل إعلام فرنسية مثل موقع "فرانس 24" الرسمي، قانون "النزعات الانفصالية" ضد المسلمين أنه يتشابه مع قوانين مهمة على غرار قانون 1905 الذي كرس الفصل بين الكنيسة والدولة ويعتبر عماد العلمانية الفرنسية.

ومن أبرز تداعيات القانون، وجود وحدة "سارومان" الاستخباراتية، ووضع آليات جديدة لتمويل أنشطة الجمعيات والمراكز الإسلامية، وفرض رقابة صارمة عليها. 

وفي 13 فبراير/ شباط 2021، تظاهر نحو 200 ناشط حقوقي وأعضاء جمعيات مسلمة دفاعا عن حق المسلمين في أن يكونوا مواطنين كالآخرين، وضد تمييز الحكومة الفرنسية ضدهم واستحداث قوانين مناهضة لأنشتطهم. 

ويواجه مشروع القانون ووحدة "سارومان" انتقادات بسبب استهداف المسلمين في فرنسا، وفرض قيود على كافة مناحي حياتهم، وتشويههم بإظهار بعض الحوادث التي تقع بشكل نادر وكأنها مشكلة مزمنة وشاملة على المسلمين.

ووفق إحصاءات مركز الأبحاث الأميركي "بيو" للعام 2020، تعد فرنسا من أكبر الدول الأوروبية من حيث حجم الجالية المسلمة، ويعيش فيها نحو 5.7 ملايين مسلم، بما يشكل 8.8 بالمئة من مجموع السكان.

وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نشرت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية، تقريرا عن منهجية الرئيس الفرنسي المعادية للمسلمين، وقالت: إن "إحدى القضايا التي أثارت جدلا واسعا تتمثل في أنه في أكثر من مناسبة بدا أن ماكرون يوجه خطابه إلى جميع المسلمين الفرنسيين وليس إلى المتطرفين الذين يشكلون جزءا بسيطا من المجموع".

وبشكل عام، يشارك معظم المسلمين في فرنسا حياتهم اليومية مع بقية السكان، ويختلطون بالفرنسيين غير المسلمين، وفق الصحيفة.

وأضافت: أن "أصول جزء كبير من المسلمين المهاجرين إلى فرنسا تعود إلى المستعمرات السابقة، خاصة المغرب والجزائر، حيث كانت فترة الاستعمار في السنوات الأخيرة موضع تساؤل من وجهات نظر عديدة. في الوقت نفسه، يتزامن هذا الخطاب مع التراجع الذي تعيشه أوروبا والغرب بشكل عام". 

 

رفض واسع

خالد رزاق، وهو طالب بإحدى الجامعات الفرنسية، قال لـ"الاستقلال": إن "السنوات الماضية شهدت تصاعدا لظاهرة الإسلاموفوبيا في فرنسا تحديدا، وجزء أساسي منها يرجع إلى سياسة الحكومة، والرئيس إيمانويل ماكرون، وخطاب اليمين المتطرف، فوزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، أشد تطرفا ضد المسلمين من زعيمة اليمين مارين لوبان". 

وأضاف: "المسلمون أو لنكن أكثر دقة المؤسسات والجمعيات الإسلامية، حتى قبل استحداث وحدة (سارومان) تخضع لرقابة أجهزة الاستخبارات والأمن في فرنسا، وجميع الأنشطة مراقبة، والفعاليات والتجمعات الكبرى للمسلمين في الأعياد والمناسبات، تحصل على تصريحات حكومية".

 فما الجديد الذي ستقدمه هذه الوحدة إذن، إلا وجود إجراءات متشددة غير معتادة، وفق تقدير خالد رزاق. 

وأردف: "نحن كطلبة مسلمين داخل الجامعات نتعاون مع الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا، الذي يؤدي دورا عظيما في مواجهة العنصرية ضد المسلمين، ويحاول أن يتجاوز أجواء الكراهية".

ويرى أن "على المنظمات الإسلامية في فرنسا أن تتجه لمؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الحقوقية، وتكون أكثر فاعلية لوقف الوضع الراهن، وحتى لا يتطور بطريقة لا يمكن التعايش معها". 

ويذكر أنه سبق لماكرون في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أن دعا إلى التصدي لما أسماه "الوحش الإسلامي"، و"الإرهاب الإسلامي" عبر "مجتمع يقظ" و"معركة دون هوادة"، ما أثار غضب مسلمي العالم بشكل عام وفرنسا بشكل خاص.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، انتقادات شديدة لماكرون قائلا: "الرئيس الفرنسي تحدث عن الإرهاب الإسلامي في قمة الناتو (حلف شمال الأطلسي)، أخبرته بأن الإسلام يعني السلام. كيف تستطيع جمع الكلمتين، السلام والإرهاب، باستخدام مصطلح الإرهاب الإسلامي؟".

التطرف الفرنسي

الداعية الإسلامي نور الدين علي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وإمام أحد المراكز الإسلامية في ألمانيا، يقول إن "هناك مخاطبات ومناشدات لتوحيد عمل المؤسسات الإسلامية في أوروبا لوقف العنصرية المتزايدة ضد المسلمين، وبخاصة من بعض الحكومات".

وأضاف لـ"الاستقلال": "نحن بدأنا نتجاوز العنصرية من قبل أحزاب ومنظمات متطرفة تقوم بالهجوم على مساجد ومقابر المسلمين، كحوادث متكررة شبه يومية، إلى حكومات دول كبرى مثل فرنسا والنمسا على وجه الخصوص، يستهدفون المسلمين تحت ذريعة الإسلام السياسي". 

وأضاف: "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والاتحاد الإسلامي التركي، وغيرهم يعملون بقوة على مجابهة تلك القرارات والقوانين المجحفة، لا سيما في فرنسا التي تضم أكبر وجود للمسلمين".

وهنا يرى أنه "إذا نجحت حكومة ماكرون في حربها ضد المسلمين هناك، فستكون نموذجا معمما في سائر أنحاء القارة، وستنتهج حكومات دول أخرى نفس الطريقة".

وشدد علي: "أنشطة المسلمين في مساجدهم ومحافلهم هي بالفعل تحت أنظار الأنظمة ومؤسسات الدول، ولا تعمل في بؤر ظلامية، والمسلمون جزء أساسي فاعل في مجتمعاتهم، ولا يعملون بشكل منفصل، كما يدعي ماكرون وحكومته".

وتابع: "وهناك مسلمين أصبحوا وزراء ومسؤولين نافذين في بعض الحكومات، ومنهم من نجح في انتخابات الولايات، ومنهم من أصبحوا عمدا لمدن أوروبية كبرى مثل لندن في بريطانيا".

وأردف: "لكن في الوقت نفسه على المسلمين المحافظة على هويتهم الدينية، فهم لهم عادات وتقاليد مثل سائر الأديان، وهو حق مكفول لليهود والكاثوليك والبروتستانت، وحتى أصحاب الديانات غير السماوية، مثل البوذيين والهندوس، وكل هؤلاء لهم أنشطة وتجمعات".

 فلماذا يسعى ماكرون إلى تلك الإجراءات، التي لا تأتي إلا في سياق العنصرية وتصاعد الإسلاموفوبيا، ومداعبة خيالات المتطرفين من اليمين لكسب أصواتهم في الانتخابات؟، يتساءل علي.